![]() |
الشعر العربي
الزَّجل الزَّجل. فن من فنون الشعر العامِّي، نشأ وازدهر في الأندلس، ثم انتقل إلىالمشرق العربي على خلافٍ في ذلك بين مؤرخي الأدب. معناه اللغوي. تفيدنا معرفة المعنى اللغوي لكلمة زجل في إدراك السبب في اختيارالكلمة اسما لفن الزجل. فالأصل الحسي لكلمة زَجَل يفيد أنها كانت تعني: درجة معيّنةمن درجات شدة الصوت، وهي الدرجة الجهيرة ذات الجلبة والأصداء. وبهذه الدلالة، كانيُقال للسحاب: سحاب زَجِل، إذا كان فيه الرعد. كما قيل لصوت الأحجار والحديدوالجماد أيضًا زجل. ثم تغيرت دلالة كلمة زَجَل، فأصبحت تعني اللعب والجلبة والصّياح، ومنها انتقلتإلى معنى: رفع الصوت المرنَّم. ومن هنا جاء إطلاق اسم زجل على صوت الحَمَام، ثمإطلاقه على الصوت البَشَري المُطرب. وقد يؤكد هذا الارتباط الدلالي بين كلمة زجلومعني الصوت العالي المُنَغَّم أن كلمة زجَّالة ما زالت تُطلق ، في إحدى واحات مصر،على جماعة الشباب الذين يجتمعون في مكان بعيد ليؤدُّوا الرقص والغناء الصاخببمصاحبة آلاتهم الموسيقية. معناه الاصطلاحي. غدت كلمة زجل في الدوائر الأدبية والغنائية مُصطلحًا يدل علىشكل من أشكال النظم العربي، أداته اللغوية هي إحدى اللهجات العربية الدارجة،وأوزانه مشتقة أساسًا من أوزان العروض العربي، وإن تعرضت لتعديلات وتنويعات تتواءمبها مع الأداء الصوتي للهجات منظوماته. ويتيح هذا الشكل من النظم تباين الأوزانوتنويع القوافي وتعدد الأجزاء التي تتكون منها المنظومة الزَّجلية، غير أنه يُلزمباتباع نسق واحد ينتظم فيه كل من الوزن والقافية وعدد الشطرات التي تتكون منهاالأجزاء، في إطار المنظومة الزَّجلية الواحدة. وقد صنَّف القدماء الزجل، مع المواليا والقوما والكان كان ضمن ماسمَّوه الفنونالشعرية الملحونة أو الفنون الشعرية غير المُعْرَبة. ويقصدون بهذا الاسم: أشكالالنظم العربية التي ظهرت في العصر الأدبي الوسيط، والتي لم يلتزم ناظموها باللغةالفصحى المعيارية، وخاصة بالنسبة لقواعد الإعراب. واعتماد ذلك التصنيف على هذاالفارق اللغوي يدلّ على إدراك نافذ. فالواقع أن هذه الأشكال غير المُعْرَبة ظلت علىصلة وثيقة بالأشكال المُعْرَبة، وتتبنى تقاليدها الفنية، رغم فارق مستوى الأداءاللغوي. بل إن لغة الزجل، مثلاً، وإن كانت غير مُعْرَبة، كانت تقترب من الفصحى بقدركبير. فلـُغة المنظومات الزَّجلية كانت لهجة دارجة خاصة بالزجالين، بوصفهم أفرادًايلتحقون بالدوائر الأدبية السائدة، وتتحد أطرهم المرجعية في داخل نوع الثقافةالعربية التي تُقرُّها هذه الدوائر. وقد ظل هذا الفارق في مستوى الأداء اللغوي أحدمقوّمات تمايز الزجل عن الشعر الفصيح، كما كان في الوقت نفسه أحد مقوّمات تمايزالزجل عن أشكال الشعر الشعبي (الجَمْعِي، الفولكلوري) وعن حركة شعر العاميةواختلافه معها. مكان الزجل بين أشكال النظم الأخرى. اتخذ الزجالون من الزجل شكلاً للتعبيراستجابة لحاجة لغوية، وتحقيقًا لوظيفة فنيّة، لم تكن الأشكال الأخرى تفي بهما. فقدانحصر كل من القصيدة التقليدية والموشح، بلغتهما ومواضعاتهما، في دائرة مُحدَّدةرسميًا وفئويًا. بينما استبعدت أشكال الشعر الشعبي (الجَمْعِي، الفولكلوري)،الموجودة بالفعل. في الوقت الذي كانت قد تكوّنت فيه شريحة اجتماعية جديدة من أبناءالبيوتات العربية في الحواضر والمدن. وكانت هذه الشريحة قد تقلّبت بها صروف الحياةومطالب العيش في أسواق هذه المدن، ولكنها في توجهاتها ومطامحها تسعى للالتحاقبالدائرة الحاكمة مستجيبة لمعاييرها الاجتماعية والثقافية. ومن هنا، سعى مثـقّـفُوهذه الشريحة الجديدة للتعبير عن أنفسهم في شكل جديد وسيط، يتناسب مع وضعهمالاجتماعي والثقافي الوسيط. وكان على هذا الشكل المُوَلَّد أن يعتمد أداة له: لهجةمُوَلَّدة تَدْرُج بين هذه الفئة من المثقفين، وأن يتخذ من ذائقتها ومعاييرهاالفنية ضابطًا. وكان هذا الشكل المُوَلّد هو الزجل. ومنذ بداياته الأولى، ظل الزجل فنا مدينيا في المقام الأول، وبقي محتلاًّ موضعهالوَسَطِيّ بين أشكال النظم العربية. وإن كانت وسطيَّته هذه تميل إلى جانب تراثالشعر الفصيح، وتبتعد عن مأثور الشعر الشعبي (الجَمْعِي، الفولكلوري). وعلى أساسموضوعه الوَسَطِيّ هذا، تحددت وظائفه وخصائصه، كما تحدد مسار الظواهر التي رافقتنموه عبر تاريخه الطويل. وإدراكنا لهذا الموضع الخاص بالزجل يُمكننا من حُسن فهمخصوصياته، ويزيل كثيرًًا من الالتباسات التي أحاطت به، سواء ما أثاره القدماء أو ماأحدثه المحدثون. هيكل المنظومة الزجلية. تشير المصادر القديمة إلى أن الزجالين، في المرحلةالأولى من ظهور الزجل، كانوا ينظمون الأزجال في هيئة القصيدة العربية المعهودة، ذاتالأبيات المُفردة والقافية الواحدة والوزن الواحد. وهي بذلك كانت تشبه القريض، لاتختلف عنه بغير عدم التزام الإعراب وباستخدام لهجة ناظميها الدارجة. وكانت تلكالمنظومات تُسمَّى القصائد الزجلية. وقد يُمثل هذا القالب قصيدة مدغليس، الذي كان واحدًا ممن ثبتوا فن الزجل منمعاصري ابن قزمان (ت554هـ).ومطلعها: مَـضَ عــنّي مَـن نحـــــبُّو ووَدَّعْ و لهيب الشُوق في قَلبي قد أودَعْ لو رَأيتْ كفْ كُنّ نَشياعوا بالعين وَمَ ندري أن روحي نشيع من فظاعة ذا الصَبَر كنت نعْجب حتّى ريْتْ أنْ الفراق منّو أفظعْ ومنذ هذا الطور الأول في حياة الزجل، بقي قالب القصيدة رصيدًا دائمًا يعود إليهالزجالون، وإن مالوا، من بعد، إلى النظم في هيئات متجددة تتعدد فيها الوحدات،وتتفرع الأوزان، وتتنوع القوافي. وأبسط قوالب النظم في هذه الهيئات المتجددة ما يعتمد على وحدات رباعية. كمايتبين من النموذج التالي المنقول عن زجل لصفي الدين الحلِّي (750هـ): ذا الوُجُود قَدْ فاتَكْ وأنْتَ في العَدَم ما كُفيت من جَهْلَكْ زَلَّة القَدَم قَدْ زَرعْتَ ذي العَتْبَة فاحْصـدُ النَّدَمْ أو تَريدْني الساعة ما بَقِيتُأريدْ ثم تتدرج قوالب النظم من حيث كثرة عدد أقسام المنظومة، وعدد أشطار وحداتها، ومنحيث التنوّع في التقسيم الموسيقي لعناصرها، بحيث يصل تركيب قالب المنظومة فيما سُميالحِمْل، مثلاً، إلى الصورة التالية: للحمل مطلع ذو بيتين. وبعد المطلع تتالي الأدوار، وهي اثنا عشر دورًا في الغالب. والدور خمسة أبيات أو أربعة. فإذا كانت الأدوار من ذات الخمسة أبيات فتأتي الثلاثةالأولى على قافية واحدة والاثنان الأخيران على قافية المطلع، وإلا كانت كلها علىقافية واحدة. وكما كثُرت قوالب النظم، كَثُرت مصطلحاته وتسميات تفريعاته وعناصره بما تطولمتابعته. ولكنا نكتفي بإيراد المخطط التالي لإيضاح هيئة وحدة زجلية وتسمياتأجزائها. المطلـع: غصن أ غصن ب البيـت أ غصن أو أ غصن الدور أ غصن القُفل: غصن أ غصن ب ولا تختلف هذه التقسيمات كثيرًا عن التقسيمات الفنية لأجزاء الموشحة. انظر: الجزء الخاص بالموشحات في هذه المقالة. أما في العصر الحديث، فقد مال الزجالون إلى النظم في القوالب البسيطة، وابتعدواعن التعقيد وتشقيق الأجزاء، ولهذا تتخذ منظوماتهم إما هيئة القصيدة، وإما تلكالمعتمدة على الوحدات الرباعية وأضرابها. أغراض الزجل. منذ أن استقر الزجل شكلاً من النظم مُعْترفًا به، ومنظوماته تعالجمختلف الأغراض التي طرقتها القصيدة العربية التقليدية، كالمدح والهجاء والغزلوالوصف. وقد استمرت تلك الأغراض قائمة يتناولها الزجالون على توالي العهود والعصورحتى اليوم، غير أن للزجالين، في كل عهد معين وبيئة محددة، مجالات يرتبطون بها. ومنثم كان مركز اهتمامهم ينتقل من أغراض بعينها، تلقى قبولاً في هذا المجال أو ذاك،إلى أغراض أخرى، تختلف باختلاف العهود والبيئات الثقافية التي ينتمون إليها. ومن ذلك ما نقرؤه في أزجال زجّالي أندلس القرن السادس الهجري، وزجالي العصرالمملوكي في القرن الثامن، مثلا، من انشغال بالعشق والشراب، ووصف الرياض ومجالسالصحاب؛ نتيجة لالتفاف زجالي هذين العهدين حول دوائر الخاصة والتحاقهم بمجالسهمالتي كان مدارها الغناء والتنافس في إظهار المهارة والتأنُّق والتَّظرُّف. وعندما أصبح للصوفية وجودها في الحياة الاجتماعية، وأصبح من أهل التصوف مَن ينظمالزجل، غدا الزجل مليئًا بالمواعظ والحكم ووصف أحوال الصوفي. على هذا النحو، تنقلت محاور التركيز في أغراض الزجل وموضوعات منظوماته، إلى أنجاء العصر الحديث وأصبحت مواجهة الاستعمار والتغيير الاجتماعي هما شغل الأُمَّةالشاغل، أخذ الزجالون يشاركون في الحركة الوطنية. ولذا صارت القضايا الاجتماعيةوالسياسية من أهمّ المواضيع التي تعالجها المنظومات الزجلية. وفي كل الأحوال، فهذا الارتباط الوثيق بين المنظومات الزجلية ومشاغل ناظميهاوجمهورهم الذي يتلقاها، قد وفّر للمنظومات الزجلية إمكانية واسعة لتجويد أساليبهاوصقل طرق صياغتها؛ كما أتاح لأدواتها البلاغية وتصويرها البياني مزيدًا من الواقعيةوالقدرة على التشخيص والتجسيد، الأمر الذي يسَّر استخدام الزجل في أشكال التعبيرالفني الحديثة. الزَّجَل في الأندلس. يعد الزجل والموشح من الفنون الشعرية التي ازدهرت فيالأندلس لظروف خاصة بالبيئة الأندلسية ثم انتقلت بعد ذلك إلى المشرق. وقد مر الزجل بخمسة أطوار نوجزها في الآتي: أ- مرحلة ما قبل ابن قُُزمان. كان الزجل في هذه المرحلة هو شعر العامة وأقرب مايكون للأغنية الشعبية التي تشيع على ألسنة الناس وتكون جهد جنود مجهولين. ونرجح أنالفئة المثقفة في هذه المرحلة كانت أكثر عناية بالقصائد والموشحات بينما كانتالطبقة العامة أكثر شغفًا بالأغنية الشعبية والزجل العامي. ولعل هذه المرحلة كانتفي أواخر القرن الثالث الهجري. ب- زجل الشعراء المعربين هو الطور الثاني من أطوار الزجل ويمثله نفر من الشعراءالذين كانوا يكتبون القصيدة أو الموشح قبل عصر ابن قزمان ثم اتجهوا لكتابة الزجلعندما رأوا رواج هذا اللون من الشعر عند العامة وهو أمر يشبه ما نراه اليوم حينيكتب بعض شعراء الفصحى أزجالاً عامية للغناء. ولعل هؤلاء النفر من الشعراء المعربينهم الذين عناهم ابن قزمان حين عاب على أزجالهم وقوع الإعراب فيها فسخر منهم فيقوله: ¸يأتون بمعان باردة وأغراض شاردة وهو أقبح ما يكون في الزجل وأثقل من إقبالالأجل·. وتميز من بين هؤلاء النفر الزجال أخطل بن نمارة، فقد أشاد ابن قزمان بحسن طبعهوحلاوة أزجاله في قوله: ¸ولم أر أسلس طبعًا وأخصب ربعًا من الشيخ أخطل بن نمارةفإنه نهج الطريق، وطرّق فأحسن التطريق·. وقد ظهر هؤلاء المتقدمون من الزجالين المعربين في القرن الخامس الهجري خلال عصرملوك الطوائف. ولما كانت بلاطات ملوك الطوائف أفسح صدرًا للشعراء وأكثر رعاية للشعرالمعرب وتشجيعًا لأهله، لم تزدهر أزجال هذا الطور ومنيت بالكساد. جـ- ازدهار الزجل. يمثل هذا الطور زجالو القرن السادس الهجري وهو نهاية عصر ملوكالطوائف وبداية عصر المرابطين. وقد ازدهر الزجل في هذا الطور بتشجيع الحكام الذينكان حسهم باللغة العربية لا يبلغ حس سابقيهم من ملوك الطوائف. ومن ثم لم تلقالقصائد والموشحات الرعاية السابقة التي كانت تحظى بها في بلاطات ملوك الطوائف. ويُعد ابن قزمان إمام الزجل في هذا العصر بل وفي الأندلس قاطبة. واسمه أبو بكر محمدابن عيسى بن عبد الملك بن قزمان (480-525هـ، 1087-1130م) عاش في عصر المرابطين،وتوفي في صدر الدولة الموحدية. نشأ في قرطبة نشأة علمية أدبية، إذ كان كاتبًاوأديبًا وشاعرًا ووشَّاحًا. وقد ورد في بعض المصادر أنه لما أحسّ قصر باعه في الشعروالتوشيح عمد إلى طريقة لايجاريه فيها أحد، فصار إمامًا لأهل الزجل. تجاوزت شهرتهفي الزجل الأندلس إلى المغرب والمشرق وقد صدر ديوان أزجاله صوت في الشارع أول مرةعام 1896م ثم عام 1933م بحروف لاتينية ثم نشر مرة ثالثة من قبل المستشرق الأسبانيغارسيه قومس بحروف لاتينية مع ترجمة أسبانية. بلغ الزجل على يد ابن قزمان ذروة نضجه حين قعَّد له القواعد، وجعل من أزجالهتدريبًا عمليًا لكُتّاب الزجل اللاحقين. كما عالجت أزجاله مختلف الأغراض التي وردتفي الموشحات وإن غلب عليها الكُدية والتسول والإغراق في اللهو والمجون، كما كانينتقد الأوضاع السياسية والاجتماعية . ويظل ابن قزمان على الرغم من مجونه واستهتاره أبرع زجالي الأندلس وإمامهم. فقدطبع الزجل بصورته الفنية في قالب عامية الأندلس التي تراوح بين العربية واللهجةالرومانسية (العامية اللاتينية)، يقول: ذاب تنظر في مركز مطبـوع بكـلامًــا نبــــــيل وتراه عندي من قديم مرفوع ليـس نرى به بديـل بالضـرورة إليه هو المرجـوع دَعِنْ عن قال وقـيل الشراب والغنا والجر في المـا في رياضًا عجيــب هــذا كل عـــلا هُ عنـــدي لوصـــال الحبيـــب د- الطور الرابع. يبدأ بمنتصف القرن السادس إلى القرن السابع الهجري، وهو مرحلةشهدت وفاة ابن قزمان وسقوط دولة المرابطين وقيام دولة الموحدين. ويعد أحمد ابنالحاج المعروف بمدغليس هو زجال هذا الطور وخليفة ابن قزمان في زمانه، كما ظهرزجالون آخرون كابن الزيات وابن جحدر الإشبيلي وأبي علي الحسن الدباغ. هـ- الطور الخامس والأخير في حياة الزجل في الأندلس يقع في القرن الثامن الهجري،وكان من أشهر زجاليه الوزير لسان الدين بن الخطيب، وأبو عبد الله اللوشي، ومحمد بنعبد العظيم الوادي آشي. موضوعات الزجل في الأندلس. عالج الزجل كثيرًا من الموضوعات التي عرفها الشعروالموشح، إلا أن الزجل كان يمزج في القصيدة الواحدة بين غرضين أو أكثر. فالغزليمتزج بوصف الخمر والمدح يأتي في معيَّته الغزل أو وصف الطبيعة، ومجالس الشراب. ووصف الطبيعة تصحبه مجالس الطرب والغناء. أمّا الأزجال التي اختصت بغرض واحد لاتتجاوزه فقليلة. ويعدُّ الزجل الصوفي من الأزجال ذات الغرض الواحد وكان الشستري (توفي سنة 682هـ، 1283م) من زجالي القرن السابع الهجري أول من كتب الزجل في التصوفكما كان ابن عربي أول من كتب الموشح في التصوف. أشكال الزجل في الأندلس، وأوزانه وسماته. تتفق القصيدة الزجلية مع القصيدةالمُعْرَبة في التزام الوزن الواحد والقافية الواحدة والمطلع المصرع. وتختلف عنهافي بساطة اللغة وعفويتها حتى تبلغ درجة السذاجة أحيانًا في بعدها عن الإعراب ووقوعاللحن فيها. يتفق الزجل من حيث الشكل والتقسيمات الفنية مع الموشحة في المطالع والأغصانوالأسماط والأقفال والأدوار والخرجات. وتكمن قيمة الزجل الحقيقية في صدق تعبيره عن واقع حياة الناس في الأندلس، فيأزقة قرطبة وحواري إشبيلية، وفي شفافية نقله لحياتهم بخيرها وشرها، جدها وهزلها،أفراحها وأحزانها... وهذا ما أكسبه صفة الشعبية وجعل الناس أكثر تعلقًا به. نماذج من الزجل. يقول ابن قزمان في وصـف الطبيعة: الربيــع ينشـــــر عــلام مثـل ســــــلطانًا مـؤيـد والثمـار تـنـثـــر حليــــه بثيــاب بحـــل زبرجــد والريــاض تلبــس غلالا من نبـات فحــل زمــرد والبهــار مـع البـنـفسـج يا جمال أبيض في أزرق ويقول في الغزل: هجرن حبيبي هجر وأنا ليس لي بعد صبر ليس حبيبي إلا ودود قطع لي قميص من صدود وخاط بنقض العهود وحبب إليّ السهر كان الكستبان من شجون والإبر من سهام الجفون وكان المقص المتون والخيط القضا والقدر ومن أزجال الشستري الصوفية قوله: راس محلــــــوق ونمـــــش مولــــه نطلب في السوق أو في دار مرفـــه حـــافي نرشـــق تقــول اعـطِّ اللّه خبـــزًا مطبـــوع ممن هـو مطبـــوع مطـبوع مطبــوع إي والله مطبــوع الزجل في المشرق العربي. تفيد المصادر التاريخية بأن الدوائر الثقافية في المشرقالعربي تابعت إنجاز روّاد الزجل الأوّلين في الديار الأندلسية منذ ظهوره. ويبدو أنظهور الزجل، بوصفه شكلاً من النَّظْم باللهجة الدارجة، لم يكن مُسْتغربًا بالنسبةللمشارقة. فقد كان لدى المشارقة أشكال أخرى من النظم باللهجات الدارجة. حيث كانتتوجد أشكال من الشعر الشعبي (الجمعي، الفولكلوري) باللهجة العامية، كما ولّدت دوائرالخاصة أشكالاً من النظم بلهجاتها الدارجة، كالمواليا، والقوما، وكان وكان،والحماق. ومنذ ذلك الوقت، احتفى المشارقة بهذا الشكل الجديد وأخذوا يتوسعون في النظم به. ولا نكاد نصل إلى القرن السابع الهجري حتى نجد أن الزجل قد شاع بين أدباء مصروالشام والعراق، وكأنما كان على كل مشتغل بفن القول أن يُدلي بدلوه، ويثبت مهارتهفي النظم بالزجل. وتتتالى أسماء من ينظمون الزجل من الأدباء والشعراء منذ ذلكالحين، فنقرأ عن: علي البغدادي (ت684هـ) في العراق، وابن النبيه (619هـ) وابن نباتة (ت 718هـ) في مصر، وأحمد الأمشاطي (ت 725هـ) وعلي بن مقاتل الحموي (761هـ) فيالشام، وغيرهم. ومن ثَمَّ صار نظم الزجل أمرًا مقبولاً في البيئة الثقافية، وأصبح فقرة مرغوبًافيها في مجالس الأدب. وهكذا انضم الزجالون إلى البلاط الأدبي لأمراء وسلاطين العصرالمملوكي في مصر والشام، حتّى صار من الزجالين مَن تولىّ الوزارة، مثل: محمد بنسليم المصري (ت 707هـ) وابن مكانس القبطي (794هـ). الزجل في مصر. يُجمع دارسو الأدب العربي ومؤرخوه على أن الديار المصرية هي التيهيّأت للزجل موئلا كفل له الاستقرار والاستمرار. ففي مصر، اتسعت حركة الزجل وتنوّعتمجالات النظم به. وفيها عكف ناظمو الزجل على تجويده وتنمية قوالبه وأساليبه الفنية. وفيها ظهر من ناظمي الزجل مَن انقطع لتأليف الأزجال وأصبح مختصًّا به ومتفرغًا له. ومن أوائل الزجالين الذين اشتهروا بذلك: إبراهيم الحائك المعمار (ت 749هـ) ثمأبوعبد الله الغباري (ت 762هـ). تاريخ الزجل ونقده. كان لظهور الزجل وانتشار النظم به أثرهما، ليس على المستوىالإبداعي فحسب، بل على مستوى الكتابة حول الزجل أيضًا، وذلك بتناول جوانب من تاريخهأو ظواهره أو قواعد نظمه أو خصائصه الغنية أو دوره الاجتماعي. والفاحص للمؤلفات العربية التي وصلتنا منذ القرن السادس الهجري، وخاصة المؤلفاتالتي عنيت بالحركة الأدبية والفنية، يجد مادة تاريخية مفيدة حول الزجل والزجالين. ومع أن تجميع هذه المادة وضمها يساعدنا في تكوين تصوّر عن ظهور الزجل ونموّه، إلاأنها تظل في حدود الإشارات غير الوافية. ولكن، ولحسن الحظ، يصلنا من القرن الثامن الهجري مصدر أكثر استقصاء، وهو كتابالعاطل الحالي والمرخص الغالي لمؤلفه صفيّ الدين الحِلِّي (ت 750هـ). انظر: العاطلالحالي. وقد مارس المؤلف نظم الزجل واحتك بالزجالين خلال تجواله الطويل بين حواضرمصر والشام والعراق. وقد هيأ له كل هذا إمكانية نقل كتابته من مستوى إيرادالمعلومات والأخبار إلى مستوى التأريخ لحركة الزجل حتى أيامه، والاجتهاد في تأسيسقواعد لنظم الزجل. ومن بدايات القرن التاسع الهجري يصلنا كتاب آخر، يتابع العاطلالحالي، وهو كتاب بلوغ الأمل في فن الزجل لمؤلفه ابن حجة الحموي (ت 837هـ). وابنحجة، أيضًا، كان ينظم الزجل وخالط الزجالين متنقلا بين الشام ومصر. وما زالالكتابان مصدرين يرجع إليهما الدارسون لتاريخ الزجل وقواعد نظمه. أما في العصر الحديث، فقد كان لانتشار الزجل وصلته بالحركة الوطنية أثرهما فيتنامي الكتابة النقدية حول الزجل. فظهرت مقالات تعريفية في الصحف والمجلات وفيمقدمات دواوين الزجالين. ثم خُصّ بعض الزجالين المتميزين بمقالات نقدية تبيّن دورأزجالهم ووسائلها البلاغية. ثم تصبح الكتابات النقدية حول الزجل أكثر تعمقا فيالدوريات المتخصصة وبعض الأطروحات الجامعية، وخاصة أنه قد أسهم في الجدل حول الزجلما أثاره الباحثون الأجانب من آراء ونظريات. الزجل في العصر الحديث. مع قيام النهضة العربية الحديثة، انتقل الزجل إلى طورجديد. فقد تبنى الزجل فئة من المثقفين الذين كانوا فصيلاً في حركة النهضة الوطنية. وقد جهدوا في تنمية أدوات الزجل ووسائله الفنية للاستفادة من إمكاناته في تيسيرتوصيل أفكارهم إلى جمهورهم المُبْتَغى، وهو جمهور أوسع، ولاشك، من دائرة مثقفيالخاصة. كما عملوا على تخليص الزجل من الركاكة والتكلُّف اللذين رانا عليه من عهودالانحدار السابقة، وعلى فك إساره من أيدي فئة الأدباتية الذين تدنوا به إلى مستوىاستخدامه في التسوّل والابتزاز. وبنهاية القرن الثالث عشر الهجري، تتابعت سلسلة من أسماء الرواد الثقافيين الذينطوعوا الزجل في اتجاهات متنوّعة. ومن أعلام هذه السلسلة المتواصلة: عبدالله النديم،ويعقوب صنّوع، ومحمد عثمان جلال. أما خير ممثل لتمام النقلة النوعية التي انتقلهاالزجل فهو محمود بيرم التونسي (ت1380هـ). انظر: التونسي، محمود بيرم. وهو الذي أعلىمن مكانة الزجل في الحياة الثقافية، وأكسبه قدرات فنية مكّنته من الامتداد إلى آفاقجديدة. وعلى يديه تكاملت الجهود في جعل الزجل أداة درامية مقبولة في الوسائطالمستحدثة: في المسرح الغنائي أو في حلقات الإذاعة المسموعة والمرئية. وفي سياق حركة الزجل الناشطة هذه، استفاد الزجل من الإمكانات المتجددة للطباعةوالنشر واتساع قاعدة القارئين. فتوالى نشر دواوين الزجالين، وعنيت بعض الصحف بنشرالأزجال، وصدرت بعض الدوريات التي تعتمد على المادة الزجلية في المقام الأول. غير أن اسم الزجل لم يحظ بالذيوع والتكرار إلا على أيدي الكُتَّاب والإعلاميينفي لبنان، وخاصة في ثمانينيات القرن الرابع عشر الهجري. وهم لا يستعملون الاسم ليدلعلى المصطلح المحدد بشكل من النظم بعينه، وإنما استعملوه لكي يشير إلى كل نظمباللهجات اللبنانية المحلية. وهكذا انطوى تحت هذا الاسم: العتابا والميجنا واليادييادي والروزانا والموال، بل والأشكال الفولكلورية كهدهدة الأطفال وأغاني العمل،وأيضًا الشعر الحديث الذي ينظمه المثقفون بالعامية، فاعتُبر إنتاج شعراء مثل ميشالطراد وأسعد سابا من الإنتاج الزجلي. وإمعانًا في تأصيل خصوصية الزجل اللبنانية قيل: "إن الزجل سرياني اللحن في أول عهده، وعربيُّه فيما بعد". ومثل هذا الحماس والتوسّع والأقوال المرسلة، وإن كانت مظهرًا من مظاهر الاهتمامبالزجل، إلا أنها كانت مثارًا للخلط واضطراب المفاهيم، الأمر الذي آذن بتراجع الزجلووقوفه الآن موقف الدفاع في مواجهة مؤثرات الحياة الثقافية العربية الحالية، وإنبدا بعضها متناقضًا. ويبرز أهمها، بالنسبة للزجل، في المؤثرات التالية: 1- حملة دُعاة الفصحى ضد كل أشكال التعبير باللهجات الدارجة أو العامية. 2- الالتفات إلى المأثور الشعبي (الجَمْعِي، الفولكلوري)، وخاصة الجانب القوليمنه، وعلى الأخص بعض أشكال النظم منه. 3- تركيز مثقفي كل قطر عربي على شكل بعينه من أشكال النظم في إحدى اللهجاتالدارجة في جهة من جهاته، واعتباره حاملاً لخصائص القطر المتميزة ومعبرًا عن ذاتيتهالمتفردة. كما حدث، مثلاً، مع الشعر النبطي في المملكة العربية السعودية وبلدانالخليج العربية. 4- ظهور الاتجاه الجديد في النظم باللهجات الدارجة، والذي عُرف باسم شعرالعامية، الذي يبتعد عن أرض الزجل وأضرابه متحركًا نحو أرض الشعر الحُرّالمعاصر الشعر النَّـبَطي الشعر النَّـبَطي. شعر عربي ملحون، خرج على سنن العرب في كلامهم، حافل بالأصواتوالمفردات والتراكيب الشعبية الدارجة. وهو أشهر أنواع الشعر غير الفصيح وأكثرهانتشارًا في شمال الجزيرة وعلى ألسنة سكانها. وقد سمي بالنبطي تشبيهًا له بكلامالنبط لخروجه عن سنن العربية فكأنه كلام النبط الذي يلحنون به ولايقيمونإعرابه. وقد انتشر هذا النوع من الشعر في الجزيرة العربية منذ قرون بعيدة وبدأ نظمه علىألسنة الشعراء البارعين في جميع الأحوال. وإذا كان صفي الدين الحلي (ت 750هـ) وابنخلدون (ت 808هـ) قد ذكرا أنواعًا من الشعر غير الفصيح وذكرا أسماء ماكان معروفًا فيزمانهما، فإن النبطي تسمية حادثة بعدهما لم يذكراها فيما ذكرا من الأسماء. ويظهر أنالتسمية بدأت في الجهة الشمالية المجاورة للعراق لقربها من الأنباط وبدأت تعرف؛لانتشار الشعر بسرعة. وأول من عرف من شعراء الشعر النبطي في القديم أبو حمزةالعامري من الأحساء وراشد الخلاوي، وقطن بن قطن من أهل عمان، ورميزان وجبر بنسيَّار من أهل نجد وبركات الشريف وبديوي الوقداني من أهل الحجاز وحميدان الشويعر منأهل الوشم (القصب) والهزاني من أهل (العقيق) الحريق. وفي القرنين الثالث عشروالرابع عشر الهجريَّيْن، انتشر الشعر النبطي انتشارًا واسعًا في جزء كبير منالجزيرة العربية وكثر الشعراء الذين يحسّنونه وقوي في كل مكان وعلى كل لسان، وبلغالغاية في سرعة الانتشار في العصر الحاضر. وبرع فيه شعراء كثر منهم: جهز بن شرار،وابن سبيل، وشليويح العطاوي، ورشدان بن موزة، ولافي العوفي ومحمد بن لعبون وغيرهم. انظر: ابن لعبون، محمد. وكل هؤلاء عاشوا في النصف الأول من القرن الرابع عشرالهجري. ثم جاءت بعدهم طائفة من الشعراء الشباب المعاصرين منهم: الأمير محمدالسديري وسمو الأمير خالد الفيصل بن عبدالعزيز (ابن الملك فيصل) والحميدي الحربي،وبندر بن سرور، وخلف بن هذال، وسبيل بن سند، وبدر الحويفي، وابن عبَّار العنزي،وكثيرون غيرهم. أقسام الشعر النبطي. ينقسم الشعر النبطي إلى فنِّ القصيد، وفنِّ الرد أو الحوار. وفي كل فنِّ، برز عدد من الشعراء المجوِّدين. مضامين الشعر النبطي. الشعر النبطي يحمل كل المضامين التي عرفها الشعر الفصيحوعبر عنها العرب الفصحاء، وكل فنِّ وُجِد في الشعر القديم المعرب وُجد في الشعرالنبطي واحتفظ بكل عناصر الشعر العربي إلا الإعراب وبحور الخليل، فقد تخلَّى شعراءالنبط عنهما إلا أنهم أحدثوا أوزانًا جديدة يستقيم بها جرس الشعر النبطي ويعرفونبها الشعر الموزون المقفى من غيره. وأغلب شعراء النبط في القصيد يلتزمون في البيتقافيتين، فيقفَّون الشطر الأول من البيت بقافية والشطر الثاني بقافية أخرى مثل قولرشدان بن موزة: يا الله يا فرَّاج ياراع الأفراج يامْبدِّل عسر الليالي بِلِين تفرّج لمن بيتُه على جَال مِسْهاج كنَّه خلاوي ماش حوله قطيني ويتناول الشعر المدح والرثاء والهجاء والغزل ووصف الكرم والشجاعة وكل موضوعاتالفخر وغيرها ولكن بلغة عامية. وهذه المعاني تأتي في القصيد الذي يحسنه الشعراء فيالحجاز ونجد وشمال الجزيرة كله وشرقها وغربها. ومن نماذج ذلك قول مشعان الهتيمي: قول مشعان الهتيمي تفلهم قاف رجس بين الضلوع المغاليق وَاحَيْرتي في مقعدي قيس ماتم قلب الهواوي يطرقنِّه مطاريق خِلِّي طواني طَيَّة الثوبَ الأدهم وأنا طويته طي بير الزرانيق ومثله قول جهز بن شرار: يا غزيل جاني وجيته على الدرب جاني وأنا عجلان ماني بقرّا يحوز من قصر العوالي على الزرب ويمشي على مشهاته اللِّي يورّا بغيت أخمَّه مير ذلَّيت من حرب وأنا على درب الرَّدى ماتجرّا أما فنُّ الرَّد أو الحوار فلا يعرف مثله في الشعر الفصيح، وصفته: أن يقوم شاعرويقوم معه صفان من الناس، فينشد بيتين فيردد الصفان البيتين حتى يعترض الشاعر الآخرويطلب منهما السكوت ثم يأتي ببيتين آخرين يشاكل معناهما معنى البيتين السابقين،فيقوم الصفان بترديدهما، فإن كان البيتان الأولان مدحًا تبعهما الشاعر الثاني، وإنكانا هجاءً تبعهما أيضًا... إلخ. وهذا الفنُّ لا يحسنه إلا القليل، ومنشؤه فيالحجاز وفرسانه هناك (الحجاز مابين الحرمين وما حولهما) لأنه يقوم على أسس معرفية،وأعراف اجتماعية مرعية، وبيئة تشجِّعه. كما يقوم على الذكاء اللمَّاح، وسرعةالبديهة، واستحضار الحال، وتضمين أشياء بعيدة عن الفهم المباشر والدلالة السطحيةللكلمات. وتكون قدرة الشاعر في استعمال الإيحاء والإيماء البعيد للمعنى مؤثرًا فيجودة الشعر، وتزيد إعجاب الناس بالشعر وبالشاعر وترجح كفَّته على مناقضه ويقعالإقرار بشاعريته. ولهذا الفن قوانين يحترمها الجميع، ولا يجلب الهجاء في الملعبعـداوة بين الشـعراء في الغالـب. وإذا لم يحـسن الشاعـر ـ أي أحد المتناقضين ـالمعنى المراد البعيد للشاعر الأول ولم يأت على معنى الشعر الأول بما يطابقه أويوافقه، عد غير قادر ولو قال في كل ثانية بيتًا، وقد يشتكي منه حتى مناقضه كأن يقولمثل ما قال مهيل الصاعدي: عميلي حاور الوادي وأنا أَدُوْرُه مع الضّلعان ودوِّرْ صاحبي يالين حال الموج مندونه دخيلك يافلان إنك تُعدلْ لي لحون فلان عليك تعد له وإلا على المعنى تردونه يعني أن مناظره قد ذهب بعيدًا عن معناه الذي يريد. وقد يكون المعنى كناية عنأشياء لا يود الشاعر التصريح بها ولا يكون في ملعبة ومُزَيَّنْ كما قال السلمي: يا ضلع ضلع الحيا يا اللي عشاك النبات فيك الوروش أعجبتني وأدخلتني معك في دينها يا ضلع ياضلع مرعاية ثمان عنزات ثمان لا تنقص الديره ولا تخلف قوانينها وهو يخاطب امرأة فترد المرأة: معزاك معزاك يا ابن احليس لاتعرض بها للثقات من خوف حذفه تجي ويحطها الله فيمضانينها إما كلَّهنْ وإلا غَدَنَّ الأربع الأولات صارت حسوفه على النَشَّاد والرِّعيانكانينها ومن أشهر شعراء هذا اللون الذين ذهبوا لافي العوفي والجبرتي وابن مسعود، ومنالشعراء الأحياء صيَّاف الحربي، ومطلق الثبيتي، ومستور العصيمي، وغيرهم. نبذة تاريخية. اللغة كائن متغير متبدل. واللغة العربية الفصحى تعرضت للتطوّروالتغير، ومضى عليها زمن طويل منذ وضعت قواعدها وقنّن نظام الإعراب والنحو والصرففيها. وتتابعت عليها عصور من التقلبات أكثرها أثرًا على اللغة خروج العرب منجزيرتهم واختلاطهم بغيرهم من الأمم؛ حيث بدأت اللغة العربية تنتشر في الآفاق وتحلحيث حل العرب، وتسير حيث ساروا، وتصارع اللغات الأخرى فتؤثر وتتأثر. ومع مرور الزمن، نشأت العجمة واضطربت الألسن وانحرفت عن العربية الفصحى وأصابهاالتغيّر، فظهرت العامية في الكلام وفي الشعر منذ زمن بعيد، وسجل الأدباء والمؤرخونبدء العامية في الشعر والغناء على ألسنة العرب الذين بعدوا عن فهم الفصيح وفشتالعامية في كلامهم عندما اختلطوا بغيرهم من الأمم، فاضطربت سليقتهم الفصحى ولكنبقيت شاعريتهم، فنظموا الشعر باللغة العامية التي غلبت على ألسنتهم، وقد وصف ذلكابن خلدون في مقدمته بقوله: ¸اعلم أن الشعر لا يختص باللسان العربي فقط، بل هوموجود في كل لغة سواء كانت عربية أو عجمية... ولما فسد لسان مضر ولغتهم التي دونتمقاييسها وقوانين إعرابها وفسدت اللغات من بعد بحسب ماخالطها ومازجها من العجمة،فكان لجيل العرب بأنفسهم لغة خالفت لغة سلفهم من مضر في الإعراب جملة، وفي كثير منالموضوعات اللغوية وبناء الكلمات. وكذلك الحضر في الأمصار، نشأت فيهم لغة أخرىخالفت لسان مضر في الإعراب وأكثر الأوضاع والتصاريف وخالفت أيضًا لغة الجيل منالعرب لهذا العهد... ثم لما كان الشعر موجودًا بالطبع في أهل كل لسان... فلم يهجرالشعر بفقدان لغة واحدة وهي لغة مضر الذين كانوا فحوله وفرسان ميدانه حسبما اشتهربين أهل الخليقة بل كل جيل. وأهل كل لغة من العرب المستعجمين والحضر أهل الأمصاريتعاطون منه مايطاوعهم في انتحاله ورصف بنائه على مهيع (طريقة) كلامهم. فأما العربأهل هذا الجيل المستعجمون عن لغة سلفهم من مضر، فيقرضون الشعر لهذا العهد في سائرالأعاريض على ماكان عليه سلفهم المستعربون ويأتون منه بالمطولات مشتملة على مذاهبالشعر وأغراضه من النسيب والمدح والرثاء والهجاء، ويستطردون في الخروج من فنِّ إلىفنِّ في الكلام. وربما هجموا على المقصود لأول كلامهم، وأكثر ابتدائهم في قصائدهمباسم الشاعر ثم بعد ذلك ينسبون. فأهل المغرب من العرب يسمّون هذه القصائدبالأصمعيّات... وأهل المشرق من العرب يسمّون هذا النوع من الشعر بالبدوي والحورانيوالقيسي·. وقد اختلفت تسميات غير الفصيح من الشعر منذ زمن بعيد فعرف الدوبيت، والزجل،والمواليا، والكان كان، والحماق، والحجازي، والقوما، والمزنَّم، وكل هذه الأسماءكانت لغير المعرب من الشعر. هذه الأسماء تختلف من مكان إلى آخر. وقد بَيَّن الإمامصفي الدين الحلي الفرق بينها في كتابه العاطل الحالي والمرخص الغالي. أما في العصر الحديث فللشعر غير الفصيح أسماء كثيرة منها النبطي، والشعبي،والملحون، والحميني، والبدوي، والعامي، وغير ذلك من الأسماء. وأعمّها في الوقتالحاضر الشعبي. وفي الجزيرة العربية خاصة، يعرف الشعر العامي بالشعر النبطي. والشعر النبطي كان مشافهة غير مدوّن وغير منشور حتى العصر المتأخر. وأول مندوَّنه وأرَّخَ له ولشعرائه خالد الفرج في كتابه ديوان النبط، ثم عبد الله بن خالدالحاتم في كتابه خيار مايلتقط من شعر النبط ثم كثرت الكتب عن هذا اللون من الشعرالنبطي وكثرت دواوين الشعراء، وأغلب ماينشر اليوم ليّن ضعيف يختلف عما كان عليهالشعر النبطي القديم. انظر: الفرج، ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــ أغراض الشعر العربي الوصف المدح الهجاء الرثاء الفخر شعر الحماسة الغزل الشعر السياسي الزهد ولواحقه الحكمة رثاء المدن والممالك هي تلك الموضوعات التي يتناولها الشعر الغنائي أو الوجداني كالوصف والمدحوالهجاء والفخر والغزل وما إليها. وحول هذه الأغراض، تدور أشعار العرب منذ القديم، حتى أنه من اليسير أن ننسبالتيارات الشعرية التي استجدّت في عصور مختلفة إلى واحد من تلك الأغراض، أو إلىأكثر من غرض، وسوف نتتبّع في إيجاز كل غرض عبر العصور المختلفة. الوصف الوصف. ويراد به وصف الشاعر الطبيعة، أو مشهدًا من المشاهد الحية أو الجامدة، أوكائنًا من الكائنات، كوصف امرئ القيس لفرسه، أو مثل لوحات ذي الرُّمَّة الشهيرة فيالشعر العربي، أو وصف النابغة لليل وقد امتلأت نفسه بالرعب من النعمان ملك الحيرة. وفي العصر الجاهلي، زخرت المعلقات بالوصف، كما اشتهر شعراء بوصف الخيل خاصة، منهمطُفيل الغنوي والنابغة الجَعْدي، كما اشتهر الشَمّاخ بن ضِرار، وهو مخضرم، بوصفالحُمُر، والقوس، واشتهر أوس بن حجر بوصف أسلحة الحرب. والوصف في الشعر الجاهلييتَّسم بالبساطة، والحس الفني الذي يجمع بين الرقة والعفوية. والواقع أن الشاعرالجاهلي وصَّاف مصور، فالصورة الفنية عنصر أساسي في شعره. ولقد وصف الشاعر الجاهلي كل شيءٍ وقع عليه بصره، كالصحراء بكل تفاصيلها والسماءوالنجوم والمطر والرياح والخيام والحيوانات والطيور والحشرات، كما وصف أطلالمحبوبته والرحلة إلى ممدوحه، بل إنه في سياق غزله قد وصف المرأة وصفًا بارعًا عبَّرـ في عمومه ـ عن قيم الجمال الأنثوي لديه. بل إن الوصف كان أداته في كل غرض شعريطرقه. ولا يكاد الوصف ـ في العصرين الإسلامي والأموي ـ يصيبه شيء يُعتدُّ به منالتطور، اللهمّ إلا وصف الشاعر الأموي للبيئات الجديدة، بالإضافة إلى وصفه لحياةالبداوة على سنة أسلافه في الجاهلية. إذ صور الفرزدق، مثلاً، الثلوج وهو في بعضرحلاته إلى دمشق، كما أن وصف عمر بن أبي ربيعة للمرأة، في سياق غزله، كان وصفًاللمرأة في بيئة أصابها غير قليل من التحول عن البداوة إلى الحضارة، في الملابسوالعطور والعادات. وإذا كان ذو الرُّمَّة قد اختص بالوصف واشتهر بلوحاته، بما أوتيمن ملكة فذّة، فإن روح البداوة قد ظلت ـ غالبًا ـ تسيطر على عناصر الصورة الفنيةلديه. وفي العصر العباسي، تحول الشاعر، في وصفه، عن البداوة والصحراء إلى وصف مظاهرالحضارة، كالرياض وبرك الماء، وموائد وصنوف الطعام والشراب المستحدثة، والملابسوالقصور. وانصرف الشاعر العباسي عن وصف الظباء والغزلان في بيئاتها الصحراوية، إلىوصفها في بيئات متحضرة، كالقصور والبساتين. ولا شك أنَّ ما أوتيه الشاعر العباسي منثقافات، فضلاً عن اتساع آفاق الحياة، قد أمدّه بقدرة أكبر على التخيّلوالتصوير. ويمكن القول إجمالا: إن الوصف ـ بعد العصر العباسي إلى العصر الحديث ـ قد ارتبطبتطوّر مظاهر الحياة التي يقع عليها حسُّ الشاعر الوصاف، وتطور الثقافات والمعارف،ومن ثم كان الشاعر العربي يلاحق تطور الحياة، كما أن تيار المعارف والثقافات كانيمنح خياله مقدرة أكبر على الوصف، كما نرى في أوصاف أحمد شوقي للنيل وطبيعة مصر،وكذلك شعراء المدرسة الرومانسية كمحمود حسن إسماعيل وعلي محمود طه، الذين أوتوا منقوة الخيال والتصوير الشيء الكثير، واقتربوا، في أوصافهم، من عالم الرمز الذي أكسبأشعارهم غموضًا طفيفًا محبّبًا، كما رفدتهم ثقافاتهم المتنوعة بصورٍ جديدة. ====================================== المدح المدح. عرف الشاعر الجاهلي المديح واتخذه وسيلة للتكسُّب، وكان للغساسنة فيالشام والمناذرة في الحيرة دور كبير في حفز الشعراء على مديح أمرائهم. ومن أشهرالمداحين من شعراء الجاهلية النابغة الذبياني الذي اشتهر بمدح النعمان بن المنذر. وكما يقول أبو عمرو بن العلاء: ¸وكان النابغة يأكل ويشرب في آنية الفضة والذهب منعطايا النعمان وأبيه وجدّه·. وقد مدح الشاعر الجاهلي بفضائل ثابتة كالشجاعة والكرم والحلم ورجاحة العقل ورفعةالنسب، وكلها ترسم الصورة الخلقية المثلى للإنسان في رؤياه، كما كان يتخذ من المدحالمبالغ فيه ـ باستثناء زهير بن أبي سُلمى مثلا ـ حافزًا للممدوح على المزيد منالعطاء. وكان يقدّم لقصائده في المديح بوصف الرحلة ومشاق الطريق وما أصاب ناقته منالجهد ليضمن مزيدًا من بذل ممدوحه. وفي عصر صدر الإسلام، ظهر تيار جديد في المديح، هو مدح النبي ³. ومن أوضح نماذجهلامية كعب بن زهير بانت سعاد التي أنشدها عند عفو النبي الكريم عنه، وصارت إلى عصورمتأخرة نموذجًا يُحتذى. كما زخرت قصائد حسّان بمديحه للنبي ³ أيضًا. وبذلك تحوّلالمدح من التكسّب إلى التدين، واكتسب، فيما عبر به من الأوصاف، التجرد والصدق،بعيدًا عن التكسّب فضلاً عن رسم الصورة الإسلامية للفضائل والقيم الخلقية. وفي العصر الأموي، امتزج المديح بالتيارات السياسية، بعضها يمالئ الأمويين،وبعضها الآخر يشايع فرقًا مختلفة، وكان مداحو الأمويين يتكسبون بمدائحهم، بينماتجرد شعراء الفرق المختلفة عن التكسب، بل اتخذوا من مدائحهم وسيلة للانتصار للمذهبومحاربة خصومه، كما نجد في مديح عبيدالله بن قيس الرقيات لمصعب بن الزُّبير الذييجسّد بشكل واضحٍ نظرية الزبيريين في الحكم. وأما في العصر العباسي المتأخِّر فإن أجلى صور المدح، تتمثّل في مدائح المتنبيلسيف الدولة؛ إذ هي صادرة عن حب صادق، وإعجاب تام ببطولة سيف الدولة الذي يجسد حلمأبي الطيب بالبطل المخلِّص من اعتداءات الروم. ومن هنا جاءت مدائحه تلك أشبه بملاحمرائعة. وكذلك كان أبو تمام في مدائحه للمعتصم، وبائيته أشهر من أن نذكرها هنا. وهنا نشير إلى حقيقة مهمة وهي أن المدح في الشعر العربي ـ وإن يكن للتكسب ـ لميكن في كل الأحوال يعني التملق والبحث عن النفع، بل هو في كثير من الأحيان تجسيدللود الخالص والإعجاب العميق بين الشاعر والممدوح، وهذا مايتضح في مدائح المتنبيلسيف الدولة، فهي تجسيد حي لهذا المعنى الذي أشرنا إليه. فقد كان المتنبي شديدالإعجاب بسيف الدولة ويرى فيه البطل العربي الذي طالما تاقت إليه نفسه، بقدر ماكانسيف الدولة عميق التقدير لأبي الطيب، ويرى فيه الشاعر العربي الفذ الذي طالما تطلعتإليه نفسه الذواقة للشعر، التواقة أبدًا للشاعر الذي يخلّد بطولاته. ولقد مضى المدح في سائر العصور كما كان على نحو ما أوضحنا وإن تفاوتت فيه عناصرالقوة والضعف، كما سجل لنا مدح الشعراء لبني أيوب، والمماليك، وبخاصة، بطولات هؤلاءالرجال في مقاومتهم للصليبيين والتتار والمغول. ولم يعد المدح في العصر الحديث على صورته القديمة، إذ رأينا الشاعر الحديث يرسملنا صورة بطل قديم ـ مثلا ـ ليضعه أمامنا نموذجًا للبطولة، ولم يعد الشاعر نديمًالذوي السلطان وأنيسًا في مجالسهم واقفًا شعره وولاءه عليهم، بل صارت الأنشودةالوطنية العاشقة للوطن بديلاً جديدًا للمدح التقليدي. ====================================== الهجاء الهجاء. كان الهجاء في الجاهلية يقوم على التنديد بالرذائل التي منها: الجبنوالبخل والسّفه الذي هو ضدّ الحلم، فضلاً عن وضاعة النسب، وما عرفت به قبيلة المهجومن مثالب اشتهرت بها بين سائر القبائل، وهذه لا تخرج عن الرذائل التي تنفر منهاالنفس العربية عادة. ولعل من أشهر الهجَّائين في الجاهلية الشاعر الحطيئة، وهو منالمخضرمين، وكان غير مأمون العاقبة، يهجو جماعة من الناس، فيحتالون إليه بالأموالليكف عنهم هجاءه، فيأخذ أموالهم ولا يكف عن هجائهم. وفي صدر الإسلام، بدا واضحًا أن الإسلام قد أرسى من الفضائل مايجعل الهجاءإثمًا، ومع هذا، فقد ظل الحطيئة سادرًا في غوايته وهوايته فعاقبه عمر بن الخطاب،رضي الله عنه بالحبس. كما أحدث الإسلام تحولاً مهمًا في الهجاء، فاتجه شعراء النبي ³ إلى هجاءالمشركين وبخاصة أولئك الذين هجوا النبي وأصحابه، من شعراء المشركين، واضطر حسّانابن ثابت إلى أن يمطرهم بوابل من الهجاء المقذع معاملةً لهم بالمثل، وهكذا وظفالهجاء في خدمة الدعوة. وفي العصر الأموي، تطور الهجاء إلى صيغة فنية جديدة لم تُعرف إلا في العصرالأموي، فظهر ماعُرف بالنقائض. انظر: الجزء الخاص بالنقائض في هذه المقالة. ويتطور الهجاء في العصر العباسي ليصبح صورًا كاريكاتيرية على يد ابن الروميخاصة، وعلى يد أبي الطيب المتنبي في هجاء كافور الإخشيدي. كما يظهر من خلال تيارالشعوبية نوعٌ من الهجاء للجنس العربي، اختلف بين الوضوح والخفاء، وبخاصة لدى أمثالبشار وأبي نواس. كما شاعت معارك الهجاء بين أفراد من شعراء العصر العباسي، كتلك التي كانت بينحماد عجرد وبشار بن بُرد، وتناول الطرفان أبشع المثالب الحسية والمعنوية. وكما وضحتيار الشعوبية في أهاجي هذا العصر، فلقد وضحت الزندقة أيضًا في الهجاء، فكانت منالتهم التي يوصم المهجوّ بها في أشعار الهجاء، كما كان يفعل حماد عجرد في اتهامبشار بالزندقة. ويظل تيار الهجاء ـ فيما بعد العصر العباسي ـ مستمرًا يشكّل بابًا من الفكاهةوالطرافة، إلى أن يدخل العصر الحديث فيتحول هذا الهجاء إلى أداة فعالة في النقدالسياسي والاجتماعي، كما في أشعار حافظ وشوقي في حملاتهما على الاستعمار، ونقد بعضأساليب الحكم، بالإضافة إلى نقد بعض الأمراض الاجتماعية، وبخاصة الفقر والجهل. ====================================== الرثاء الرثاء. عرف الرثاء منذ العصر الجاهلي، وكان يتميز بما تميزت به سائر الأغراض منحيث الصدق وعفوية الأداء. وقد رثى شعراء الجاهلية قتلاهم في الحروب، كما رثواموتاهم في غير الحروب. وكانوا يرثون قتلاهم بذكر مناقبهم وبالبكاء الحار عليهم حثًاللقبيلة على الثأر. كما أن المرأة أدّت دورًا كبيرًا في رثاء قتلى الحروب، إذ تذكرالمصادر، مثلاً، أن الخنساء في الجاهلية كانت تخرج إلى سوق عُكاظ فتندب أخويهاصخرًا ومعاوية، وكانت تحاكيها هند بنت عتبة راثية أباها، ولم تكن الخنساء ولامثيلاتها من البواكي يقنعن بيوم أو أيام في رثاء موتاهنَّ، بل كنّ يمكثن الأعوامباكيات راثيات، ولا شك أن النساء كنَّ يدعون بدعوى الجاهلية سواء في أشعارهن أم فيبكائهن وعويلهن. ومن روائع مراثي الخنساء ما قالته في أخيها صخر: قذىً بعينــك أم بالعــين عُوَّار أم ذرَّفت مُذْ خلت من أهلها الدارُ كأن عيني لذكراه إذا خطرت فيضٌ يسيل على الخدَّيــن مــدرار ومثلما رثى شعراء العصر الجاهلي ذويهم، فقد رثى الشعراء أنفسهم قبل الموت،ورسموا صورًا بالغة التأثير لمآلهم بعد الموت، كقول أحدهم: قد رجَّلوني وما رُجِّلتُ من شَعَث وألبســوني ثيابًــا غـير أخــــلاق وأرسلــوا فتيــةً من خيرهم حسبًا ليسندوا في ضريح التُّرب أطباقي ومثلما رسم الشاعر الجاهلي صورة للمثل والفضائل في قصائد المدح، فكذلك كانوا فيمراثيهم يعددون فضائل الميت، حتى عرَّف النقاد القدماء الرثاء بأنه ذكر فضائل الميتومدحه. وفي صدر الإسلام، ظل الرثاء غرضًا شعريًا، إلا أن العقيدة الجديدة أدخلت عليهتطويرًا واضحًا. فلم يعد الراثي يذكر ما حظره الإسلام من المعاني التي تتعارض مع ماأمر الله به من الصبر والإيمان بقضاء الله تعالى. كما كانت مراثي شعراء الرسول ³تتضمن معاني الجهاد والإشادة بالبطولة والشهادة في سبيل الله. وتتضمن أحيانًا هجوًاللمشركين وقتلاهم. وفي العصر الأموي ـ وبخاصة إبان أحداث الفتنة الكبرى وغيرها ـ تلقانا مراثٍ كثرٌفيمن قتل من رجال الشيعة أو من رجال الخوارج. وبجانب البكاء في هذه المراثي أو تلكوبجانب الإشادة بالأموات، كان الرثاء ممتزجًا بالأفكار السياسية للفرق، وكان شعرالرثاء فرصة للتعبير عن هذه الأفكار. فها هو ذا عبيدالله بن قيس الرقيات يرثي ولديأخيه عبدالله اللذين قتلا في موقعة الحرّة، فيقول: إن الحوادث بالمدينــة قد أوجَعْـنَنِي وقرعْـن مَرْوتِيَــهْ إلى قوله يتوعد الأمويين: والله أبرح في مقدمةٍ أهدي الجيوش عليَّ شكَّتيه حتى أفجّعهم بإخوتهم وأسوق نسوتهـم بنسوتيّــه كما شاعت مراثي الشعراء للحسين بن علي رضي الله عنهما. وفي العصر العباسي، تظهر مراثي الشيعة في الإمام الحسين، وأشهر شعرائهم في ذلكالسيد الحميري ودِعْبِل الخُزاعي، ومن أصدق مراثي هذا العصر مراثي دعبل في زوجتهالتي قتلها في موجة شك عارمة انتابته على إثر وشاية كاذبة فلما ظهرت له براءتها مضىيرثيها أصدق رثاء. وحين اشتدّت موجات الصّليبيين والمغول على المسلمين، كان من الطبيعي أن تشيعمراثي الشعراء في القادة خاصة، سواء من استشهد منهم أو من مات خارج المعركة. فمنذلك مراثيهم في عماد الدين زنكي الذي استشهد على يد غلام له أثناء حصاره لإحدىالقلاع، كما رثى الشعراء ابنه نور الدين حين مات، خارج المعارك، وفقد المسلمونبموته قائدًا عظيمًا. كما بكى الشعراء صلاح الدين، وقد بلغت مرثية العماد الأصبهاني له مائتين وثلاثينبيتًا صور فيها حسن بلائه. كما شاعت مراثيهم في موتى الأيوبيين والمماليكوالعثمانيين، هذا إلى رثاء الأعلام من الوزراء والعلماء والقضاة. وفي العصر الحديث، استمر الرثاء غرضًا شعريًا مستقلاً، وبخاصة رثاء الزعماءوقادة الحركات الوطنية والإصلاحية، وهنا تصبح المراثي فرصة لتجسيد المعاني الوطنية،والسياسية والدينية، كما اصطبغ الرثاء بأصباغ فكرية، واختلفت مناهجه على أنحاء شتىتبعًا لمذاهب الشعراء ومدارسهم الفنية. ====================================== الفخر الفخر. عَرَف العصر الجاهليُّ الفخر غرضًا من أغراض الشعر، وكان هذا الفخرنوعين: أحدهما فردي، حيث يشيد الشاعر بنفسه وفضائله، والآخر كان فخرًا جماعيًا أشادالشاعر فيه بقبيلته. وكانت الفضائل التي مدح بها الشاعر هي نفسها التي افتخر بها منشجاعة وكرم ونسب رفيع، وقد جرت المفاخرة على الأحساب والأنساب بين عامر ولبيدوالأعشى وبين علقمة والحطيئة وفتيان من بني الأحوص. وبمجيء الإسلام، ذهبت عصبية القبيلة، وحلت محلها عصبية العقيدة والإخاء في الله،ومضى حسان بن ثابت وغيره من شعراء النبي ³ يفخرون بإيمانهم، وبالقيم الإسلاميةالجديدة، وكما كان حسان يهجو قريشًا، فكذلك كان يفخر بالمسلمين، كما في همزيته التيجاء فيها: وجبريـــلٌ أمـــين الله فينــا وروح القدس ليس له كِفاءُ وكما في داليته إذ يقول: فينا الرسولُ وفينا الحقُّ نتْبعه حتى الممات ونصرٌ غير محدود وفي العصر الأموي، عاد الفخر القبلي إلى الظهور من جديد، وبخاصة في إطارالنقائض. انظر: الجزء الخاص بالنقائض في هذه المقالة. وكما برز الفخر، في العصر الأمويّ، في إطار النقائض خاصة، فلقد برز أيضًا فيإطار شعر الفرق السياسية، وتباينت خصائص هذا الفخر من فرقة إلى أخرى، فكثر فخرشعراء الخوارج بالقيم الدينية، كالتقوى والزهد والشجاعة. انظر: الجزء الخاص بالشعرالسياسي في هذه المقالة. وفي العصر العباسي، ضعف الفخر القبلي، وظهر الفخر الشعوبي لدى أبي نواس خاصةالذي شاع لديه أيضًا نوع من الفخر القبلي بسادته من بني سعد العشيرة القحطانيين. على أن شعر الفخر في العصر الأيوبي قد تحول ـ مع حركة النضال ضدّ الصليبيين ـ إلىتيار عارم يفخر بالانتصارات معبّرًا عن مدى الإحساس العميق بالثقة، والتحديللأحداث، كما في شعر ابن سناء المُلْك: سواي يخاف الدهر أو يرهب الردى وغيري يهوى أن يكون مخلّدا ولكنني لا أرهب الدهر إن سطا ولا أحذر الموت الزؤام إذا عـدا. ولقد اختفى في العصر الحديث هذا الفخر القبلي، ليصبح فخرًا بالفضائل الكبرى، كماظهر نوع جديد من ذلك الشعر السياسي لدى أحمد شوقي خاصة، يفخر فيه بمصر وبتاريخهاكما في رائعته كبرى الحوادث في وادي النيل ولم تعد ذات الشاعر، في مفاخره، هي همه،بل كان القصد هو إلهاب المشاعر الوطنية والإسلامية. ويمكن أن نضع مسرح شوقيالتاريخي في هذا الإطار. ــــــــــــــــــــــ الزهد ولواحقه الزهد ولواحقه. لا شك أن هذا اللون مدين للإسلام، منذ كان غناءً بقيم هذا الدينوفضائله لدى شعراء الرسول ³. وفي العصر الأموي، عبر شعر الفِرق الإسلامية عن معانيالزهد والتقوى، وبخاصة لدى الخوارج؛ إذ تشيع في أشعارهم معاني الإعْراض عن الدنياوزخارفها والتطلع إلى الآخرة في إطار شعر الحماسة والتعبير عن المعاني الفدائية. يقول شاعرهم: مارغبة النفس في الحياة وإن عاشت قليلاً فالموت لاحقها وأيقنــت أنهــا تعـود كمــا كان براهـا بالأمـس خالقهـا من لم يمت عَبْطَةً يمت هرمًا والمـوت كأس والمـرءُ ذائقها وقد شهد العصر الأموي أئمة من أهل العلم والتقوى، منهم: الحسن البصري، وكانلأولئك الأئمة تأثيرهم في الشعر الديني، بل إن من الفقهاء من عرف بالشعر الدينيمثل: عروة بن أذينة فقيه المدينة. ومن شعراء الزهد في هذا العصر عبدالله بنعبدالأعلى، ومِسكين الدارمي، ولهذا الأخير قصيدة ذكر فيها طائفة من الشعراء ناسبًاقبر كل شاعر إلى بلده ومسقط رأسه، مع التهوين من أمر الدنيا والزهادة فيهاوالاعتبار بالموت. ومن الشعراء الزهاد في العصر الأموي، أيضًا، أبو الأسود الدؤلي،وسابق البربري قاضي الرقة بالموصل وإمام مسجدها، وممن كانوا يفدون على عمر بن عبدالعزيز ليعظه. يقول الجاحظ عن شعر سابق هذا: ¸لو أن شعر سابق البربري كان مفرّقًافي أشعار كثيرة لصارت تلك الأشعار أرفع مما هي عليه بطبقات·. وفي العصر العباسي، قوي شعر الزهد، وظهر تيارًا قويًا واقفًا في مواجهة شعرالخمر والمجون الذي تزعمه أبو نواس وحماد عجرد ومطيع بن إياس. ومع انتشار الفسقوالمجون في المجتمع العباسي، فإن التدين قد انتشر في مواجهته، وكان شعر الزهد، بلأدب الزهد ولواحقه، يمثل جبهة المواجهة الصلبة ضدّ هذا التيار. وأقوى شعراء الزهد فى العصر العباسي الأول محمود الوراق، فقد عبر، أكثر من غيره،عن معاني الزهادة والتقوى كالمبادرة إلى العمل الصالح والتسليم بقضاء الله تعالىوالتوكل عليه والقناعة والصبر عند النوازل واتخاذ الحديث عن الشيب نذيرًا بالموت،والعفو عمن ظلم. ثم هناك من شعراء الزهد طائفة من الفقهاء والمذكِّرين النسّاك مثل: مالك بن دينار وعبدالله بن المبارك بل إن الخليل بن أحمد العالم اللغوي النحوي كانتله أشعار في الزهد. وفي العصر العباسي الثاني وما يليه، ظل لتيار أشعار الزهد قوته، ثم ظهرت موجةأخرى رافقت الزهد، تلك هي موجة التصوف التي يعاب عليها اقتباسها عناصر غير إسلاميةتتعارض مع توحيد الله وتنزيهه، ومن هؤلاء الجنيد وتلميذه الحلاّج والشبليّ، وإن كانهذا الأخير أكثر اعتدالاً، وكان ينكر على الحلاج، خاصة، شعوذاته. وينبغي ألا تفوتنا الإشارة إلى أبي العتاهية أشهر شعراء الزهد في العصر العباسيقاطبةً، ويذكر له في مجال الفن الشعري الخالص إحداثه تطورًا ملحوظًا فيه غير هيّابسواء في العروض حيث استخدم مقلوب بحر البسيط كما ولَّد في الشعر معاني جديدة. وفيما بعد العصر العباسي، تشتد موجة الشعر الديني عمومًا بل تصبح موجات قويةهادرة، فيظهر جيل جديد من شعراء التصوف القائلين بالحلول وغيره من شعوذات المتصوفةوتجاوزاتهم كعمر بن الفارض. كما يتزايد شعر المديح النَّبويّ، وأشعار الزهد. وكانتهذه التيارات الشعرية رجعًا قويًا للمحن الثقال التي تعرضت لها الأمة علي أيديالصليبيين والمغول. وأبرز شعراء التيار الديني: البوصيري شاعر المديح النبوي في مصروعفيف الدين التلمساني وعبد الغني النابلسي في ديار الشام. وفي العصر الحديث، ينشد محمود سامي البارودي قصائد دينية في مديح رسول الله ³،ويضمّن هذا المديح شكواه أثناء منفاه في سرنديب، كما يضمنه بعض آرائه في فلسفةالحرب فيقول مثلاً: ذاقوا الردى جرعًا فاستسلموا جزعًا للصلح، والحرب مرقاةٌ إلى السِّلْم أما أحمد شوقي فمدائحه تعبِّر عن آرائه الإصلاحية في الدين والحياة، فيقول مثلاًمخاطبًا النبي: والحرب في حقٍ لديك شريعة ومن السموم الناقعات دواء ====================================== الحكمة الحكمة. شعر الحكمة هو ذلك الشعر الذي تضمن خلاصة مالدى الشعراء من تجارب العقلوالحياة. ويعد زهير أشهر شعراء الحكمة في العصر الجاهلي، ومعلقته الشهيرة مزيج منالمديح لهرم بن سنان والحارث بن عوف، ووصف أهوال الحروب ومفاسدها، رغبة منه فيإقناع المتحاربين بالمصالحة والسلام، في أسلوب من الحكمة التي تمنح معلقته بعدًاإنسانيًا رفيعًا. ولم تخل حكمة شعراء الجاهلية من تسجيل أفكار العرب في هذه الحقبةوتصوير مثلهم وتجارب حياتهم. ولا شك أنَّ الكثير مما سجله شعراء الإسلام، في عصر النبوة خاصة، حافل بآراءإسلامية عن العقيدة تعد هي الأخرى من قبيل الحكمة. ويأتي العصر العباسي فيلقانا ثلاثة من فحول شعرائه في الحكمة: أبو تمام والمتنبيوأبو العلاء المعري. وتبدو الحكمة عند أبي تمام ثمرة ثقافاته الواسعة التي تمخض عنها العصر، وهيتتناثر في مدائحه وحماسياته ومراثيه في ابنيه وزوجته وابن حميد الطوسي، بل في غزلهونسيبه. وأبو تمام هو الذي ترك ميراثه من الحكمة خاصة يفيد منه أبو الطيب المتنبي،ويتمثله بقريحته العبقرية ويمضي بالحكمة أشواطًا بعيدة ، وكان المتنبي شديد الشغفبشعر أبي تمام لا يكاد يفارق ديوان شعره في أسفاره، ولا شك أنه بما أوتي من ثقافاتعصره، وهي غزيرة متنوعة، قد أصاب حظًا أوفر من الحكمة في شعره: عمقًا وجمال صياغة. وهي تتناثر في أشعاره المختلفة الأغراض. والمتنبي وإن أفاد من حكماء العربواليونان، فإنه كان نسيجَ وحدِه بلا مدافع. أما أبو العلاء المعري فقد تحولت الحكمةلديه إلى فلسفة أوسع مدى وأعمق. ====================================== رثاء المدن والممالك رثاء المدن والممالك. عرف الأدب العربي رثاء المدن غرضًا أدبيا في شعره ونثره. وهو لون من التعبير يعكس طبيعة التقلبات السياسية التي تجتاج عصور الحكم في مراحلمختلفة. وهذا النوع من الرثاء لا يقف في حدود عند رثاء المدن وحدها حين يصيبها الدماروالتخريب ولكنه يتجاوز ذلك إلى رثاء الممالك تارة والعصور تارة أخرى. بل قد يرثيالدولة بأسرها؛ كما حدث ذلك في الأندلس. وقد تميز هذا الغرض من رثاء المدن في الشعرأكثر من تميزه في النثر. ويُعد رثاء المدن من الأغراض الأدبية المحدثة، ذلك أن الجاهلي لم تكن له مدنٌيبكي على خرابها، فهو ينتقل في الصحراء الواسعة من مكان إلى آخر، وإذا ألم بمدنالمناذرة والغساسنة فهو إلمام عابر. ولعل بكاء الجاهلي على الربع الدارس والطللالماحل هو لون من هذه العاطفة المعبّرة عن درس المكان وخرابه. رثاء المدن في المشرق. عرف المشرق قدرا من هذا الرثاء شعرًا، عندما تعرضت عاصمةالخلافة العباسية للتدمير والخراب خلال الفتنة التي وقعت بين الأمين والمأمون. فنهبت بغداد وهتكت أعراض أهلها واقتحمت دورهم، ووجد السّفلة والأوباش مناخًا صالحاليعيثوا فسادا ودمارا. وقد عبر الشاعر أبو يعقوب إسحاق الخريمي، وهو شاعر خاملالذكر، عن هذه النَّكبة في مرثيته لبغداد فقال: يابؤس بغداد دار مملكة دارت على أهلها دوائرها أمهلها الله ثم عاقبها حين أحاطت بها كبائرها بالخسف والقذف والحريق وبالحرب التي أضحت تساورها حلّت ببغداد وهي آمـنة داهية لم تكن تحاذرهـا ثم كان خراب البصرة على يد الزنج في ثورتها المشهورة. فأشعلوا فيها الحرائقوحولوها إلى أنقاض ودمار، فوقف الشاعر ابن الرومي مذهولا بما حدث فقال: كم أخ قد رأى أخاه صريعا تَرِبَ الخد بين صرعى كرام كم مفدّى في أهله أسلموه حين لم يحْمه هنالك حامي كم رضيع هناك قد فطموه بشبا السيف قبل حدّ الفطام وبالإضافة إلى هاتين المرثيتين، حفل ديوان رثاء المدن في المشرق، بطائفة منالقصائد تتحدث عن تلك المدن التي اسقطها هولاكو وتيمور لنك. وكذلك استثارت نكبة بغداد على يد هولاكو عاطفة عدد من الشعراء مثل شمس الدينالكوفي، ومن أبياته قوله: إن لم تقرّح أدمعي أجفاني من بَعْدِ بُعْدِكُمُ فما أجفاني إنسان عيني مذ تناءت داركم ما راقـه نظــــر إلى إنســان مالي وللأيام شتت خطبها شملي وخــلاني بلا خلان ما للمنازل أصبحت لا أهلها أهلي ولا جيرانهــا جيـراني وتعد مرثبة الشيخ تقي الدين إسماعيل بن إبراهيم التنوخي في القرن السابع الهجريأشهر مراثي بغداد حين خربها هولاكو. يقول في آخر القصيدة: إن القيامة في بغداد قد وجدت وحدّها حين للإقبال إدبار آل النبي وأهل العلم قد سُبيوا فمن ترى بعدهم تحويه أمصار ماكنت آمل أن أبقى وقد ذهبوا لكن أتى دون ما أختار أقدار وكذلك كان رثاء دمشق عندما سقطت في أيدي التتار فتعاقب على رثائها كثير منالشعراء مسجلين ذلك الحدث ومنهم الشاعر علاء الدين العزولي في قوله: أجريت جمر الدمع من أجفاني حزنا على الشقراء والميـدان لهفي على وادي دمشق ولطفه وتبدل الغزلان بالثيــــــران واحسرتاه علي دمشق و قولها سبحان من بالغل قد أبلاني لهفي عليك محاسنا لهفي عليـ ك عرائسا لهفي عليك مغانـي ولكن هذا اللون في المشرق لم يزدهر ازدهاره في الأندلس، ويعزى ذلك إلى أن طبيعةالتقلبات السياسية في الأندلس كانت أشد حدة وأسرع إيقاعا، وأنها اتخذت شكل المواجهةبين النصارى والمسلمين حين تجمع الصليبيون عازمين على طرد المسلمين وإخراجهم منالأندلس. رثاء المدن في الأندلس. كان هذا الغرض في الأندلس من أهم الأغراض الشعرية، إذكان مواكبًا لحركة الإيقاع السياسي راصدًا لأحداثه مستبطنًا دواخله ومقومًالاتجاهاته. وكان محوره الأول يدور حول سلبيات المجتمع الأندلسي بسبب ما انغمس فيه الناس منحياة اللهو والترف والمجون وانصراف عن الجهاد. وأن الأمر لن يستقيم إلا برفع علمالجهاد تحت راية لا إله إلاالله. ومن هنا فالصوت الشعري لرثاء المدن في الأندلسيخالف الأصوات الشعرية الأندلسية الأخرى التي ألفها أهل الأندلس في الموشحات ووصفالطبيعة والغزل وبقية الأغراض الأخرى. ويلفت النظر أن عددا من قصائد رثاء المدن في الأندلس لشعراء مجهولين؛ ويُفَسَّرُذلك إما بخشيتهم من السلطان القائم بسبب نقدهم للأوضاع السياسية وإما أن عنايتهمبالحس الجماعي واستثارته كانت أكثر من عنايتهم بذواتهم الشاعرة. يقوم هذا الرثاء على مقارنة بين الماضي والحاضر؛ ماضي الإسلام في مجده وعزه،وحاضره في ذله وهوانه. فالمساجد غدت كنائس وبيعًا للنصارى وصوت النواقيس أضحى يجلجلبدلا من الأذان، والفتيات المسلمات انتهكت أعراضهن، والدويلات المسلمة تستعينبالنصارى في تدعيم حكمها. وتمتلئ كل هذه النصوص بشعور ديني عميق يطفح بالحسرةوالندم. كان سقوط مدينة طليطلة في أواخر القرن الخامس الهجري بداية المأساة؛ فهي أول بلدإسلامي يدخله الفرنجة وكان ذلك مصابا جللا هزّ النفوس هزًا عميقًا. يقول شاعر مجهوليرثي طليطلة في قصيدة مطلعها: لثُكلكِ كيف تبتسم الثغور سرورًا بعدما سبيت ثغور طليطلة أباح الكفر منها حماها إنّ ذا نبــأ كبـــير وفي هذه القصيدة التي بلغت سبعين بيتا تصوير لحال المسلمين عشية سقوطها وماأصابهم من ذل وصغار، كما تصور ماضيها المجيد وحاضرها المهين. وتنتهي بأمنية مشتهاةأن يخرج من أصلاب المسلمين بطلٌ كطارق بن زياد يعيد الأمر إلى نصابه: ألم تك معقلا للدين صعـبا فذلّله كما شاء القديـــر وأخرج أهلها منها جميعــا فصاروا حيث شاء بهم مصير وكانت دار إيمان وعلـم معالمها التي طمست تنــير مساجدها كنائس، أي قلب على هذا يقر ولا يطـير فيا أسفاه يا أسفاه حزنــا يكرر ما تكررت الدهـور ثم تختم المرثية بهذه الأمنية: الاّ رجل له رأي أصيــــل به مِمّا نحاذر نستجـــــــــير يكُرّ إذا السيوف تناولــته وأين بنا إذا ولت كــــــــرور ويطعن بالقنا الخطار حتى يقول الرمح من هذا الخطــير ؟ وتعد مرثية الشاعر ابن الأبار لمدينة بلنسية من المراثي المشهورة في الأندلس،فقد أرسل بها على لسان أميره إلى أبي زكريا بن حفص سلطان تونس مستنجدا به لنصرةالأندلس ومطلعها: أدرك بخيلك خيل الله أندلسا إن السبيل إلى منجاتها درســـا وهب لها من عزيز النصر ما التمست فلم يزل منك عزّ النصر ملتمسا ويحكي هذا النص يأس أهل الأندلس من حكامهم المسلمين ومن ثم توجهوا لطلب النصرةمن خارج الأندلس كما تصور حال بلنسية وقد تحولت المساجد إلى كنائس وفرض الكُفرسلطانه على الجزيرة وأن الذي أصاب بلنسية يوشك أن يصيب باقي المدن الأندلسية: مدائن حلها الإشراك مبتسما جذلان، وارتحل الإيمان مبتئسا ياللمساجد عادت للعدا بيعا وللنداء غدا أثناءها جرسـا ثم يلتفت إلى أبي زكريا سلطان تونس قائلا: طهّر بلادك منهم إنهم نجس ولا طهارة ما لم تغسل النجسا وأوطئ الفيلق الجرار أرضهم حتى يطأطئ رأسا كل من رأسا وأملأ هنيئًا لك التأييد ساحتها جرُدًا سلاهب أو خطية دُعُســا وأما مراثي الممالك فمن أشهرها مرثية أبي محمد، عبد المجيد بن عبدون التي رثىبها قتلى بني الأفطس أصحاب بطليوس ومطلعها: الدهر يفجع بعد العين بالأثر فما البكاء على الأشباح والصور؟ وفيها يقول: أنهاك أنهاك لا آلوك موعظة عن نومة بين ناب الليث والظفر وفي هذه المرثية، يحشد ابن عبدون الكثير من أحداث التاريخ وتقلباته ويحكي ماأصاب الدول والممالك من مآسٍ ومحن متخذا من ذلك سبيلا للعظة والتأسي. وتمتازالقصيدة على طولها بحاسة شعرية قوية وعاطفة جياشة تزاوج بين مأساة بني الأفطسالذاتية والسياسية. ومن أهم المراثي التي ربطت بين المأساة الذاتية والسياسية قصيدة أبي بكر بن عبدالصمد في رثاء مملكة إشبيليا وأميرها الشاعر المعتمد بن عباد: ملك الملوك أسامع فأنادي أم قد عدتك عن السماع عوادي لما خلت منك القصور ولم تكن فيها كما قد كنت في الأعــياد قد كنت أحسب أن تبدد أدمعي نيران حزن أضرمت بفــــؤادي وتعد أيضا دالية ابن اللبانة في رثاء بني عبَّاد ومملكتهم من تلك المراثي التيربطت بين مأساة المعتمد وضياع ملكه ومأساة الشاعر حين هوى عن عرش الشعر ومملكته: تبكي السماء بدمع رائح غاد على البهاليل من أبناء عـــــــبَّاد على الجبال التي هُدّت قواعدها وكانت الأرض منهم ذات أوتاد نسيت إلا غداة النهر كونهم في المنشآت كأموات بألحـــــاد تفرقوا جيرة من بعد ما نشأوا أهـلا بأهـل وأولادًا بأولاد وأما نونية أبي البقاء الرندي فهي واسطة العقد في شعر رثاء المدن وأكثر نصوصهشهرة وأشدها تعبيرا عن الواقع. فهي ترثي الأندلس في مجموعها مدنا وممالك. فتصور ماحلّ بالأندلس من خطوب جليلة لا عزاء فيها ولا تأسٍ دونها وكيف ضاعت قرطبة دارالعلوم، وإشبيليا مهد الفن، وحمص مهبط الجمال، وكيف سقطت أركان الأندلس واحدة تلوالأخرى، وكيف أَقفرت الديار من الإسلام فصارت المساجد كنائس وغدا صوت الأذان صوتناقوس؟!، ثم يهيب أبو البقاء الرندي بفرسان المسلمين عبر عدوة البحر إلى المسارعةلنجدة الأندلس والمسلمين. يقول في أول القصيدة: لكل شيء إذا ما تم نقصان فلا يُغَرُّ بطيب العيش إنسان هي الأمور كما شاهدتها دول من سره زمن ساءته أزمــان وللحوادث سلوان يسهلها وما لما حلّ بالإسلام سلوان إلى أن يقول: فاسأل بلنسية ما شأن مرسية وأين شاطــبة أم أيـن جيَّــان؟ وأين قرطبة دار العلوم، فكم من عالم قد سما فيها له شان وأين حمص وما تحويه من نزه ونهرها العذبُ فياض وملآن قواعد كن أركان البلاد فما عسى البقاء إذا لم تبق أركان حيث المساجد قد صارت كنائس ما فيهن إلا نواقيـــس وصلبــان حتى المحاريب تبكي وهي جامدة حتى المنابر ترثي وهي عيدان وتختتم القصيدة بنغمة حزينة شجية تسفر عن الأسى العميق والتماس العظة والعبرةفيما حل بالأندلس: لمثل هذا يذوب القلب من كمدٍ إن كان في القلب إسلام وإيمان! وأهمية رثاء المدن أنه يكشف عن جوانب ثرية من التاريخ السياسي بين المسلمينوالنصارى في الأندلس. كما يكشف جانبا من النقد الذاتي الذي واجه به الأندلسيونأنفسهم حين أَدركوا أن الانغماس في حياة اللهو والترف أدى إلى سقوط راية الجهاد،وأن ملوك الطوائف حين حرصوا على ملكهم الفردي أضاعوا ملكًا أعظم. وما أصدق سخريةالشاعر المصحفي حين قال: مما يزهدني في أرض أندلس أسمــاء معتضــدٍ فيــها ومعتمـــد ألقاب مملكة في غير موضعها كالهر يحكي انتفاخا صولة الأسد ـــــــــــــــــــــــــ أنماط الشعر الشعر التقليدي عمود الشعر الشعر الحديث الشعر الحر قَصيدةُ النَّثر عرف الشعر العربي عبر عصوره المختلفة أنماطًا من الخطاب الشعري، اختلفت فيأُطرها ومحتواها. وكان الشعر العربي القديم، عقب محاولاته الأولى التي لم تصلإلينا، قد استقر في شكله الذي اصطُلح على تسميته بالشعر العمودي، أو الشعرالتقليدي. الشعر التقليدي (العمودي) الشعر التقليدي (العمودي). هذا المصطلح مأخوذ من مصطلح النقد القديم في وصف هذاالنمط من الشعر بأنه يتبع عمود الشعر. انظر: عمود الشعر. وقد أرجع النقاد القدماءمقومات عمود الشعر إلى سمات متعددة منها مايتصل باللفظ من حيث جرسه ومعناه في موضعهمن البيت، أو مايخص تصوير المعاني الجزئية وصلة بعضها ببعض في بنية القصيدة، أومشاكلة اللفظ للمعنى، وما إلى ذلك من قيم استمدها النقد القديم من تلك السمات التيوقف عليها فيما بين يديه من قصائد. وقد ثار بين قدامى النقاد العرب كثيرٌ من مسائلالخصومة حول عمود الشعر وما تفرع عنه من دلالات نقدية. وأهم مايميز هذه القصيدةالعمودية التزامها عمود الشعر وأنها تسير على سنن وتقاليد القصيدة العربية منذالجاهلية؛ فتقف على الأطلال والديار، ثم ترحل على الناقة بعد أن تصفها ثم تتخلص بمايسمّى حسن التخلص وتعمد إلى غرضها الأساسي. وتُعد القصيدة الجاهلية هي الأنموذجالكامل للقصيدة العمودية، وذروة سنامها المعلقات. هذه القصائد العمودية، والتي يسمّيها النقد الحديث بالقصائد التقليدية، كانتتسير على نمط شعري محدد في بحورها وأوزانها متَّبعة تلك الأوزان التي قننها الخليلبن أحمد، كما تلتزم قافية موحدة وحرف رويّ موحد، ويأتي البيت فيها مكونًا من صدروعجز ومصرعًا في أول القصيدة. وقد ظلت القصيدة العمودية سائدة في مملكة الشعر القديم من العصر الجاهلي حتىمنتصف القرن الأول الهجري. ومن هنا يقسّم النقاد اتجاهات هذه القصيدة إلى أنماطثلاثة، هي: شعر الاتجاه المحافظ البياني. وهو الذي عُني بالموضوعات التقليدية من مدح وفخروحماسة، وما إليها، كما ظل يسلك منهج الأقدمين في بناء القصيدة وفي رصد صورهاالشعرية من عالم البادية، مما جعل أسلوبها، بعد العصر الجاهلي، يستوحي الذاكرةوالتراث أكثر مما يستوحي العصر والواقع. الشعر المحدَث (المولَّد). بدأ هذا الاتجاه في العصر العباسي الأول على يد مسلمبن الوليد وبشار بن بُرد وأبي نواس، حين ثاروا على الاتجاه التقليدي في القصيدةالعمودية ورفضوا الوقوف على الأطلال أو الحديث عن الصحراء والبادية، فبدأ اتجاهشعري جديد تحرر قليلاً من سلطان القديم ومال أسلوبه إلى ألفاظ بسيطة، وموسيقاه إلىبحور قصيرة وقواف رقيقة وطبع الأسلوبَ طابعٌ حضري. وكان ذلك من أثر تلك الحياةالجديدة التي وجد الناس أنفسهم يعيشونها خلال النصف الأول من العصر العباسي الأول. وهي حياة لا تخلو من لهو ومجون ومجالس طرب وغناء. فجاء الاتجاه المحدث أثرًا منآثار تلك الحياة الجديدة وكان ردة فعل للحياة البدوية القديمة. اختلف النقد العربي القديم حول هذا الاتجاه الذي خرج عن عمود الشعر، فتعصبالرواة واللغويون للشعر القديم وكان أبو عمرو بن العلاء لا يحتج ببيت من الشعرالإسلامي على الرغم من إدراكه تأثير هذا الشعر الجديد وكان يقول: "لقد كثر هذا المحدث وحسن حتى لقد هممت أن آمر فتياننا بروايته". الشعر المحافظ الجديد. ويرمي هذا الاتجاه إلى إعادة الشعر العربي إلى طبيعته العربية وإلى تقاليده الموروثة وأن يخفف من ثورة المحدثين المتمردة. ولكن كل ذلك لابد له من استيعاب التطوّر الذي بلغته العقلية العربية من رقي وحضارة، إذ لا سبيل لإعادة القصيدة العربية إلى سابق عهدها من بداوة وغلظة وعبارات حوشية غريبة؛ |
رد: الشعر العربي
الشعر العربي بحور كثيره وعذبه
بحيث يستطيع الشاعر ان يتلاعب بالكلمه الواحده ويسيرها حسب المعنى الذي يريد اخوي احمد موضوعك قيم جدا لاهنت اخوك/ نواف الشمري |
رد: الشعر العربي
مشكور وماقصرت دراسه نعود لها بين وقت وأخر ونستفيد 0 ابيض وجه
|
الساعة الآن 01:33 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir
الحقوق محفوظة لشبكة هذيل