رد: أختاه هل تريدين السعادة .. محاضرة للشيخ علي القرني
[frame="2 80"]وذهب بها إلى الأطباء، وفعلوا ما فعلوا، وأنَّى لبشر أن ينجي من قدر؟ وأنَّى لِحَذَرٍ أن ينجي من قدَر سألته بالله أن يعيدها إلى بيتها ، فأخذها وذهب بها إلى البيت، ووضَّأها، ثم قالت: أعِدني على وضع السجود كما كنت على سجادتي في آخر الليل، وإذا بها بعد فترة ليست بالطويلة تنادي ابنها وتقول: يا بني أستودعك الله الذي لا تضيع ودائعه، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله. لتلقى الله عز وجل- وهي ساجدة؛ يغسلونها وهي ساجدة؛ ويكفنونها وهي ساجدة؛ ويذهبون ليصلوا عليها وهي ساجدة، تُحمل إلى المقبرة وهي ساجدة، وتدخل القبر وهي ساجدة، ومن مات على شيء بُعث عليه، تُبعث بإذن الله ساجدة. يا أيها الأحبة رجالاً ونساء امرأة تقوم من الليل ما تقوم، وبعضنا لا يقوم من ليله ولو لساعة أو نصف ساعة أو لدقائق أو لركعتين أو ثلاث يرجو بها رحمة الله، يرجو بها نفحة من نفحات الله -عز وجل-. إني أقول: تشبهوا بهذه العجوز وقد منحكم الله ما لم يمنحها من الصحة والقوة. وهاهي ابنة [سعيد بن المسيب ] -عليه رحمة الله- وهذه مثل للأخوات المتعلمات؛ لما دخل عليها زوجها وكان من طلبة العلم- أصبح في الصباح فأخذ رداءه يريد أن يذهب ليُثنيَ ركبته في مجلس سعيد بن المسيب أبيها. فقالت: إلى أين تريد؟ قال: إلى مجلس أبيكِ سعيد أتعلمُ العلم، فقالت: له اجلس أعلمك علم سعيد، فوجد ما كان يتعلمه من سعيد عند ابنته. هكذا تكون المرأة المسلمة، وهكذا تكون المعلمة الفاضلة تصبح نورًا يَشِعُّ على زوجها وعلى بيتها؛ فلا يخرجون من البيت إلا طيبين وصالحين بإذن الله. وإن نسينا فلا ننسى عائشة -رضى الله عنها- تلكم العالمة التي ماتت ولم تَخْطُ بعد إلى التاسعة عشر، وملأت الأرض علمًا حتى قال فيها [الزهري]: لو جُمع علم عائشة إلى علم جميع النساء لكان علم عائشة أفضل وأكثر وأفيد. طلبت العلم ولم تعزف عن الزواج، كما يفعل بعض أخواتنا في هذه الأيام يطلبون العلم، فيعزفون عن الزواج. تزوجت -يا أيها الأحبة- وهي في التاسعة أو أقل من ذلك، ولم تتعلم إلا قال الله وقال الرسول -صلى الله عليه وسلم-. لم تتعلم قصص الغرام، ولم تتعلم الحب، ولم تتعلم الأدب الإنجليزي، ولم تصرف وقتها إلا فيما ينجيها؛ كتاب الله وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم- فرضى الله عنها وأرضاها، ووفق أخواتنا لتكون هي وأمثالها قدوة لهن. وهاهو[ أبو قدامة الشامي] يقف خطيبًا في يوم من الأيام على المنبر يَعِظ الناس ويذكرهم بفضيلة الجهاد في سبيل الله جل وعلا- ماذا كان من هذا الرجل؟ خرج من المسجد، وقد اشْرَأَبَّتْ الأعناق للذهاب إلى القتال في سبيل الله، وخرج يمشي في شارع من شوارع مدينته، وإذا بهذه المرأة تقول: يا أبا قدامة السلام عليك، فلم يرد عليها السلام؛ لأنه خشي أن تفتنه؛ لأن نبيه صلى الله عليه وسلم- يقول: "فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء؛ فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء." فلم يرد عليها الأولى، ولم يرد عليها الثانية، وفي الثالثة قالت: السلام عليك يا أبا قدامة ما هكذا يفعل الصالحون. قال: فتوقفت فتقدمت إليّ، وقالت: سمعتك وأنت تشحذ الهمم للجهاد في سبيل الله، وفتشت، فلم أجد -والله- أغلى عندي من ضفيرتَيْ شعري، فقصصتهما، فخذهما، واجعلهما لجامًا لفَرَسِك في سبيل الله؛ علَّ الله أن يكتبني من المجاهدات في سبيله. ولا إله إلا الله تقصُّ ضفائرها لجامًا لخيل الله ولجند الله. وأخرى تقص ضفائرها لتكون أشبه بالبغايا العاهرات. شتان بين مشرق ومغرب. شتان بين الفريقين يا أيها الأحبة- من تشبَّه بقوم فهو منهم. أرأيتم هذه المرأة في اليوم الذي بعده؟ يقول أبو قدامة: وقد انطلقنا نريد الجهاد في سبيل الله، قال وإذا بهذا الطفل يأتي ويلحق بنا، ويقول: يا أبا قدامة سألتك بالله أن تجيزني في القتال في سبيل الله. قال: تطؤك الخيل بحوافرها. قال: سألتك بالله إلا أخذتني. قال: إن قُتلت تشفع لي عند الله- شرط- ؟ قال: نعم، فأخذه معه على فرسه، وانطلقوا حتى قابلوا الروم، وحينما قابلوهم قال: سألتك بالله ثلاثة أسهم. قال: تضيعها إذاً. قال: سألتك بالله ثلاثة أسهم، فأعطاه، فأخذ سهمًا، وقال: السلام عليك يا أبا قدامة، بسم الله، ثم أطلقه، فقتل روميًا، ثم أطلق الثاني فقتل روميًا، ثم أطلق الثالث فقتل روميًا ثالثًا، ثم جاءه سهم، فضربه في لبته، فأرداه من فوق الفرس وهو يقول: السلام عليك يا أبا قدامة سلام مودع، ثم سقط فسقط وراءه أبو قدامة، وقال: لا تنسَ الوصية، لا تنسَ الوصية. فما كان منه بعد ذلك إلا أن قال: خذ هذا وأعطِه أمي. قال: ومن أمك؟ قال: أمي صاحبة الضفيرتين التي أعطتك إياها بالأمس. أرأيتم إلى البيوت المسلمة يوم تُربَّى على لا إله إلا الله محمد رسول الله ، المرأة مربية الأجيال
والأم مدرسة إذا أعددتها *** أعدت شعبًا طيِّب الأعراق[/frame]
|