رد: بحث : مملكة لحيان ما قبل الميلاد
نسب قبيلة لحيان :
اللحيان في اللغة : هو الوشل والصديع في الأرض يخرُّ فيه الماء ، وبه سُمِّيَتْ بنو لحيان.
أمَّا قبيلة بني لحيان : فهي من القبائل العربية العريقة الضاربة بجذورها في أعماق التاريخ ، والمنتمية نَسَـبَاً إلى هذيل إحدى القبائل العدنانية الشهيرة . وقد أكَّد النسَّابون هذا الانتماء النَّسَبِي وذكروهُ في مؤلَّفاتهم منذُ الْقِدَم :
1) يقول النسَّـابة علي بن أحمد بن حزم صاحب كتاب " جمهرة أنسـاب العرب " ص 196 : ( ولد هذيل بن مدركة : سعد ولحيان ، وولد لحيان بن هذيل : طابخة ودابغة ) .
2) ويقول عمر رضا كحالة صاحب كتاب " معجم قبائل العرب القديمة والحديثة " ج2 ، ص 1010 : ( لحيان بن هـذيل ، بطن من هـذيل ، من العدنانية وهم : بنو لحيان بن هذيل بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان ) .
3) ويقول عاتق بن غيث البلادي صاحب كتاب " معجم قبائل الحجاز " في ص 453 : ( لحيان بن هذيل : هم بنو لحيان بن هذيل بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان ) .
4) ويقول يوســــف بن عبد الله بن عبد البر صاحب كتاب " الإنباه على قبائل الرواه " ص 51 : ( في هذيل بطون ، منهم : لحيان بن هذيل ) . وذَكَرَهُم غير هؤلاء الكثير الكثير من النسَّـابين والمؤرِّخين . وللإستزادة والإطلاع راجع الكتب التالية :( كتاب نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب ، لاحمد القلقشندي وكتاب اللباب في تهذيب الأنساب ، لابن الأثير وكتاب المفصَّل في تاريخ العرب قبل الإسلام ، ج/ 2 ، لجواد علي وكتاب عجالة المبتدي وفضالة المنتهي في النسب ، للهمداني وكتاب الإشتقاق ، لابن دريد ) وغيرها كثير . وبناءً على هذا يكون نسب قبيلة لحيان كما ذُكِرَ في كتب الأنساب هو : ( لحيان بن هذيل بن مدركة بن الياس بن مُضر بن نزار بن معد بن عدنان ) .
أقوال باطلة قيلت حول نسب لحيان :
قيل أنهم من ثمود : وهذا القول لا يمتُّ للصحة بصلة لا من قريب ولا من بعيد لأنه يتنافى مع قوله تعالى حينما أخبر عن قوم ثمود وقوم عاد في سورة " الحاقة " وفي الآية رقم 8 إذْ يقول سـبحانه : ( فهل ترى لهم من باقية ) قال ابن كثير في تفسـير هذه الآية : أي هل تحس منهم من أحد من بقاياهم أو ممن ينتسـب إليهم ؟ بل بادوا عن آخرهم ولم يجعل الله لهم خَلَفَاً . أمَّا بنو لحيان لا زالوا موجودين حتى اليوم . وتقول " هتون الفاسـي " : إنَّ مثل هذا القول يحتاج إلى كثير من الإثباتات التاريخية . وأرى أنَّ صاحب هـذا القول لم يأتِ بشيءٍ منها .
وقيل أنهم من بقايا جرهم : وهـذا القول باطلٌ أيضاً ؛ لأن جرهم من العرب البائدة الذين لا يوجد اليوم على وجه الأرض أحد منهم . يقول المحقق النَّسَّابة صاحب كتاب " جمهرة أنساب العرب " : إنَّ جرهم وقطورا وطسم وجديس وعاد وثمود وأميم وإرم ، بادوا ؛ فليس على أديم الأرض أحد يصح أنه منهم ، إلاّ أنْ يَدَّعِيَ قوم ما لا يثبت . ويقول صاحب كتاب " معجم قبائل الحجاز " : ربما أنّ لحيان حالفت جرهم إبَّان سـيطرتها على مكة فظن البعض أنهم من جرهم .
وقيل أنهم من العرب الجنوبيين استناداً إلى نقشٍ وحيد نصه " أ ب يدع ذلحين " ومعناه " أُبَيْدَع ذو لحيان " : وهذا القول مردود أيضاً ، لأن تفسـير هذا النقش كما يراه المختصون " يثبت أن رجلاً من لحيان عاش مع الجنوبيين " فلا غرابة في ذلك فقد يكون تاجراً لحيانياً مقيماً هناك ، أو قد يكون نسـيباً لهم ومقيماً معهم . يقول د/ حسين بن علي أبو الحسن : إنّ ورود هذا الاسم في ذلك النقش ، لا يعني بالضرورة أنّ لحيان قبيلة جنوبية ؛ لأنّ ذِكْرهم لم يتكرر في غير هذا النقش ، فلو أخذنا بهذا القول لَعَدَدْنَا الأشخاص الجنوبيين الذين ذُكِرَتْ أسـماؤهم في النقوش الشمالية من قبائل الشمال . انتهى كلام أبو الحسن .
ولاشـك أنّ الذين أخذوا بظاهر هذا القول دون تمحيص قد أسـاؤا التقدير إذْ ربطوا بين الجهة التي قَدِمَ منها اللحيانيون وبين نسـبهم . فاعتقدوا أنّ اللحيانيين من قبائل الجنوب القحطانية ، وهم ليسـوا كذلك . بل هم بطنٌ من هـذيل إحدى القبائل العدنانية الشـهيرة كما أكَّد ذلك النَّسابون . قَدِمُوا إلى العلا من مكة التي تقع في جنوب العلا ، فأطلق عليهم المؤرِّخون " العرب الجنوبيين " نسـبة إلى الجهة التي قَدِمُوا منها . ومن هنا حصل اللبْسُ لدى البعض .
وقيل أنهم من لخم القحطانية : وهـذا القول لا صحة له ولا دليل عليه ، يقول صاحب كتاب " معجم ما استعجم " إنّ في هذا القول تحريف ؛ لأنّ بني لحيان من هذيل .
ويقول د / عبـد الجواد الطَّيب : إنّ لحيان القدامى أصحاب الحضارة وذوي التاريخ العريق المعروف غير لحيان هذيل ، وإنما الرابط بينهما هو تشابه أسماء : وهذا القول غير صحيح جملةً وتفصيلاً للأسباب التالية :
أولاً : يبدو أنّ الدكتور / عبد الجواد الطّيب بَنَى تقديره هذا على أحد الأقوال الباطلة التي ذكرناها سابقاً ، وما بُنِيَ على باطل فهو باطل .
ثانياً : أنّ صاحب هذا القول لم يدعم قوله بدليل ، ولم يأتِ بقرينة واحدة بل ولم يُشر إلى دلالة توضّح ذلك كما يفعل الباحثون .
ثالثاً : أعتقد بل وأجزم إنّ الدكتور ومن سـار في ركابه ــ وهم بالطبع أقل من القليل ــ لم يطّلعوا على ما كتبه المؤرِّخون عن نزوح أبناء عدنان إلى أطراف بلاد العرب ، والتي تشير إلى نزوح قبيلة لحيان ضمن القبائل النازحة من مكة إلى تلك الأنحاء .
رابعاً : متى كان يؤخذ بالآراء المجرّدة في مثل هذه القضايا ، فالرأي يجب أنْ يُبْنى على قرائن وعلى دلالات وعلى استنتاجات وعلى ربطٍ بين الأحداث ، أمّا أنْ نُلْقِي بالقول على عواهنه دون تحقيق وتمحيص فلا شك تصرف مرفوض وطريقة خاطئة ، فلو تُرِكَتْ مثل هذه القضايا لكل من هب ودب ، ولو تُرِكَتْ مثل هـذه القضايا لإبداء الآراء دون دليل لحصل لَبْسٌ وخلط في الأنسـاب وأخذٌ ورد لا مبرر له .
خامساً : لو فرضنا جَدَلاً وأخذنا بهذا القول واعتبرنا توافق الأسـماء يُثْبِت وينفي الأنسـاب بلا قرائن وبلا دلالات لَحَصَلَتْ مشـاكل لا حصر لها ، ولَحَكَمْنَا على أنّ معينيي الشمال ليسـوا من معينيي الجنوب ، ولقلنا إنما ذلك تشابه أسماء . ولَحَكَمْنَا أيضاً على أنّ هـذيل مصر والعراق والمغرب ليسـوا من هذيل بن مدركة ، ولقلنا إنما ذلك تشابه أسماء . فهل هذا كلام منطقي ؟ لا شـك إنّ هذا خطأٌ فادح ، ومغالطة للواقع ، وتجنِّي على التاريخ . فأصل العرب ومنبعهم هو جزيرة العرب ، كما أنّ نزوح القبائل العربية من جزيرتهم سواء ما كان قبل الميلاد أو بعده أو بعد الإسلام وأثناء الفتوحات الإسلامية ، فإنّ ذلك لا ينفي نسبتهم إلى أصلهم أبداً ولم يقل أحدٌ بذلك .
وقيل أنهم دخلوا في حِلْفٍ مع هذيل : وهذا القول باطل لا يسـتند إلى دليل صحيح ؛ إذْ أنه من المعلوم أنَّ كل قبيلة تعرف كل من انضم إليها عن طريق الْحِلْف والولاء ، وبعد البحث الدقيق لم نجد أحداً من هذيل على مر العصور والأزمان وحتى وقتنا الحاضر من يقول أنّ لحيان انضمَّت إليهم حِلْفَاً ، بل وجدنا القول السـائد لديهم أنّ لحيان بطنٌ منهم ، وليسوا حلفاءً لهم ، بل هم أبناء عمومتهم ، فلحيان هو ابن هذيل . وهذا مما يؤكِّد لنا أيضاً هذلية لحيان مكة اليوم نَسَبَاً وليس حلفاً .
ويؤيِّد ذلك أيضاً أنّ بني لحيان اليوم " لحيان مكة " يؤكِّدون أنفسهم أنهم بطنٌ من هذيل وليسوا حلفاءً لهم ولا مستقلين نَسَبَاً عنهم ، وأنّ هذا ما توارثوهُ أباً عن جَد وخَلَفَاً عن سلف . ويؤيد ذلك ويؤكِّدهُ تسلسلهم النَّسَـبِي الذي ينسبهم إلى هذيل ، والذي أوضحه النسَّابون في مؤلفاتهم منذُ الْقِدَم .
ومما سبق يتبيَّن لنا بُطلان تلك الأقوال والروايات التي نَسَـبَتْ لحيان إلى غير هـذيل ، وعدم منطقيّة الاستدلال بها ؛ لأنها لا تسـتند إلى أدلّةٍ واقعيّة ولا نَسَبِيّة . ولهذا أجزم أنها بُنِيَتْ على اجتهادات وتقديرات شخصية
[align=right]علاقة لحيان العلا الغابرة بلحيان هذيل :
لكي تتضح لنا العلاقة بين لحيان العلا الغابرة ولحيان هذيل ، لابد وأن نتعرف أولاً على لحيان العلا. لهذا يلزمنا طرح هذا السؤال : من هم لحيان العلا ؟ وما علاقتهم بلحيان هذيل ؟ ولا شك أن هذا السؤال يشغل الكثيرين من بني لحيان اليوم بل وكثيراً من الباحثين .
وللإجابة عليه نقول بكل ثقة : بعد أن تبين لنا بطلان تلك الأقوال الخاطئة والروايات المتضاربة التي نسبت لحيان إلى غير هذيل والتي ذكرناها سابقاً ــ في مبحث أقوال باطلة قيلت حول نسب لحيان ــ وكذلك بعد أن تبين لنا عدم وجود قبيلة أخرى تسمى لحيان سكنت العلا في ذلك الوقت وأقامت بها دولةٌ غير قبيلة لحيان هذيل ، يتأكد لنا دون أدنى شك أن لحيان لعلا الغابرة هم لحيان هذيل ، استناداً إلى ما ذكره المؤرخون من أدلة واضحة وصريحة في هذا الشأن ، وما وجدناه من دلالات وإشارات تؤيد تلك الأدلة وتسندها ، وتتفق مع الواقع والمنطق ، ويؤكدها التسلسل النسبي . وهذه الأدلة هي :
1 ) يقول صاحب كتاب " معجم قبائل الحجاز " ط2 ، ص452 : لقد قامت للحيان هذيل دولة بشمال الحجاز ، كانت تسمى دولة لحيان وعاصمتها " الخربية " والتي دخلت في مدينة العلا حالياً ، وكانت لهم قوة ومنعة .
2 ) يقول صاحب كتاب " معجم قبائل العرب القديمة والحديثة " ج/3 ، ط8 ، ص1010 إن لحيان هذيل قامت لها دولة في شمال الحجاز قبل الإسلام.
3 ) هناك دلالة وإشارة تشير إلى هجرة بني لحيان إلى أطراف بلاد العرب ، استنتجناها من أقوال المؤرخين الذين أرخوا لتلك الهجرات وهي ضمن قولهم : فلما تكاثر أبناء عدنان وضاقت بهم سبل العيش في مكة تفرقوا في أنحاء شتى من بلاد العرب متتبعين مواقع القطر ومنابت العشب..... إلى أن قالوا ولم يبقى منهم بمكة وضواحيها إلا بطون كنانة وبطون قريش .( كتاب تاريخ الأمم الإسلامية " الدولة الأموية " ص 19 )
فهل هناك دلالةٌ أوضح من هذه ؟ فلحيان ليست من بطون كنانة وليست من بطون قريش ، فهي ليست من القبائل المستثناة من الهجرة كما نرى ، وهذا فيه دلالة واضحة على هجرتهم ضمن القبائل المهاجرة ، ويبدو أن هجرتهم كانت لوحدهم دون سائر بطون هذيل الأخرى فلا مانع من ذلك. وقد كانت وجهتهم إلى العلا شمال الحجاز . ويؤيد هذا ويؤكده قول " كاسكل " (Caskel) سكن اللحيانيون على الساحل بالقرب من " ديدان " . ( كتاب المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام ، ط1 ، ص244 ) ولا شك أنه يقصد لحيان هذيل ؛ لأنه لا يوجد لحيان غيرهم في الأصل سكنوا العلا في ذلك الوقت وهذا ما أيدته الأدلة الصريحة الآنف ذكرها وأكدته.
وهناك في " ديدان " العلا حالياً أسسوا لهم دولة وكونوا لهم حضارة ، ويدل على ذلك آثار حضارتهم هناك التي لا تزال باقية حتى اليوم . لهذا كله نؤكد أن لحيان العلا الغابرة أصحاب الحضارة وذوي التاريخ العريق هم لحيان هذيل دون أدنى شك.
علاقة لحيان العلا الغابرة بلحيان مكة اليوم :
لا شك أن هناك علاقة اسمية ونسبية وثيقةٌ بين لحيان العلا الغابرة ولحيان مكة اليوم خاصة بعد أن ثبت لنا بالأدلة الصريحة التي ذكرناها في مبحث علاقة لحيان العلا الغابرة بلحيان هذيل والتي أكَّدَتْ أن لحيان العلا الغابرة هم لحيان هذيل دون أدنى شك.
يقول الأستاذ/ أحمد عبد الله أحمد علي عبدالكريم صاحب كتاب " هذه هي العلا بين الماضي والحاضر ": وبانتهاء دولة لحيان فإن اللحيانيين لم ينقرضوا ، بل تذكر الكتب العربية وجودهم حول مكة ، وهم لا يزالون حولها حتى اليوم.
وبعــــد البحث والتحقق لم نجد حول مكة قبيلة لحيانية غير قبيلة لحيان مكة اليوم ، لهذا نؤكد أن لحيان مكة اليوم ما هم إلا امتداد للحيان العلا الغابرة " لحيان هذيل " ؛ لأنه لا يوجد حول مكة لحيان غيرهم . وهذا ما يؤكد لنا فعلاً انتمائهم إليهم وبالتالي يؤكد هذليتهم نسباً .
ومن هنا نقول : أن لحيان مكة اليوم هم من هذيل لحماً ودماً . ويعلم الله أنني لم أقل هذا تعصباً ولكنها الحقيقة والحقيقة فقط . فجميع الأدلة والدلالات والإشارات التي وجدناها في كتب المؤرخين والنســـــابين والتي تتفق مع الواقع والمنطق والتي أوضحناها تؤكد أن لحيان العلا الغابرة هم لحيان هـــــــذيل ، وهم أصحاب الحضارة وذوي التاريخ العريق وهم لحيان مكة اليوم لا شك في ذلك ولا ريب ، مهما شكك المشككون وعارض المعارضون [/align]
آخر تعديل أبو العباس يوم 06-11-2008 في 08:23 AM.
|