![]() |
(إنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ) " مهم جدا "
(إنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ )
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونـسـتـغـفـره، ونعـوذ بالله مــن شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسـلــم وعـلــى آله وصـحـبه أجمعين، أما بعد: فــلا ريــب أن الـلـجـوء إلى الله تعالى فطرة فطر الله العباد عليها، وهو أمر معلوم من الدين بالضرورة، كـمــا أن الدعاء عبادة عظيمة تُعد من أجلّ الطاعات وأفضل القربات، بل عده النبي هو العبادة كـمــا روى ذلـك أبـو داود وغيره من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه مرفوعاً: »الدعاء هو العبادة، قال ربكم ادعوني أستجب لكم«،ومادام أنّ الدعاء عبادة فإنه يشترط لقبوله شرطان: الأول: الإخلاص، فلا يدعو العبد إلا ابتغاء وجه الله لا رياءً ولا سمعةً. والثاني: المتابعة: أي يقتفي فيه طريقة وهدي محمد صلى الله عليه وسلم . فإذا اختل واحد من هذين الشرطين فإن العمل يكون باطلاً مردوداً على صاحبه كائناً من كان؛ لحديث عائشة رضي الله عنها في «الصحيحين» قالت: قال عليه الصلاة والسلام: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» ولمسلم: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد». وقد تظافرت النصوص من الكتاب والسنة في طلبه والثنـاء على أربابه وهذا أمر معلوم لكل أحد. إلا أن هذه العبادة الشريفة التي تقـــرب الـعـبـد إلى ربه تبارك وتعالى قد يشوبها ما يجعلها موجبة لمقت الله عز وجل وغضبه. قال الله تـعالى ((ادعوا ربكم تضرعاً وخُفْيَةً إنه لا يحب المعتدين))(2) فهذه الآية تضمنت الأمر بالـدعــــاء بالوصفين المذكورين أولاً، كما تضمن ما يدل على النهي وذلك في قوله (إنه لا يحب المعتدين) فهذا يدل على النهي عن الاعتداء في الدعاء. وحقيقة الاعتداء: مجاوزة حدٍ ما، وقيل: تجاوز الحد في كل شيء. وقد تقاربت أقوال العلماء في بيان معناه هنا - أي الـمـتـعلق بالدعاء - وذلك عند تفسيرهم لقوله تعالى (إنه لا يحب المعتدين) (2). فقال ابن جرير رحمه الله: »إن ربكم لا يحب من اعتدى فتجاوز حده الذي حده لبعاده في دعائه وفي غير ذلك من الأمور«. وقال الطرطوشي: »يعني المجاوزين في الدعاء ما أُمروا به« ، وقال القرطبي: »والمعتدي هو المجاوز للحد ومرتكب الحظر«. ولما كان هذا الأمر - أعني الاعتداء في الدعاء - يكثر وقـوعــــه، رأيت أن الحاجة ماسة للحديث عن هذه الآفة ليحذرها المسلم. حديث النعمان بن بشير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"الدعاء هو العبادة"(2) وفي حديث أنس: "الدعاء مخ العبادة"(3) وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "الدعاء سلاح المؤمن وعماد الدين"(4)، وبهذا نعلم أن من أجاز صرفه للأموات فهو ممن يجيز دين المشركين وأن يعدل(5) لله رب العالمين. وسواء دعاه لجلب النفع ، أو دفع الضر ، أو دعاه لطلب الشفاعة ، أو ليقربه إلى الله ، أو دعاه تقليدا لآبائه أو أسلافه أو لغيرهم ، والأدلة على ذلك في كتاب الله كثيرة جدا منها قوله تعالى : }ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به{ الآية. قال الشخ صالح آل الشيخ عن مسألة الاعتداء في الدعاء : (وهي مسألةٌ مهمة جداً ينبغي لطلاّب العلم أن يعتنوا بها لأنَّ الداعي إذا اعتدى في الدعاء فإنه يأثم، والاعتداء في الدعاء سبب لردِّهْ؛ بل من أعظم أسباب ردّ الدعاء أن يدعو العبد ربّه الجليل العظيم ويعتدي ولا يتأدَّبْ وهو يدعو. وبعض البشر وهُمْ مَنْ هُمْ في ضعف شأنهم وقلة حيلتهم؛ لكنهم إذا رأوا من يسألهم ويعتدي في السؤال فإنهم لا يصبرون وربما عاقبوا وربما نَفَرُوا؛ لأنَّ من حُسْنِ أو من أسباب الإجابة حُسْنِ السؤال حتى في حق المخلوق، والله ? هو المستحق لكل أدب من عبده وتَذَلُّلٍ من عبده وحُسْنِ السؤال وحُسْنِ الدعاء؛ ولهذا مبحث الاعتداء في الدعاء مما ينبغي على كل طالب علم أن يعتني به وخاصَّةً خطباء المساجد والأئمة الذين يدعون لأنفسهم وللمسلمين في القنوت وفي غيره.اهـ . قال الشيخ صالح آل الشيخ حفظه الله : (مما ينبغي التنبيه عليه أنَّ القاعدة أن الدعاء يتحرى فيه المرء الصواب، وأن لا يكون معتديا في الدعاء، والاعتداء في الدعاء: * إما أن يكون في الطلب، يعني في صيغة الدعاء فيها اعتداء؛ ولكن يكون المطلوب طيّب. * وإما أن يكون في المطلوب، يعني في الشيء الذي سأله.اهـ . من أمثلة الاعتداء في الدعاء (1) سؤال غير الله من دون الله أو مع الله عز وجل ، وهو أعظم اعتداء في الدعاء لأنه شرك به سبحانه . (2) قول الداعي : اللهم رب القرآن . فالقرآن كلام الله صفة من صفاته ليس مخلوق ، فرب بمعنى خالق فمعنى اللهم رب القرآن أي خالق القرآن ، فعن عكرمة قال: "كان ابن عباس في جنازة فلما وُضع الميت في لحده، قام رجل فقال: اللهم رب القرآن أوسع عليه مدخله، اللهم رب القرآن اغفر له. فالتفت إليه ابن عباس، فقال: مَهْ: القرآن كلام الله وليس بمربوب، منه خرج وإليه يعود" . (3) قول السائل : اللهم إني أسألك بحق فلان أو بجاه فلان . قال الشيخ صالح آل الشيخ حفظه الله : فَكَأَنَّهُ يَقُولُ : لِكَوْنِ فُلَانٍ مِنْ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ أَجِبْ دُعَائِي ! وَأَيُّ مُنَاسَبَةٍ فِي هَذَا وَأَيُّ مُلَازَمَةٍ ؟ وَإِنَّمَا هَذَا مِنَ الِاعْتِدَاءِ فِي الدُّعَاءِ ! وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : { ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ } (1) . وَهَذَا وَنَحْوُهُ مِنَ الْأَدْعِيَةِ الْمُبْتَدَعَةِ ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلَا عَنِ الصَّحَابَةِ ، وَلَا عَن التَّابِعِينَ ، وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، وَإِنَّمَا يُوجَدُ مِثْلُ هَذَا فِي الْحُرُوزِ وَالْهَيَاكِلِ الَّتِي يَكْتُبُ بِهَا الْجُهَّالُ وَالطُّرُقِيَّةُ . وَالدُّعَاءُ مِنْ أَفْضَلِ الْعِبَادَاتِ ، وَالْعِبَادَاتُ مَبْنَاهَا عَلَى السُّنَّةِ وَالِاتِّبَاعِ ، لَا عَلَى الْهَوَى وَالِابْتِدَاعِ .اهـ . (4) سؤال الداعي منزلة من منازل الأنبياء الخاصة بهم وغير ذلك . (5) سؤال الله الإعانة على فعل ما نهى عنه . (6) السؤال خلاف ما قدره الله شرعيا و كونيا كــ : تطلب التخليد في الدنيا ، وأن يقتل الكفار ولا يغادر منهم أحدا ،وأن يجعله من المعصومين ، وقس على ذلك كثير . قال الشيخ صالح آل الشيخ : مثال ما يناقض الحكمة- مثلاً يقول القائل: اللهم دمر اليهود والنصارى أجمعين، اللهم اجعلهم كذا واجعل...إلخ، و تدميرهم بأجمعهم هذا ينافي الحكمة التي أخبرنا الله ? بها أنه يؤخر هؤلاء حتى ينزل المسيح عليه السلام، فيُسْلِمْ النصارى ويُقتَلْ اليهود. فمثل هذا الدعاء العام هذا فيه مناقضة بما أُخبرنا منا الحكمة، وفيه -مثل ما ذكرت- اعتداء في الدعاء. ولهذا كان من دعاء عمر ( وهو الخليفة الراشد والفقيه الأعلم، في دعائه أنَّهُ لم يكن يدعُ على جميع الكفار بأصنافهم من اليهود والنصارى وغيرهم، وإنما كان يدعو دُعَاءً مقيد -في القنوت- فيقول ( (اللهم عليك بكفرة أهل الكتاب الذين يصدون عن دينك ويقاتلون أولياءك). وهذا مما يوافق قول الله ? في سورة الممتحنة: ?لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ?[الممتحنة:8]. ومن البِرّ في حقهم عدم الدعاء عليهم، ومن البر في حقهم الدعاء لهم بالهداية ونحو ذلك، ثمّ قال ?: ?إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ?[الممتحنة:9]، هؤلاء هم الذين يُدْعَى عليهم و هم الذين يُنْتَصَرْ عليهم إلخ. (7) قول السائل : يا مجيب دعوة إبليس أجب دعائي . قال الشخ صالح آل الشيخ : هذا خلاف الأدب، فكونه ما يدعو إلا بهذا، هذا يدل على سوء أو على جهل؛ لأنه عليه أن يتعرض بما يناسب أنه يجيبه في الدعاء، ودعوة إبليس أُجِيْبَتْ امتحان وبلاء له لِيَعْظُمَ إثمه وإضلاله للخلق فيكون أعظم في عذابه هذا من الاعتداء في الدعاء ومن عدم الأدب مع الله . (8) قول :( ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا) في الدعاء "على قولين" . قال الشيخ صالح آل الشيخ :عدَّهُ بعض العلماء من الاعتداء في الدعاء كالقرافي في الفروق وغيره، وسبب ذلك أنَّ الله ? قال قد فعلت، والله ? أجرى هذا حُكْماً في أنه من نسي أو أخطأ فإنه لا يؤاخذه ولا يجعل عليه وِزْرَاً ?. فإذا دعوت وأنت عالم بأنَّ الله أعطى هذا فيقول هذا اعتداء لأنه أنت تدعو بشيء قد تَكَفَّلَ الله به فكأنك تقول إنَّ الله لم يتكفل به أو تشك في تَكَفُّلِ الله به. هذه وجهة القرافي ومن معه، وربما مال إليه بعض أهل العلم الآخرين. والقول الثاني وهو الصحيح أنَّ هذا ليس من الاعتداء في الدعاء لأنّ الذي عفا الله ? عنه أن يؤاخذه بالنسيان والخطأ هو المؤمن المُوَحِّدْ فهذا السائل لا يسأل بما يتعلق بإعطاء الله ? ولا بفعل الله ? وإنما يسأل أن يكون هو ممن أكرمه الله ? بالدّخول في زمرة المؤمنين الذين أعطاهم هذا الفضل والإحسان، فكأنه قال: اللهم ثبتني على الإيمان، اللهم لا تُزغ قلبي حتى لا يُؤاخَذْ بنسيانه أو بخطئه، وهذا هو المعتمد في مثل هذه المسألة.اهـ . (9) قول السائل : اللهم اسقنا شربة من يده الشريفة . فليس هناك دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي يسقي الناس، وأنه هو الذي يناولهم بيده، فالنصوص أخبرت بأنه يشرب منه، ولم تبين هل الشرب يكون بمباشرة الإنسان بنفسه أو يكون بمناولة أحد. (10) التفصيل في الدعاء كمن يذكر في الدعاء على اليهود : الدبابات والصواريخ والقنابل وغير ذلك . ففي الأثر أن عبد الله بن المغفل سمع ابنا له يقول في دعائه: اللهم إني أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنة إذا دخلتها، قال: أي بني، سل الله الجنة، وتعوذ به من النار، فإني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الدعاء والطهور" . وأخرج أبو داود من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: »كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يستحب الجوامع من الدعاء، ويدعُ ما سوى ذلك« (11) قول الداعي للمدعو له : أدام الله أيامك . قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله : " قول (أدام الله أيامك ) من الاعتداء في الدعاء لأن دوام الأيام محال منافٍ لقوله تعالي : { كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام } وقوله تعالى { وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفئِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ } " (12) تعمد السجع في الدعاء . قال البخاري رحمه الله في صحيحه: »باب ما يكره من السجع في الدعاء« ثم ذكر أثراً عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: »حدث الناس كل جمعة مــــــرة، فإن أبيت فمرتين، فإن أكثرت فثلاث مرات، ولا تمل الناس هذا القرآن، ولا ألفينك تأتي القوم وهم في حديث من حديثهم فتقـص عليهم فـتـقـطع عليهم حديثهم فتملهم، ولكن أنصت، فإذا أمروك فحدثهم وهم يشتهونه. فانظر السجع في الدعاء فاجتنبه فإني عهدت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه لا يفـعلون إلا ذلك الاجتناب«. قال الحافظ: »ولا يرد على ذلك ما وقــع في الأحاديث الصحيحة؛ لأن ذلك كان يصدر من غير قصد إليه، ولأجـل هذا يجيء في غـــايـة الانسـجام كقوله -صلى الله عليه وسلم- في الجهاد: »اللهم منزل الكتاب، سريع الحـســـاب، هازم الأحزاب« وكقوله -صلى الله عليه وسلم- : »صدق وعده، وأعز جنده« الحديث، وكـقـوله: »أعوذ بك من عين لا تدمع، ونفس لا تشبع، وقلب لا يخشع« وكلها صحيحة، قال الـغـزالي: »المكروه من السجع هو المتكلف، لأنه لا يلائم الضراعة والذلة، وإلا ففي الأدعية المأثـــورة كلمات متوازية لكـنـهــا غـيــر متكلفة«. ثـم ذكــر كلامـــــاً قال بعده: »وقد تتبعت دعوات الأنبياء والمرسلين، والمصطفين من عبادة المخـبـتـيـن، واسـتـخرجت ما وجدت في القرآن من ذلك فوجدت جميعها: (ربنا ربنا) أو »رب«، ثم أورد جملة من الأدعية الواردة في القرآن ليدلل على ذكره . قال القرطبي عند قوله تعالى : (ادعوا ربكم تضرعاً وخفية إنه لا يحب المعتدين ) :( ومنها أن يدعو بما ليس في الكتاب والسنة فيتخير ألفاظاً مفقرة ، وكلماتٍ مسجعة قد وجدها في كراريس لا أصل لها ولا معول عليها فيجعلها شعاره ، ويترك ما دعا به رسول الله صلى الله عليه وسلم،وكل هذا يمنع استجابة الدعاء )ا.هـ. (13) التغني والتلحين والتمطيط . قال المناوي: »قال الكمال ابن الهمام: ما تعارفه الناس في هذه الأزمان من التمطيط، والمبالغة في الصياح، واالاشتغل بتحريرات النغم إظهاراً للصناعة النغمية، لا إقامة للعبودية، فإنه لا يقتضي الإجابة، بل هو من مقتضيات الـــرد، وهذا معلوم إن كان قـصـده إعجاب الناس به، فكأنه قال أعجبوا من حسن صوتي وتحريري(29). (14) رفع الصوت "الصياح" . وروى : ' أنه صلى الله عليه وسلم رأى أقواما يصيحون بالدعاء ، فقال لهم : أربعوا على أنفسكم ، فإنكم لا تدعون [ أصما ] ولا غائبا ، وإنما تدعون سميعا قريبا ، وهو معكم " . قال الحسن : كانوا يجتهدون في الدعاء ، ولا تسمع إلا همسا. قال في فتح القدير : (أو يرفع صوته بالدعاء صارخاً به ). وقال الآلوسي في روح المعاني ج8/ص139: وترى كثيراً من أهل زمانك يعتمدون الصراخ في الدعاء خصوصاً في الجوامع حتى يعظم اللغط ويشتد ، وتستك المسامع وتستد ، ولا يدرون أنهم جمعوا بين بدعتين : رفع الصوت في الدعاء ، وكون ذلك في المسجد ، وروى ابن جرير عن ابن جريج : أنّ رفع الصوت بالدعاء من الإعتداء المشار إليه بقوله سبحانه (إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ.)اهـ. (15) قول الداعي : اللهم عليك باليهود ومن هاودهم . قال الفيروز آبادي في القاموس المحيط: المهاودة : الموادعة والمصالحة والممايلة ، والهوادة : اللين وما يرجى به الصلاح والرخصة .اهـ وقد هاود النبي صلى الله عليه وسلم اليهود ووادعهم وصالحهم في المدينة المنورة، كما صالح قريشاً في الحديبية. وقد سئل العلامة الفوزان: ما حكم قول بعض خطباء المساجد في نهايةالخطبة: (اللهم عليك باليهود ومن هاودهم). ألا يدخل في ذلك النبي صلى الله عليه وسلم؟ لأنه قد هاود اليهود ووادعهم، فهل هذا اعتداء في الدعاء؟ ج: (نعم، (هاودهم) هذه الكلمة معناها المصالحة، هاود معناه المصالحة،واليهود يجوز الصلح معهم،إذا كان فيه مصلحة للمسلمين، يجوز الصلح معهم كما صالحهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة، وكما صالح قريشاً في الحديبية، الصلح إذا كان من مصلحة المسلمين فإن الكفار يُصالَحون لأجل مصلحة المسلمين، هذا هو الحقّ، أما كلمة (هادوهم) معناه أنّ الرسول يدخل في هذا، وسبق أني نبهت واحد على هذه اللفظة، لكنه لم يتجنّبها هداه الله).(شريط (4) وجه (ب) من شرح الحموية 4/11/1424هـ). (16) الدعاء الجماعي . فلم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا السلف الصالح الإجتماع للدعاء إلا في اجتماعهم للصلاة ، وما عدا ذلك فهو مخالف مردود ، وهذا يكون في أمرين ، في الإجتماع من أجل الدعاء فقط ، وكذلك الدعاء بصوت جماعي ، وهذا والله المستعان كثير خاصة في صلاة العيدين تجد واحدا يكبر والآخرون يرددون خلفه ، وهذا يشبه الأثر الذي أتى عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في إنكاره على المسبحين بالحصى واجتماعهم . عن أبي عثمان النهدي قال: "كتب عامل لعمر بن الخطاب إليه: أن هاهنا قوماً يجتمعون فيدعون للمسلمين وللأمير، فكتب إليه عمر: أقبل بهم معك، فأقبل، وقال عمر للبواب: أَعِدَّ سَوْطاً، فلما دخلوا على عمر، علا أميرهم ضرباً بالسوط" (37) . (17) قول الداعي : ((اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك ويذل فيه أهل معصيتك ) . قال الشيخ محمد الفيفي حفظه الله : ففي هذا الدعاء من المحاذير: أنه فيه تزكية للنفس وكأن الداعي معصوم أو أنه لم يقع في شيء من المعاصي والخطأ. وفيه أيضا: دعاء على النفس وعلى الناس بالذل فإن الإنسان لا يخلو من الوقوع في الخطأ، فقد قال عليه الصلاة والسلام: «كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون». إن المفترض أن يُدعى للناس بالهداية فهم أحوج ما يكون إلى ذلك بدل أن يدعى عليهم، ولا أدري متى سيحصل للأمة عزّة وهداية وبعض الأئمة والخطباء ما زالوا يدعون بالذّل على من يصلون خلفهم في قنوتهم وخطبهم ؟؟ قال عليه الصلاة والسلام: « لا تدعوا على أنفسكم، ولا على أولادكم، ولا على أموالكم، فتُوَافِقُوا ساعة فيستجيب الله لكم» رواه مسلم في «الصحيح» . (18) قول بعضهم في الدعاء: (في السماء مُلكك،وفي الأرض سلطانك، وفي البحر عظمتك). وقد سُئِلَت اللجنة الدائمة للإفتاء عن هذه العبارة فكان الجواب : أما العبارة المذكورة في السؤال فتركها أولى؛ لأن فيها إيهاماً فقد يظن منها البعض تخصيص الملك بالسماء فقط، أو السلطان بالأرض فقط، وهكذا وعظمة الله وملكه وسلطانه وقهره عام في جميع خلقه) اهـ. «فتاوى اللجنة» (26/369 (. (19) قول الداعي : يا من لا تراه العيون، ولا يصفه الواصفون ...الخ) . قال الشيخ محمد الفيفي حفظه الله : جاءت هذه الرواية عند الطبراني وفيها عنعنة هشيم وهو مُدلس، وشيخ الطبراني يعقوب بن اسحاق، قال الهيثمي: لم أعرفه. «السلسلة الضعيفة» (10/128). قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في «مجموع فتاواه» (14/143) في جوابه عن حكم مثل هذا الدعاء فقال: (هذه أسجاع غير واردة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وفيما ورد عنه من الأدعية ما هو خير منها من غير تكلف. والجملة الأولى: (يا من لا تراه العيون) إنْ أراد في الآخرة أو مطلقاً فخطأ مخالف لما دَلَّ عليه الكتاب والسنة وإجماع السلف الصالح مِن أنَّ الله تعالى يُرَى في الآخرة، وإنْ أراد في الدنيا فإنَّ الله تعالى يُثنى عليه بالصفات الدالة على الكمال والإثبات لا بالصفات السلبية. والتفصيل في الصفات السلبية بغير ما ورد من ديدن أهل التعطيل. فعليك بالوارد، ودع عنك الجمل الشوارد). اهـ. وقال العلامة الفوزان عن هذا الدعاء: (أما ما ذُكر في السؤال؛ فلم يَرِد في كلام الله وكلام رسوله فيما أعلم؛ فلا ينبغي الدُّعاء به. وأيضًا في كلمة: ( لا يصفه الواصفون)! نظرٌ ظاهرٌ؛ لأنّ الله سبحانه يُوصف بما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، وربما يكون هذا اللفظ منقولاً عن نفاة الصِّفات).«المنتقى» (1/49).اهـ. (20) قول الداعي : يا من أمره بين الكاف والنون. قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في «شرح الأربعين النووية» (ص76): (وبهذه المناسبة أَوَد أن أُنبه على كلمة دارجة عند العوام حيث يقولون: يا من أمره بين الكاف والنون) وهذا غلط عظيم، والصواب: ( يا من أمره بعد الكاف والنون) لأن مابين الكاف والنون ليس أمراً، فالأمر لا يتم إلا إذا جاءت الكاف والنون؛ لأن الكاف المضمومة ليست أمراً والنون كذلك، لكن باجتماعهما تكون أمراً).اهـ. (21) قول الداعي : يا فرد يا صمد . وقد جاء في حديث: « أشهد أنك فرد أحد صمد» قال عنه البيهقي: إسناد الحديث ليس بالقوي (انظر «الأسماء والصفات» للبيهقي (116-117). * وقد سئل العلامة الفوزان: هل يوصف الله تعالى بالقِدَم؛ كأن يقول القائل: يا قديم! ارحمني! أو ما أشبه ذلك ؟ وهل الفرد من أسماء الله تعالى؟ أفتوني مأجورين. الجواب: ليس من أسماء الله تعالى القديم، وإنما من أسمائه الأول، وكذلك ليس من أسمائه الفرد، وإنما من أسمائه الواحد الأحد؛ فلا يجوز أن يقال: يا قديم! أو: يا فرد! ارحمني! وإنما يقال: يا من هو الأول والآخر والظاهر والباطن! ارحمني واهدني... إلى غيرذلك؛ لأن أسماء الله تعالى توقيفية، لا يجوز لأحد أن يثبت شيئًا منها إلا بدليل.والله أعلم). «المنتقى» (1/27). هذا ما تيسر جمعه ، الله تعالى أعلم ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . |
رد: (إنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ) " مهم جدا "
اخوي مشاري
الله يجازك بالخير |
رد: (إنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ) " مهم جدا "
جزاك الله خيرا يا مشاري
والله موضوع من أحسن ما قرأت وفيه تنبيه على أشياء مهمة جدا خصوصا هذا الدعاء ((اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك ويذل فيه أهل معصيتك ) فعلا لماذا ندعوا على العاصي بالذل، أرى أنه فيه دعوة مبطنة لتفريق المجتمع وبث الكراهية شكرا جزيلا |
رد: (إنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ) " مهم جدا "
حفظك الله
أخي الحبيب ونفع بك وبما تخطه يمينك جمعت فأوعيت |
رد: (إنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ) " مهم جدا "
أشكركم على المرور والتعقيب ، فمروركم شرف لنا .
|
رد: (إنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ) " مهم جدا "
الله يجزاك خير على التنبيه
وبارك الله فيك |
الساعة الآن 12:50 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir
الحقوق محفوظة لشبكة هذيل