::{ مجالس قبيلة هذيل  }:: موقع يهتم بتراث القبيلة ومفاخرها

::{ مجالس قبيلة هذيل }:: موقع يهتم بتراث القبيلة ومفاخرها (https://hothle.com/vb/index.php)
-   المجلس العام (https://hothle.com/vb/forumdisplay.php?f=4)
-   -   رسالة اعتذار (https://hothle.com/vb/showthread.php?t=48332)

عاشق السراة 05-15-2011 04:43 PM

رسالة اعتذار
 
بسم الله الرحمن الرحيم
((رسالة اعتذار))

(( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (1)يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ(2) ))

أن الشعوب التي تتربى على المادية سواء في رؤاها المعرفية ، أو في معاملاتها وفي كل مناشطها وسعيها ، شعوب استكباريه بالضرورة وأني لها أن تتجنب الاستكبار وقد كبرت في صدورها المظاهر وغرتها الزخارف حتى أنستها الحقائق العميقة والغيب الباطن القاهر المتحكم .
إن ملكة سبأ مثلاً أنموذج للإنسان الذي أعمته الرؤية المادية الكفرية حتى أنسته الحقيقة العميقة التي تحرك الظاهر وتستوطن قلب الكيان يقول تعالى يسرد قصة ملكة سبأ: ((وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ (20)لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ (21)فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22)إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ (23) وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ(24)أَلاَّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ(25)اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (26)قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (27)اذْهَب بِّكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ(28)قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ(29)إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ(30)أَلاَّ تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ(31) قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ (32)قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوَّةٍ وَأُوْلُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ(33)قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ(34) وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ(35) فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ(36) ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لّا قِبَلَ لَهُم بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ(37) قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (38)قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (39)قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (40)قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ(41) فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ (42)وَصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ (43)قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (44) )) سورة النمل ، الآيات: 20-44
هذه ملكة ((وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ))، وأطاعها قومها وردوا الأمر إليها في جليل شأنهم وحقيره ((وَالأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ )) . أما معبودها وقومها ، فالشمس الساطعة رمز القوة والنفوذ والسلطان والعنفوان ، ومصدر النور والنار معاً عبدوها فأعلنوا بعبادتها تعظيمهم للقوة والسلطان ، الأمر الذي لم يخفوه عندما استشارتهم ملكتهم في كتاب سليمان- عليه السلام- فردوا بقولهم ((نَحْنُ أُوْلُوا قُوَّةٍ وَأُوْلُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ )). وكان منم أقدار الحق سبحانه أن يتجابه في هذا المثل بأس الظاهر وبأس الباطن ، وسلطان الملك والجبروت المادي الكافر مع سلطان التمكين الإلهي المؤمن . وضمن سلطان القوة والبأس المادي ، تبرز النفس وقد تصدرت وتقدمت وتأخر عنها العقل ، فما كان للعقل أن يسود ضمن رؤية مادية تعظم الظاهر وزينته ، وتفتخر بقوة المظاهر وتعتز بها. إن سلطة الظاهر أنثوية حيثما كانت. مصداق لقوله عز من قائل ((إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثًا وَإِن يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَانًا مَّرِيدًا )) سورة النساء الآية 117، وعلى عرش عظيم استقرت ملكة سبإ لتحكم لكن إلى حين. أما عقيدتها وقومها ، فقد كشف عنها قوله تعالى الذي أنطق الهدهد بالحق لما قال مخبراً عنها : ((وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ(24)أَلاَّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ(25) )) . فقد حجبت الشمس إذن ملكة سبإ وقومها عن رؤية الله الواحد ، وما كان للشمس أن تفعل وما ينبغي لها لولا أن أنفس هؤلاء كانت قد استجاب لإغواء الشيطان ، وتأثرت وسحرت بالزينة الظاهرة الوهمية التي بثها في صدورهم وغشى بها أعينهم ن فانقلب مشهد كل شيء أمامهم وتغيرت الحقائق وتبدلت المعالم ((وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ )) . إن سحر الساحر فعال في هذه البلاد بدءاً بملكتها إلى ملتها وجنودها . إلا أن شاهداً من عالم الطير هو الهدهد لم يعجبه ما رأى بل غاظه وأحزنه أن يرى أولئك العبيد يسجدون للشمس من دون الله الواحد القهار . وهذا الطائر إن امتاز عن سائر الاطير ، فبرؤيته العميقة وببصره الحاد الذي يمكنه من التقاط طعامه ورزقه وهو تحت التراب ، ولعل ما خفي علينا من قدرته على الابصار والرؤية أغرب وأعظم . وعلى كل فقد بادر هذا المخلوق الذي يرى ما خبا الله سبحانه وما أظهر ، بانتقاد هذا الكفر الصريح الواقف على باب الظاهر يؤلهه والغافل عن الباطن وعن أسرار الوجود ، إنه بما أراه الله تعالى من علم الباطن ومن الأرزاق المخبأة في باطن الأرض ، كان قادرا على أن يوجه انتقاداً صريحاً ونظرة غاضبة محتقرة إلى عبيد الظاهر الذين لم يعرفوا ((لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ)) . وهنا تأكيد واضح على قدرة الله كقيوم مدبر لعالمي الغيب والشهادة معاً ، مالك للمخبإ وللظاهر معاً ، قادر على أن يجعل المخبأ ظاهراً وعلى إخراجه لينتفع به الناس وسائر المخلوقات . أما علمه سبحانه فهو ((مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ ))، تأكيداً آخر على أن الإله الحق أحاط علمه بما خفي وبما ظهر كما أحاط بهما ملكه ، فهو المالك لما ظهر ولما بطن وهو العليم بهما. هو ذا الإله كما يؤمن به الهدهد وكما يؤمن به المؤمنون من كل جنس ((اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (26) )). لقد رأى الهدهد عرش ملكة سبإ وعرف أنه عرش عظيم ، وأنه رمز لملك كبير ((وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ (23)) . إلا أنه بما أوتي من الإيمان ومن قوة النظر والبصر معاً، النظر إلى الظاهر والبصر بالباطن ، كان يعلم أن ذلك الذي أوتيته الملكة مجرد عرش عظيم ، قال ((وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ (23) )). أما العرش العظيم مطلقاً ، وبالتعريف اللائق بما لا تنكره الخلائق كلها فهو عرش الله ((اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (26) )). وما بين التنكير والتعريف، يظهر عرش ويغيب عرش . يظهر عرش أول لنفس ضالة استولت على أقوام ضالين لتحكمهم بحسب شريعة شيطانية قوامها سلطان الظاهر وبأس المظاهر ، ومدار أمرها زينة الدنيا وزخرفها ، ويغيب العرش العظيم ليدل بغيابه على ظهوره ، وعلى أنه لا تقتدر الأعين أن تراه بمجرد النظر بل لابد لرؤيته من استعمال البصر ، ولا آلة للبصر في المخلوقات سوى القلب . إن الهدهد كائن يحمل قلباً إذن ، قلب مؤمن سخر من دولة إلهها الشمس وقائدها الشيطان ومدبرها امرأة خضعت لها الرجال رمزاً ظاهراً لنفس خضعت لها العقول لما استولت الأهواء وسحرت الأعين بالزينة من كل شيء.- العجيب إن الكيان الصهيوني يتخذ من الهدهد شعار رسمي للدولته مع إن سليمان عليه السلام- يعتبر ساحر في دينهم وليس نبي كداؤود عليه السلام ليس حب في الهدهد أو إيمانه ولكن لقدرة خلقية في بصره في اكتشاف الماء (( انتبه لهذه النقطة))- وسيعمل الهدهد منذئذ على تدمير هذا السلطان الظاهر وهذه الدولة الظالمة الجائرة الكافرة . وعندئذ فقد اتضحت السبيل وأصبح اللقاء بسليمان- عليه السلام- أمرأً لازماُ محتوماُ . وعلى مسافة من سليمان عليه السلام- ولكي يؤخذ بظاهر أمره وهو خروجه عن مكانه المرسوم، مكث الهدهد ثم خاطب سليمان عليه السلام- بقوله ((أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22) )) . أجل، فسليمان عليه السلام- الذي قال ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ)) ، يحتاج دائماً إلى من يذكره ممن هو دونه مرتبة بأن من الأمور ما يخفى عليه ، ومن الأحداث ما لا يعلمه ، وسبحان من أحاط علمه بكل شيء. إلا أن هذا الكلام مهما كان من صحته وصدقه الشديد الوطأة على من كان منذ هنيهة يهدد ويتوعد بالويل والثبور ((لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ)). ومادام الهدهد يؤكد أنه قد جاء من سبأ بنبأ يقين، فلابد من تقديم البرهان وايراد الدليل ((قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (27))). هنا إظهار للملك وإدلال بالسطوة لكن ضمن حدود الإيمان والتواضع للحقيقة وبدون كبر ولا طغيان. إن أبسط الجنود قادر أن يخاطب حاكمه مدلاً بخصائصه، بل مظهراً لكفاءاته التي قد تتجاوز كفاءات الحاكم نفسه . هذا درس أساسي وتوجيه هام يظهر حقيقة السلطة ومعناها ضمن دائرة ومنهج التمكين الإلهي المخالف جوهرياُ لمعنى السلطة الاستكبارية الطغيانية تأبى أن تعترف لغير المتسلط الأكبر والفرعون الأعظم بكفاءة أو بقيمة أو بفائدة مهما بدا من ظهورها وإشعاعها. فإذا سعى أحدهم إلى إظهار فضله وأصر على ذلك ، عمل الطاغية المستكبر بكل الوسائل التسلطية على تدميره ليبقى (( نوره)) النور الأوحد الذي يشع على العالمين كما تصور له أوهامه ومزاعمه . وضمن دائرة التمكين ، يؤدي كل عنصر من عناصر الدولة ، وكل مخلوق من المخلوقات دوره ويظهر فضله وينفع بعلمه ، فتحصل الفائدة من الجميع ويزدهر الاجتماع الإنساني . إن الهدهد على صغر حجمه سوف يساهم مساهمة عظمى في تطهير بقعة من بقاع الأرض من رجس الطاغوت ومن ضلالات الشرك والكفر لتستنير بنور الإيمان والتوحيد بإذن الله تعالى . فعل كل ذلك بثقة ويقين وإيمان من يعلم أنه عضو في أمة يقودها حاكم ممكن امر الله تعالى ، يقضى بشريعة الله التي لا ظلم فيها ولا استكبار. فانظر إلى قول سليمان عليه السلام- بعد أن قال ((لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ)) كيف استثنى وقال ((أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ (21) )). والسلطان المبين هو البرهان والحجة والدليل الذي يقبله العقل وتطمئن إليه النفس . فالحاكم هنا عقل راجح مستنير بشريعة لا تقبل الظلم ولا الطغيان بأية حال من الأحوال وعلى أي مخلوق من المخلوقات . إن مثل هذا الخطاب الذي وجهه الهدهد لسليمان عليه السلام- وهو الطائر الصغير بين أمم من الإنس والجن والشياطين كلها تحت إمرة هذا الملك النبي عليه السلام- حاسم في بيان الفرق بين سلطة التمكين وسلطة الاستكبار. إن سلطة التمكين تمتاز بسمع يعقل وبعين تبصر ، أما سلطة الاستكبار فلا سمع لها رغم وجود الأذنين ، ولا بصر لها رغم وجود العينين . تمتاز سلطة التمكين بالحسم والحزم ولكن بالعدل أيضاً ، فقول سليمان عليه السلام- ((لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ )) ، تهديد قوي فيه إصرار على القطع والحسم والعقاب الشديد لمن يعبث أو يتجاوز الحد المحدود والأمر المطلوب .إن الانضباط والالتزام بالدور المطلوب والوقوف عند الحد المحدود ، وطاعة ولي الأمر ، ليست من القضايا التي يتسامح فيها خليفة مؤمن، غنها بمثابة قوانين دوران الأفلاك وحركة الأجرام في السماوات ، لا تقبل الخضوع لعبث العابثين و لا لتبديل المحرفين ولا لأهواء المضلين والا لفسدت السماوات والأرض وكذلك حركة المجتمع ومسيرة الأمة ، يشكل كل فرد فيها كونا من الأكوان وجرماُ من الأجرام له مقامه المعلوم ودوره المرسوم وفضله المعروف الذي لا ينكر مثلما أن لكل كوكب من الكواكب مقداره من النور أو من سواه . والخليفة المؤمن الذي مكنه الله سبحانه وتعالى من تدبير أمر هذه الجماعة ، يعلم هذا تمام العلم ويدرك أن منهج التسيير والتدبير المتمثل في شريعة الله وحدها لا يقبل العبث ولا التبديل لا باسم الرحمة ولا باسم النقمة ، فكلتيهما دمار وخراب إذا استعملتا في غير محلهما . هذا، وإن سلطة الاستكبار لا بد أن يظهر فيها الخلل على هذا المستوى من تصريف الرحمة والنقمة مهما بلغ من عقول القائمين عليها ، ومهما اجتهدوا وأخلصوا في طلب الإصلاح والفلاح . فلابد في كل سلطة طغيانية استكباريه تقودها الأهواء من أن تخطئ الرحمة أهلها الذين يستحقونها فتصيب من هم بالنقمة أولى ، ومن أن تخطئ النقمة أهل الضلال والفساد لتصيب أهل الصلاح والرشاد، سنة لله جارية لا يقطعها تقدم البشر في ممارسة الديمقراطيات ولا ازديادهم في المعلومات والقدرات . هكذا يتبين أن الكفر سواء أكان تجاوزاً للحقائق الوجودية العظمى من إنكار وجود الله تعالى وإنكار البعث العظيم، أو كان إنكار لشريعة الله تعالى وأمره وعملاُ بالأهواء ، هو السبب الرئيس لتكريس الاستكبار ، والبيئة الصالحة لنمو نبتته وازدهارها وظهور ثمرته بكل آفاتها ومضارها . إن العلاقة بين الكفر والاستكبار مثل علاقة المقدمتين في القضية المنطقية ، لا وصول إلى النتيجة إلا بهما معاُ ، ومثل علاقة الحامل بالمحمول . فإذا كان الاستكبار هو الذي يوحي بالكفر ويدل عليه، فإن الكفر هو الذي يظهر الاستكبار ويعطيه نظريته المعرفية والأخلاقية، أي يؤسسه كمنهج مرسوم وكطريقة في الرؤية والعمل والحكم . وضمن قوانين وسنن التدافع الإلهي الرحماني ، وفي إطار هذا المثل المضروب في القرآن الكريم ، يتجابه منهجان في الحكم وفي ممارسة الخلافة فوق الأرض . منهج شركي كافر بالله خضع الناس للطاغوت وسلموا أنفسهم إليه تسليم العبد لسيده ومالكه ((إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ )) ، إنها ملكية تستغرق كل شيء إذن، وتستحوذ على الذات بالكلية ، نفسها وعقلها وقلبها وضميرها وجسدها . وكيف لا تملكهم وقد وسدوا الأمر إليها ، ورضوا بأن يكونوا منها بمنزلة العبد القوي من سيده المدبر لمصيره ((قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوَّةٍ وَأُوْلُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ)) . وفي هذا القول الذي صوره القرآن الكريم بإعجازه المذهل ، أظهروا حقيقتهم وكشفوا عن موقعهم في النظام الاجتماعي والسياسي في وطنهم الذي ينتمون إليه . فحقيقتهم أنهم قوى ، مجرد قوى قادرة على الحركة وعلى أن تفعل وأن تغير وتبني وتهدم ، مثلهم في ذلك مثل قوى الجسد الإنساني من يدين ورجلين وعينين وأذنين ولسان وشفتين . لكن هذه القوى على أهميتها وقيمتها ، لا تتحرك إلا بمحرك ، ولاتتصرف إلا بمدبر هي تبع له في كل شيء إن أصلح أصلحت وإن أفسد افسدت . لقد كشف الملأ من قوم ملكة سبأ وهم علية القوم وساداتهم ، عن حقيقتهم الباطنية وهي أنهم أشياء ، مجرد أشياء لا تملك لنفسها نفعاً ولا ضراً حتى وإن كان يصدر منها النفع والضر، وإن مصيرهم معلق بتوجيه ملكتهم وبرأيها ، بل بأمرها وحده ((وَالأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ(33) )) . فهل أصبحوا كذلك كيانات مأمورة وخشب مسندة مسطورة وأدوات للاستعمال ، عبر العسف والإرهاب أم بالرضا والاستحباب ؟ إن تخلي هؤلاء العبيد عن حريتهم وعن اخيارهم بتخليهم عن عقولهم وأفهامهم ، ورضاهم أن يكونوا لملكتهم كالبيادق في لعبة الشطرنج ، إنما حصل باختيارهم ورضاهم لا عبر الإكراه والإخضاع ، والدليل أن النفس (( الملكة)) ، التي آل إليها أمرهم كلهم وأصبحت (( تملكهم)) ، أظهرت الرغبة في استشارتهم لا بل تجاوزت إلى طلب الفتوى منهم ، واستعت عقولهم وقلوبهم ليكونوا من الشاهدين ((قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ (32) )). فهل أفتوها ، أم هل ناقشوا الأمر وسألوا عن الكتاب الكريم ؟ ـم هل راعهم هذا الخطاب الجديد المستهل ببسم الرحمان الرحيم ؟ يبدو أن كل هذا ما كان ليثير شيئاً في أنفس أولئك العبيد الخاضعين الذين لا يرون لأنفسهم فضلاً إلا فضل القوة والشدة والبأس . أما فضل التدبير والنظر والتفكير والتدبر ، فقد فقدوه من ذوا عبدوا الشمس وألهوها . ذلك أنهم بتأليههم للشمس ورفعها من مكانتها ككوكب بين سائر الكواكب ، استعدوا سواء أعلموا ذلك أم لم يعلموا ، للقبول بمنهج الاستكبار المتمثل في تأليه بشر وجعله طاغوتاً حاكماً مطلقاً لا يناقش له أمر ناهيك أن يرد . إن إخراج الشمس بالوهم من موقعها كمخلوق مسير شأنه شأن سائر الكواكب ، هو العمل العقلي الأول المطلوب لتمرير فكرة هيمنة الطاغوت فوق الأرض وإعلائه على سائر إخوانه من البشر . فالكفر الأول الذي حجب العقول عن رؤية قيوم السماء لتسند الألوهية إلى من هو منها بريء ، هو الذي سيؤدي إلى الكفر السياسي فوق الأرض بإسناد الأمر إلى من لا يستحقه، وإعطاء صلاحيات الألوهية إلى من هو منها بريء أيضاً . فلا ريب أنه مع كل تصنيم شركي يحد\ث في دائرة الألوهية ، لابد أن يحدث تصنيم سياسي في دائرة المجتمع يؤله بمقتضاه الطاغوت ويعطي مراسم وصلاحيات التحكم في البلاد والعباد تحكماً مطلقاً غير مشروط . إن إنكار الله الحق في السماء يؤدي بالضرورة إلى عبادة الطاغوت فوق الأرض . والعملية من الناحية المعرفية واحدة ، مضمونها كفر وستر وإسناد الأمر إلى من ليس أهله ، وتضييع الحقيقة بالبناء على محض الظنون والأوهام ، وصدق رسول لله-صلى الله عليه وسلم الذي قال : (( إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث)) وفي تعريفها للملك الذي نستمده من قولها : ((إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ )) ، تحدد ملكة سبأ بدقة متناهية حقيقة السلطة ضمن رؤية طاغوتية شركية لا تقوم إلا على مبدأ الملكية والتسلط . (( إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها)) ، ذلك هو العمل الأول ضمن بنية السلطة المستكبرة التي ما وجدت إلا لتكون يد الإفساد والذراع التي يستعملها الشيطان لنشر الفساد في الأرض . وبما أن الصلاح والإصلاح لا يتم إلا من قبل من يحمل رؤية وجودية وكونية تقوم على اتباع الحق وعلى الحكم بالعدل ، فإن أي نظام طاغوتي استكباري قائم على نفي الحق وعلى الحكم بالعدل ، فإن أي نظام طاغوتي استكباري قائم على نفي الحق بكل وجوه النفي من كفر وشرك ونفاق وعلى نبذ العدل والأخذ بالظلم انتصاراً للذات ولمن والاها وانتقاما من كل من يهدد بمعارضة الاستكبار ، لا يمكن أن يكون الصلاح غايته ، ولا الإصلاح منهجه . ولو تأملنا ونظرنا ، فسنجد أن الإفساد والسعي إلى الفساد بكل أشكاله وصوره ، سمة صميمة وصفة جوهرية من صفات أي نظام استكباري طاغوتي ، إذ بالإفساد وحده يمكن للاستكبار أن يضمن بقاءه وأن يجد له أنصاراً ، أما الصلاح فله أبواب أخرى وطرق أخرى ليس الاستكبار واحداً منها بأي حال من الأحوال . أما الخاصية الثانية التي وصفت بها ملكة سبإ الملوك ، فهي قلب الموازين بإذلال العزيز وإعزاز الذليل . قالت ((وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً )). وهذا العمل هو البند الأول المطلوب إقراره لترسيخ أقدام الاستكبار في أي مكان . أجل، فلكي يتمكن الهوى ومن ورائه الشيطان منت التحكم في الإنسان لا بد منم إذلال العقل ومن إطفاء أنوار الا قلب وطمس عين البصيرة الباطنة تمهيداً لرفع مكانة النفس وجعلها الحاكم على الكيان ، إذ من خلالها وحدها يمكن للشيطان أن يمرر مشاريعه وأن يلحق الدمار بالكيان، وأن يقضي عليه دون اعتراض معترض و لا تذمر شاك . ولكي يتمكن طاغوت من طواغيت الإنس من التحكم في العباد والبلاد تحكم ملك واستبداد، فإن عليه أولاً أن يجعل أعزة البلاد أذلة لكي يخلو له وجه الأرض فيمارس على الأرذال الذين لا يفرقون بين العز والذل ما شاءت له أهواؤه ونزواته أن يمارس . ذلك هو منهج التسلط والاستكبار الذي سوف نفيض القول فيه في فصل لاحق ، عبرت عنه ملكة سبإ في كلمات فما أخطأت . كيف وهي تمارس الملك والسلطان وتعلم من أسرار الحكم يقيناً ما لا يعلمه سواها إلا بالظن والتخمين . إن تعريف ملكة سبأ للسلطة الاستكبارية، شهادة تأتي من داخل دائرة الاستكبار لتفضح بنيته وتنبه إلى شر أعماله فوق الأرض وفي الناس . ولما كانت تلك الملكة وهي المعتدة بما لديها من الجند الأشداء أولي البأس الذين تأمرهم فيطيعون ، لا تخشى من ذي سلطان ، أو قل لا تود أن تدخل تحت إمرة سلطان يستعبدها ويذلها وهي العزيزة في قومها ، فإنها أرادت أن ، تتأكد إن كان الذي أرسل إليها الرسالة ملكاً يحكم بالسطوة والجبروت أو نبياُ يدعو إلى الهدى ودين الحق لا سيما وقد وصلتها الرسالة مستهلة كلماتها ببسم الله الرحمان الرحيم. إنه خطاب غريب ولغة جديدة تلك التي بدأ الخطاب الموجه إليها عبر رسول أمره عجيب أيضاً. وفي أطواء الرسالة، بل بدءاً بديباجتها سوف لن تجد هذه الملكة خطاب ذل ولا استكبار ، فقد بدأ الخطاب بذكر الله تعالى الرحمان الرحيم ، فأعلن أنه لا يدعو إلى نفسه ولا يعظم من شأن سلطانه بل من شأن سلطان الحق . أما مطلبه فقد حصره في قوله ((أَلاَّ تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ(31) )) . إنه يؤكد على رفض منطق الاستكبار والعلو كلغة للخطاب وأيضاً كأسلوب للتعامل بين الناس. أما قوله ((وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ )) ، فتأكيد على أنه لا يرغب في إذلالهم بل في إسلامهم ، ومعلوم أنه ما من نبي دعا إلى الإسلام إلا وكان قصده الأعمق والأبعد هو جعل المدعوين مسلمين لله لا له . وحتى لو كان المعنى هنا طلب استسلام هؤلاء المشركين وهو صحيح تماماً ، والسياق يدعمه ، فإن الاستسلام المطلوب هو استسلام للحق دون سواه، وخضوع لسلطان الله الرحمان الرحيم الذي يحكم عبده باسمه لا لسلطان سواه. وكان من دهاء ملكة سبأ ومن مكرها أنها أرادت أن تعرف إن كان سليمان- عليه السلام- يدعو فعلاً إلى الله الرحمان الرحيم أم إلى نفسه ، وإن كان يدعو إلى الإسلام لله أم إلى الاستسلام له هو . وسوف لن تكون أداة الاختبار إلا قوام سلطان الدنيا ومحط أنظار أهلها ألا وهو المال . فلترسل بهدية إلى سليمان إذن ، ولتكن تلك الهدية أموالاً كثيرة وكنوزاً وفيرة يستسلم لإغرائها طالب الدنيا مهما كان منصبه . فبالدنيا اختبرته، وفي عين الهدية كمن البلاء . إلا أن الرسول النبي المؤمن سليمان- عليه السلام- لم يكن ليفرح بالأموال ولا بالهدايا البراقة التي راقت في عين من أهداها ((فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ(36) )) . إن السلطان المستكبر مهما كان اسمه وفي أعصر ظهر ، لابد أن يكون له احتفاء بالمال باعتباره أحد أهم الأسباب التي يستعملها المستكبرون في الأرض بغير الحق ، بل هو أهمها جميعاً . فما استكبر مستكبر إلا بماله وماله. ولما كان الاستكبار أبداً استكباراً بشيء هو أداة الاستكبار ووسيلته التي تبرره عند المتصفين به ، فإن المال كان دائماً الوسيلة الأقوى تأثيراً في ترسيخ ممارسة الاستكبار لدى المستكبرين والرضا بالذل لدى الأذلين . إن فرعون كان يقدر بحدس مادي استكباري أنه هو الأولى بالطاعة من موسى عليه السلام- لأنه الأرفع مكاناً بما أوتي من أموال لم يؤتها موسى- عليه السلام- . لذلك خاطب قومه قائلاً ((يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ (51)أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ (52)فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ أَوْ جَاء مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ (53)فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (54) )) سورة الزخرف. إن مهانة موسى عليه السلام- في عين فرعون بارزة ، حيث إنه كيان لا زخرف فيه ، وزخرف الكيان إنما يتم بالملك والمال . إن الماثل هو السلطان الظاهر ، ولا بد لكل من عنه الوعي بالباطن أو بعبارة أدق الإيمان بالغيب ، أن يعظم هذا السلطان الظاهر الذي تميل إليه الأنفس وتتنافس في تحصيله ، بل تتقاتل في سبيل حيازته والاستئثار به . إن المال هو مادة الاستكبار التي لا غنى لمستكبر عن طلبها وتعظيمها حتى لو كانت خزائنه ملأى . ولا يستغنى عن تعظيم المال إلا مؤمن علم أن ملك الله تعالى أعظم مما تملكه الملوك ، وأن منطق الحياة أكبر وأوسع من الرؤية المادية الضيقة الفقيرة . لذلك قال سليمان عليه السلام- (( فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم )). فماذا آتاه الله تعالى؟ يقول تعالى: ((وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (15) وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (16)وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ(17) )) سورة النمل.
يقول تعالى : (( وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ (34) قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ (35) فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ (36)وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ(37) وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ (38)هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (39)وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ(40) )) سورة ص . هذه الآيات البينات تكشف عن الملك الذي أوتيه سليمان- عليه السلام- ، ملك عجيب غريب، وسلطان على الجن والإنس والطير لم يتحقق لسواه اللهم إلا أن يكون لأحد ممن سبقه في غابر الأزمان . هذا الملك الذي خضعت له الجن والإنس والطير هو بكل المقاييس ملك عظيم ، وهذا السلطان الذي علم منطق الطير وسخرت له الريح وأوتي القدرة على معرفة لغة النمل وقبل ذلك على سماع النملة وهي تتكلم ، تجاوز ملكه ما ملكت الملوك ، واتسع سلطانه فأحاط بما لم تحط به الشياطين ، ولكنه لم يكن مع ذلك سبباً للاستكبار ولا وسيلة للجور والطغيان . لماذا ؟ لأنه قائم على العلم لا على الجهل والنسيان. العلم الذي ذكره الله تعالى في قوله ((وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا )) . هذا العلم هو علم الإنسان بحقيقته وبربه وبمآله وبما بين يديه وبما مكن فيه وما وهب له من أرزاق مصدرها وحقيقتها ومآلها. علم يقين لا يأتيه الباطل من بيديه ولا من خلفه ، جعل أول رد فعل للخليفتين النبيين المؤمنين على ما آتاهما ربهما الحمد والشكر والاعتراف ((وَقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ )). فثبت أن التمكين هو نيل السلطان بعلم ومع العلم ، فيكون العلم أبدأً حاكماً على السلطان ، فلا يكون مصدراً للطغيان ولا للاستكبار مهما توسع وازداد ،وأن الاستكبار هو أخذ السلطان بدون علم . فكل من أخذ السلطان بدون علم فهو عبد مخذول ولا بد ، وخذلانه أن يتولاه شياطين الجن والإنس يوجهونه إلى مهالكه ويهدونه إلى مصارعه ، ويشيرون عليه بأنواع المفاسد ، ويهدونه إلى سفك الدماء.

ملاحظة: تعتبر (بلقيس) أقوى شخصية نسائية أصبحت ملكة في مجتمع ذكوري عبر التاريخ في الماضي والحاضر والمستقبل ، إن قومها ألهوا المرأة وأعطوها الحكم طواعية في دار كانت تملك أكثر مقومات الحضارة والمدنية من زراعة وصناعة ونظام حكم قوي في جزيرة تميزت بالبداوة والصحراء القاحلة ولكن حينما أصبحت هذه المملكة كالآلة في الانضباط وكان معبودها الشمس وتمثلت المرأة في أوج الحكم غاب عن هذه الدار قوة خفية ، تمثلت بالإيمان الذي عرضه سيدنا سليمان- عليه السلام- على هذه الملكة ومجلس ملكها الموقور ومملكتها الغناء ، فقد استخدم سليمان عليه السلام- نفس مقاييسها في الحكم على ضيوفها الجدد مع استخدام سلاح الإيمان والمعجزات اليهود يعتبرون سيدنا سليمان عليه السلام ساحر وليس نبي كأبيه- التي حباه الله له من أصغر جند في مملكته (( الهدهد)) حتى صاحب العلم الذي جلب عرش بلقيس من مأرب في اليمن إلى القدس في فلسطين ((آسف بن بارخيا )) وقد قوى هذا النصر وهذا الفتح كتابه الذي طرزه (( ببسم الله الرحمان الرحيم)) فقد حار فيها علماء الإسلام وألفوا فيها المنشورات والكتب والمنظومات وهي سر أسرار كتاب الله، إن الذي دفع بلقيس لعقد مجلس الحكم والحرب هو خوفها على مملكتها الظاهرة وإلا يدخلنها غريب أو حتى قل قل مسكين عكس سيدنا سليمان عليه السلام- الذي كانت توجهاته من الرب (( ربانية)) فهذا الضيف ذا نفوذ غريب عليه السلام- فأول هذه الغرابة إنه أتاها بكتاب بدء بشيء لم يتعودوا عليه ( بسم الله الرحمن الرحيم) الأمر الغريب الثاني ناقل الرسالة لم يكن الطائر المعتاد (( الحمام)) بل هو طائر وحشي لا يعتاد على تربيته ونقله (( للرسائل)) هو الهدهد وإنه كيف أنسل من الحراسة وسلمها أياه من غير بروتوكولات رسمية ،وكيف إن هذا الطائر كان أنجح وسائل (( المخابرات السليمانية)) في نقل تقرير عن هذه المملكة من الناحية السياسية والأقتصادية والاجتماعية في صدق لهجة ونقل في تقرير مختصر تعجز أكبر وكالات المخابرات في إتقانه وإرسائه لدى موظفيها ، إن سيدنا سليمان عليه السلام أثبت (( عدم الإقصائية)) في نظام الحكم حينما تفقد جيشه العرمرم من أنسه وجنه وطيره وحيوانه فلاحظ بقوة وبصيرة المؤمن لا بقوة البصر وأكد بالله بقوة البصيرة إن الهدهد مختفي في جيشه فكيف عدم الانضباطية في هذا الجيش السليماني الرباني ، (( عدم الإقصائية)) ظهرت في التوازن في الجمع بين طبيعة البشر والمعجزات حينما رد هدية بلقيس لكي يعلمها إنها ليس طامع في مالها أو حتى في مملكتها ، وفي المقابل في كتابه رسل لها دعوة لزيارة مملكته الربانية كان قبولها في المقام الأول الخلق الكريم لهذا النبي الكريم وفي مقابل هذه الدعوة أظهر لها سليمان عليه السلام- علم وقوة لا تتسنى في إدراكها ففي رحلة الذهاب إليه وقبل وصولها كان سليمان يعد لها مفاجأة تمثلت في البلاط الممهد من قوارير والعرش الذي تتقلده في مملكتها وتعتاد الجلوس عليه فكان توازن وعدم أقصائية ما بين (( الروح والعقل)) ، إن سليمان عليه السلام- أثبت قبل أكثر من أربعة آلف سنة من ظهور (( الإعلام الجديد)) والمتمثل(( الإنترنت فيس بوك أو توتير الخ _ والهواتف الذكية)) إن الفكرة والمعلومة إذا نفذت تصنع صنعها وهذا ما أثبته سيدنا سليمان- عليه السلام- حينما علم عن هذه المملكة من قوة الإنتاج والصنع ولكن علم إنهم ليسوا على قلب رجل واحد وهناك فرق بين الرجل والمرأة وإن تكون على قلب امرأة خاصة إن كانت هناك مواجهة عسكرية فقد تأخذها العاطفة أو الضعف أو الشفقة فعلم إنهم ليسوا بكفؤ له إن كانت هناك مواجهة وهو رباني التوجه ، ولا يريد من هذه المواجهة إلا كسر هذا الكيان الشركي الذي جعل الشمس آلهة فقد بنى اسقطاته على قول الهدهد ((إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ )) ، فعلم إن القوم أشياع فكان هدم هذا الكيان عن طريق ما يعجب القوم وما يعظم في صدورهم وكان له ما أراد.
رسالة اعتذارية ((للي هي دون حزم الحلاقيم واللي يدور لنكبتها له حز الحلاقيم أنت وأهلك لك أكبرالمحبة وأسفرتي بالنور يا أم النور))


المصدر: نظرية السلطة في القرآن الكريم الاستكبار والتمكين، سعيد الشبلي، سلسلة تأسيس البنيان، الطبعة الأولى 1429ه،2009م ، مكتبة حسن العصرية للطباعة والنشر والتوزيع ، بيروت ، لبنان.


سبحانك اللهم وبحمدك أستغفرك ربي وأتوب إليك
وصلى اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

المشتاقة للجنة 05-15-2011 09:45 PM

رد: رسالة اعتذار
 
بارك الله فيك

مساعد الهذلي 05-15-2011 10:23 PM

رد: رسالة اعتذار
 
جزااااااااااك الله خير

هذلي قديم 05-22-2011 11:12 AM

رد: رسالة اعتذار
 
بارك الله فيك

عاشق السراة 05-23-2011 01:00 PM

رد: رسالة اعتذار
 
دون مكة حزم الحلاقيم وحز الحلاقيم

مـخاوي الذيب 05-23-2011 03:25 PM

رد: رسالة اعتذار
 
جزاك الله خيررر
والله يعطيك العافيه


الساعة الآن 01:01 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
الحقوق محفوظة لشبكة هذيل