::{ مجالس قبيلة هذيل  }:: موقع يهتم بتراث القبيلة ومفاخرها

::{ مجالس قبيلة هذيل }:: موقع يهتم بتراث القبيلة ومفاخرها (https://hothle.com/vb/index.php)
-   المجلس العام (https://hothle.com/vb/forumdisplay.php?f=4)
-   -   معاني سورة الفاتحة (https://hothle.com/vb/showthread.php?t=26970)

نسيم الطائف 04-13-2009 08:21 PM

معاني سورة الفاتحة
 
شرح
معاني سورة الفاتحة


أَعُوذُ بالله مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (1) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (2) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (3) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (4) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (5) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ (6) غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ (7)﴾
المقدمة
...ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يُضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادةٌ أنس بها القلب فحالفها وألفها وصدّ عن من كرهها وخالفها، وأشهد أن محمد رسول الله الذي لم يدع فسادا إلا أصلحه، ولا مُغلَقا من الأمور إلا فتحه، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وعلى صحبه وسلّم تسليما كثيرا.
اللهم إنا نعوذ بك من فتنة المقال، كما نعوذ بك من فتنة الفِعال، ونعوذ بك اللهم من العِيِّ والحَصَر، كما نعوذ بك اللهم من السّلاطة والهذر، فإن في كل منهما أدواء يعزّ لها الطبيب، وتعصي على الرفيق أعني المداوي.
حديثُنا الليلة أيها الأكارم عن آيات من كتاب الله، نحاول أنْ نلتمس فيها ومنها بعض المعاني، التي تنير القلوب، وتحيي النفوس، وتَلْقَحُ الأفهام، وتنير الأفكار.
كتاب الله -أيها الأخوان- هو الكتاب الذي أنزله الله علينا لنتدبره، أنزله الله علينا لنتفهّم آياته، أنزله الله علينا ليكون لنا عبرة بما فيه يقول الله جل وعلا ﴿أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمْ الْأَوَّلِينَ﴾[المؤمنون:68]، وقال جل وعلا في آية سورة محمد ﴿أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾[محمد:24]، وقال جل وعلا في آية النساء ﴿أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾[النساء:82]، إذن فحقّ علينا أنْ لا نقرأ القرآن قراءة الذين لا يعرفون ما تحت كلماته من المعاني العظيمة؛ المعاني التي لو كانت أُلقيت على الجبال لخرت الجبال هدًّا و لتصدعت الصخور منها، القُرَّاء؛ قُرّاء القرآن قد يكونون كثرة، ولكن من منا يتدبر، من منا يؤثر فيه هذا القرآن كما أثر في ذلك الجيل الكريم؛ جيل الصحابة رضوان الله عليهم، فأثمر فيهم قلوبا جاهدت في سبيل الله، نصرت دين الله لم تأخذها في ذلك محبة الأرض ولا محبة النساء ولا محبة الأهل ولا محبة المساكن ولا غير ذلك من المحابّ، تركوا ذلك، تركوا ذلك وتجردوا لنشر هذا الدين، لنشر ما جاء به القرآن.
وإنّ أول سور القرآن هي سورة الفاتحة؛ أمّ القرآن؛ والسبع المثاني التي أوتيها رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة أول ما نَزلت، وشُرعت بها قراءة في الصلاة، لا تصح الصلاة إلا أن تُقرأ الفاتحة في كل ركعة من ركعاتها، ثبت في صحيح مسلم بن الحجاج رحمه الله أنّ رسول صلى الله عليه وسلم قال «كلّ صَلاَة لا يَقْرَأْ فِيهَا بفَاتِحَة الكِتَابِ فَهِيَ خِدَاجٌ، خِدَاجٌ، خِدَاجٌ »، فقراءة الفاتحة ركن من أركان الصلاة، الفاتحة التي نكرّرها في كل يوم وليلة أكثر من سبعَ عشرة مرة، هل تدبرنا ما فيها من المعاني؟ أم قرأناها قراءة من يبدؤها يريد إنهاءها ؟ إنه لمن العجب، أنْ نقرأ سورة سبعَ عشرة مرة، ثم لو سألنا سائل: ما المعاني في هذه السورة؟ وما التي تفيده هذه السورة، ما الذي يفيده قوله تعالى (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)؟ ما الذي يفيده قوله تعالى (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ)؟ ما الذي يفيده قوله تعالى (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)؟ إلى غير ذلك من آيات السورة لقلنا ها ها لا ندري .
إذن أيها الإخوان كان علينا لزاما أنْ نتدبّر هذه السورة العظيمة الجليلة، التي افتتح الله بها كتابه، ونرجو أنْ ينفعنا الله جل وعلا في هذه الليلة ببعض ما ورَّثه لنا علماؤنا الأوائل وسلفنا من المعاني التي اشتملت عليها هذه السورة العظيمة.
قبل البداية في القراءة
قارئ القرآن شُرِع له أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم كما قال جل وعلا في سورة النحل ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾[النحل:98].
وهذه الكلمة (أَعُوذُ بالله مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) معناها ألتجئ وأعتصم وألتصق وبالله جل وعلا من شرّ الشيطان. (الرَّجِيمِ) يعني المرجوم؛ المطرود من رحمة الله، ألتجئ بالله وأعتصم من شر الشيطان أنْ يضرني في أمر من أمور ديني، أو أن يضرني في أمور من أمور دنياي.فإنّ الشيطان نصب نفسه لعداوتكم، فانصبوا أنفسكم لعداوته، الشيطان طلب من ربكم جل وعلا حين عصى ربه في السجود لآدم طلب من ربكم أن يؤخره إلى يوم يبعثون، فأجابه ربكم حكمة وابتلاء للناس، ولن ينجو من الناس إلا صنف واحد ﴿ قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ#إِلا عِبَادَكَ مِنْهُمْ الْمُخْلَصِينَ ﴾[ص:82-83]، إذن لن ينجوا من حبائل الشيطان إلا أهل الإخلاص، وأهل الإخلاص هم الذين استعاذوا بالله؛ بالله وحده من شر الشيطان، فإن الاستعاذة بمعناها هذا، نوع من العبادة، لا تصح إلا لله جل وعلا، ومن صرفها لغير الله فقد أشرك يقول جل وعلا في سورة الجن ﴿وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنْ الإنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنْ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا﴾[الجن:6]، أي إثما لأنهم فعلوا الشرك، فالاستعاذة هي طلب اللجوء والاعتصام بالله جل وعلا، وكان الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم يخافون أكثر ما يخافون من الوقوع في الشرك، وهم الأنبياء الذين عصمهم الله جل وعلا من الوقوع في الشرك، قال إبراهيم الخليل داعيا ربه له ولبنيه قال﴿وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ﴾[إبراهيم:35]، ومن يأمن البلاء بعد إبراهيم.وهذا نوح يقول لقومه ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾[الأعراف:59]، (اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ) و هود يقول لقومه ﴿اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾[الأعراف:65]، ثم هذا صالح يقول لقومه ﴿ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ﴾[الأعراف:73]الآيات، ثم بعد ذلك شعيب يقول لقومه ﴿ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾[الأعراف:58
والشياطين التي يستعاذ منها نوعان: شياطين الإنس وشياطين الجن.
شياطين الجن قد لا يُروا كما قال جل وعلا ﴿يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَرَوْنَهُمْ﴾[الأعراف:27] شياطين الجن مكرهم قد يخفى على كثير من الناس
وأنت تستعيذ الله من شر الشيطان الرجيم استحضر في قلبك ستعاذتك من شر أوليائه، من شر أوليائه من الإنس ومن الجن قال جل وعلا في سورة الأنعام ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنسِ وَالْجِنِّ﴾، ما أوصافهم؟ ﴿يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا﴾[الأنعام:112]، هذه صفاتهم، وتأمل هذه الصفات تدبرها، وانظر الواقع تعلم وتعرف من هي الشياطين التي تصدك عن دينك.
(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)
البسملة آية من كتاب الله، وقولك (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) معناه أبتدئ، إن كنت تقرأ؛ تتلو القرآن، فمعناها أبتدئ تلاوتي متبركا باسم الله، متبركا بكل اسم لله جل وعلا؛ لأن قولَك (بِسْمِ اللَّهِ) هذه نكرة، (بِسْمِ) نكرة، فدخلت فيها جميع أسماء الله جل وعلا، ابتدئ تلاوتي مستعينا بالله جل وعلا، متبرئا من الحول والقوة، فإنه لا يستقيم إيمان عبدٍ حتى يتبرأ من الحول والقوة ، ولذا جاء في الأثر الذي أخرجه الترمذي في جامعه «من قال لا حول ولا قوة إلا بالله غُرست نخلة في الجنة» وإسناده لا بأس به، (من قال لا حول ولا قوة إلى بالله غرست له نخلة في الجنة) قيل للحسن: إذن نُكثر. قال: فالله أكثر.
حَذف المتعلق الذي تعلق به الجارّ والمجرور؛ أعني (بِسْمِ اللَّهِ) حذفه أيضا دلّ على العموم، والحذف شائع معروف في كلام العرب، إذا حُذف الفعل الذي تعلق به الجار والمجرور قدر بالمناسب، وهنا حذف ليدل على عموم الأفعال وعلى عموم المتعلَّقات، تقدره أنت بما يناسب حالك، فإذن من يقول (بِسْمِ اللَّهِ) لابد أن يكون قلبه حاضرا بالكلام، لا يقول (بِسْمِ اللَّهِ) وقلبه بين الأودية أودية الدنيا يسيح وربنا جل وعلا من لطفه بنا ورحمته بنا، أمرنا بأن نفتتح ونقول (بِسْمِ اللَّهِ)، وفي هذه التسمية مصلحة لنا، أي مصلحة، وهي طلب النماء والزيادة في عملنا؛ طلب الزيادة من الخير ومن الثواب في صلاتك، في تلاوتك، طلب المنفعة في شرابك، طلب المنفعة ودفع المضرة في طعامك، ونحو ذلك.
(الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)
هذه هي أول آية من الفاتحة تأمل ذَكَرَ الله جل وعلا في الآية الأولى أنّ الحمد لله رب العالمين ، وهذا يُورِث في النفس؛ المحبة لمن يُحمد سبحانه وللذي ربى العالمين بنعمه، أليس كذلك؟ تورث المحبة الآية الأولى؛ المحبة لله جل وعلا الذي هو رب العالمين سبحانه. (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)،
(الْحَمْدُ) يقول أهل العلم إنّ الألف واللام تفيد الاستغراق ،فمعناه أن قولك (الْحَمْدُ لِلَّهِ) قد شمل كل حمد يستحقه الله جل وعلا، تُقِرُّ وأنت تصلي وأنت تتلو هذه الآية تقر بأن جميع أنواع المحامد لله جل وعلا، فالله جل وعلا يُحمد بأسمائه، ويحمد سبحانه بصفاته، ويحمد سبحانه بأفعاله؛ من الإنعام والإحسان يقول جل وعلا في أول سورة الأنعام ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ﴾[الأنعام:1] و الحمد معناه الثناء على الله باللسان مع المحبة والتعظيم، فإنّ الحمد لا يسمى حمدا حتى يكون ثناء ويكون في الثناء محبة وتعظيم، في حديث صحيح مسلم قال صلى الله عليه وسلم «قَسَمْتُ الصّلاَةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ.. فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: (الْحَمْدُ لله رَبّ الْعَالَمِينَ) قَالَ الله جل وعلا: حَمِدَنِي عَبْدِي. وَإِذَا قَالَ: (الرّحْمَنِ الرّحِيمِ). قَالَ الله جل وعلا: أَثْنَىَ عَلَيّ عَبْدِي.»
(الله) معناه المعبود، يقول المسلم لا إله إلا الله وهولا يعلم معنى الإله؟ من الناس من يظن أن معنى لا إله إلا الله يعني لا رب إلا الله، وقد بلغ الجهل بالمسلمين مبلغا عظيماً فيقول بعضهم إن معناها أن ربنا موجود. سبحان الله العظيم، إذن ما الفائدة أن ترسل الرسل؟ ما الفائدة من أن ترسل الرسل؟ قريش أخبر الله عنهم بقوله أنهم ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾ وفي آية الزخرف ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ﴾[الزخرف:9]، وقال جل وعلا في آيات كثيرة كما في سورة المؤمنون ﴿قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ#سَيَقُولُونَ لِلَّهِ﴾[المؤمنون:86-87]، فإذن أولئك الأقوام كانوا يقولون ربنا موجود فلما دعاهم إليها قالوا ﴿أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا﴾[ص:5] كانوا يفهمون إذن ما معنى لا إله إلا الله.أن معناها معبود.
أنّ الله جل وعلا قال (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) في أول سورة في كتاب الله وفي أول آية من كتاب، ففرّق الله جل وعلا بين الله وبين الرب،
ما خلقنا إلا لأجل عبادة الله جل وعلا، ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنسَ إلالِيَعْبُدُونِ#مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ﴾[الذاريات:56-57]، ولكن الله سبحانه وتعالى رأفة بنا ورحمة شرع لنا وأباح لنا أن نتمتع ببعض الطيبات في الدنيا دون إسراف ولا مخيلة منة منه وتكرما، وإلا فإننا خلقنا للعبادة ، ﴿وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى#وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى﴾[طه:131-132]. فكلمة التوحيد (لا إله إلا الله) أفادت ماذا ؟ توحيدا لله جل وعلا في كونه الإله وفي كونه المعبود وحده فإذا كنتم تقرون بأنّ الله هو المحيي وحده، وهو المميت وحده، وهو الخالق وحده، وهو الرازق وحده،فإن كل هذه كان يعتقدها مشركوا العرب ، فماذا قال الله لهم، ﴿فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ#فَذَلِكُمْ اللَّهُ رَبُّكُمْ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّا تُصْرَفُونَ#كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ﴾[يونس:31-33]، كانوا مقرون بالتوحيد؛ توحيد الربوبية وأبوا أن يقروا بتوحيد الألوهية،فإذاً حين تقرأ قوله جل وعلا (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) ينبغي أن تستحضر هذه المعاني، أوبعضها،
(الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)
تورث في القلب الرجاء بأن يكون التَّالي؛ بأن تكون أنت وأنت تتلو هذه الآية في الصلاة أو في غير الصلاة أنْ تكون ممن شملتهم رحمة الله جل وعلا في الدنيا والآخرة، الآية الثانية تورث في القلب؛ القلب المتدبر المتأمل المتفحص لمعاني الله، تورث في القلب الرجاء بأنْ تكون ممن شملتهم الرحمة في الدنيا والآخرة. (الرَّحْمَنِ)و (الرَّحِيمِ)
اسمان من أسماء الله متضمنان بصفة من صفات الله جل وعلا وهي صفة الرحمة، وأهل السنة يثبتون هذه الصفة على حقيقتها لله جل وعلا، مع التنزيه لله أن يكون اتصافه بهذه الصفة مشابها لاتصاف المخلوقين بها، ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾[الشورى:11]، وهذا هو النوع الثالث نت أنواع التوحيد وهو توحيد الأسم إن الإيمان بالأسماء والصفات ليس إيمانا مجردا بألفاظ لا معاني لها؛ بل إيمان بالألفاظ وما تحتها من المعاني، إيمان بالصفات وما فيها من المعاني، فالقلب الذي قرأ صاحبه (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) كم سيتعلق به من المشاعر حين يمرّ في ذهنه ويحضر في قلبه سعة رحمة الله جل وعلا, كم سيكون تعلقه بالله طمعا في أن يكون من المرحومين، كم سيكون لهذا الإيمان بهذه الصفة وأن الله رحيم بعباده أرحم من الوالدة بولدها، ومن صفاته جل وعلا ما روه
الرسول صلى الله عليه وسلم حين قال «يضحك ربنا» إلى آخر الحديث، قال له أعرابي أوَ يضحك ربنا؟ قال : «نعم»، قال: لن نعدم من رب يضحك خيرا.
معلوم أن ضحك الخالق جل وعلا ليس كضحكنا وحاشاه جل وعلا، ننزهه سبحانه عن الشبيه والمثيل والنديد، نثبت له سبحانه وتعالى ما أثبت لنفسه وما أثبته له رسوله مع التنزيه عن المشابهة.
إذن أنظر كيف هذا الصحابي كيف انطبعت هذه الصفة في قلبه وأثنى على الله بها (لن نعدم من رب يضحك خيرا) سبحان الله، فكم منا من يقرأ ويسمع الأسماء والصفات ولا تثمر في قلبه، يمر عليه قول الله جل وعلا ﴿ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ﴾[هود:90] فلا يثمر في قلبه، ﴿حَمِيدٌ مَجِيدٌ﴾[هود:73] فلا يثمر في قلبه، يمر عليه اسم الله ﴿الرَّقِيبَ﴾[المائدة:117] فلا يثمر في قلبه، يمر عليه اسم الله العزيز، الحكيم، القدير، فلا يثمر في قلبه، الشعور بعظمة الله جل وعلا، وأنك أيها الإنسان ليس لك عِزّ إلا بطاعة الله جل وعلا، ليس لك فخر إلا بطاعة الله جل وعلا، فأنت تفخر إن كنت واعيا لنفسك بأن تكون من الطائعين؛ لأنك انتسبت لمن؟ لطاعة الله جل وعلا، ومن هو الله؟ ﴿ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ﴾[الحشر:23] كل هذه وغيرها من الأسماء والصفات العليا،يجب أن تثمر في القلوب ثمرات يُرى أثرها في الاعتقاد والعمل، يرى أثرها في الرقابة والتمجيد والعظمة والتحميد والتعظيم لله جل وعلا.
والآية الثالثة (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ)
وفي القراءة السبعية الأخرى المتواترة (مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ) (مَلِكِ) و(مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) سبحانه وتعالى، (يَوْمِ الدِّينِ) يوم الجزاء، يوم الحساب يَوْمَ ﴿تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ﴾[الحاقة:18]، يوم يظهر ما استتر به المستترون من المعاصي، يظهر عند ذاك عيانا، يوم تنطق الألسن، يوم تنطق الجلود، وتنطق الأرجل، وتنطق الأيدي بما كان يفعله أصحابها، ذلك اليوم الذي قال الله فيه (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) يورث في القلب ماذا؟ يورث في القلب الخوف من الله جل وعلا.
ثم قال بعد ذلك (إِيَّاكَ نَعْبُدُ)
تأمل كيف بدأ بالآية تورث في القلب المحبة، ثم ثنى بالآية التي تورث في القلب الرجاء، ثم ثلّث بالآية التي تورث في القلب الخوف، ثم قال (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) وليُقِرَّ في قلبك أيها العبد أنه واجب عليك أن تعبد الله محبة لله، ورجاء لله، وخوفا من الله، تعبده لهذه الثلاث مجتمعة؛ بالحب والرجاء والخوف، لا تغلب جانبا عن جانب، فإنّ من الناس من تلاعبت بهم الشياطين فعبدوا الله بالحب وحده حتى تركوا الطاعة، ومن الناس من غلّبوا على قلوبهم الرجاء فخاضوا في معاصي الله وفي الآثام، ثم بعد ذلك يقولون ربُّنا أرحم الراحمين.ونسو أنه ذو العذاب الأليم ﴿حم#تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنْ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ#غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ﴾[غافر:1-3]، و قال جل وعلا في أول سورة هود ﴿ الر# كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ# مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ#أَلا تَعْبُدُوا إِلا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ ﴾[هود:1-2] ثم تدبر أيضا، أن الله جل وعلا افتتح كتابه العزيز بقوله (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)، ثم ذكر بعد ذلك صفة أنه جل وعلا (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ)، فذكر ثلاث صفات تدور عليها الأسماء الحسنى، ثلاثة أسماء، ذكر سبحانه ثلاثة أسماء:
الأول: الله.
الثاني: أنه الرب.
الثالث: أنه مالك يوم الدين، سبحانه وتعالى.
افتتح الله كتابه بهذه الثلاثة أسماء، واختتم كتابه جل وعلا بهذه الثلاثة أسماء عينها، قال جل وعلا في آخر سورة ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ(1)مَلِكِ النَّاسِ(2)إِلَهِ النَّاسِ﴾[الناس:1-3]، الربوبية والملك والألوهية في آخر سورة وفي أول سورة من القرآن، هذه الثلاثة أسماء تدور عليها وتتفرّع منها معاني كثيرة من الصفات والأسماء الحسنى، فإذن لتكن منا على بال، ولعله يأتي بعد ما فيها من المعاني.
كونه جل وعلا الله، هو الله أي المألوه المعبود كما سيأتي.
والرب الذي ربى عباده بنعمه جل وعلا، والمتصرف في شؤونهم، وأنه مالك يوم الدين، كل ملك فهو له،الحمد
(إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)، (إِيَّاكَ نَعْبُدُ)
هذه فيها توحيد العبادة؛ توحيد الألوهية وكيف فهم منها أهل العلم ذلك؟ لأنه قدم المعبود يعني المفعول على العامل يعني الفعل، قدم (إِيَّاكَ) ما قال نعبد إياك، قال (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) يعني نعبدك وحدك لا نعبد معك غيرك.
والعبادة التي لا يجوز أن تُصرف إلا لله جل وعلا ما هي؟ العبادة بمعنى آخر تعرف بأنها اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة. إذا نظرنا إلى المعبود سبحانه مثل دعاء، وطلب الشفاعة، والنذر، الذبح، غير ذلك مما ذُكر.أم إذا نظرنا إلى العبد فغنه كمال الذل والخضوع لله سبحانه وتعالى
إذن العبادة (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) هذه العبادة ليست كما يفهمها بعض الناس اليوم، هي الشعائر التعبدية أو الأركان الخمسة فقط؛ الشهادة والصلاة، لا، والزكاة والصوم والحج، لا، العبادة أوسع كل ما فيه رضا لله جل وعلا؛ اسم جامع لكل ما يرضاه جل وعلا من الأقوال والأعمال. إذن فأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر عبادة، صلتك للرحم إن أحسنت النية فيها عبادة، دراستك للعلم الشرعي عبادة، دراستك لعلم غيره إن أحسنت النية فيها عبادة، .
(اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ)
في الحديث الذي رواه مسلم في حديثه «قَسَمْتُ الصّلاَةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي إلى نِصْفَيْنِ قَالَ العبد: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ). قَالَ الله: هَذَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ». (هَذَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ) فانظر وتأمل هذا الفضل العظيم الذي أعطاك إياه خالقك، ومولاك، وربك، أنزل عليك كتابا فيه هذه السورة العظيمة، ثم أمرك أن تتعبده بأن تقرأها في كل ركعة في الصلاة، ثم بعد ذلك ومع ذلك إذا دعوت الله بها قال الله جل وعلا (هَذَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ) فأيّ كرم فوق هذا، وأي رحمة للعبد فوق هذه الرحمة، وأيّ فضل كهذا الفضل، هل يعرف العباد حق ربهم عليهم؟ خلقك وشرفك بعبادته، وأرسل لك الرسل يدلوك الطريق حتى لا تضل، ثم بعد ذلك إذا اتبعت الرسل نلت رضا الله، ونلت الجنة بعفوه ورحمته، فأي فضل فوق هذا الفضل؛ يأمرك بالشيء ويجزيك عليه، يا له من فضل.
(اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) الصراط هو الطريق، ووصف الطريق هنا بأنه المستقيم؛ يعني الذي جمع مع وضوحه القرب؛ قرب الوصول إلى المراد أو الشيء المراد الوصول إليه ، لأن الخط المستقيم كما هو معروف هو أقرب طريق بين نقطتين ، أو كما يقول أهل الرياضيات ، فأنت أيها العبد على أول الطريق ، وآخر الطريق فيه رضا الله، والجنة وأقصر طريق يوصلك؛ بل هو الطريق الوحيد هو ماذا؟ اتباع الرسول؛ واتّباع شرع الله.
(اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) تسأل ربك الهداية؛ هداية التوفيق والإلهام للصراط المستقيم، وهذا يجعل القلب يتفكر ويسأل: ألسنا مهتدين؟ نحن على خير إن شاء الله، فما فائدة هذا السؤال (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) نكرره في كل يوم وليلة كذا وكذا مرة؟ ما فائدة هذا التَّكرار؟ يعلمك ربك أنك لا تظن أنّ هذا الصراط؛ أنك إذا هديت عليه أول الأمر، أنك لا تحتاج إلى تثبيت عليه لسيرك ؟ فإنّ هذا الصراط المستقيم تحتاج دائما إلى العناية بنفسك عليه، وأن تسأل ربك الثبات عليه سؤالا حينا بالهداية، وبالعبادة، وبالطاعة، وبالدعوة، كل هذه من وسائل التثبيت على الصراط المستقيم؛ لأن هذا الصراط قد انتصب عليه شياطين الإنس والجن ﴿لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ#ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ﴾[الأعراف:16-17] إذن هذا الصراط قد انتصب عليه شياطين الإنس يضلوك ويثبطوك عن المُضِي فيه، فاحذر منه، اسأل الله دائما الثبات عليه، فاسأل الله دائما، وأنت تقول (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) اسأله حقيقة لا لفظا، اسأله مستشعرا حاجتك الملحة للثبات على صراط الله.
والصرط المستقيم هو الإسلام والقرآن والشريعة ، كما أنه جل وعلا نصب يوم القيامة على متن جهنم طريقا وجسرا سماه صراطا، فهنا في هذه الدنيا هناك صراط هو الإسلام، وفي الآخرة هناك صراطا منصوب على متن جهنم أعاذنا الله وإياكم منها، واعلم أنه لن تعبر ذاك الصراط الذي هو على متن جهنم إلا بهذا الصراط إذا سلكته في الدنيا؛ صراط الله الإسلام الإيمان ، وذاك الصراط الذي على جهنم جعل الله في جنبتيه كلاليب تخدش وتخطف من هو سائر عليه يوم القيامة، وكذلك على هذا الصراط في الدنيا في جنبتي الصراط كلاليب أيضا تخطفك عن السير فيه، فتنبه لها إنها المعاصي، إنها الآثام، إنها حظوظ النفس، إنها الشهوات، إنها طاعة الهوى، طاعة إبليس، وعبادته،كما قال جل وعلا في سورة يس ﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ#وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ﴾[يس:60-61] فلهذا فعبادة الشيطان هي طاعته، فزن نفسك يا عبد الله عند قراءة هذه الآية في صلاة، في كل مرة، ماذا حصل منك ما بين الفرض والفرض، فهل مشيت على هذا الصراط مشيا جادا أم تخطفتك كلاليب بين الفرض والفرض من عبادة الشيطان أو طاعته أو المعاصي، فاعلم أنك إن لم تبادر بالتوبة فستخطفك الكلاليب هناك على الصراط، هذا حق يجب أن نستشعره ونحن نتلو هذه الآية، وعلى قدر سيرك على هذا الصراط في الدنيا يكون سيرك على ذاك الصراط في الآخرة، واعلم أنه جل وعلا وحد الصراط هنا فقال (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) يعني هو صراط واحد، وما كان غيره فهي السبل المتفرقة، فقال جل وعلا في أول الآية، وهذه الآية كان يسميها السلف أو بعض العلماء يقول إنها آية الوصايا العشر، وهذه هي آخر الوصية ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ﴾[الأنعام:153] وإن سيرك على هذا الصراط يحتاج إلى شيء، يحتاج إلى أمر، وهو أن تسير عليه على بينه؛ أن تسير عليه على دليل ووضوح
(صراط الذين أنعمت عليهم )(غير المغضوب علهم ) (ولا الضالين )آمين
اهدنا دعاء بالهدى فإن قيل كيف يطلب المؤمنون الهدى وهو حاصل لهم فالجواب أن ذلك طلب للثبات عليه إلى الموت أو الزيادة منه والصراط في اللغة الطريق المحسوس الذي يمشى عليه ثم استعير للطريق الذي يكون الإنسان عليها من الخير والشر ومعنى المستقيم القويم الذي لا عوج فيه فالصراط المستقيم هو أن يكون الإنسان معرضا عما سوى الله مقبلا بكلية بقلبه وفكره وذكره فكأن الإنسان يقول إن هناك طرق كثرة فالأحباب يجرونني إلى طريق والأعداء إلى طريق ثان والشيطان إلى طريق ثالث فهدني إلى الصراط المستقيم يطلب من الله تعالى أن يهديه إلى الصراط المستقيم الذي هو الوسط بين طرفي الإفراط والتفريط في كل الأخلاق وفي كل الأعمال وهو الاقتداء بأنبياء الله في الصبر على الشدائد والثبات عند نزول البلاء فإنه إذا هداه هذا الصراط أعانه على طاعته وترك معصيته ، فلم يصبه شر ، لا في الدنيا ولا في الآخرة . لكن الذنوب هي لوازم نفس الإنسان ، وهو محتاج إلى الهدى كل لحظة ، وهو إلى الهدى أحوج منه إلى الطعام والشراب . ولقائل أن يقول لم قال اهدنا ولم يقل اهدني والجواب أن الدعاء كلما كان أعم كان إلى الإجابة أقرب فالمتأمل يجد أن جميع آيات السورة جاءت بالجمع فلما أردت تحميدك ذكرت حمد الجميع فقلت الحمد لله ولما ذكرت العبادة ذكرت عبادة الجميع فقلت إياك نعبد ولما ذكرت الاستعانة ذكرت استعانة الجميع فقلت وإياك نستعين فلا جرم لما طلبت الهداية طلبتها للجميع فقلت اهدنا الصراط المستقيم ولما طلبت الاقتداء بالصالحين طلبت الاقتداء بالجميع فقلت صراط الذين أنعمت عليهم ولما طلبت الفرار من المردودين فررت من الكل فقلت غير المغضوب عليهم ولا الضالين صراط الذين أنعمت عليهم قال ابن عباس هم النبيون والصديقون والشهداء والصالحون لقوله مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وهذا يدل على أن المسلم لا سبيل له إلى الوصول إلى مقامات الهداية إلا إذا اقتدى بشيخ يهديه إلى سواء السبيل ويجنبه عن مواقع الأغاليط والأضاليل . وأكد الكلام بلا ليدل على أن ثم طريقين فاسدين وهما طريقة اليهود والنصارى ،ليعلم أن طريقة أهل الإيمان مشتملة على العلم بالحق والعمل به واليهود فقدوا العمل والنصارى فقدوا العلم ولهذا الغضب لليهود والضلال للنصارى ، لأن من علم وترك استحق الغضب خلاف من لم يعلم ، والنصارى لما كانوا قاصدين شيئاً لكنهم لا يهتدون إلى طريقه لأنهم لم يأتوا الأمر من بابه ، وهو اتباع الحق ، ضلوا ، وكل من اليهود والنصارى ضال مغضوب عليه ، لكن أخص أوصاف اليهود الغضب كما قال تعالى عنهم "من لعنه الله وغضب عليه" وأخص أوصاف النصارى الضلال كما قال تعالى عنهم "قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيراً وضلوا عن سواء السبيل" عن أبي ذر قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المغضوب عليهم قال اليهود ، قلت : الضالين قال : النصارى وكذلك من حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد اشتملت هذه السورة الكريمة وهي سبع آيات على حمد الله وتمجيده والثناء عليه بذكر أسمائه الحسنى المستلزمة لصفاته العليا وعلى ذكر المعاد وهو يوم الدين وعلى إرشاده عبيده إلى سؤاله والتضرع إليه والتبرئ من حولهم وقوتهم إلى إخلاص العبادة له وتوحيده بالألوهية تبارك وتعالى وتنزيهه أن يكون له شريك أو نظير أو مماثل ، وإلى سؤالهم إياه الهداية إلى الصراط المستقيم وهو الدين القويم وتثبيتهم عليه حتى يقضي لهم بذلك إلى جواز الصراط الحسية يوم القيامة المفضي بهم إلى جنات النعيم في جوار النبيين والصديقين والشهداء الصالحين ، واشتملت على الترغيب في الأعمال الصالحة ليكونوا مع أهلها يوم القيامة والتحذير من مسالك الباطل لئلا يحشروا مع سالكيها يوم القيامة وهم المغضوب عليهم والضالون قال تعالى "ألم تر إلى الذين تولوا قوماً غضب الله عليهم" الاية . وكذلك إسناد الضلال إلى من قام به وإن كان هو الذي أضلهم بقدره كما قال تعالى "من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً" وقال "من يضلل الله فلا هادي له ويذرهم في طغيانهم يعمهون"يستحب لمن يقرأ الفاتحة أن يقول بعدها آمين ، ومعناه اللهم استجب والدليل على استحباب التأمين عن وائل بن حجر قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قرأ "غير المغضوب عليهم ولا الضالين" فقال آمين مد بها صوته ،وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "إذا أمن الإمام فأمنوا فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه" ولمسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "إذا قال أحدكم في الصلاة آمين والملائكة في السماء آمين فوافقت إحداهما الأخرى غفر له ما تقدم من ذنبه" عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدتكم على السلام والتأمين". وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن اليهود قوم حسد، حسدوكم على ثلاثة: إفشاء السلام، وإقامة الصف، وآمين". معناه لا تخيب رجاءنا. قال الشاعر في المد:
يا رب لا تسلبني حبها أبداً ويرحم الله عبداً قال آمينا
وقال آخر:
آمين آمين لا أرضى بواحدة حتى أبلغها ألفين آمينا
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ( أرجوا التثبيت لأهمية الموضوع والحاجة إليه)

ابوخالد الياسي 04-13-2009 08:30 PM

رد: معاني سورة الفاتحة
 
الله يزاك خيرويجعل ماتكتب في ميزان حسناتك


رائــــــــــــــــــــــ ـــع فعلاااااااا

و

مبدع في كل حالاتك


قلم متميز في هذا المنتدا

كتب اسم من خلفه من ذهب

لانه مثقف في كل سطر يسجل القارء اعجابه


تقبل مروري ولك جزيل الشكر والتقدير

بث تجريبي 04-13-2009 08:37 PM

رد: معاني سورة الفاتحة
 
جزاك الله خير نسيم الطائف

وجعل ماكتبت حجة لك لا عليك

ونفع بك

تقبل مروري وتقديري








.

مـسـك 04-13-2009 09:20 PM

رد: معاني سورة الفاتحة
 



جزاك الله خيراً,,

كل الشكر ,,


أبو رديد 04-13-2009 09:21 PM

رد: معاني سورة الفاتحة
 
الله يجزاك خير ويمدك بالصحة والعافية


تفسير أم القرآن والإستعاذة والبسملة

أهم مايكون على المتدبر الخاشع

ألف شكر

هذلي قديم 04-13-2009 10:11 PM

رد: معاني سورة الفاتحة
 
بارك الله فيك
وفي علمك
ونفع بما تكتب
وجزاك الله خيراً

الجوري 04-13-2009 10:56 PM

رد: معاني سورة الفاتحة
 
الله يجزاك خير على المجهود الرائع

وبارك الله فيك

وأسأل الله العظيم أن يجعل ماكتبت في موازين حسناتك

عادل هذيل 04-14-2009 04:50 AM

رد: معاني سورة الفاتحة
 
نسيم الطائف جزاك الله خير يا الغالي



تحياتي


الساعة الآن 11:20 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
الحقوق محفوظة لشبكة هذيل