عرض مشاركة واحدة
قديم 01-13-2006, 02:39 AM   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو

 
الصورة الرمزية الزيادي الهذلي
 

 

 
إحصائية العضو






اخر مواضيعي
 

الزيادي الهذلي غير متواجد حالياً


افتراضي مشاركة: أبو ذؤيب الهذلي


أَمِنَ المَنُونِ وَرَيبِها تَتَوَجّعُ؟ **** والدّهْرُ لَيْسَ بِمُعْتِبٍ مَنْ يَجْزَعُ
قَالَتْ أُمَيْمَةُ: ما لِجِسْمِكَ شَاحِباً **** مُنْذُ ابْتُذِلْتُ وَمِثْلُ مَالِكَ يَنْفَعُ
أَمْ مَا لِجِسْمِكَ لاَ يُلاَئِمُ مَضْجَعاً **** إلاّ أَقَضّ عَلَيْكَ ذَاكَ المَضْجَعُ
فَأَجَبْتُها: أَمّا لِجِسْمِي إنّهُ **** أَوْدَى بَنيّ مِنَ البِلاَدِ، فَوَدّعُوا
أَوْدَى بَنيّ، فَأَعْقَبُوني حَسْرَةً، **** بَعْدَ الرُّقادِ وَعَبْرَةً مَا تُقْلِعُ
سَبَقُوا هَوَيَّ، وأَعْنَقوا لِهَوَاهُمُ **** فَتَخَرِّموا، ولكلّ جَنْبٍ مَصْرَعُ
فَغَبَرْتُ بَعْدَهُمُ بِعَيْشٍ نَاصِبٍ، **** وَإخالُ أَنّي لاَحِقٌ مُسْتَتْبِعُ
وَلَقَدْ حَرَصْتُ بِأَنْ أُدافِعَ عَنْهُمُ، **** وَإذا المَنِيّةُ أَقْبَلَتْ لاَ تُدْفَعُ
وإذا المَنِيّةُ أَنْشَبَتْ أَظْفَارَها، **** أَلْفَيْتَ كُلَّ تَمِيمَةٍ لا تَنْفَعُ
فَالعَيْنُ بَعْدَهُمُ كَأَنّ جُفُونَها **** سُمِلَتْ لِشَوكٍ فَهِيَ عُورٌ تَدْمَعُ
وَتَجَلُّدِي للشّامِتِينَ أُرِيهمُ **** أَنّي لِرَيبِ الدّهْرِ لاَ أَتَضَعْضَعُ
حتى كَأَنّي لِلْحَوادِثِ مَرْوَةٌ، **** بِصَفَا المُشَقَّرِ كُلَّ يَوْمٍ تُقْرَعُ
لاَبُدّ مِنْ تَلَفٍ مُقيمٍ، فانْتَظِرْ **** أَبِأَرْضِ قَوْمِكَ أَمْ بِأُخْرَى المَضْجَعُ
وَلَقَدْ أَرَى أنّ البُكَاءَ سَفَاهَةٌ، **** وَلَسَوْفَ يُولَعُ بِالبُكَا مَنْ يُفْجَعُ
وَليَأْتِيَنّ عَلَيْكَ يَوْمٌ مَرّةً **** يُبْكَى عَلَيْكَ مُقَنَّعاً لا تَسْمَعُ
وَالنّفْسُ رَاغِبَةٌ إذا رَغّبْتَها، **** وإذا تُرَدُّ إلى قَلِيلٍ تَقْنَعُ
كَمْ مِنْ جَمِيعي الشّمل ملتئمي الهوى **** كَانُوا بِعَيْشٍ نَاعِمٍ، فَتَصَدّعُوا
فَلَئِنْ بِهِمْ فَجَعَ الزّمَانُ وَرَيْبُهُ، **** إنّي بِأَهْلِ مَوَدّتي لَمُفَجَّعُ
وَالدّهْرُ لا يُبقي على حَدَثَانِهِ، **** جَوْنَ السَّرَاةِ له جَدَائدُ أَرْبَعُ
صَخْبُ الشّوَارِبِ، لا يَزَالُ كَأَنّهُ **** عَبْدٌ لآلِ أَبي رَبيعَةَ مُسْبَعُ
أَكَلَ الجَمِيمَ، وَطَاوَعَتْهُ سَمْحَجٌ **** مِثْلٌ القَنَاةِ، وَأَزْعَلَتْهُ الأمْرُعُ
بِقَرَارِ قِيعَانٍ سَقَاهَا صَائِفٌ، **** واهٍ، فَأَثْجَمَ بُرْهَةً لاَ يُقْلِعُ
فَمَكَثْنَ حِيناً يَعْتَلِجْنَ بِرَوْضِهِ، **** فَيَجِدُّ حِيناً في العِلاَجِ وَيَشْمَعُ
حتى إذا جَزَرَتْ مِيَاهُ رُزُونِهِ **** وَبأَيّ حَزِّ مَلاَوَةٍ يَتَقَطّعُ
ذَكَرَ الوُرُودَ بِهَا، وَسَاوَمَ أَمْرَهُ **** سَوْماً، وَأَقْبَلَ حَيْنَهُ يَتَتَبّعُ
فَاحْتَثّهُنّ مِنَ السَّوَاءِ، وَمَاؤُهُ **** بَثْرٌ، وَعَانَدَهُ طَرِيقٌ مَهْيَعُ
فَكَأَنّهُنّ رَبَابَةٌ، وَكَأنّهُ **** يَسَرٌ يُفِيضُ عَلَى القَدَاحِ وَيَصْدَعُ
وَكَأَنّها بالجِزْعِ جِزْعِ يَنَابِعٍ، **** وَأُولاتِ ذي الحَرَجَاتِ نَهبٌ مُجْمَعُ
وَكَأنّمَا هُوَ مِدْوَسٌ مُتَقَلِّبٌ **** في الكَفّ، إلاّ أَنّهُ هُوَ أَضْلَعُ
فَوَرَدْنَ والعَيُّوقُ مَجْلِسَ رَابيء الضُّ **** رَبَاءِ فَوْقَ النّجْمِ لاَ يَتَتَلّعُ
فَشَرَعْنَ في حَجَراتِ عَذْبٍ بَارِدٍ **** حَصِبِ البِطَاحِ تَسيخُ فِيهِ الأكْرُعُ
فَشَرِبْنَ ثُمّ سَمِعْنَ حِسّاً دُونَهُ **** شَرَفُ الحِجَابِ، وَرَيْبَ قَرْعٍ يُقْرَعُ
وَهَمَاهِماً مِنْ قَانِصٍ مُتَلَبِّبٍ، **** في كَفّهِ جَشءٌ أَجَشُّ وأَقْطَعُ
فَنَكَرْنَهُ فَنَفَرْنَ، وَامْتَرَسَتْ بِهِ **** عَوْجَاءُ هَادِيَةٌ وَهَادٍ جُرْشُعُ
فَرَمَى، فَأَنْفَذَ مِنْ نَحُوصٍ عَائِطٍ، **** سَهْماً، فَخَرّ وَرِيشُهُ مُتَصَمِّعُ
وَبَدَأ لَهُ أَقْرَابُ هَذَا رَائغاً **** عَجِلاً، فَعَيّثَ في الكِنانَةِ يُرْجِعُ
فَرَمَى فَأَلْحَقَ صَاعِدِيّاً مِطْحَراً **** بِالكَشْحِ، مُشْتَمِلاً عَلَيْهِ الأضْلُعُ
فَأَبَدّهُنّ حُتُوفَهُنّ، فَظالِعٌ **** بِذَمَائِهِ، أَوْ سَاقِطٌ مُتَجَعْجِعُ
يَعْثُرْنَ في عَلَقِ النَّجِيعِ كَأنّمَا **** كُسِيَتْ بُرُودَ بَني يَزِيدَ الأذْرُعُ
وَالدَّهْرُ لاَ يَبْقى عَلَى حَدَثَانِهِ **** شَبَبٌ أَفَزَّتْهُ الكِلاَبُ مُرَوَّعُ
شَعَفَ الضّرَاءُ الدّاجِنَاتُ فُؤَادَهُ، **** فَإذَا يَرَى الصّبْحَ المُصَدَّقَ يَفْزَعُ
يَرْمِي بِعَيْنَيْهِ الغُيُوبَ وَطَرْفُهُ **** مُغْضٍ، يُصَدِّقُ طَرْفُهُ مَا يَسْمَعُ
وَيَلُوذُ بِالأرْطَى، إذَا مَا شَفَّهُ **** قَطْرٌ، وَرَاحَتْهُ بَلِيلٌ زَعْزَعُ
فَغَدَا يُشَرِّقُ مَتْنَهُ، فَبَدَا لَهُ **** أُولى سَوابِقِهَا قَرِيباً تُوزَعُ
فانْصَاعَ مِنْ حَذَرٍ، فَسَدّ فُرُوجَهُ **** غُضْفٌ ضَوارٍ وَافِيَانِ وَأَجْدَعُ
فَنَحَا لَهَا بِمُذَلَّقَيْنِ، كَأنّما **** بِهمَا مِنَ النُّضْجِ المُجَزَّعِ أَيْدَعُ
يَنْهَشْنَهُ، ويَذُودُهُنّ، وَيَحْتَمي **** عَبْلُ الشَّوَى بِالطُّرَّتَينِ مُوَلَّعُ
حَتّى إذا ارْتَدّتْ وَأَقْصَدَ عُصْبَةً **** مِنْهَا، وَقَامَ سَوِيدُها يَتَصَرَّعُ
وَكَأَنّ سَفُّودَيْنِ لَمّا يُقْتِرَا **** عَجِلا له بِشِواءِ شَرْبٍ يُنْزَعُ
فَرَمَى لِيُنْقِذَ فَذَّهَا، فَأَصَابَهُ **** سَهْمٌ، فَأَنْفَذَ طُرّتَيْهِ المَنْزَعُ
فَكَبا كَمَا يَكْبُو فَنِيقٌ تَارِزٌ، **** بِالخَبْتِ، إلاّ أنّهُ هُوَ أَبْرَعُ
وَالدَّهْرُ لاَ يَبْقَى على حَدَثَانِهِ **** مُسْتَشْعِرٌ حَلَقَ الحَدِيدِ مُقَنَّعُ
حَمِيَتْ عَلَيْهِ الدِّرْعُ، حَتّى وَجْهُهُ **** مِنْ حَرِّهَا، يَوْمَ الكَرِيهَةِ، أَسْفَعُ
تَعْدُو بِهِ خَوْصَاءُ يَقْصِمُ جَرْيُها **** حَلَقَ الرِّحالَةِ فَهِيَ رِخْوٌ تَمْزَعُ
قُصِرَ الصَّبُوحُ لَهَا فَشُرِّجَ لَحْمُها **** بِالنَّيِّ فَهِيَ تَثُوخُ فِيهَا الإِصْبَعُ
تَأْبَى بِدِرَّتها، إذا ما اسْتُغْضِبَتْ، **** إلاّ الحَمِيمَ، فإنّهُ يَتَبَضّعُ
مُتَفَلِّقٌ أَنْسَاؤُهَا عَنْ قَانىءٍ، **** كَالقُرْطِ صاوٍ غُبْرُهُ لاَ يُرْضَعُ
بَيْنَا تُعَانِقُهُ الكُمَاةُ، وَرَوْغُهُ **** يَوْماً، أُتِيحَ لَهُ جَريءٌ سَلْفَعُ
يَعْدوُ بِهش عَوْجُ اللَّبانِ كَأَنّهُ **** صَدَعٌ، سَلِيمٌ عَطْفُهُ، لا يَظْلَعُ
فَتَنَازَلا، وَتَواقَفَتْ خَيْلاَهُما، **** وَكِلاَهُمَا بَطَلُ اللّقاءِ، مُخَدَّعُ
يَتَحَامَيَانِ المَجْدَ، كُلٌّ وَاثِقٌ **** بِبَلاَئِهِ، فَاليَوْمُ يَوْمٌ أَشْنَعُ
فَكِلاَهُمَا مُتَوشَّحٌ ذَا رَوْنَقٍ، **** عَضْباً، إذَا مَسَّ الأيَابِسَ يَقْطَعُ
وَكِلاهُمَا في كَفّهِ يَزَنَيّةٌ **** فِيهَا سِنَانٌ كَالمَنَارَةِ أَصْلَعُ
وَعَليْهِمَا مَاذِيّتَانِ قَضَاهُمَا **** دَاوُدُ، أَوْ صَنَعُ السّوَابِغِ تُبّعُ
فَتَخَالسَا نَفْسَيْهِمَا بِنَوافِذٍ، **** كَنَوَافِذِ العُبُطّ التي لا تُرقَعُ
وَكِلاَهُما قَدْ عَاشَ عِيْشَةَ مَاجِدٍ، **** وَجَنَى العُلَى، لَوْ أنّ شَيئاً يَنْفَعُ
فَعَفَتْ ذُيُولُ الرِّيحِ بَعْدُ عَلَيْهِما، **** والدَّهْرُ يَحْصُدُ رَيْبَهُ ما يُزْرَعُ

((كتـاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني , بتصرف كثير))






رد مع اقتباس