::{ مجالس قبيلة هذيل }:: موقع يهتم بتراث القبيلة ومفاخرها - جريدة عكاظ : القرية الطيبة و الجمال النفسي

الطريق إلىالسيل الكبير .. ذاكرة قديمة وأحلام معلقة

اليـمانيـة ..قرية الهاربين من مكابح الشاحناتhttp://www.okaz.com.sa/okaz/myfiles/...18/b94-big.jpg

جولة وتصوير: حسين الحجاجي
كانت هناك نخلتان.. احداهما شرقية و تسمى نخلة الوادي الشامية
والاخرى غربية وتوصف بنخلة الوادي اليمانية.
ماتت النخلتان وبمرور الزمن عرف المكان باليمانية ؟
وظل الاسم الموجود حاليا على اللوحات الارشادية يطالعه اي عابر لطريق السيل الكبير خلال التوجه للطائف أو الرياض .
لكن اللوحات العريضة لا تحكي إلا الاسم فقط في حين تحتضن اليمانية حكايات أخرى، فالاهالي هناك يختزنون قناعة تجعلهم يتمسكون ببيوتهم الشعبية و يمتلكون موروثا نقيا من الأجداد عنوانه صفاء السريرة و صدور لا تحمل إلا الحب.
فالقادم أو العابر أيا كان يحتل سواد عيونهم و يحظى بحفاوة كرمهم و تراحيب بيوتهم رغم بساطتها، وفي ذلك الموقع المليء بذكريات الاجداد يجتمع الاحفاد في تواصل حميمي، تذوب فيه الفوارق، وتختلط فيه المعاناة حتى لايرى صاحبها، بعدما رفض الجميع ان تنال من احدهم فيقتسمونها ويعدونها كمعاناة جماعية.
اليمانية.. قرية الطيبة و الجمال النفسي بلا تكلف أو مواربة، فإن دعاك أحد سكانها فثق أن دعوته من قلب نظيف، و إن قدم أحدهم لك و لو فنجان قهوة أو شاي فلا يجب أن ترده، فلا مجال لذلك لانه لا يليق رد الكريم وأهالي اليمانية عنوانهم ذاك الكرم.
وسط المعاناة
البيوت هناك تقطن بين الجبال و تمتد طرقاتها بين الشعب و الأودية، لكنها للاسف طرق لم يكن لها حظ في سائر الخدمات، تماما مثلما حال طلبات الاهالي المتواضعة التي لم تحظ يوما ما حتى بالرد، بل يجدون انفسهم مترنحين من آثار التملص فتارة يوجهون لمكة المكرمة و تارة يقال لهم توجهوا للطائف، ولعل تلك إحدى همومهم و سبب في بقاء احتياجاتهم حتى وقتنا الحاضر بلا تنفيذ.
وبالمنظور الجغرافي فاليمانية تبعد عن مكة المكرمة ( 75 ) كيلو مترا فيما تبعد عن الطائف ( 60 ) كيلو مترا.
المسافتان في الاتجاهين المختلفين تستنزف ( تعبا ) و تستهلك ( جيوبا ) بالكاد تجد قوتها و تحبط الكثير والكثير من الاماني و التطلعات.
هناك ثلاثة آلاف نسمة يتجمعون و يتناثرون ، رغم انهم يشتركون في الحلم الواحد و كما يقولون فان ( العشم يملأ الصدور )، وسيأتي اليوم الذي يلتفت لمطالبنا ولو بعد حين، وحين تحين اللحظة التي سينظر فيها لمطالبنا، وسننعم مثل الاخرين ببعض الخدمات الضرورية.
تلك الروح المتفائلة أحسست بها خلال مروري في اليمانية، وسكانها يتحدثون عن همومهم بروح التطلع لا بأنفاس التذمر أو اليأس.
الهروب من القرية
عبيدان عبيد سند الهذلي.. شاب مثقف و أحد أبناء اليمانية لايزال يرفض إغراءات المدن من خلال التمسك بعدم الابتعاد عن مسقط رأسه، بالرغم من الوضع الصعب الذى بدأ في سرده، قائلا ان مساكن الاهالي تمتد الى الجزء الغربي من اليمانية وتجاور البيوت المنطقة السفلية للطريق ( النازل ) من ( البهيته )، والمتجه من السيل الكبير الى مكة المكرمة، والنزول من هذا المكان خطر جدا، خاصة ان أغلب السيارات العابرة للطريق شاحنات بكافة أنواعها، قادمة من الطائف والرياض والمنطقة الشرقية وحتى الخليج العربي. والمشكلة ان الموقع شديد الانحدار مما يتسبب في فقدان الشاحنات سيطرتها على المكابح او ما يعرف بالفرامل، ويتعذر على قائدها بالتالي إيقافها متى حاول، وفي غالب الاحيان لا يكون أمامه سوى الاستسلام فتتجه الشاحنة مندفعة نحو المنازل، ولطالما عايش الاهالي مثل هذه الحوادث التي باتت متكررة سواء كان ذلك في الليل أو حتى في النهار.
ويضيف الهذلي ان هذا الوضع حتم على السكان الهروب من منازلهم.. ففي الليل يلجأون الى الجبال لكي يخلدوا للنوم في أمان بعيدا عن مخاطر فرامل الشاحنات، و بعضهم قد يلجأ للمبيت عند أقاربه القاطنين في أطراف القرية.
والملفت للنظر ان كل منهم اختار أحد الاشجار الظليلة ليتخفى ورائها،رغم يقينه ان الاشجار لا توقف الشاحنات، الا انهم يعزفون على وتر ( ظل شجرة، ولا ظل شاحنة ).
حماية متهالكة
حينما يأتي المساء يمكنك أن تشاهد هذا الوضع بصورة واضحة، ولطالما شكا الاهالي هذا الوضع للمسؤولين في مكة المكرمة، والذين اقتصر تجاوبهم على وضع قطع من الصبات الخرسانية لا يمكنها ان توقف اندفاع سيارة صغيرة ناهيك عن اندفاع شاحنة سواء كانت فارغة او محملة، خاصة ان الصبات يسهل تهشمها و تناثرها مع اول حادث، كما أنها لم توضع امام المنازل بصورة مدروسة وإنما بشكل لا يحقق الحماية لاي منها.
والمعروف في المنطقة ان مساكن القرية أقدم من الطريق، والذي لم يراع عند سفلتته بعده عن البيوت، فامتد حتى لاصقها.
والمشكلة حسب وصف الهذلي.. أن المسؤولين في مكة المكرمة لم يستوعبوا حجم الكارثة التي يمكن أن تقع (لا سمح الله )، والتي كادت ان تحدث قبل أسبوعين تقريبا عندما فقد أحد سائقي هذه الشاحنات ( الفرامل ) أثناء نزوله من ذلك المكان، وشاءت ارادة الله عز وجل ان يوفق السائق في الاتصال على الدوريات الأمنية و ابلاغها بحاجته للمساعدة في إخلاء الطريق أمامه، فبادرت الدوريات الأمنية بسرعة في فتح الطريق و إبعاد السيارات الأخرى، وتمت متابعته حتى الجسر المؤدي الى جدة حيث خفت سرعة السيارة، فيما قام قائد الشاحنة بالسيطرة عليها من خلال تعمد احتكاكها في المصدات الاسمنتية على جانب الطريق حتى توقفت تماما، لتتفادى المنطقة كارثة بفضل من الله.
ويقول الهذلي.. صحيح ان السائق نجح في الاهتداء الى التصرف السليم، لكن هل كل قائدي الشاحنات سوف يسعفهم الوقت أو الظرف للتصرف مثل هذا السائق ؟
مشكلتنا بحاجة للوقوف عليها و مشاهدتها على أرض الواقع وهذا مع الاسف لم يتم من قبل أي مسؤول مختص.
مطالب مهمشة
اما عابد عبيد السعيدي الهذلي المعلم الذي اعتاد تبني هموم قريته و التصدى لها ونقلها الى القطاعات الحكومية المختصة يصف التجاوب مع المعاناة المستمرة بانها ( صفر ) ان صح التعبير.
ويقول بكل أسف لم اجد اذنا صاغية تستجيب و تتفاعل معي، وبعد كل تلك المسافة التي أقطعها باتجاه مكة المكرمة إبتداء من أمانة العاصمة اعود منها ( خالي الوفاض ) تارة بالتسويف واخرى بالرفض و ثالثة بالادعاء بعدم الاختصاص او التبعية لمكة المكرمة إنما للطائف.
ويضيف.. نتبع مكة المكرمة لوقوعنا قبل جسر نقطة التفتيش، ومعروف ان حدود مكة المكرمة الادارية تنتهي قبل الجسر، وبذلك يكون ما بعد الجسر تابع للطائف، لكن المشكلة عندما نراجع الطائف يرفضون استقبال أي شكوى أو مطالب بحجة تبعيتنا لمكة المكرمة.
كهرباء بالاف الريالات
فيما الأغرب هنا أن جميع المدارس تابعة لمكة المكرمة، في حين ان الكهرباء تابعة للطائف، مضيفا ان هناك مشكلة في تأخر وصول فواتير الكهرباء، مما يسبب للسكان حرجا كبيرا من خلال تراكم المستحقات بالصورة التي يعجز عن سدادها الاهالي، خاصة ان التراكم يصل الى ستة او سبعة آلاف ريال الامر الذي يعجز الجميع عن السداد، ولو كانت ظروفهم تسمح بسداد مثل هذا المبلغ لاختاروا الرحيل الى موقع اخر اكثر أمنا من مخاطر الشاحنات، وتتوافر فيها أبسط أنواع الخدمات، كما أن تأخر تلك الفواتير ينتج عنه الدخول في نظام الشرائح الخاصة بشركة الكهرباء ؟
معوقات التعليم
ويعترف عابد ان وزارة التربية و التعليم تسعى إلى نشر التعليم و تسهل الوصول بالتعليم لجميع السكان أينما كانوا بل و امتدت الجهود الى تعليم الكبار ووضعت للجميع ما يكفل تعليمهم بأيسر الطرق و تزيح عنهم العقبات،لكن الذي يحدث في اليمانية العكس تماما، ولا يمكن تخيل ان منطقة ما داخل المملكة لا يوجد فيها سوى مدرستين ابتدائية و متوسطة ولا وجود للمرحلة الثانوية سواء للبنين أو البنات، وازاء الوضع يضطر الاهالي لاستئجار سيارة لنقل الطالبات لاكمال الدراسة في الزيمة والتي تبعد حوالى 35 كيلو مترا بمعنى 70 كيلو ذهابا و إيابا .
أما الطلاب فيذهبون الى سوله و التي تبعد ( 45 ) كيلو أي ( 90 ) كيلو مترا يوميا .
والمشكلة أن نقل الصغار يكلف الاسر 300 ريال شهريا للطالب الواحد، مما يعد ارهاقا ماديا لا يتحمله الاهالي خصوصا اذا اضيف الى الانواع الاخرى من الاستنزاف المادي.
توقف البدل
ويقول عابد.. تخيل أب أو أسرة لديها أكثر من ابن و ابنه في التعليم الثانوي، كيف تتدبر أجور نقلهم على الأقل كان سابقا يصرف بدل اغتراب إلا أنه توقف و طالما تم إيقافه فلماذا لا تبادر وزارة التربية والتعليم إلى تخصيص حافلات نقل كنوع من تسهيلات التعليم و المساعدة للأهالي و خصوصا أن أغلبهم يعيش على الضمان الاجتماعي و كافة مصاريفهم المادية يتم ترحيلها على ذلك الضمان ابتداء من البقالة و انتهاء بوايت الماء، و لعل هذا يجعل بعض الأسر التي لا مورد أو رب أسرة أو عائل لها تتوقف عن إرسال أبنائها أو بناتها لاستكمال تعليمهم، مما يعزز من وجود الامية بين السكان، ولعل فكرة تخصيص حافلات من قبل الوزارة سوف يحل المشكلة أو يمكن حلها كليا بفتح مدارس للمرحلة الثانوية طالما أن هناك أعدادا من الطلاب يتخرجون سنويا من المرحلة المتوسطة، وبكل أسف طالبنا بذلك لكن لم يلتفت لمطلبنا أحد، بالرغم من المبررات التي أوردناها حيال تعرض الابناء للحوادث المرورية على الطريق الذي ترتاده الشاحنات بكثافة مرعبة.
السفلتة الغائبة
شوارع اليمانية ليست سوى طرق ترابية تكثر فيها الصخور والأحجار لأنها غير ممهدة بصورة تسمح للسيارات بالسير فيها بصورة طبيعية، وصحيح أن الشق الشرقي الرئيسي من اليمانية تم سفلتته الا ان الطرق الفرعية بين المنازل بلا سفلتة أو اهتمام .
أما السكان في الجهة الغربية فلا اي عنوان للسفلتة والسير نحو المنازل مما يتلف السيارات او بالاحرى يعطلها تماما.
كما كثرت السرقات في القرية خصوصا بالنسبة للأغنام و المواشي عموما.. ويطالب الاهالي بتكثيف الدوريات للحفاظ على ( الحلال )، وحسب عابد فان السرقات في ازدياد.
لدغة والقبر
و يتوقف عابد الهذلي أمام تلك الصخور المتناثرة حول منازلهم ليقول هنا تختبئ الكثير من الثعابين و العقارب و الحشرات الاخرى، تختبئ لتبدأ في التحرك في مثل هذا التوقيت من الصيف بسبب حرارة الطقس، الامر الذي يهدد سلامة الاهالي ويؤدي الى الكثير من الاصابات،
مضيفا.. لا أتحدث عن المرضى و الحالات الطارئة فهذه معاناة أخرى لكن أتكلم عمن ينهشهم ثعبان أو تلدغهم عقرب فيسري السم في أجسداهم و تصبح مسألة الحياة و الموت بالنسبة لهم مسألة دقائق معدودة، لان أقرب مركز رعاية صحية يبعد عن اليمانية حوالى الـ( 50 ) كيلو مترا، ورغم ذلك لا يعمل طيلة اليوم، بل خلال فترة دوام ثم يغلق ابوابه و بالتالي إن حدثت مثل هذه الاصابات خلال الليل فالحل الوحيد امام المصاب الانتظار حتى الوصول الى مكة المكرمة والتي تبعد عن القرية 75 كيلو مترا.
والسبب أنه لا يوجد لا في القرية ولا حتى جوارها مركز صحي أو مركز للهلال الاحمر، و لعل المعاناة تلك تسببت في وفاة طفل لدغه ثعبان ، بعدما تأخر اسعافه.
وقال.. توفي الطفل في الطريق خلال نقله الى مكة، وطول المسافة وعامل الوقت لم يكن في صالح احد.
ويضيف فلاح صالح السعيدي ان مطالب الاهالي كثيرة منها فرقة للدفاع المدني على الأقل في طريق ( السيل )، وحتما سوف تخدم القرية بالاضافة الى الطريق الرئيسي، وهذا أفضل من انتقال فرقة الدفاع المدني من الشرائع بمكة المكرمة أو من السيل الكبير لان المسافة طويلة يصعب معها انقاذ ما يمكن انقاذه.

المصدر : عكاظ