![]() |
رسالة الغفران: بنيةً ودلالة
رسالة الغفران: بنيةً ودلالة الرِّسالة إطارٌ لنوعٍ سردي متميِّز أ. د. عبد المجيد زراقط التَّعريف بالرِّسالة تتألَّف الرِّسالة من مقدِّمة وقسمين، يُعرب أبو العلاء، في المقدِّمة، أوَّلاً، عن مودَّته للشَّيخ ابن القارح، وهو علي بن منصور الحلبي، وتبدو فيها الصَّنعة واضحة ومتقنة، ففي قلبه "حماطة" تثمر مودَّة للشَّيخ الجَّليل...، و"الحماطة" نوعٌ من الشَّجر وحبَّة القلب وحرقة القلب. يفيد أبو العلاء، من هذه المعاني، وينسج منها نصَّاً يجسِّد فكرته المتمثِّلة في أنَّ حبَّة قلبه/شجرةٌ تثمر مودَّةً تدنو إلى الأرض غصونها، وبها من الشَّوقِ حرقةٌ لازمة... وعلاوةً على تصوير هذه الفكرة وتجسيدها، نلاحظ استخدام أبي العلاء للسَّجعِ والبديع والألفاظ الغريبة التي يعرف أنَّها كذلك فيشرحها، ويستطرد مستشهداً بالشِّعر. ويتحدَّث، ثانياً، عن وصول رسالة ابن القارح، فيقول: "وقد وصلت الرِّسالة التي بحرها بالحِكَم مسجور، ومن قرأها لا شكَّ مأجور..."، ويصفها بقوله: "ولعلَّه، سبحانه، قد نسب لسطورها المُنْجِية من الَّلهب معاريج من الفضَّة أو الذَّهب...، وغُرس، إنْ شاءَ الله، بها شجرٌ من الجنَّة". ثمَّ يستطرد في حديثٍ عن الُّلغة والشِّعر... في القسم الأول يصف الجنَّة، ويتحدَّث عن الُّلغويين فيها، ثمَّ يروي رحلة الشَّيخ إليها "... فيركب نجيباً من نُجب الجنَّة، خُلق من ياقوتٍ ودرٍّ، في سجسجٍ بَعُدَ عن الحرِّ والقرِّ، ومعها إناءٌ فيهج، فيسير في الجنَّة على غير منهج..."، ويلتقي بعددٍ من الشُّعراء ويدور حوار بينه وبين كلٍّ منهم عن الشِّعرِ والشُّعراء، ويسأله عن سبب مغفرة الله، سبحانه وتعالى، له، ومنهم الأعشى وزهير بن أبي سلمى وعبيد بن الأبرص وعدي بن زيد وأبي ذؤيب الهذلي والنابغتان: الذبياني والجعدي ولبيد بن ربيعة وحسَّان بن ثابت والشمَّاخ بن ضرار وعمرو بن الأحمر وتميم بن أبي، ثمَّ يلتقي رضوان خازن الجنان وزفر خازن الجنان الآخر وحمزة بن عبد المطلب (رض) وأبي علي الفارسي والإمام علي بن أبي طالب (عليه السَّلام) والسيدة فاطمة الزَّهراء (عليها السَّلام) والنبي محمَّداً (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم). ثمَّ يعبر على الصراط بمساعدة جاريةٍ أهدته إيَّاها السَّيدة الزهراء (عليها السَّلام)، فيُسْأل إنْ كان معه جوازٌ للدُّخول إلى الجنَّة. وإذ لم يكن معه جواز، يُدْخله إبراهيم بن النبي محمَّد (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، فيلقى عدداً من الشُّعراء الآخرين، منهم راعي الإبل وحميد بن ثور ولبيد بن ربيعة. ويُدعى إلى مأدبة تُقام في الجنان، ويلقى الحور العين. ثمَّ يبدو له أنْ يطَّلع على أهل النَّار، فيركب بعض دواب الجنَّة ويسير، فيمرُّ بجنَّة العفاريت وبأقصى الجنَّة، فيجد الحطيئة والخنساء... ثمَّ يرى أهل النَّار، وهم: إبليس وبشار بن برد وامرؤ القيس وعنترة بن شدَّاد وعلقمة بن عبدة وعمرو بن كلثوم التَّغلبي والحارث اليشكري وطرفة بن العبد وأوس بن حجر والأخطل التَّغلبي والمهلهل التَّغلبي والمرقَّشين: الأكبر والأصغر والشنفرى الأزدي وتأبَّط شرَّاً. ثمَّ يعود إلى الجنَّة فيلقى آدم، فيسأله عن شعرٍ نُسب إليه فيقول: إنَّه من نَظم بعض الفارغين. ثمَّ يضرب سائراً في الفردوس فيجد حيَّاتٍ يلعبن... ثمَّ يمرُّ بأبياتٍ ليس لها ارتفاع أبيات الجنَّة فيسأل عنها، فيُقال: هذه جنَّة الرَّجز، ثمَّ يتحدَّث عن سُرُر أهل الجنَّة. ويُنهي هذا القسم بقوله: "وقد أطلت، في هذا الفصل، ونعود الآن إلى الإجابة عن الرِّسالة"، ويجيب عن رسالة ابن القارح في فصلٍ آخر هو القسم الثاني من الرِّسالة. تعود أهمية رسالة الغفران إلى القسم الأوَّل، فهو رحلة متخيَّلة إلى الجنَّة، وإنْ يكن أبو العلاء قد أفاد من قصَّة "الإسراء والمعراج" التي وردت في القرآن الكريم، فإنَّ تأثير رسالته كبير في الأدب، إذ يتحدَّث غير باحثٍ عن تأثُّر دانتي في الكوميديا الإلهيَّة برسالة الغفران. يلاحظ اهتمام أبي العلاء بالأديان وكلامه على الزَّندقة، وسخريته من بعض المعتقدات. ويبدو أنَّ أبا العلاء عمل على تقديم معرفةً بالشِّعر: تاريخاً ونقداً، ودافع عن بعض الشُّعراء الَّذين عُرفوا بالزَّندقة، وزعم أنَّ الله، سبحانه وتعالى، قد غفر لهم، ولهذا سمَّى رسالته بـ"رسالة الغفران". يمكن لقارئ هذه الرِّسالة أنْ يتبيَّن تميُّزها بخصائص كثيرة نكتفي، هنا، بذكرها، على أن نفصِّل في الكلام عليها لدى قراءة النَّص ودراسته: 1. السَّجع، والتزام ما يلزم فيه، ويبني سجعه لا على حرفٍ واحد بل على حرفين أو أكثر. 2. استخدام الغريب وأوابد الكلام. 3. استخدام الأمثال والإشارات التَّاريخية والمصطلحات العلميَّة، وبخاصَّة علم الُّلغة. 4. معرفة واسعة بالشِّعر ونقده، والشعر المتميِّزُ والغريب منه بخاصَّة. 5. التَّأنُّق البديعي وإحكام الصَّنعة. 6. الإبهام والغموض لدى استخدام الكثير من الكلمات الغريبة. 7. شرح ما يعتقد بأنَّه من الضَّروري شرحه من معاني الألفاظ، وقواعد الُّلغة، ومشكلات الشِّعر. 8. نظم بنية قصصيَّة متخيَّلة في إطار الرِّسالة. الرِّسالة/الشَّكل = الإطار تتَّخذ "رسالة الغفران" الرِّسالة شكلاً لها، والرِّسالة نوعٌ كتابيٌّ يتوجَّه فيه المخاطِب إلى المخَاطب مباشرةً بخطابٍ ما. كان هذا النَّوع، الكتابيُّ في البدءِ، تواصليَّاً، يؤدِّي وظيفةً عمليَّة: رسالة إخوانية، أو ديوانيَّة...، ولا يزال يمارس بوصفه هذا. ثمَّ أصبح أدبيَّاً، يؤدِّي علاوةً على الوظيفة التَّواصليَّة، وظيفة جماليَّة، قد تكون هي المهيمنة. ويمكن أن نعدَّ "رسالة الغفران" رسالةً من النَّوعِ الأخير، أي النَّوع الذي تهيمن فيه الوظيفة الأدبيَّة/الجماليَّة على الوظائف الأخرى، والوظيفة الجماليَّة المقصودة، هنا، هي الفاعليَّة الجماليَّة الدَّلاليَّة/البنية الُّلغويَّة الأدبيَّة الناطقة برؤية إلى العالم. ويبدو أنَّ الواقع الثَّقافي العربي الذي كان قائماً، آنذاك، هو الذي اقتضى اختيار هذا الشَّكل الأدبي ليكون إطاراً؛ ذلك أنَّ الثَّقافة العربيَّة، كانت شفويَّةً في الأساس، يتمُّ فيها التَّواصل بين طرفيّ الظَّاهرة الثَّقافيَّة، ومن ثمَّ الأدبيَّة، مباشرةً...، ما استدعى، بعد أنْ تمَّ التَّحوُّل إلى الكتابة أنْ يتَّخذ الخطاب المباشر شكلين: أوَّلهما الرِّواية المتمثِّلة بالسَّند، كما في رواية الحديث الشَّريف، وللسند فيها دور إعطاء المتن مصداقيَّة، وكما في النُّصوص القصصيَّة، وللسند فيها، عدا عن إتباع تقليد سائد، الإيهام بصدقيَّةً يمثِّلها الرُّواة. وفي هذه النُّصوص، كان السَّندُ يتحوَّل من مركَّب إلى بسيط إلى نظامٍ من الرُّواة يتنوَّع بتنوِّع النُّصوص، ما جعله يتحوَّل إلى عنصرٍ من عناصر البناء الأدبي يتَّخذ موقعاً في بنية النَّص، ويؤدِّي دوراً في إنتاج الفاعلية الجماليَّة الدَّلاليَّة. وثانيهما الرِّسالة، ويتمثَّل الخطاب المباشر فيها في مرسِل ومرسَل إليه معيَّنين، بديلين من طرفي الخطاب الشَّفوي، ومن الرِّواية السَّند، ما يجعل المرسَل إليه/المتلقِّي، عنصراً أساسيَّاً من العناصر المكوِّنة للتجربة الأدبيَّة المنتجة للخطاب، سواءً أكان شخصاً واقعياً أم متخيَّلاً. ففي "رسالة الغفران"، كان لابن القارح ورسالته الدَّور الأساس، المحفِّز، في إنتاج نصٍّ أدبيٍّ يتوجَّه إلى أديبٍ يُعنى بالُّلغة ونَقدِ الشِّعر ومصائر الشُّعراء، علاوةً على نقله إلى العالم الآخر؛ حيث الجنَّة للشُّعراء الذين ينتمي إليهم ونارهم. وهكذا اتَّخذت "رسالة الغفران" الرِّسالة شكلاً إطاراً لها، وكما نعرف فإنَّ الإطار عنصر أساسٍ من عناصر أي نصٍّ سرديٍّ عربي قديم كما في "ألف ليلة وليلة" و"كليلة ودمنة"، حيث نجد الشَّكلَ - قصٌّ تنتظمُ القصص المتناسلة في إطاره. وفي "رسالة الغفران" نجد الرِّسالة شكلاً تنتظم القصَّة الرِّحلة إلى العالم الآخر في إطاره. وهكذا يبدو الشَّكل الإطار كأنَّه العنصر الذي يؤدِّي وظيفة إعطاء النَّص مشروعية انتظامه في بنية الثَّقافة العربيَّة واتخاذه موقعاً فيها يؤدِّي منه دوره، علاوة على أدائه وظيفة الإطار النَّاظم للعناصر المكوِّنة منه جميعها!. ولأبي العلاء رسائل أخرى كرسالة "الملائكة" و"الرِّسالة السنديَّة" و"رسالة الغرض" ورسالة "الإغريقي"، ما يدلُّ على أنَّه اتَّخذ هذا الشَّكل، ليستخدمه في الكتابة في أمورٍ كثيرة. تتالَّف الرسالة، كما قلنا، من ثلاثة مكوِّنات تهيمن، في الأوَّل: رسالة ابن القارح، والثالث: الردُّ على هذه الرِّسالة، الوظيفة الإيصاليَّة: تقديم معرفةً مباشرة. وتهيمن، في الثَّاني، الوظيفة الشِّعريَّة: تقديم معرفةً جماليَّة، وتتمثَّل العلاقة بين هذه المكوِّنات في قضية الشعريَّة العربيَّة: الُّلغة والشِّعر والنَّقْد. و فيما جاء الخطاب، في المكوِّنين: الأوَّل والثَّالث، واقعيَّاً ذهنيَّاً اتخذ بنية الخطاب المباشر، جاء، في المكوِّن الثَّاني، متخيَّلاً حدسيِّاً اتَّخذ بنية سرديَّة تروي رحلة "الشَّيخ" إلى العالم الآخر/الآخرة، وفيه، أي في الجنَّة والنَّار. هذه الرُّؤية البنية السرديَّة، ويمكن للمطَّلع على تاريخ القصَّ، في الأدب العربي القديم، أنْ يتبيَّن أنَّ أبا العلاء المعرِّي كان يطوِّر إنتاجاً أدبيَّاً سابقاً ومعاصراً له، من هذا الإنتاج نذكر، أوَّلاً، قصَّة "الإسراء والمعراج" الواردة في القرآن الكريم، والنُّصوص التي كُتبت تأثُّراً بها، فتلك القصَّة هي أساس التخيُّل المتمثِّل برحلةٍ إلى العالم الآخر، وثانياً قصص الرَّحلات، ومنها رحلة أبي قاسم البغدادي لأبي المظهر الأزدي، والتَّوابع والزَّوابع لابن شهيد الأندلسي (426 هـ. 1034 م.) التي تروي رحلةً إلى وادي الجن، بصحبة تابع اسمه زهير بن نمير، وهناك يتمُّ الِّلقاء بين الرَّاوي وشعراء الجنِّ، وشياطين الشُّعراء، فينشدهم أشعاره، فيحكمون بجودتها، ثمَّ يحضر مجلس شعر فينشد شعره كذلك... وهكذا يكون محور الرِّحلة السَّعي إلى معرفة سرِّ الشِّعريَّة والحكم بجودة الشِّعر، وشعره هو بخاصَّة، فكأنَّ الرِّحلة كانت من أجل تحقيق هذا الهدف، والأمر مختلف في "رسالة الغفران"، كما سنرى بعد قليل. وقد تطوَّر هذا النَّوع، من قصص الرَّحلات، في ما بعد، فعرف القصص العربي قصص المقامات، حيث تروي القصَّةُ محكمة الحبك، والمؤدَّاة بلغةٍ مسجَّعة، حكايات كديةٍ طريفة، راويها وبطلها شخصيَّتان جوَّالتان... وقبل أن يتبلور قصُّ المقامة، كان إنجاز أبي العلاء يتحقَّق. فأبو العلاء كان مشغولاً بقضيَّة الشِّعريَّة العربيَّة على مستويي: التأريخ للشعر ونقده والصنعة الُّلغويَّة من نحوٍ أوَّل، وبقضيَّة الوجود الإنساني: الدُّنيا والآخرة، الخير والشَّر، الثَّواب والعقاب، الغفران... من نحوٍ ثانٍ، فتمكَّن، مستفيداً من التُّراث الأدبي والفكري الذي يعرفه جيداً، من إنتاج رسالة تتضمَّن في إطارها قصَّة جديدة تروي وقائع رحلة متخيَّلة إلى العالم الآخر. كتب أبو العلاء القصَّة من منظوره هو إلى هذا العالم، فاتخذت بنية تنطق برؤيته إلى عالمه، وبخاصَّة إلى القضيتين الَّلتين كانتا تشغلانه. الرِّحلة إلى العالم الآخر البنية القصصيَّة والدَّلالة يلاحظ، بدايةً، أنَّ العالم الذي تتمُّ الرِّحلة إليه هو عالمُ الشُّعراء: جنَّة الشُّعراء ونارهم، فما يعني أبا العلاء هو هذا العالم، والكتابة عنه. وهو العالم الذي تكتب عنه الرِّسالة والرَّدُّ عليها، ما يعني انتظام القصَّة/الرِّحلة في إطارٍ موضوع الرِّسالة كذلك، وليس في إطار شكلها ايضاً. يؤدِّي القصَّ الرَّاوي العليم، هو راوٍ يعرف كل شيء، فيروي ما يفعله الشَّيخ بضمير الغائب، وينشئ بنيةً سرديَّة، تتابع فيها الأحداث، وفاقاً لمسار الزَّمن الطبيعي، فيجد القارئ نفسه إزاء مشاهد متتالية يتحكَّم الرَّاوي في تحفيز مسارها، ثمَّ يستطرد فيقدِّم معلومات لغوية وأدبيَّة...، وإن كان لنا أن نقدم أنموذجاً فليكن المشهد الأوَّل. تبدأ الرِّحلة بأن يركب الشَّيخ حصاناً ويسير، فيصل إلى كثبان، يستشهد ببيتين للأعشى فيهتف به هاتف ويسأله عن صاحب البيتين، فيخبره بالرِّواية التي تنسبهما للأعشى، ويذكر نسبه كاملاً، فيقول له الرَّجل إنه الأعشى نفسه ، يتأمَّله الرَّاوي ويصفه مبيِّناً حاله، ويسأله عن سبب خلاصه من النَّار، فيروي له حكاية تعرُّضه للنَّبي وقوله له إنَّ له به حرمة، فيكلِّف النَّبي الإمام عليَّاً بأن ينظر في أمره، فينشده القصيدة التي قالها عندما أراد المجيء إلى يثرب ولقاء النَّبي، ومنها: ... أجـدك لم تسمع وصاة محمَّد يتوقف الرَّاوي عن السَّرد، ويستطرد، فيعرض ما قيل في هذه الأبيات من أقوال لغوية وعروضيَّة، ثمَّ يكمل السَّرد. يقول الأعشى: قلت لعلي: وقد كنت أؤمن بالله وبالحساب وأصدق بالبعث وأنا في الجاهليَّة الجهلاء، ويستشهد بأبياتٍ قالها في هذا المعنى... فيذهب علي ويخبر النَّبي بما رواه له الأعشى، فيشفع له ويدخل إلى الجنَّة على أن لا يشرب فيها خمراً...([1]).نبـيّ الإله حين أوصى وأشـهدا... يمكن، في ضوء قراءة الرسالة بعامَّة وهذا الأنموذج بخاصَّة، علاوة على ما ذكرناه من أداء الرَّاوي العليم للقصِّ، وإنشائه بنيةً سرديَّة يتحكَّم في نمو مسارها وتشكيل بنيتها، الخلوص إلى الاستنتاجات الآتية: 1. يتنحَّى الرَّاوي عن موقع أداء القصِّ، ويتيح للشخصيَّة أن تروي قصَّتها، ويدير حواراً بينه وبين الشَّخصيات أحياناً، وبين الشَّخصيات نفسها أحياناً أخرى. 2. يقدِّم معرفة دقيقة بتاريخ الشِّعر العربي ونقده، علاوة على تقديمه، في سياق القصِّ، نصوصاً شعريَّة، وتمثُّله بنصوص أخرى، ويبدو تقديم هذه المعرفة، في كثيرٍ من الحالات مسوَّغاً، كما حدث عندما تمثَّل ببيتين للأعشى في مناخ يستدعيهما، فهتف الأعشى، فدار حوار بين الشَّيخ والشَّاعر، ثمَّ روى الشَّاعر حكاية خلاصه من النَّار، المتضمِّنة حواراً بين عددٍ من الشَّخصيات. ويتحدَّث في سياق القصِّ التَّالي، عن كثيرٍ من قضايا الشِّعر العربي ونقده المختلِّف فيها، ويقدِّم حججه كأنَّه يجري بحثاً. ومن هذه القضايا، على سبيل المثال، قضيَّة نحل الشِّعر، إذ يلتقي الشَّيخ آدم، ويسأله عن الشِّعر المنسوب إليه، نحن بنو الأرضٍ وسكَّـانـها فيقول آدم: "إنَّ هذا القول حقٌّ، وما نطقه إلاَّ بعض الحكماء، ولكني لم أسمع به". لا يقتنع الشَّيخُ بهذا الجواب، فيدور حوار بينه وبين آدم، ينفي فيه هذا أن يكون قد نسي، ويتساءل عمَّا إذا كان يعرف أن يقول هذا الشِّعر بالعربيَّة ولسانه على الأرض سرياني؟ وعمَّا إذا كان ممكناً أن يقوله، وهو عندما كان في الجنَّة لم يكن يدري بالموت فيها...، ثمَّ يفصِّل الرَّاوي في بحث هذه القضية، وينتهي إلى القول على لسان آدم: "...كذبتم على خالقكم وربكم، ثمَّ على آدم أبيكم، ثمَّ على حوَّاء أمكم، وكذب بعضكم على بعض، ومآلكم في ذلك إلى الأرض"([2]).منـها خُـلـقـنا وإليها نـعود والنَّحـسُ تمحوه ليالـي السُّعود وهكذا يصل إلى نتيجةٍ حاسمة في قضيَّة نسبه الشِّعر إلى آدم، ويصل في الوقت نفسه، إلى الإفصاح عن رؤيته إلى بني آدم، من طريق مثالٍ حسِّي ملموس، فهم كذَّابون، على الرغم من إدراكهم أنَّهم من الأرض وإليها يعودون، فتغدو القضيَّة الشِّعريَّة البسيطة مرتبطة بقضيَّة الوجود الأساس، وهي الموت، من نحوٍ أوَّل وسلوك الإنسان في هذه الدُّنيا الفانية من نحوٍ ثانٍ، وطبيعة البشر من نحوٍ ثالث. وهكذا يؤدِّي الكلام على قضيَّة شعريَّة، إلى الكلام على قضيَّة الوجود، ما ينطق برؤية أبي العلاء إلى كلتا القضيَّتين. 3. تقديم معرفة لغويَّة، يمكن عدُّها، من نحوٍ أوَّل، كما يقول غولد تسيهر: "ثروة لغويَّة عظيمة"([3])، كما يمكن تصنيفها، من نحوٍ ثانٍ، نوعاً من النَّقد الأدبي الُّلغوي الذي يخدم النَّص. ومن نماذج ذلك نقرأ، على سبيل المثال حواره مع عدي بن زيد، فبعد أن يعرِّف به، ويطلب منه أن ينشده قصيدته الصَّاديَّة، لأنَّها، كما يقول: "بديعة من أشعار العرب"، وبعد أن يسمعها، يخبره بأنَّ ابن دريد عمل قصيدة على وزنها، وينشده أبياتاً منها، ويحكم له بالسَّبق، ثمَّ يأتي دور النَّقد، فيقول: "ما كنت أختار لك أن تقول: "يا ليت شعري وإن ذو عجة، لأنَّك لا تخلو من أحد أمرين: إمَّا أن تكون قد وصلت همزة القطع وذلك رديء... وإمَّا أن تكون حقَّقت الهمزة فجعلتها بين بين، ثم اجتزأت على تصييرها ألفاً خالصة، وحسبك بهذا نقضاً للعادة، ومثل ذلك قول القائل..."[4]، ثمَّ يفصِّل في البحث ويقدِّم أمثلة من الشِّعر العربي. وهذا يعدُّ استطراداً رأى بعض مؤرِّخي الأدب أنَّه لم يكن في متن النَّص وإنَّما أقحم عليه، فيرى د. عبد الكريم خليفة "أن ما نشر من نصوص رسالة الغفران، حتى الآن، لم يكن سوى نصوص من كتاب "خادم الرسائل" التي شرح فيها أبو العلاء رسالة الغفران، ممَّا يحتاج إليه المبتدئون في الأدب، فإنَّ دراسة النَّص تقودنا إلى الحكم بأنَّ النَّص قد اختلط مع الشَّرح، ولا سيَّما أنَّ القدامى قد درجوا على وضع الشَّرح في سياق النَّص"([5]). يؤيِّد هذا الرَّأي ما يذكره المؤرِّخون من أنَّ أكثر كتب أبي العلاء قد فُقدِت. يقول القفطي في هذا الصَّدد: "وأكثر كتب أبي العلاء هذه قد عُدمِت، وإنَّما يوجد بينها ما خرج من المعرَّة قبل هجوم الكفَّار عليها وقَتْلِ من قتل من أهلها وغَصْب ما وجِدَ فيها...، أمَّا الكتب الكبار التي لم تخرج من المعرَّة، وإنْ وُجد منها، فإنَّما يوجد البعض من كلِّ كتاب"([6]). لكن، وكما يبدو، من صيغة الخطاب، فإنَّ الشَّيخ يخاطب الشَّاعر مباشرة، ما ينفي عن الاستطراد صفة الشَّرح الملحق بالنَّص، في الهامش أو الحاشية، فنرجِّح أنْ يكون جزءاً من المتن. ولعلَّ الحكم بأنَّ الشَّرح قد يكون اختلط بالنَّص يصدق على نوعٍ آخر من الشَّرح، يبدو مقحماً على السِّياق ومنفصلاً عنه، ومن نماذجه شرحه لكلمة "أغار"، الواردة في قول الأعشى: ... نـبيٌّ يرى ما لا يرون، وذكره وممَّا يقوله في هذا الصَّدد: "... وإذا صحَّ هذا البيت للأعشى، فلم يُرد بالإغارة إلاَّ ضدَّ الإنجاد. وروي عن الأصمعي روايتان..."([7]). ويفصِّل في الكلام على هذه المسألة.أغار، لعمري، فـي البلاد وأنجدا وهكذا يجد القارئ نوعين من الشَّرح/النَّقد الأدبي الُّلغوي، أوَّلهما منتظم في سياق القصِّ، وإنْ كان يثقله ويرجئه، فيحدث وقفةً قد تطول، وثانيهما مقحم عليه، يبدو كأنَّ محلَّه الهامش. 4. أشرنا، قبل قليل، إلى رؤية أبي العلاء إلى بني آدم والوجود الإنساني على هذه الأرض، وإن أمعنَّا النَّظر في الرِّسالة بدت لنا رؤية أبي العلاء الدِّينيَّة واضحة. وهو، هنا، يتكلَّم في القضيَّة المركزيَّة في الثقافة العربيَّة الإسلاميَّة، وهي الرؤية الدِّينيَّة، بعدما تكلَّم في قضيَّة أساس من قضايا تلك الثقافة، وهي القضيَّة الشِّعريَّة. ورؤية أبي العلاء الدِّينيَّة مختلفة، وإن كنَّا لا نريد أن نفصِّل في القول فيها، سنعرض ما يبدو في هذه الرِّسالة. يرى أبو العلاء أن يكفي أن يؤمن الإنسان بالله ربَّاً ومحمَّد نبيَّاً، وبالبعث والحساب، حتى يغفر الله له، ويدخل الجنَّة...، وهذه هي دلالة الرِّسالة العامَّة، أي الغفران. ويتحقَّق له الغفران، أي للإنسان، والأعشى إنما هو أنموذج دالٌّ هنا، وإنْ صدَّته قريش، وتعني بعامَّة السلطان القاهر، والخمرة، وتعني بعامَّة اللذَّة، عن المجيء إلى النبِّي (صلى الله عليه وآله وسلَّم) كما هي حال هذا الشَّاعر الذي أرجأ إسلامه إلى عامٍ قادم، فمات قبل أن يسلم([8])، ومن ثمَّ حال الشعراء الآخرين، ومنهم زهير بن أبي سلمى وعبيد الله بن الأبرص وعدي بن زيد الخ... وهذه الرؤية ينطق بها شعر أبي العلاء، ومن نماذج هذا الشِّعر نذكر، على سبيل المثال: * سـبِّـح، وصلِّ، وطف بمكَّة زائـراً 5. ومن الوقائع التي تنتظم في مسار القصِّ، واقعة تتداخل فيها الرؤية إلى الشِّعر بالرؤية الدينيَّة، ويكون المعيار في الحكم الدِّيني شعريَّاً، مفاد هذه الواقعة أنَّه يجعل أبيات جنَّة الرَّجاز دون أبيات جنَّة الشُّعراء: "ويمرُّ بأبيات ليس لها سموق أبيات الجنَّة، فيسأل عنها، فيقال: هذه جنَّة الرَّجز يكون فيها أغلب بني عجل والعجَّاج ورؤبة وأبو النجم... وكل من غُفر له من الرَّجاز، فيقول: "تبارك العزيز الوهَّاب! لقد صدق الحديث المروي: إنَّ الله يحبُّ معالي الأمور ويكره سفاسفها وإنَّ الرَّجز لمن سفاسف القريض، قصَّرتم أيها النَّفر فقصر بكم..."([9]). وهكذا يقدِّم رؤيته إلى الرَّجز. ويعزِّزها بالاستشهاد بحديثٍ شريف، ثمَّ يجعل المعيار في سموق (ارتفاع) أبيات الجنَّة شعريَّاً/فنيَّاً، وليس دينيَّاً.سـبعيـن، لا سبـعاً، فلست بناسـك أطـماعـه، ولـم يُـلفَ بالمتماسـك ولا صـلاةٌ، ولا صـوفٌ على الجسد ونـفضك الصَّدرَ من غلِّ ومـن حسد 6. ينشئ الرَّاوي عالماً غريباً، وفضاء قصصيَّاً عجيباً مدهشاً، يمثل رؤيته إلى العالم الآخر، كما يتخيَّله. ينشئ التخيُّل هذا العالم، وهو، كما يبدو تخيُّل خصب، ومن النماذج الدَّالَّة على هذا العالم نذكر ما يأتي: يركب الرَّاوي نجيباً، حصاناً قوياً وسريعاً، يقظاً من نجب الجنَّة، خلق من درٍّ وياقوت، ويخرج إلى النزهة في يومٍ بعُد عن الحرِّ والقرِّ، ويتزوَّد بطعام الخلود. وإذ يمضي يمرُّ بكثبان العنبر، المزدانة بالأشجار والزَّهر، فيطيب له الترنُّم بالشِّعر، بصوتٍ عالٍ... وهكذا ينمو الحدث مسبَّباً، فيهتف هاتف سائلاً عن صاحب هذا الشِّعر، فيدور حوارٌ تُقدَّم فيه معرفة شعريَّة، ومن ثمَّ يعود، فيروي الأعشى قصَّة دخوله إلى الجنَّة، وتقدَّم في هذا السِّياق نصوص ومعرفة شعريَّة ولغوية، وتأتي قصَّة أخرى هي قصَّة زهير بن أبي سلمى تليها قصَّة عبيد بن الأبرص، فقصَّة عدي بن زيد. وتتتالى القصص/المشاهد، ما يجعل قصَّة "رحلة الشَّيخ" القصَّة الإطار التي تنظم هذه القصص/المشاهد، فالقصَّة المؤطَّرة بالرسالة، تغدو إطاراً لقصص/مشاهد متتالية في عالمٍ جديد، تتغيَّر فيه الأحوال. ولنقرأ وصف شخصيَّة من شخصيات هذه القصَّة، فنلحظ حرص الرَّاوي على وصف شخصيات القصَّة من نحوٍ أوَّل، وتركيزه على التغيُّر الحاصل في هذا العالم من نحوٍ ثانٍ، وهو تغيُّر يحدثه الغفران. وهنا تبرز رؤية أبي العلاء بشكل غير مباشر، فيبدو كأنَّه يدعو إلى سلوك الطَّريق الموصل إلى الغفران. يقول الرَّاوي في وصف الأعشى: "فإذا هو شابٌّ غرانق، غبر في النَّعيم المفانق، وقد صار عشاه حوراً معروفاً، وانحناء ظهره قواماً موصوفاً..."([10]). 7. ولا يفوتنا، هنا، أن نلحظ تميُّز لغة الرِّسالة، أوَّلاً، باستخدام معجم لغوي تكثر فيه المفردات الغريبة، ما يشير إلى رغبة أبي العلاء في تقديم درس لغوي، أو في إظهار مقدار ثروته الُّلغويَّة، وثانياً، بتجويد التَّركيب وإحكام صنعته، وذلك واضح في متانة الأسلوب، والسَّجع، والمحسِّنات الُّلغويَّة الأخرى. 8. تبدو قصَّة الرِّحلة، في هذه الرِّسالة، كأنَّها وقفة طويلة أجَّلت الإجابة عن الرِّسالة، وهي وقفة مقصودة. يقول أبو العلاء: "وقد أطلت في هذا الفصل، ونعود الآن إلى الإجابة عن الرِّسالة"([11])، فيها تشويق للرَّاغب في قراءة الرَّد، وفيها أمر آخر، وهو الأساس، فالواضح أنَّ التَّأجيل ما كان إلاَّ لتقديم رؤية أبي العلاء الشِّعريَّة، في إطار رحلة تنطق برؤيته الدِّينيَّة، وفي بعض الحالات كانت الرؤيتان تتداخلان، كأنَّ أبا العلاء انفصل عن عالمه إلى العالم الشِّعري، ومن ثمَّ إلى العالم الآخر، وهذا ما كان يحصل في الواقع الحياتي، وهو ما تنطق به هذه الرِّسالة. ويبدو أن هذه الرِّحلة المتمثِّلة قصَّة تلبِّي حاجة ملحَّة لدى أبي العلاء، تتمثَّل في الخروج من عالمه الحياتي/واقعه وعليه إلى عالم آخر جميل يسوده الغفران، ويتحقَّق فيه للإنسان ما يريده. وبغية تأييد ما نذهب إليه، نقارن بين العالمين ، ونرى أيَّ ثنائية ضديَّة تمثِّلان: يقول أبو العلاء في وصف عالمه الحياتي: يسوسون الأمـور بغير عقـلٍ ويقول، في نهاية رحلته، في وصف العالم الذي رحل إليه، بعدما التقى بالشُّعراء، وحاورهم وحقَّق ذاته إزاءهم بإظهار قدراته النَّقديَّة، ما يذكِّر بصنيع ابن شهيد في هذا المجال:فينفُذُ أمـرهم، ويُقالُ ساسـه ومـن زمن رئاسته خساسه "ويتَّكئ على مفرش من السندس، ويأمر الحور العين أن يحملن ذلك المفرش، فيضعنه على سرير من سرر أهل الجنَّة، وإنَّما هو زبرجد أو عسجدٍ، ويكوِّن البارئ فيه حلقاً من الذهب، تطيف به من كل الأشراء... وتناديه الثَّمرات من كلِّ أوبٍ، وهو مستلقٍ على الظَّهر: هل لك، يا أبا الحسن؟ هل لك؟ فإذا أراد عنقوداً من العنب، أو غيره، إنقضب من الشَّجرة بمشيئة الله، وحملته القدرة التي فيه، وأهل الجنَّة يلقونه بأصناف التحيَّة، وآخر دعواهم أنَّ الحمد لله ربِّ العالمين. لا يزال كذلك أبداً سرمداً، ناعماً في الوقت المتطاول منعَّماً، لا تجد الغِيَرُ فيه مرغماً"([12]). وهكذا، كما يبدو، خرج أبو العلاء من العالم الذي كان يعيش فيه، والمتمثِّل في قوله: "ومن زمنٍ رئاسته خساسة"، إلى العالم الآخر، وذلك لأنَّه لم يكن يستطيع الخروج على عالمه وتغييره. وفي رحلته إلى العالم الآخر، قدَّم صورةً متخيلةً لهذا العالم تتمثَّل في وصفه له: "... ناعماً في الوقت المتطاول، منعَّماً لا تجد الغِيَرُ فيه مرغماً"، وهو العالم الذي يحلم بالعيش فيه، حيث يحقِّق ذاته، وحيث الشِّعر والسَّلام والغفران والإمرة على سرر الجنَّة الخالدة. خلاصة: ويمكن، في ختام هذه الدِّراسة، الخلوص إلى ما يأتي: يكتب أبو العلاء المعرِّي "رسالة الغفران" ردَّاً على رسالة أرسلها ابن القارح إليه، ويتحدَّث فيها عن الشِّعرية العربيَّة. تتألَّف الرِّسالة من مقدِّمة وقسمين، أوَّلهما يروي قصَّة رحلةٍ إلى العالم الآخر؛ حيث يلتقي الشعراء في الجنَّة والنَّار، ويحاورهم في شؤون الشِّعر والشُّعراء والُّلغة. تتَّخذ "رسالة الغفران" شكل الرِّسالة الأدبيَّة إطاراً لها، فتنتظم المكونات الثلاثة: المقدِّمة، والرِّحلة، والرَّد في هذا الإطار، تجمع بينها علاقة تتمثَّل بموضوعٍ واحد هو الشِّعرية العربيَّة: تاريخ الشِّعر، نصوصه، خصائصه، لغته، نقده...، فتبدو الرِّسالة ذات وحدة كلِّية في الوقت نفسه الذي يمكن أن يكون فيه كلُّ مكوِّن مؤلَّفاً مستقلاً على مستويي الُّلغة والدَّلالة، وما يبدو واضحاً هو تفرُّد القسم الأوَّل/الرِّحلة إلى العالم الآخر بمزايا نوعٍ أدبي متميِّز. يتَّخذ هذا القسم بنية سرديَّة تروي قصَّة رحلةٍ إلى العالم الآخر، وفي هذا العالم، أي يعني الجنَّة والنَّار، يتمثَّل عالم هذه الرحلة، أو حيِّزها في جنَّة الشُّعراء ونارهم، يؤدِّي القصَّ الرَّاوي العليم المهيمن/الضمير الغائب، العائد إلى الشَّيخ ابن القارح، الذي يلتقي الشُّعراء في الجنَّة والنَّار، ويحاورهم، فتتتالى القصص القصيرة/المشاهد في مسارٍ خيطي، يقطع بالتعليقات والشروحات النَّقدية والُّلغوية التي تبدو، في حالاتٍ مقحمة على السِّياق، فتبدو الرِّحلة إطاراً تنتظم في سياقه القصص القصيرة/المشاهد، فتؤلِّف قصَّة ذات بنية خيطيَّة، تقطع بالخطاب النَّقدي، ويرجأ نحو مسارها بالخطاب النَّقدي اللغوي، وذلك في الوقت نفسه الذي يمكن أن تمثِّل فيه كلُّ قصَّة قصيرة، أقصوصة مستقِّلة، ويبدو أنَّ الدَّلالة التي تنطق بها البنية الكلِّية هي رؤية أبي العلاء إلى القضيتين اللتين كانتا تشغلانه في عزلته، في عالم الشِّعر والفكر، وهما الشِّعرية العربيَّة والوجود الإنساني، فتنطق البنية الكلِّية بما يتيح لأبي العلاء أنْ يحقِّق ذاته في عالمه، فيكون العالم الفذ بالشعر، وأن يحقِّق حلمه بالخروج من العالم الفاسد إلى العالم الآخر؛ حيث يتحقَّق له الغفران والنَّعيم الدَّائم. ([1]) أبو العلاء المعري، رسالة الغفران، تقديم وشرح: مفيد قميحة، بيروت: دار مكتبة الهلال، ص. 93 96. ([2]) المصدر نفسه، ص. 225 - 227. ([3])غولد تسيهر، مذاهب التفسير الإسلامي، ترجمة عبد الحليم نجار، القاهرة، ص. 71. ([4])رسالة الغفران، م. س. ص. 101 و102. ([5])المصدر نفسه، ص. 14. ([6])المصدر نفسه، ص. 9. ([7])المصدر نفسه، ص. 95. ([8])راجع المصدر نفسه، ص. 95 و96. ([9])المصدر نفسه، ص. 235. السموق: الارتفاع. سفاسف القريض: يقال: أسف بالشيء أي حطَّ من قدره، سفساف القريض، في رأيه، أقل أنواع الشعر قيمة. ([10])المصدر نفسه، ص. 94، غرانق: الشاب الأبيض الجميل، مفانق: النَّاعم. عشاه: ضعف بصره. ([11])المصدر نفسه، ص. 238. ([12])المصدر نفسه، الأشراء: الأنحاء. أوب: ناحية. إنقضب: قطع. الغِيَر: المتاعب. |
رد: رسالة الغفران: بنيةً ودلالة
رسالة الغفران رســــــــالة قيمه للغايه ابو الملثم شكرا على ماقدمت لنا تقبل مروري |
رد: رسالة الغفران: بنيةً ودلالة
عز الله اني كنت ماخذ مقلب في المعري و الله موضوع شيق و ننتظر مداخلات الأخوان ... و يقينا سنستمتع سيكون لي عودة لأتم القراءة إن شاء الله .... تساؤل .... هل حقيقة أن نشأة الرسائل كانت على أيدي علماء لغة ، أحاطوا باللغة و أسرارها و فهموا الشعر و قصروا عن كتابته فكانت الرسائل هي متنفسهم ...؟ . . أبا المثلم شكرا لك أطيب التحايا |
رد: رسالة الغفران: بنيةً ودلالة
تشكر على ها الموضوع أخي الأديب ابو المثلم استفد بصراحة منه
|
رد: رسالة الغفران: بنيةً ودلالة
فيسمع مني هديل الحمام ... واسمع منه زئير الاسد
هكذا هو المعري دائما شكرا لك ياحسن |
رد: رسالة الغفران: بنيةً ودلالة
دائماً أشعر بأن الأدب ماده صعبه رغم متعتها
أود أن اسأل بغباء ، وكلي ثقه أن هنا ثمة عقول وقلوب ستفتح ابوابها لي اقتباس:
إن كان كذلك كيف يقبل شعرائنا الاستمرار في ممارسته إذا كان أدبياً وفنياً لايليق بهم ؟ اقتباس:
رغم أن العديد منهم يـُعتبر من أهل (الفتره) ومنهم من اعتنق الوثنبه وهو غير مخلص لها ! أخي أبو المثلًم سؤال بصوت خافت لاأريد أن يقرأه أحد <- ؟ هل من اصول تجمع بين قارح الحلبي ،، وقارح الهذلي ههههه الرساله عميقه مدهشه لم اقرأ عنها من قبل قادتني لمفارق عديده تمنيت فيها ان ألتقي بشخصك وانهل بشغف .. ضامنه مسبقاً أن مستواي الأدبي البسيط سيصبح أكثر فخامه ً حقاً صفحه ..... بتاريخ ،، فـ شكراً لك |
الساعة الآن 01:07 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir
الحقوق محفوظة لشبكة هذيل