رد: التمام في تفسير اشعار هذيل ..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ويشبه أن تكون النون هي الأصل والميم بدل منها وذلك لأن الشمال شديدة الهبوب لقوله: " نسع لها بعضاه الأرض تهزيز " ، فكأنها نسعة يجذب بها العضة. أنشدني الشجري في وصف حمامة تميل غصناً لتَفسه " من الطويل "
ينبوء بها طوراً وطورأ يميلها ... كأنه غي أشطان مُرْجٍ وجاذبِ
وفيها:
كأنّها وَسْط أيْكِ الجزْع مُعْتَرِشٌ ... ممن يُعَوِّلَ تَحْتَ الدَّجْنِ مبغورُ
في قوله " يعول " دلالة على أن عين العالة واو، والعالة أن يعرض خشباً على رؤوس شجر يتحصن فيها من السبع. ومثله ما قرأته على أبي بكر محمد بن الحسن عن أحمد بن يحيي " من البسيط "
الطعن شغشغة والضرب هيقعة ... ضَرِبَ المعوّل تحت الديمة العَضُدا
هذا آخر ما خرج من شعر قيس بن عيزارة.
(2) شعر عمرو بن الداخل قال الأصمعي: اسمه زهير. قال " من الوافر " :
تَذكّر أُمَّ عَبْدِ اللهِ لّما ... نأته، والنوى منها لجوج
فيها:
تُصيخُ غلى دَوِيِّ الأرض تَهوى ... بمسمعِها كما لأصغى الشَّجيجُ
عين " تصيخ " واو قياسا واشتقاقا. أما القياس فلأنها عين، وان تكون واواً أكثر. وقد تقدم القول في هذا. وأما الاشتقاق فلأنهم قد قالوا أساخ بسمعه وأصاخ، فكأن الصاد فقلبت عن السين لأجل استعلاء الخاء كقولهم في مساليخ: مصاليخ، وفي سالغ: صالغ، لأن الخاء أخص بالغين منها ببقية حروف الحلق، وقد قالوا ساخ الماء في الأرض يسوخ أي دخل فيها. ورووا بيت أبى ذؤيب " من الكامل " :
قصر الصبوح لها فشرّج لحمها ... بالنيّ فهي تسوخ فيها الإصبع
وتثوخ وكأن الثاء بدل من السين لاجتماعها في الهمس. والتقاؤها ان المُسيخ بسمعه مصغ إلى المسموع دأب في إدخاله أذنه وإيصاله غلى حاسته كما يسوخ الماء في الأرض أي يصل إليها ويخالطها وهذا مفهوم. واما " يصغي " فمن الواو من قولهم: صغوه معك وصغاه معك، أي: ميله، والمصغي إلى الشسء، مائل بسمعه إليه. وهذا واضح.
وفيها:
وأَمْهلُها فلما وَرّكتني ... شمالاً وهي مُعْرِضة تهيجُ
وضع لفظ المضارع في معنى الماضي أي: وأمهلتها فلما وركتني. ومثله ما انشد الأصمعي " في المتقارب " :
فلما خشيت أظافيره ... نجوت وارهنه مالكا
قال الأصمعي: وهو كقولك: قمت وأصك عينه، أي وصككت عينه. ورواه غيره: نجوت وأرهنتهم مالكا. ومثله " من البسيط " :
ظلت تجوب بها البلدان ناجية ... عيديةٌ أرهنت فيها الدنانيرُ
ومثله قول بعض همدان في نسر قتله " من الطويل " :
أرحتهم منه وأطفأت سُنّة ... فإن باعدونا فالقلوبُ بِعادُ
فأرميه من جوف الخبا فاختللته ... وليلي من دون الصباح سوادُ
وقالت فتاة منهم في هذا النسر " من المتقارب " :
فيرميه خالي على رقبة ... بسهم فانفذ منه الدسيعا
وعليه بيت الكتاب " من الكامل " :
ولق أمر على اللئيم يسبني ... فمضيت ثُمََّ قلت: لا يعنيني
أي: ولق مررت. قال أبو علي قال أبو بكر: كان حق الفعال كلها أن تكون مثالا واحدا إذ كان معنى الفعل على اختلاف أمثلة واحدا إلا انه فرق بين أمثلتها لاختلاف أومنتها. قال فان انضم غلى لفظ المثال قريبة من لفظ أو حال جاز وقوع كل واحد منها موقع صاحبه وذلك نحو قولهم في الشرط: " أن قمتَ قمتُ " وأنت تريد: أن تقم اقم، فوضعت الماضي موضع المستقبل لما صحبه من حرف الشرط إذ معلوم أن الشرط لا يصح إلا مع الاستقبال وكذلك الدعاء نحو: " غفر الله لك " لما كان الدعاء في لفظ الأمر، والأمر والنهي لا يصحان إلا مع الاستئناف. وكذلك " لم أقم " لما كان نفي قمتُ، وقمت ماضٍ جاء فيه لفظ المضارع، فهذا شرح هذا فاعرفه. فأما قول الله تعالى: (واتَّبَعُوا ما تتلو الشَّياطينُ) فمعناه: تلت، وهو حكاية حال التلاوة فلذلك جاء بلفظ الحاضر. وقد ذكرنا هذا في موضع آخر من كلامنا.
وفيها:
وصفراءُ البُراية فَرْعُ نَبْعٍ ... تَضمَنَّهَا الشرائِعُ والنهوجُ
يتبع ..
|