![]() |
( هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلا)؟!!!
الحمد لله على نعمة الإسلام والتوحيد ، وأشهد أن لا إله إلا الله الحميد المجيد ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله الله رحمة للعبيد ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الوعيد ، أما بعد :
يقول الله تبارك وتعالى : (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (29) " الزمر " ، ففيه هذه الآية يضرب الله مثلا يُبيّن فيه فضل التوحيد على العبد ، من راحة القلب والبدن ، وشؤم من جعل لنفسه أسياد ومألوهات متعددة فهو في همٍّ متى أرضى هذا انشغل في إرضاء آخر وهكذا ، فقلبه مشتت يمنة ويسرة ،يرجو النفع من هذا ، ويخاف الشر من ذاك ، أما صاحب التوحيد فقلبه معلق بإله واحد حق ، فمتى أرضى الله أرضاه الله ، يخافه ويرجوه ، ( إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ) ، وبيان الحال يكفي عن كثرة المقال : قوله تعالى : (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا) : أي للعبد المشرك والموحد ، وفي ضرب الله للأمثال ، تقريب المعنى المراد إيصاله للعقول والأذهان وبيانه . (رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ ) :وهذه صورة للعبد المشرك بالله عز وجل ، مثل الله حاله بحال عبد يملكه شركاء عدة ، وهؤلاء الشركاء مشاكسون ، أخلاقهم وطبائعهم تختلف يتجاذبونه في مهماتهم المختلفة فهو حائر بينهم ، وفي نصب وشقاء وتعب ، فكلٌ من شركاءه يدّعي أنه عبدٌ له فإذا احتاج أحد منهم أمرا يتدافعونه ويأمرونه فيحتار أيهم يرضي ، فلا يلقاه أحد منهم إلا جرّه واستخدمه فلا يستطيع أن يؤدي ما عليه لتعاسر مواليه وسوء أخلاقهم ، وكثرة حقوقهم عليه ، فإذا أرضى هذا غضب هذا ، فحينئذ لا يدري يعتمد على من ؟! ، وقيل التشاكس الليل والنهار أي التضاد : فهولاء الشركاء متضادون كل يريد أمرا عكس الآخر ، فيا لها من حيرة ، فلن يستطيع أن يرضي أحدا ، وهذه حال القبوريين في عبادتهم للقبور ، كل واحد منهم له ضريح خاص يتقرب إليه بنوع من أنواع العبادة وكل طريقة من الطرق الصوفية لها شيخ اتخذه مريدوه ربا من دون الله يشرع لهم من الدين ما لم يأذن به الله ، فقلبه مأسور بين يدي هؤلاء . فمتى قدم نذرا أو ذبح لهذا الصنم أو هذا القبر ، فهو يفكر ما يصنع للآخر فتجده خائفا من هذا فيذبح له ، ويرجو هذا ويذبح له ، ولا يدري أيطلب الرزق والرفق والمغفرة من هذا أم من هذا وهكذا فهو في هم وغم دائم ، نسأل الله العفو والعافية في الدنيا والآخرة . (وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ ) : وهذه صورة الرجل الذي سلم من الشرك وخلص لله وحده ، فهذا الرجل خلص لرجل واحد لا يشركه معه أحد ، فهو سالم من التنازع والحيرة فليس له إلا واحد يطيعه بخلاف الذي يملكه شركاء فهذا الرجل يعرف مطالب ومقاصد ورغبات مالكه فهو على منهج واحد صريح ، بخلاف من يملكه الشركاء فكل واحد منهم له رغبة وقصد وطلب . (هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا) : هذا استفهام إنكاري ، هل يستوي هذا العبد الذي يتجاذبه شركاءه يمنة ويسره ولا يستطيع إرضاءهم جميعا، فهو في حيرة وتعب وشقاء لا يدري إلى أي جهة هو صائر ، مع ذاك الذي ليس له إلا مالك وسيد واحد يقوم له بما يأمره به دون تحير قلب ، ولا انشغال بال ،يعرف ما هو عليه ، الجواب : لا يستويان . ( الْحَمْدُ لِلَّهِ) : على بيان الحجة وإقامتها عليهم ، فهو المستحق للحمد وحده بلا شركاء ينازعونه في ذلك . ( بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) : لا يعلمون أن الله هو المستحق للعبادة وحده وأن الإطمئنان وراحة القلب والبدن في طاعة الله وحده ، فلذلك هم يشركون لعدم علمهم بفضل التوحيد وأثره على من أنعم الله عليه به . ما يستفاد من هذه الآية : 1ـ بيان الشرك وخطره . 2 ـ بيان التوحيد وفضله . 3ـ أن التوحيد سبب للسلامة من التمزق والتشتت والاختلاف والحيرة للنفس والمجتمع . 4ـ بيان لفظ الإسلام ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه اللّه تعالى- في : " اقتضاء الصراط المستقيم : 2 / 376- 0 38" : "ولفظ الإسلام : يتضمن الاستسلام والانقياد ، ويتضمن الإخلاص ، من قوله تعالى- : { ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ } [ الزمر / 29] . 5ـ الحرية في أن نكون عبيدا لله وحده ، لأن هذا هو الأصل، فحينما يكون هناك اطمئنان للقلب وراحة للبال تكون حرا فحرية القلب أعظم من حرية البدن ، أما أن تكون عبدا لغيره حيران تائه لا تدري أنت تحت تصرف من ، فحينما يكون القلب أسيرا فأسره أعظم من أسر البدن ، فهذا هو الاستعباد والهوان ، قال ابن تيمية رحمه الله: (.. فإن أسر القلب أعظم من أسر البدن، واستعباد القلب أعظم من استعباد البدن، فإن من استُعبِد بدنه واستُرِق، لا يبالي إذا كان قلبه مستريحا من ذلك مطمئنا، بل يمكنه الاحتيال في الخلاص، وأما إذا كان القلب-الذي هو الملك-رقيقا مستعبدا لغير الله، فهذا هو الذل والأسر المحض.. فالحرية حرية القلب، والعبودية عبودية القلب...-إلى أن قال-: وكذلك طالب الرئاسة والعلو في الأرض، قلبه رقيق لمن يعينه عليها، ولو كان في الظاهر مقدمهم والمطاع فيهم... فهو في الظاهر رئيس مطاع، وفي الحقيقة عبد مطيع لهم..) [مجموع الفتاوى: (10 / 186-189).] . هذا والله تعالى أعلم ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . |
رد: ( هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلا)؟!!!
جزاك الله الف خير وجعلها في موازين حسناتك
تقبل مروري وشكري اخوك الحجاج |
رد: ( هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلا)؟!!!
بارك الله فيك أخي الحبيب
على هذا التوضيح والبيان حقيقة لا أخفي إعجابي بما تخطه يمينك عسى ان يكون ماتكتب في ميزان أعمالك وأن يبيض الله وجهك يوم يبيض وجوه وتسود وجوه |
رد: ( هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلا)؟!!!
صلى الله وسلم على خير خلق الله نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته الحرية في أن نكون عبيدا لله وحده ، لأن هذا هو الأصل، فحينما يكون هناك اطمئنان للقلب وراحة للبال تكون حرا فحرية القلب أعظم من حرية البدن ، أما أن تكون عبدا لغيره حيران تائه لا تدري أنت تحت تصرف من ، فحينما يكون القلب أسيرا فأسره أعظم من أسر البدن ، فهذا هو الاستعباد والهوان .. جزاك الله كل خير . |
رد: ( هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلا)؟!!!
بارك الله فيك الحقيقه موضوعك مميز وكأن الكاتب الشيخ العلامه عبدالرحمن بن حسن (صاحب فتح المجيد).
إسلام الوجه لله والخلوص من الشرك غائبه عن كثر ممن يدعي الأسلام اليوم فتجدهم يدعون من دونه شركاء وينادونهم ويخافونهم اشد من خوفهم من الله ويقولون انا في حسبك ياسيدي فلان الحقيفه إنه لن يدخل احد الاسلام حتى يتبرأ من الشرك وأهله . |
رد: ( هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلا)؟!!!
الله يجزاك خير وبارك الله فيك
وأسأل الله العظيم أن يجعلها في موازين حسناتك |
الساعة الآن 02:49 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir
الحقوق محفوظة لشبكة هذيل