رد: أختاه هل تريدين السعادة .. محاضرة للشيخ علي القرني
[frame="2 80"]وتسمع الأم الصابرة ذات السبع والتسعين سنة العمياء البصيرة، وتذهب إلى ولدها المصلوب كالطود الشامخ، وتقترب منه، وهي لا ترى وتدعو له، وإذ بقاتله يأتي إليها في هوان، ويقول: يا أمَّه إن الخليفة أوصاني بكِ خيرًا، فتصيح به: لست لك بأم، أنا أم هذا المصلوب، وعند الله تجتمع الخصوم، ويتقدم ابن عمر مخاطبًا عبد الله المصلوب: السلام عليك يا أبا خبيب، السلام عليك يا أبا خبيب، والله ما علمتك إلا صوَّامًا قوَّامًا وصولا للرحم، أما وقد قال الناس: إنك شرُّ هذه الأمة، أما والله لأمةٌ أنت شرُّها لأمة خير كلها. ثم الْتفت إلى أصحابه قائلاً: أما آن لهذا الفارس أن يترجل، ويتقدم ابن عمر إلى أسماء معزيًا مواسيًا، ثم يقول لها: اتقي الله واصبري، فقالت بلسان الصابرة المؤمنة الواثقة بموعود الله-: يا ابن عمر، وماذا يمنعني من الصبر وأقد أهِدي رأس يحيى بن زكريا إلى بَغِيٍ من بغايا بني إسرائيل؟!. أرأيتنَّ ما أعظم الأم المربية! وما أعظم الابن المربَّى! لم تلطم خدًّا، ولم تشق جيبًا، ولم تنُح، وإنما سلَّمت الأمر لله، فلله الأمر من قبل ومن بعد. (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ) انظرن أيتها الأخوات- إلى[ أسماء] يوم يقدم ابنها المنذر، يوم يقدم ابنها [المنذر بن الزبير]، فأرسل إليها بكسوة من بلاد <مرو>، كسوة رقاق عتاق، وهي لا ترى، فقامت تتلمس هذه الكسوة، ثم قالت: أفٍ أفٍ ردوا عليه كسوته، فشقَّ ذلك على ابنها، وقال: يا أماه إنه لا يشفُّ يعني لا يشف عما تحته- قالت: إن لم يشفّ فهو يَصِفُ، إن لم يَشفّ فهو يَصِفُ، فاشترى لها ثيابًا أخرى لا تشف وأعطاها، فقالت: مثل هذا فاكسني يا بني، مثل هذا فاكسني يا بني. رحم الله أسماء لو رأت ما يصنع بعض نساء المسلمين اليوم، وما يلبسه بعض حفيدات أسماء وخديجة وسمية وصفية ماذا يكون الجواب؟ إننا لنعجب والله من أُذن تسمع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم- "صنفان من أهل النار وذكر منهم- نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات إلى أن قال-: لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسافة كذا وكذا وكذا". ثم لا نزال نرى في بعض المسلمات -هداهنَّ الله- من تلبس الضيق، وتلبس الشفاف، وتجمع الحشف وسوء الكيل؛ فتلبس القصير والضيق والشفاف.
كأن الثوب ظل في صباح *** يزيد تقلصًا حينًا فحينًا
تظنين الرجال بلا شعور *** لكأنك ربما لا تشعرين
إنه وعيد شديد، وزجر أليم، ماذا بعد الحرمان من الجنة ورائحتها الزكية التي توجد من مسيرة ألف عام وأكثر، إلا النار؟!. يا أيتها المسلمة إنكِ في هذه الحياة يوم تخالفين أمر الله، فتقعين في الوعيد الشديد. يوم تجوبين الأسواق سافرة، وتقفين مع باعة الأغنيات والمجلات والفيديوهات ماجنة لتحطِّي من قدركِ في هذه الحياة؛ فلا عفاف ولا حياء، والحياء من الإيمان، ثم تتنازلين شيئًا فشيئًا حتى تقعي فيما نسأل الله أن يجيرك منه، وإذا وقعتي -بالطبع- لا أحد -حتى الفجرة- يريدون رؤيتك بهذا المستوى.
إذا سقط الذباب على طعام *** رفعت يدي ونفسي تشتهيه.
وتجتنب الأسود ورود ماء *** إذا كان الكلاب ولغن فيه
فيا أيتها المسلمة المصلية الساجدة، يا من خضع رأسك للحي القيوم، وخشع له سمعك وبصرك، ألا يكفيكِ زاجرًا حديث رسول الله الذي سمعتيه آنفًا، والله إنه لعظيم لو صُبَّ على الجبال الراسيات لأذابها. فأي شيء بعد الحرمان من دار النعيم، وهل هناك دار إلا الجنة أو النار.
لا دار للمرء بعد الموت يسكنها *** إلا التي كان قبل الموت يبنيها
فإن بناها بخير طاب مسكنه *** وإن بناها بشر خاب بانيها[/frame]
|