الموضوع: = قبور تيبست =
عرض مشاركة واحدة
قديم 09-15-2009, 02:33 AM   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
مستشار أسري

 
الصورة الرمزية وراد
 

 

 
إحصائية العضو







اخر مواضيعي
 

وراد غير متواجد حالياً


افتراضي = قبور تيبست =

قبور تيبست...






**************



"هذه قصة كتبتها ذات حزن..



ونشرتها.. وكانت تعني لي أشياء كثيرة..





فيما يعرف بعيد حب.."



وعيدي على مدار العام هو حب..





*****************





وتمضي السنون





وتعود بنا لمثوى كنا نعبر امامه آبهين



وقطرات من الندى لحظة شتاء الرياض



مجتمعة فوق حصوات القبر



ذات القبر



الذي تيبست اطرافه قبل ان تتيبس عظام ساكنته



وصلت يوم الخميس إلى الرياض قادما من دبي..



ذهبت من المطار إلى بائع للورد



محاولا استنشاق عبير يذكرني بها



متفاديا اشواك آلمتني لحظتذاك



- اعطني باقة من الورود


- من المزار؟ امريض أم صديق ام مناسبة رومانسية؟



وهل تريد ورودا بيضاء كبياض سرير المرض


أم حمراء الحب، أم صفراء الفصول..


أتريدها ورودا مشكّلة بتشكيل علامات الحيرة على وجهك؟


أجبته بنبرات متخالجة:



- هي لحظة رومانسية مريضة، لصديقة وافتها المنية،



أتعلم..



اعطني ورود الموت!!



هل تعرف ورود الموت ماهيَ؟



أريدها حمراء كحب قلبي لها مصبوغة ببياض قلبها مصفرة بشحوب وجهي ومموجة خمرية مخلوطة ببنفسج الأجواء الحزينة وإن استطعت - وذاك مستحيل - فأحب ان تغلفها بخيوط آلام هذه الدنيا البائسة..



كاد البائع أن يضحك وكادت دموع الحزن تسبق ابتسامته...



ربت على كتفي وقال:



- ياصديقي في هذه الديار لا تبتاع الورود للاموات



إنما البرسيم يرش على القبر قبل التراب ليسد ثغرات الفتحات...



ياصديقي ستذبل ورودك قبل ان تصل لقبر محبوبتك.



ستذوب الأشواك قبل ان توخز تراب قبرها..



في هذه الديار تصادر الورود لحظة التعبير عن الحب..



وتباع لحظة الأمراض.. هكذا نحن.. نحب الألم ونكره الحب..



ساديون حتى في الورود.. حتى في التعبير عن الذات...






بعد ضغوط واصرار وجدل ومراءات كثيرة..



توصلنا إلى باقة من الأشواك مجتمعة.. مغلفة ببضع ألوان يقول انها ورود..



خرجت من عند بائع الورد ولسان حاله يقول من أي زمن جاء هذا الغريب.



توجهت مباشرة إلى قبرها..



وأوقفت سيارتي وحملت ورودي ودخلت..



"السلام عليكم دار قوم مؤمنين، أنتم السابقون ونحن بكم لاحقون - وانا بك لاااااصق - اللهم لا تحرمنا اجرهم ولا تفتنا بعدهم -- ولن افتن بأحد بعدك أبدا "



تمتمات خرجت من قلبي رددها لساني..



حرفت في السلام والدعاء.. ولم يكن في ذاك البال غيرها..



تقدمت نحو قبرها أكثر.. حتى جثوت على ركبتيّ..



ومعي كومة ورودي، اعطيتها اياها، فما علمت اي وردة منهما تحمل الأخرى..



تمازجت وردة عمري مع ورود البائع، فما ميزت وردتي إلا بأشواك الأخرى..



فوردتي لم توخز قلبي يوما ولم أرى بها شوكا قط..!



احسست ان انفي قد اضاع حاسة هي من أهم ما يحتاجه الإنسان..



فما عرفت رائحة الورود التي لفتت للتو جميع من مررت به.



جلست استنشق زكاوة عطرها وأمسد على قبرها بيدي لعل الطيب يلامسني فيخلد في مساماتي..



هي تابوت من العطر تسكب على زائرها فتعطره وتملأ جسمه طيبا..



عيون من العود المخلوط بأجود المسك والورد الطائفي، كأن تربتها طين مخضب بأزكى أنواع الأطياب..



هل ياترى اشتم زائريك رائحتك فخففا عنك السؤال؟


بعد دقائق من السلام والتوادد جائني رجل عجوز، هو مسكين في هيئته



ملامح الأزمان قد رٌسمت على وجهه فأصبحت خطوطا وتعرجات لا يصلحها أي مختص في التجميل..



آسيوي الملامح، أبيض اللحية، أنور الوجه، أصبح الجبين، حادق العينين، كريم المبسم، طليق المظهر، فقير الملبس..



جلس بجانبي وابتسم في وجهي،



نظرت إليه وكأن نور الدنيا قد خرج من ناصيته..



ادخل الفأل إلى قلبي واجبر الإبتسامة على الظهور على شفتي..



- ياولدي هل انت من هذه البلاد؟



- بل أنا من مكة من بلاد نالت دعوى إبراهيم عليه السلام



ومن أرض أخرجت نبي الهدى عليه السلام، أنا من قوم عٌرفو بأفصح العرب،



نزل القرآن غضا على لساننا،



من قبيلة علمت الشافعي أفصح الكلام وجعلت منه أشعر الأئمة..




- ياولدي وتأتي بالورود على القبر في بلد تعد فيه هذه الممارسة جريمة نكراء، وفتنة عظيمة، وباب من أبواب الشرك، ومدخل للشيطان وأهله، ومفتاح لعبادة الأصنام، ومعبر للتشبه بالكفار..



أوقفته!



- يبدو انك تأثرت بالصحراء ياعماه!



استأذنت منه وقمت، ولكنه أمسك بيدي فإذا هي كالحديد لم اتوقع أن هذا الشيخ الكبير يملك تلك القوة.



- يابني انت على حق، ولكنني استعجبت من تصرفك في هذه البلاد، وأردت أن اردد ما اسمع مستعجبا انها لم تمر عليك..



- بل مرت عليا ياعماه، وحفظتها على مدى اثنا عشرة سنة.. نذاكر ليل نهار لندرأ المفاسد، ونكمكم الأفواه لنغلق كل مداخيل الشر حتى لو كانت تجلب المصالح العظمى لنا!!



دعا الشيخ لي دعاء احسب ان الدنيا ستتفتح لي لحظة خروجي من المقبرة.



عدت لمنزل اقاربي، ومررت ببعض الأعمال لي. أوجبت كل التقاليد والأعراف الإجتماعية، حتى لا يتم الاستنكار علي.



وفي الليل وبعد المنام، طرقت بابي.. عرفتها من زكاوة عطرها، وبهاء نورها يتسلل من تحت الباب.



فتحت الباب وإذا بها هي هي، بحلتها وبطيبها وحتى بورودها...



ابتسامتها كاللؤلؤ المرصوص على رف من بساط أحمر يخرج البرق منه يتلألأ فما أعرف أي سن يبرق قبل أخيه..



وجهها صاف كالمرآة ناعم الملمس جميل لا توفيه كلمة جمال..



يغلف جسمها إطار من نور وشعاع من الضوء الخافت الجميل..



همست في اذني بكل نعوووومة..



- أتيت بورودك فأحييت قبري وغرفتي..



- بل أنتي من ستزرعين ورودي وأنت بذرتهن،


ستملأ المقبرة بالورود وسيعجب الجمع أي فاعل للخير قد زرع المقبرة وردا!!





- أخذوا ورودك وقسموها بين الأموات، غير ان لا مؤسسات عندنا تمنعها وتسحبها!!


- هذا ما كنت اصبو إليه..



تسامرت مع حبيبتي طيلة الليل، وأتانا الغبش فأحسست أن المؤذن قد استعجل في النداء!!



ودعتها وقبلتها وألصَقَت في نحري عطرها..



واقفلت باب الأحلام لحظة خروجها.. فاستيقظت..



قمت وصليت وبقيت حتى قبل موعد عودتي بساعات..



ودعت أهلي واقاربي، ومررت على قبرها ثانية لأودعها وأعدها بلحاقي بها,,



دخلت المقبرة فما وجدت الورود..



ووجدت زكاوتها تنتشر على رفات المقابر كلها..



ففرحت وضحكت وتذكرت ما قالته لي بأنها قد وزعتها على المقبورين..



سلمت عليهم ثانية واوصيتهم خيرا بها..



وعدت إلى المطار وركبت الطائرة متجها مرة أخرى إلى دبي..



تاركا خلفي جسدا...



وعطرا...



وورودا...













********






أعتذر عن الإطالة...









تحيتي لنفوسكم جميعا













أخوكم













- وراد -






التوقيع

رد مع اقتباس