::{ مجالس قبيلة هذيل  }:: موقع يهتم بتراث القبيلة ومفاخرها

::{ مجالس قبيلة هذيل }:: موقع يهتم بتراث القبيلة ومفاخرها (https://hothle.com/vb/index.php)
-   مجلس النثر والخواطر (https://hothle.com/vb/forumdisplay.php?f=59)
-   -   دلالة الفرار في شعر الهذليين في العصر الجاهلي (https://hothle.com/vb/showthread.php?t=44550)

عز الرفيق 11-06-2010 10:21 PM

دلالة الفرار في شعر الهذليين في العصر الجاهلي
 
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا مبحث مختصر عن دلالة الفرار في شعر الهذليين في العصر الجاهلي
البحث يتكلم عن نفسه , و لا إضافات من عندي ,,
ما أبهرني في هذا البحث هو أنه دلاله على أن الرمزية - التي يقولون بحداثتها
و أنها من فضائل الأدباء المتأخرين و أنها ما كانت لدى العرب و إنما هي مكتسبه
من الآداب الغربية-
أقول ما أبهرني هو أن هذا البحث يثبت أن الرمزية عند العرب من الجاهلية
و هي فائدة واحده من عدة فوائد في هذا البحث , أو هذا ما أراه
........





دلالة الفرار في شعر الهذليين في العصر الجاهلي

أ. أحمد بوخطه
جامعة قاصدي مرباح ورقلة
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــ



نستطيع أن نفهم اعتزاز الشاعر الجاهلي بقبيلته كما نستطيع فهم هذه الصورة التي يرسم فيها إقباله وشجاعته,
وهي كثيرة ومبثوثة في دواوين الشعراء ، ولكن ما يحتاج إلى تفسير ويجب الوقوف عنده ،
هو هذه الصورة التي صور فيها بعض شعراء هذيل فرارهم من المعارك ومواجهة العدو على غرار بعض الشعراء الصعاليك،
بل قد نجد من الشعراء من جعل الفرار صفة يفخر بها ، مبينا قدرته على العدو والإفلات من خصومه .
وقد أرجع الدكتور مصطفى سويف ذلك إلى الميل لدرء الموت حين يتخلى الشاعر عن عصبته الحربية مستبدلا بها خوفا عميقا فتسود لديه آلية الفرار .

| قد يفسر هذا الكلام نفسية الهارب من المعركة ولكنه لا يفيدنا في دراسة صورة الفرار كما جاءت في شعر بعض شعراء هذيل ،
ولهذا فلنتجه إلى شعر هؤلاء لندرس من خلاله دلالة هذه الصورة .
هذا هو الشاعر) أبو خراش(، يصف فرة فرها حينما أقبل عليه بنو نفاثة هاجمين ،
وقد أحس بالموت من قبلهم، فرفع ساقه بالجري وألقى ثيابه لكي لا تعيقه ،
وفاق بعدوه حمار الوحش الضامر قاطعا الصحراء.

ورفعت ساقا لا يخاف عثارها = = وطرحت عني بالعراء ثيابي
أقبلت لا يشتد شدي واحد = = = = = علج اقب مسير الاقراب
الله يعلم ما تركت منبها === عن طيب نفس فاسألوا أصحابي

وللنظر إلى قوله ( طرحت عني بالعراء ثيابي ) فهل يقصد الشاعر بذلك
التخلص من ثيابه التي على ظهره ....!
أم أن التعبير يتجاوز دلالة الثياب على اللباس إلى دلالة معنوية قد تأخذ معناها من الارتباط بالقبيلة
ويكون التخلص من الثياب تعبيرا عن رغبة في التخلص من قيود القبيلة والفرار إلى فضاء آخر يتمكن فيه من إثبات ذاته التي تبحث عن التمييز والانفراد
علما أن علاقات القبيلة لا تسمح بالتميز ولا تسمح للفرد بالانفلات من قيودها ؟
ولنتأمل ربط إقباله بإقبال العلج ( لا يشتد شدي ....علج أقب ) ، وتفوقه على العلج في سرعة عدوه
ولقد مرت بنا تلك الصورة التي رسمها الشعراء للعلج
فصورة العلج حملت عند اغلبهم دلالة الحياة الهشة والتي لا يستطيع المقاومة والوقوف أمام المخاطر،
كما كانت صورة الثور تعبيرا عن قوة الشاعر ومعاناته ومجابهته الأخطار وثباته أمام الأعاصير،
هذه الحياة التي يرمز لها الحمار لم تعد تليق بالشاعر فأراد أن يتخطاها إلى حياة أخرى تخلق فضاء للفعل الإنساني يقع خارج القبيلة،
وإذا كانت هذه الصورة لم تتبلور كثيرا عند( أبي خراش ) نظرا لتردده وقوة ارتباطه بقبيلته تدلنا على ذلك
عبارة( ما تركت منبها عن طيب نفس )
فإنها ظهرت بقوة عند شعراء هذيل الصعاليك( كحبيب الأعل ) و( صخر الغي ) و( أبي جنذب ) وغيرهم....
فمما قيل في تصوير هؤلاء للفرار قصيدة حبيب الأعلم
وتروي القصة انه ذهب مع صاحب له في الصحراء حتى عطشا فاتجها إلى ماء لأعداء لهم
ولكن القوم علموا بأمره فعدوا في أثره، فطاردوه فأعجزهم
في هذه الفرة قال حبيب الأعلم قصيدته وشبه القوم وهم في أثره كمد السيل العارم تمده الغيوم،
يتقدمهم (جذيمة) أسرعهم وقد طار رداءه، فيبدو كحمار أقب في أثره، وينتبه بعد طول عدو إلى انه لا يزال حيا،
وما زال يعدو بكل قوته وقد انتصف النهار، والليل ما زال بعيدا، فيعرف أن قدره في هذا اليوم عدو، ويذكر أهله
وأبناءه الشعث وحاجتهم إليه وفقرهم بعده إلى الأقارب،
في هذه الأثناء يصل إلى جبل نعمان ويزداد أمله( وقد اقترب الليل) في النجاة فيقول:

لما رأيت القوم بالـ = ـعلياء دون قدى( المناصب)
وفريت من فزع فلا = ارمي ولا ودعت صاحب
يغرون صاحبهم بنا = جهدا وأغري غير كـاذب
أغري أبا وهب ليعـ = جزهم ومدوا بالحلائــب
مد المجلجل ذي العما = ء إذا يراح من الجنائـب
يغري جديمة والردا = ء كانه بأقب قـــارب
خاظ كعرق السدريسـ = بق غارة الخوص النجائب
جتى أذا انتصف النها = ر وقلت يوم حق دائــب
رفعت عيني بالحجا = ز إلى أناس بالمناقـــب
وذكرت أهلي بالعرا = ء وحاجة الشعث التوالب
المصرمين من التلا = د اللامحين إلى الأقارب
وبجانبي نعمان قلـ = ت ألن يبلغني مـــآرب
دلجي إذا ما الليل جـ = ن على المقرنة الحباحب

تبدو الصورة للوهلة الأولى أقرب إلى الهزل منها إلى الجد ،
ففيها من الملامح الكاريكاتورية الشيء الكثير، ولكن دلالة كثير من أجزائها توحي بعمق أبعادها الحياتية
فالشاعر قد بدأ صورة فراره من القوم بوضع الإطار المكاني للأحداث،
فهم )بالعلياء( والمكان يحمل دلالة الارتفاع والعلو، كما أن )المناصب( أيضا تأكيد لهذا المعنى،
هذا العلو المرتبط بالقوم والقبيلة هو الذي يحجب عن الشاعر تفرده وعلوه وبروزه،
فالتميز في ظل الجماعة التي تذيب قدرات الفرد صعب بل قد يكون مستحيلا،
إذا كان هذا الفرد معدوما ومن الفقراء المهمشين الذين لا كلمة لهم وسط القبيلة،
وقد أشار الشاعر إلى فقره بذكر بنيه( المصرمين) وقوله ( اللامحين إلى الأقارب ) ولننظر إلى اسم الفاعل من لمح في
(اللامحين ) كيف يصور حركة أعناق بنيه وهي تشرأب متطلعة لعون الأقارب ،
فتشرأب بذلك نفس الشاعر إلى فضاء يحطم فيه هذه الأغلال.

وقد ظهر جليا سخطه على القبيلة التي لم تكفه مؤونتهم

وتبدأ رحلة الشاعر الجديدة في الحياة على أساس نظرة جديدة للعالم تقوم على الحلم بحياة طيبة تهدم فيها العلاقات القبلية.
ولننظر إلى قوله )فريت من فزع( كيف يصور معاناته النفسية في الحياة القديمة وفزعه منها
فيخرج فارا دون توديع صاحب، وكلمة( صاحب ) تحمل من الدلالة على صحة هذا التفسير الشيء الكثير .....

فكيف يعقل أن يفر الإنسان من أعدائه ويودع فيهم أصحابه ...؟
اللهم إلا إذا كان هؤلاء الأعداء أعداء من نوع آخر يجمعون بين العداوة والصحبة ...!!
وهم ليسوا سوى هذه القبيلة التي عاش الشاعر في صحبتها زمنا طويلا، زمنا كان يبدو له ساكنا
وقد مل فيهاهذا السكون القاتل , وهو يريد الآن أن يخرج من هذاالسكون إلى زمن الفعل والحركة.
وتدل الأفعال المضارعة في الأبيات وتواليها على هذه الحركة وهذا الإقدام ( يغرون،أغري،يعجزهم،يبلغني ).

ولننظرإلى تكرارفعل يغري، فقدكرره أربع مرات مناصفة بينه وبين ملاحقيه،( يغرون،أغري،يغري جذيمة )، ليدل على الصراع المرير بينه وبينهم ..
هذا الصراع الذي يبدو لي انه ليس سوى صورة للصراع بين حياة قديمة ورغبة الشاعر في حياة جديدة يكون أساسها العدل والحياة الكريمة.
وبعد رحلة طويلة من الجري ينتصف النهار كرمز لضياء الحياة الجديدة وسطوع نورها ..
ويرفع الشاعر عينيه إلى المكان الحلم في زمن الوضوح و الجلاء والضياء ( منتصف النهار )... والمكان يحوي أناسا ,,
وهم مجتمع الصعاليك الصغير بجبل ( المناقب ).

حتى إذا انتصف النهار = وقلت يوم حق دائب
رفعت عيني بالحجا = ـز إلى أناس بالمناقب
وذكرت أهلي بالعرا = ء وحاجة الشعث التوالب

ولنتمعن في هذا التقاطع العجيب بين الزمان والمكان ، في معلم يقف الشاعر في منتصفه تتجاذبه العلائق من عدة جهات ،
إن الرحلة ستدوم يوما كاملا( وقلت يوم حق دائب ) والشاعر يقف الآن في منتصف هذا الزمن( حتى إذا انتصف النهار ) ،
والمكان الذي تتجه إليه الرحلة ويفر الشاعر نحوه رافعا عينيه له متطلعا إلى بلوغه ،
هو ذلك الجبل البعيد( رفعت عيني إلى أناس بالمناقب ) ،
وهو الآن في منتصف هذا الطريق هكذا يلتقي منتصف النهار مع منتصف الطريق ويتقاطع الزمان والمكان في نقطة واحدة ،
وفي التقائهما يقفز ( الزمن التاريخي ) حسب تعبير الدكتور كمال أبو ديب إلى ذاكرة الشاعر فيتذكر أهله الذين لا يزالون مرتبطين بالقبيلة
وتحاول هذه العلاقة أن تثنيه عن مواصلة هروبه دون جدوى،فحاجة أبنائه الفقراء ونظرةالتسول في أعينهم يلمحون من
خلالهاالأقارب، تدفع الشاعر وتشجعه على المضي قدما في الفرار.

وينظر إلى مكان الوصول فيجده ما زال بعيدا ، فيعمد إلى حيلة يعجل بها الرحلة ،
ألا يمكن اختصار المسافة التي تفصله عن المرتفع المقصود بتسلق الجبل القريب ،
ومنه يصل عبر الجبال المجاورة إلى هدفه ؟
يمكنه ذلك وها هو يصرح قائلا:

وبجانبي نعمان قلــ = ــت ألن يبلغني مـآرب
دلجي إذا ما الليل جـ = ـن علي المقرنة الحباحب


والمقرنة هي الجبال المتقاربة ،وسيكون الليل زمن اختصار هذه المسافة التي تفصله عن تحقيق آماله ،
والليل هو الزمن الذي يحصل فيه الصعلوك على رزقه ، ولذلك اختار الشاعر هذا الزمن كم اختار قمم الجبال ليصل إلى
مبتغاه ، في غفلة من عين القبيلة.

............ يتبع ........

عز الرفيق 11-06-2010 10:39 PM

رد: دلالة الفرار في شعر الهذليين في العصر الجاهلي
 
لقد كان الشاعر الصعلوك ينشد الحرية ويرفض السيطرة مهما كان نوعها ، ولو أدى به ذلك في بعض الأحيان إلى فراق القبيلة ،
والتوجه غالى حيث الانطلاق والرحابة والآفاق الشاسعة وراء الكثبان ، وفق الهضاب والجبال ،
وعبر الأودية ، يأنس الخلاء ويصيخ بسمعه لأنفاس الوجود ، وأصوات الحيوانات المتوحشة عله يجد الجواب لمعاناته ولأسئلته أثناء اختراقه للمجهول.

لقد رأينا الشنفرى يقول مفضلا الذئاب والنمور والوحوش على مجتمعه وقومه.

ولي دونكم أهلون سيد عملس = = وأرقط زهلول وعرفاء جيأل
هم الأهل لا مستودع السر ذائع = = لديهم ولا الجاني بما جر يخذل

نفس المسلك سلكه شعراء هذيل الصعاليك في صورة الفرار فاستبدلوا ثقافة وقيم القبيلة بالطبيعة ،
واستعاضوا عن رموز هذه الثقافة باصطحاب الحيوان والسلاح، وفي هذه الرحلة الجديدة حل محل التجمع القبلي والأطلال والمرأة وبقر الوحش وغيرها،
من الاستئناس بالوحوش والارتباط بالقوس والسهام، والأماكن المرتفعة .

كانت الحرب في حياة العرب ضرورة فرضتها الظروف الاقتصادية وطبيعة العلاقات القبلية المبنية على العصبية،
فقد ( كانوا بغريزتهم يحملون لها من الكره قدر ما يحملون من الشجاعة في مواجهتها )

وحينما تذكر الحرب تذكر أدواتها من قسي ونبال وسيوف،
وقد ألف شعراء هذيل الصعاليك هذه العناصر التي تشكل جزءا لا يتجزأ من وجودهم فوصفوها وصفا دقيقا،
وكانت هذه العناصر كائنات حية يدفنون من خلالها معاناتهم النفسية والعاطفية، وقد يربط الشاعر منهم بين حب المرأة وتعلقه بسلاحه،
فتتحد مشاعره في إحساس واحد، يختزل صورة المرأة في عناصر الحرب التي تعتبر بالنسبة له أساس وجوده ،
وهكذا تتحد المحبوبة بالقوس والسيف وتتغير دلالة الأشياء عند الشاعر، فلم يعد( يرى شيئين بل يرى شيئا واحدا وقد أصبح هذا الآخر )
والكل يعبر عن توق الشاعر إلى الحياة الكريمة ...،
من هنا كانت وسائل الحرب وعلاقة الشعار بها تعويضا عن الفراغ الذي يحس به في نفسه بعد فراقه للعالم الذي كان يألفه،
وتقف المرأة على رأسه ولذلك راح المتنخل يقول:

وآسل عن الحب بمضلوعة = تابعها الباري ولم يعجـل
كالوقف لا وقر بها هزمها = بالشرع كالخشرم ذي الأزمل
من قلب بنع وبمنحوصة = = = = بيض ولين ذكر مقصل
منتخب اللب له ضربة = = = = خذباء كالعط من الخذعل
أفلطها الليل بعير فتسـ = = = ـعى ثوبها مجتنب المعدل

يتجول الشاعر بين محبوبته التي يؤلمه فراقها وبين سلاحه ،
فمحبوبته قريبة من قلبه قرب القوس التي يضعها على كتفه
وهي من الحسن بمكان، فقد أحسن بريها، وهي كالخلخال، إلا انه ليس فيها ثقب للدلالة على تفضيله لها، و( الخلخال ) هنا هو الرابط بين الصورتين , المرأة والقوس،
ولقوسه صوت إذا تحرك وترها كصوت النحل، وبالإضافة إلى القوس هناك النبل المرهفة النصال والسيف القاطع،
سيف له ضربة تشق اللحم شقا، فيترك فيه جرحا كجرح المرأة الحمقاء التي لا تأبه به ولا تداويه
وقد انشغلت بقدوم عير تنتظرها بفارغ الصبر، فتسعى مسرعة نحوها، فتجنب الطريق فيعلق ثوبها بشجرة فيتقطع جزء منه.
لنلاحظ كيف كانت القوس بديلا عن الحب وكيف راح بعد ذالك يتتبع تفاصيلها فهي كالوقف( أي الخلخال ).
وهكذا رغم اندفاعه إلى الأمام فارا من ماضيه إلا أن الخلخال وهو عنصر من الماضي ما زال يلاحقه في هذا التشبيه الذي شبه القوس به.
وهذه القوس رغم أنها خالية من العيوب( لا وقربها ) وهذا ما يوحي بأفضليتها إلا أن صوتها ضجيج كصوت النحل ناتج
عن هذا الصوت الداخلي وهو الصراع الذي يجده الشاعر بداخله.

ومن تصويره للسيف نشعر بفرار الشاعر وحسمه لأمره في عدم التلفت الى الخلف.فهو( مقصل وقاطع ) وبذلك يشير إلى الحزم،
و( منتخب اللب) وله للدلالة على فراغ ذهنه من مناقشة الأمر و( له ضربة كالشق) للدلالة على حسم أمره
ولننظر بعد هذا إلى تشبيه ضربة السيف بالجرح والشق في المرأة الحمقاء
وكأني به مازال مرتبطا في أعماقه بالماضي، أي بالقبيلة وعلى رأسها المرأة كرابط عاطفي
وحركة المرأة وصفتها تعبير آخر عن هذا الصراع وهذا التمزق الذي يكابده الشاعر في رحلته بين الماضي والمستقبل.

فالمرأة ( خذعل ) أي حمقاء، وقد يعود هذا الوصف أيضا على الشاعر لان حركة المرأة وهي تتلهف مسرعة نحو العير المحملة بكل أنواع السلع
والتي ظهرت لها فجأة تعبير عن شدة الإقدام والاندفاع ،ولكن إقدامها هذا يدل على حماقاتها، فجرحها يدمي وهي تتناساه ولكن إلى متى؟.
ألا نرى في هذه الصورة تعبيرا صادقا عن حياة الشاعر والصراع الذي يحس به؟ ألا يكون فراقه لأهله جرحا داميا في صدره يحاول أن يتناساه؟

ثم ما هذه العير التي استولى ظهورها على عقل المرأة وأفقدها صوابها فجأة ؟

أليست سوى هذه الأحلام التي يرحل الشاعر نحوها ويتناسى في سبيلها كل آلامه.

انها حركة سريعة تمر أجزاء الصورة فيها الواحدة تلو الأخرى معبرة عن بحث الشاعر عن بديل لحياة قديمة في رحلة جديدة .

وسلاح الصعلوك وسيلة من وسائل التحرر عنده فهو لا يريد أن يكون عبدا لخوفه من أعدائه،
كما انه لا يقبل الظلم من واحد،

ولهذا يقول صخر الغي مصورا ترسه وسيفه الأبيض الرقيم اللامع القاطع، وكذلك قوسه
الصفراء الهتوف ، وهما سلاحه الذي لن يفرط فيه.

وصارم أخلصت خشيبته = == أبيض ... في متنه ربـد
فليت عنه سيوف أريح حتـ = ى باء بكفي ولم أكد أجـد
فهو حسام تتر ضربته ســا = ق المذكي فعظمها قصـد
وسمحة من قسي زارة صفرا = = ء هتوف عدادها غـرد
ذلك بزي فلن أفرطه = = = أخاف أن ينجزوا الذي وعدوا
فلست عبدا لموعدي ولا = = = أقبل ضيما يأتي به أحـد

ولننظر كيف يرفض في البيت الأخير العبودية و الظلم ( فلست عبدا ) ،( ولا أقبل ضيما )

وبسبب هذا الرفض للسيطرة والظلم راح الصعلوك في هذيل يبحث عن حريته فارا إلى حيث الانطلاق والرحابة
والفرار إلى عالم جديد ، يمر عبر طريق صعب ، ينتهي بوجود الماء
رمز للحياة الجديدة ، وقد ينتهي إلى الجبال حيث ذلك المرتفع السامق الذي يتطلع إليه الشاعر.

إن ورود الماء البعيد في الأماكن الخالية إلا من السباع عند الشاعر المنتحل , مظهر قوة نفسية وشجاعة كبيرة

يبات بقرب المورد يزجر الذئاب وكأنه في معركة حقيقية ، ويزيد من شعوره بها أصوات البعوض المتداخلة

فالحالة النفسية التي يعيشها تلقي بظلالها على المحيط من حوله
فإذا أصوات البعوض أصوات حرب ، وجلبة ركب ، والحقيقة أن الشاعر يعيش حربا حقيقية أساسها الصراع الذي بداخله
بين أنماط الحياة القديمة ونمط الحياة المجهولة التي يتطلع إليها يقول في ذلك :

وماء قد وردت أميم طام = على أرجائه زجل الغطاط
قليل ورده إلا سباعا = يخطن المشي كالنبل المراط

لقد جمع في المكان بين الماء( طام ) والارتفاع ، وهذا المكان وإن كان يحمل الماء رمز الحياة ،
إلا انه صعب المنال لما يحيط به من مظاهر الخوف من جهة ولارتفاعه من جهة أخرى.

فبت أنهنه السرحان عني = كلانا وارد حران ساطي

و( الذئب ) صورة للعوائق التي تحول دون الشاعر والماء ، وهو في صراع مستمر معها،
ويريد أن يتخطى هذه العوائق ليصل إلى تحقيق حلمه الذي يصبو إليه.

كأن وغىالخموش بجانبيه = وغى ركب أميم ذوي هياط
كأن مزاحف الحياة فيه = قبيل الصبح آثار السيــاط

وانظر إلى تشبيه صوت البعوض حول الماء بصوت الركب والوغى ،
ففيه إشارة إلى المجتمع الإنساني الذي ما يزال صدى جلبته وأصواته تحاصر الشاعر،
كما أن تشبيهه لآثارالحياة بالسياط استحضار للظلم الإنساني الذي لم يقبله )صخر الغي( قبله
ويتغلب الشاعر في النهاية على كل العوائق ، وينتصر على الذئب والخوف ، ويشرب متأبطا سيفه.

شربت بجمه وصدرت عنه = وأبيض صارم إباطي

مما تقدم تظهر الشجاعة والقوة مظهرا من مظاهر التحرر عند الشاعر من الحياة القديمة ووسيلة لتحقيق حلمه الجديد ،

وقد تحمل الصعاليك الجوع والعراء والحر والبرد من أجل تحقيق أحلامهم بحياة جديدة فقد تحمل ( أبو خراش ) الجوع حتى قتله ،
وتحمل ( أبو كبير ) الحر صبرا في رأس شاهقة يحرس أصحابه ......
إن الامتناع عن الأكل في أي إناء كان فعل وجودي ، تمارسه الذات إذا لم تجد خيارا آخر،كما يفعل المضربون عن الطعام اليوم،
فالعزوف عن الأكل عند) أبي خراش (فعل قائم بذاته وليس سلبا فقط ، فعل حر يريد من خلاله البقاء شامخا بأنفه ويود بذلك
( أن يمتنع عن أي نوع من أنواع الحتمية ) ، وحتى لا يستبعده الإحسان.

واني لأثوي الجوع حتى يملني = فيذهب لم يدنس ثيابي ولا جرمي
مخافة أن أحيا برغم وذلة = = وللموت خير من حياة على رغـم

إنها صورة من صور الحياة الكريمة التي لا سلطان للآخرين فيها على ذات الشاعر،
والموت أفضل بكثير عنده من حياة الخنوع ( وللموت خير من حياة على رغم ).



.............. يتبع ............

عز الرفيق 11-06-2010 10:55 PM

رد: دلالة الفرار في شعر الهذليين في العصر الجاهلي
 
.
.



وعندما نقرأ للشاعر( أبي كبير) نجده يتحول في قصيدته الفائية من صيغة ( عفت الديار ) الدالة على الموت إلى صيغة ( فعلت ) الدالة على الحياة ،
فتختفي الأطلال ، ويحل محلها المكان الذي تتجسد فيه فاعلية الذات من خلال مجابهتها للخوف ،

والوحدة والخشونة، في سبيل ورود الماء رمز الحياة الجديدة .

ولقد وردت الماء لم يشرب به = بين الربيع إلى شهور الصيف
إلا عواسل كالمراط معيدة = بالليل مورد أيم متغضـــــف
تعوي الذئاب من المجاعة حوله = إهلال ركب اليامن المتطوف

لقد تعود الشاعر على حياته الجديدة ، وألفها حتى أن صوت الذئاب لم تعد تدل على الخوف عنده
فراح يقرن بين عوائها و( إهلال ركب اليامن المتطوف )

وانظر إلى كلمتي ( إهلال )و( اليامن) وما تشعانه من الفيض والبشر والأنس بأصوات الحيوان البريء رغم توحشه

والذي لا يعرف المكر والخداع ، وقبل أن يصل الشاعر( أبو كبير) إلى هذا المكان اجتاز أرضا شاسعة

لا تستطيع الحمر اجتيازها ، ماسكا بيده سيفا به الفلول ماض الأثر ....

ولقد أجزت الخرق يركد علجه = فوق الإكام إدامة المسترعف
فأجزته بأفل يحسب آثره = = = نهجا أبان بذي فريغ مخرف

لقد اجتاز الشاعر الطريق إلى الحياة الجديدة عبر طريق شاق يقف دونه العلج يقطر دما فيرجع على أعقابه ،

وكان رفيق الشاعر في هذه الرحلة سيفه الأفل والذي تتوحد صورة أثره بصورة الطريق الواسع.

وهذا ( مالك ابن الحارث ) يرد على العاذلات يلمنه على القتال كل يوم مع أصحابه الأشداء،
بأنه لن يكف عن الغزو ما دام ماله ناقصا ، ولو مات في سبيل ذلك ، وإن الجبان لا حياة له ،
فإذا ما كثر ماله فسيتوقف عن الغزو, لأنه رأى الناس يمدحون ذا المال ولو كان قبيحا،ويسجد الفقراء للغني ولو لم يسقهم شربة حليب مغشوشة بالماء .

تقول العاذلات أكل يوم = = = لرجلة مالك عنق شحاح
فيوما يغنمون معي ويوما = أؤوب بهم وهم شعث طلاح
فلست بمقصر ما ساف مالي = ولو عرضت بلبتي الرماح
ومن تقلل حلوبته وينكل = = = عن الأعداء يغبقه القراح
فلوموا ما بدا لكم فاني = = = سأعتبكم اذا انفسح المراح
رأيت معاشرا يثني عليهم = = اذا شبعو ا وأوجههم قباح
يظل المصرمون لهم سجودا = ولم لم يسق عندهم ضباح

والشاعر في هذه الأبيات قد فصل لنا صراحة الدوافع الاجتماعية والاقتصادية التي دفعته إلى طريق الغزو،

وهي دوافع مرتبطة بنظام القيم في القبيلة والذي لا قيمة فيه للفقير( ومن تقلل حلوبته ).
وكثرة الحليب لا تكون مع الجبن والخوف من الغزو.

وللنظر إلى هذا الجدل في الصورة كيف يعمق تشبث الشاعر بأحلامه .

فلوموا ما بدا لكم فاني = سأعتبكم إذا انفسح المراح

إذا فالشاعر يسعى إلى تغيير واقعه وتوسيع حياته التي عبر عنها بقوله( انفسح المراح ).

ولاحظ هذه الصورة القاسية التي يرسمها للفقراء ، والتي كانت سببا قي فراره إلى عالمه الجديد ، عالم الصعلكة والغزو والسطو .

إن قوله ( يظل المصرمون لهم سجودا ) يوحي بقمة الذل ، وليت هذا السجود كان سجودا آنيا لهان الأمر
لكنه سجود دائم وقد استعمل للدلالة على ذلك الفعل( يظل ) للتعبير عن الاستمرار في السجود والخضوع .

هذه هي الحياة التي رفضها هؤلاء الشعراء ، وراحوا يتطلعون بعدها إلى حياة يمتلكون فيها وسائل الحياة الرغدة والكريمة ,,,
ولا يتحقق ذلك عندهم إلا بحمل السلاح والهروب من القبيلة إلى مكان يتجمعون فيه لافتكاك رزقهم ورزق عيالهم وتبوىء
مكانتهم التي تليق بقدراتهم وإمكاناتهم ومكانتهم،في أعلى القوم وأعلى القبيلة وليس مع المحرومين والمعدومين ....

من هنا يستمد المكان المرتفع في قصائد هؤلاء دلالته ويصبح الجبل رمزا للعلا والحلم الذي يسعى الشاعر وراء تحقيقه.

فإذا ما وصل الشاعر ( الأعلم ) فقد بدأ بتحقيق شيء من حلمه ، ولا يكفي الوصول بل يجب الصعود إلى أعلى القمة
والوقوف عليها لمراقبة الحياة من الأعلى،,,
فجاءت صورة الصعود إلى القمم العالية جزءا من صورة الفرار إلى الحياة الجديدة ,,,,

وقد تكررت هذه الصورة عند مجموعة من شعراء هذيل مما يدل على ضغطها عليهم.

ومن أمثلتها هذه الأبيات( للمنتخل ) يصور فيها صعوده إلى مرقبة في نهاية رحلة في فلاة.

ومرقبة نميت إلى ذراها = = تزل دوارج الحجل القواطي
وخرق تحسر الركبان فيه = بعيد الغول أغبر ذي نيـاط
أجزت بفتية بيض خفاف = كأنهم تملهــم سبـــاط

(((

إنها مرقبة لا تستطيع حتى الطيور أن تصل إليها...!!!!

لكننا نعرف أن الجبل الحقيقي مهما على ، فلا يعلو على الطير ، فكيف إذن نفهم كلام الشاعر ؟ )))

لا شك انه يريد أن يتحدث عن مرقبة في الضمير وليست خارجه ، فهي في النفس وإن كان المكان والطريق الطويل منطلقهما ...
ولننظر إلى تصويره ( للفتية البيض )، وكيف يشيع البياض في وسط الحمى ( سباط ) جواً حالما ممزوجا بالألم الذي ينبعث من المرض
فينعت هذه الحياة بالنقاء والصفاء والبراءة، فهي حلم جميل لولا كلمة( سباط ) الحادة بسينها وبانفجار بائها وطائها.
,
,
,

وقد يتحد الجبل بالإنسان عند نفس الشاعر في رثاء ابنه ( أثيلـة ) الذي يصوره رمحا كان يقهر به الرجال، إلى

أن يشبهه بالقمة التي لا يدنو منها إلا السحاب والنحل.


رباء شماء لا يأوي لقتلها = إلا السحاب وإلا الأوب والسبـل

وهذا ( أبو كبير) يتذكر أيام شبابه ويفخر بالصعود إلى الأعالي.

ولقد ربأت إذا الرجال تواكلوا = حمى الظهيرة في اليفاع الأطول
في رأس مشرفة القذال كأنما = أطر السحاب بها بياض المجدل

(((

وهناك شعراء آخرون ضمنوا شعرهم هذه الصورة ولم يذكروا الناقة في رحلتهم كما فعل غيرهم

والسبب الذي يعلل هذه الظاهرة هو أن الناقة وظفت للتعبير عن رحلة الشاعر في الحياة عند غير هذيل ...

أما شعراء هذيل وخاصة الصعاليك فعوضوا الرحيل على الناقة بالفرار إلى الجبل،

فرارا كان رمزا للحياة الأبدية التي يتطلعون لها بأرواحهم التواقة للخلود وللحياة الكريمة. )))


لقد اشرأبت نفوس الصعاليك تعانق هذه القمم، ترى في صورتها رمزا للحياة، حياة تطول على مر الأيام والسنين، يموت الإنسان،

ويفنى الحيوان، وتخرب القصور، وتقفر الدور، ويبقى الجبل عبر العصور جالسا وقورا، كبير السن، شامخا، يشيع الأمن والاطمئنان على ما حوله.

,
,
,

وهكذا فهذه الصورة التي صور فيها الشاعر الهذلي فراره من المعركة لم تكن في حقيقتها سوى فرار من المجتمع القبلي إلى المجتمع الطبيعي،

فرار من نمط حياة يقوم على ثقافة وعادات القبيلة إلى حياة جديدة تبدأ من البداية وتحطم كل ما بني في القبيلة.

لقد حاول الشعراء الصعاليك أن يتجمعوا لثورة يقوضون بها أركان المجتمع القبلي، ولكن عملهم كان فرديا لم يصل إلى غايته وبقي في إطار الأحلام والآمال....
ولعله كان الإرهاص لذالك الانقلاب الكبير الذي أحدثه الإسلام فيما بعد . ..!!!

.......... انتهى ......

الفند الضبيبي 11-07-2010 12:39 AM

رد: دلالة الفرار في شعر الهذليين في العصر الجاهلي
 
ولعله كان الإرهاص لذالك الانقلاب الكبير الذي أحدثه الإسلام فيما بعد . ..!!!

ليس لعل بل مؤكد

هذا المبحث مهم جدا فهو يعكس مدى الفكر الراقي لدى الشاعر العربي عموما والشاعر الهذلي خصوصا



ابو هذال سلمت اناملك على نقل هذا الفكر النير وبيض الله وجهك

مايميزني لقب 11-12-2010 08:18 PM

رد: دلالة الفرار في شعر الهذليين في العصر الجاهلي
 
عَزَّة الْنَّفْس وَعَدَم الْخُضُوْع وَالْإِذَلال هِي الْثَّرُوَه الْحَقِيقِيْه الَّتِي يَمْتَلِكُهَا الْفَرْد الْهُذَلِي ..
وَالْحَمْد لِلَّه ان جَاء بِالْاسْلَام مُرَسِّخ الْعِبَادَات وَسَاخِط الْمُنْكَرَات وَكُل عُبُوْدِيَّه لِغَيْر ه سُبْحَانَه وَتَعَالَى وَحِفْظ حُقُوْق الْمُسْلِم فَرْدا وَجِمَاعُه ..!!
اشْكُرُكــ عَلَى هَذَا الْنَّقْل الْمُمْتِع

أبو ملاذ 11-14-2010 10:21 PM

رد: دلالة الفرار في شعر الهذليين في العصر الجاهلي
 
http://up.arab-x.com/Nov10/3TW62582.gif


http://up.arab-x.com/Nov10/ClR62582.gif


اعلى تقييم


ولي عوده للاستزاده والاستفاده


شكرا لك اخي عز الرفيق كم انت مبدع

لك مودتي

خالد الياسي 12-09-2010 12:09 PM

رد: دلالة الفرار في شعر الهذليين في العصر الجاهلي
 
شكر ا استاذ فيصل وبارك الله فيك

بحث مهم جدا

تم تحويله الى كتاب الكتروني

على هذا الرابط


الساعة الآن 02:31 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
الحقوق محفوظة لشبكة هذيل