رد: التمام في تفسير اشعار هذيل ..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تابع التمام في تفسير أشعار هذيل :
فهذا بدل الاشتمال، كذلك بدل البعض لا فرق بينهما. وإذا كان " شيفاتنا " مبتدأ، فقبلنا متعلق بمحذوف لا محالة لانه خبر، وإذا كان " شيفاتنا " بدلا احتمل " قبلنا " أمرين: أحدهما أن يكون متعلقا ب " وردنا " ، فلا يكون فيه على هذا ضمير. والآخر أن يكون حالا من " شيفاتنا " فيتعلق حينئذ بمحذوف، ويتضمن ضميره الذي كان يكون فيه لو ظهر. ومن رفع بالظرف الظاهر كان " شيفاتنا " مرفوعا بالظرف ولا ضمر فيه لرفعه الظاهر.
فأجابه أبو عامر بن أبى الخنس الفهمي من أبيات " من الطويل " :
أقاوِمُ لا يعدو عن الظِّلِ عِزُّهُمْ ... فذو البَتِّ فيهم والفقيرُ مُدَعْدَعُ
" قوم " يكسر على أقوام، ويكسر أقوام على أقاويم إلا أن الياء تحذف لكثرة استعماله. كذا مر بنا في فرش الاستعمال. قال: ويروى " أقائم " يريد: أقوم. ينبغي أن يكون هذا شاهدا لما يقوله أبو إسحاق في همز العرب: " مصائب " ، ألا ترى أنه قال إن أصله: مصاوب، إلا أن الواو أبدلت همزة لانكسارها كما أبدلت في وسادة ووشاح ووفادة ووعاء فقيل: أسادة وأشاح وإعاء وإفادة. وأنكر ذلك عليه أبو علي رحمه الله، وقال إن همزة الواو إذا كانت أولا ومكسورة قليلا لا يقاس عليه فكيف بها إذا كانت حشوا. قال: وإنما ذاك لأن مصيبة أشبهت " فعيلة " ، فذهب في هذا إلى ما يراه أصحابنا لا إلى ما انفرد به أبو إسحاق. وفي بيت الهذلي هذا الذي هو " أقايم " تقوية لقول أبي إسحاق. ألا ترى أنه ليس في واحده ياء تشبه ياء " فعيلة " ، إنما هو اقوام، والواو قيه صحيحة فكانت يجب صحتها في تكسيرها فهذا يدل على أن البدل إنما هو لمر راجع غلى حكم الكسرة في الواو.
وقال قيس بن عيزارة من أبيات " من الطويل " :
فَدَعْنا ونحصى حولَ بيتك بالحص ... ونلخاك غلفاً سلمى زَعيمُها
ويروى: نلحاك، بالحاء. الواو في " ونحصى " تحتمل أمرين: أحدهما أن تكون للاستئناف وعطف جملة على أخرى أي: ونلخاك على كل حال، ولا موضع لهذه الواو وما بعدها. والآخر أن تكون واو المبتدأ أن واو الحال هذه متقاضية، وإذا جاز في بيت الكتاب وهو قوله " من الخفيف "
لن تراها ولو تأملت إلا ... ولها في مفارق الرأس طيبا
أن يكون تقديره: إلا وأنت ترى لها في مفارق الرأس طيبا. فيحذف الجزءان جميعا وهما ركنا الجملة كأنْ حذف أحد جزئيها في بيت الهذلي هذا أجدر الجواز. وأما لام " نلخاك " فواو لقولهم: لخطوت الصبي، إذا سقيته بالمُسْعُط، زمنه لخى - يلخى لخوا، وهو أن يكون أحد شقي بطنه مسترخيا ومنه اللخواء، وهذا واضح. وأما لام " نلحاك " بالحاء ففيه لغتان: لحوت ولحيت لحوا ولحيا، وغصن ملحُوٌّ وملحىٌّ، ومنه تلاحى الرجلان أي تشاتما، وكأن كل واحد قشر صاحبه. ومعنى " نلخاك " من اللخا يعني الوَجور، ونلخاك نقشر منك ألفاً من الدية، عن الأصمعي.
وفيها:
وسِلْمُ الصَّديق وابلٌ ومسيلُه ... ومَرْعاه وادٍ لا يُفَجىّ عميمُها
قال: " لا يفجى " ، لا يفرج من كثرته. لام " يفجىّ " واو لأنه من قولهم: قوس فَجْواء، أي منفرجة، وأنث الضمير في " عميمها " ، وهو عائد على الوادي من حيث كان الوادي في المعنى هو السلم فصار من باب قوله " من الطويل " :
تعال فإن عاهدتني لا تخونني ... نكن مثل من يا ذئب يصطحبان
وقول الله سبحانه : (ومنَ الشياطينِ مَنْ يغوصونَ له) وهو واسع كثير وإن شئت قلت ذهب بالوادي إلى البقعة كقول الله عز اسمه (إنَّكَ بالوادي المُقَدَّسِ طُوى)، فيمن لم يصرف لأنه ذهب بالوادي إلى البقعة.
وقال قيس بن خويلد من بيتين " من الطويل " :
وكادَ يُوالينا ولسنا بأرضِهم ... قبائلُ من فَهِمٍ وأفضى وثابرا
لام " أفضى " عندنا هي ياء، قالوا لأنه من فصيت السيئ أفصيه فصياً إذا أبنته من غيره، والفصية أيضا ما نين الحر والبرد. ولا اعرف الآن " فص " .
وقال قيس بن العيزارة من أربعة أبيات. " من البسيط " :
ويلهما لقحةً إذا تأوبهم ... نسعً سآمية فيها العاصير
مسع ونسع من أسماء الشمال. قال الهذلي:
قد حال بين دريسية مؤوبة ... نسع لها بعضاهِ الأرضِ تهزيز
|