رد: فكرة برج المليون رد .............!!!
[align=center]الأدب الإسلامي أَدَبُ التَّفَاؤُلِ، وَالأَمَلِ
د/علي يوسف اليعقوبي
لقد حَرِصَ الإسلام أَشَدَّ الحِرصِ عَلَى أَن يُشَيِّدَ البِنَاءَ النَّفسِيَّ تَشيِيدًا قَوِيًّا وَمُحكَمًا، يَقِفُ فيِ مُوَاجَهَةِ تَقَلُّبَاتِ الحَيَاةِ، مُعَزِّزًا ذَلِكَ بِرَصِيدٍ عَقِيدِيٍّ ضَخمٍ، وَمَدعُومٍ بِجَمِيلِ التَّوَكُّلِ عَلَى اللهِ ()،
وَحُسنِ الظَّنِّ بِهِ سُبحَانَهُ، انطِلاقًا مِن قَاعِدَةِ: مَا أَصَابَكَ لَم يَكُن لِيُخطِئَكَ، وَمَا أَخطَأَكَ لَم يَكُن لِيُصِيبَكَ، فَالتَّفَاؤُلُ يُشَكِّلُ شَحنَةً رُوحِيَّةً ضَخمَةً لِلمُسلِمِينَ، تَنثُرُهَا عَلَيهِمُ الكَثِيرُ مِنَ الآيَاتِ الكَرِيمَةِ، وَالأَحَادِيثُ الشَّرِيفَةُ، فَإِنَّ مَعَ العُسرِ يُسراً * إِنَّ مَعَ العُسرِ يُسرا (1)،
وَعَن مَالِك عَن زَيدِ بنِ أَسلَمَ قَالَ: كَتَبَ أَبُو عُبَيدَةَ بنُ الجَرَّاحِ إِلَى عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ يَذكُرُ لَهُ جُمُوعًا مِن الرُّومِ، وَمَا يَتَخَوَّفُ مِنهُم، فَكَتَبَ إِلَيهِ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ: أَمَّا بَعدُ فَإِنَّهُ مَهمَا يَنزِل بِعَبدٍ مُؤمِنٍ مِن مُنزَلِ شِدَّةٍ يَجعَل اللَّهُ بَعدَهُ فَرَجًا وَإِنَّهُ لَن يَغلِبَ عُسرٌ يُسرَينِ(2)،
وَالآيَاتُ، وَالأَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فيِ هَذَا المَجَالِ، "وَلَقَدِ انعَكَسَت هَذِهِ الصُّورَةُ عَلَى الأَدَبِ الإِسلامِيِّ، فَتَرَعّرَعَ هُوَ الآخَرُ فيِ أَجوَاءٍ كُلُّهَا أَمَلٌ، وَتَفَاؤُلٌ..، رَغمَ السَّلبِيَّاتِ الوَاقِعِيَّةِ التِي يُعَانِي مِن مَرَارَتِهَا الأَدِيبُ صَبَاحَ مَسَاءَ..، وَلا يُعتَقَدُ أَنَّ هَذَا التَّفَاؤُلَ يَندَرِجُ ضِمنَ أخلاقِيَّاتِ البُورجوازِيَّةِ، التِي لَم تَكتَوِ بِنِيرَانِ الطَّبَقاَتِ الدُّنيَا..، فَيُوصَمُ الأَدَبُ الإِسلامِيُّ بِمَا هُوَ مِنهُ بَرَاءٌ، وَتَكفِي الإِشَارَةُ هُنَا إِلَى أَنَّ الأَدِيبَ الحَقَّ هُوَ الذِي يُخَالِطُ النَّاسَ، وَيَهتَمُّ بِقَضَايَاهُم.. يَفرَحُ لِفَرَحِهِم، وَيَحزَنُ لِحُزنِهِم"(3)،
وَيُشِيرُ الأَستَاذُ أنورُ الجنديُّ إِلَى أَنَّ الثِّقَةَ بِاللهِ، وَالإيمَانَ بِأَنَّهُ لا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزرَ أُخرَى؛ هِيَ مَصدَرُ التَّفَاؤُلِ فيِ الأَدَبِ العَرَبِيِّ، وَهَذَا مَا يَفتَقِرُ إِلَيهِ الإِنسَانُ الغَربِيُّ، حَيثُ سَادَ التَّشَاؤُمُ جُلَّ مَدَارِسِهِمُ الفِكرِيَّةِ، وَالأَدَبِيَّةِ، "نَتِيجَةَ مَا يُطلَقُ عَلَيهِ الخَطِيئَةُ الأَصلِيَّةُ، وَمِن ثَمَّ ظَهَرَت آثَارُهُ عَلَى الآدَابِ، وَالفُنُونِ، وَالفَلسَفَةِ، وَالأَخلاقِ" (4).
هَذَا وَلا يُمكِنُ الإِحَاطَةُ بِجَمِيعِ الخَصَائِصِ التِي يَتَمَيَّزُ بِهَا الأَدَبُ الإِسلامِيُّ، لأَنَّهَا تَتَعَدَّدُ، وَتَتَّسِعُ، بِاتِّسَاعِ رُقعَةِ الفِكرِ الإِسلامِيِّ نَفسِهِ، وَامتِدَادِهِ الأُفُقِيِّ الضَّخمِ، وَقَد تَنَاوَلَهَا العَدِيدُ مِنَ البَاحِثِينَ بِالدَّرسِ، وَالبَحثِ، كُلٌّ مِن وجهَةِ نَظَرِهِ، وَمِن زَاوِيَةِ تَفكِيرِهِ، بَينَ مُسهِبٍ مُتَوَسِّعٍ، وَمُقتَصِدٍ مُختَصِرٍ، وَمِنهُ هَذِهِ الخَصَائِصُ التِي لَم نُعَرِّج عَلَيهَا، وَلَم نَتَنَاوَلهَا بَالتَّوضِيحِ، وَإِلقَاءِ الأَضوَاءِ عَلَيهَا، وَمِنهَا: الصِّدقُ الوُضُوحُ الإِيمَانُ الأَخلاقُ البُرهَانُ الحُرِّيَة ذَاتُ الضَّوَابِطِ ثَبَاتُ القِيَمِ تَرَابُطُ الفَردِيَّةِ، وَالجَمَاعِيَّةِ تَرَابُطُ العِلمِ بِالعَمَلِ أَصَالَةُ الاستِجَابَةِ الذَّاتِيَّةُ الاعتِرَافُ بِرَغَبَاتِ الإِنسَانِ الارتِبَاطُ بِالمِيرَاثِ التَّجرِيبُ الفِطرَةُ تَرَابُطُ العُرُوبَةِ وَالإِسلامِ قَوَامَةُ الرَّجُلِ تَكَامُلُ المَعرِفَةِ الوَسَطِيَّةُ (5)،
وَمِن هَذِهِ الخَصَائِصِ التِي لَم نَتَعَرَّض لَهَا أَيضًا، أَنَّهُ: أَدَبُ الوَاقِعِ الذِي يَرَاهُ الأَدِيبُ مِن خِلالِ العَقِيدَةِ أَدَبُ العِلمِ أَدَبُ أَجيَالٍ مُمتَدَّةٍ أَدَبٌ عَزِيزٌ لا يَذِلُّ أَدَبُ الجِهَادِ أَدَبٌ لُغَتُهُ العَرَبِيَّةُ التِي اختَارَهَا اللهُ (سبحانه) أَدَبٌ نَامٍ مُتَطَوِّرٌ (6)
كَمَا أَنَّهُ أَدَبُ الانفِتَاحِ وَأَدَبُ الكَونِيَّةِ الإِنسَانِيَّةِ وَأَدَبُ الجَمَالِيَّةِ الفَنِّيَّةِ (7)
وَالاستِقَلالِ الفَعَّالِ الُمَؤَثِّر (8).
وبالعودة إلى الأمل والبشر، والتفاؤل، نطرق باب الشاعر الكبير إبراهيم طوقان، فَقَد كَانَ هذا الشَّاعِرُ يُؤمِنُ بِاللهِ إِيمَانًا عَمِيقًا وَصَادِقًا، وَعَلَى الرَّغمِ مِنَ ابتِلائِهِ بِالحِرمَانِ مِن نِعمَةِ الصِّحَّةِ وَالعَافِيَةِ وَهُوَ فيِ رَيعَانِ شَبَابِهِ، إِلا أَنَّهُ كَانَ صَابِرًا، وَمُتَفَائِلاً "وَإِنَّكَ لَتَتَصَفَّحُ مَا خَلَّفَهُ مِن مَآثِرِهِ الأَدَبِيَّةِ، فَتَرَاهُ قَد عَرَضَ فِيهَا مِرَارًا لِذِكرِ مَرَضِهِ، وَسَقمِهِ، وَلَكِنَّهُ عَرضٌ مَرِحٌ، مُبتَسِمٌ، لا رُوحَ لِلتَّشَاؤُمِ فِيهِ، وَلا أَثَرَ لِشَكوَى الزَّمَانِ، إِذ كَانَ المَرَحُ، وَالابتِسَامُ خِلقَةً فيِ إبرَاهِيمَ، فَلَم يَكُن يَنظُر إِلَى الدُّنيَا إِلا مِن وَجهِهَا الضَّاحِكِ المُشرِقِ" (9)،
وَنَظَرًا لِنُحُولِ جِسمِهِ، فَقَدِ احتَاجَ ذَاتَ مَرَّةٍ إِلَى نَقلِ دَمٍ لَهُ، فَقَالَ:
وَطـبـِيبٌ رَأَى صَـحِــيفَة وَجـــهِــــيَ
شَــاحِــبًا لَــونُهَــا، وَعُــودِي نَـحِــيفا
قـــالَ: لابُـــدَّ مِـــن دَمٍ لـكَ نُـعـطِـيــ
ــهِ نَــقيًّا ، مِــــلءَ العُـــرُوقِ عَـنِـيـفا
لــَكَ مَــا شِئـــتَ يَــا طَــــبِيبُ وَلكِـن
أعــطِــنِي مِــن دَمٍ يَــكُونُ خَــفِـيـفَا (10)
وَتَوَاصُلاً مَعَ هَذَا الخُلُقِ النَّبِيلِ؛ خُلُقِ التَّفَاؤُلِ وَالأَمَلِ، نَنتَقِلُ إِلَى الشَّاعِرِ "عَبدِ الرَّحِيمِ مَحمُودٍ" (11)
، فَقَد كَانَ تَفَاؤُلُهُ تَفَاؤلاً إِيجَابِيًّا بَنَّاءً، لا تَفَاؤُلَ المُتَوَاكِلِ الكَسُولِ، وَنَستَطِيعُ أَن نَرصُدَ قِمَّةَ التَّفَاؤُلِ وَوُضُوحَ الهَدَفِ فيِ قَصِيدَتِهِ "تَبَسَّم"، حَيثُ يَدعُو فِيهَا الشَّبَابَ إِلَى التَّفَاؤُلِ وَالبِشرِ واَلأَمَلِ، ذَلِكَ أَنَّ "الغَضَبَ يُعمِي الفِكرَ، وَيَجعَلُ صَاحِبَهُ بَعِيدًا عَن هَدَفِهِ، قَصِيًّا عَن مُرَادِهِ، لأَنَّهُ يَحجِبُ عَقلَهُ عَن رُؤيَةِ الأَشيَاءَ رُؤيَةً وَاضِحَةً وَدَقِيقَةً" (12).
يَقُولُ الشاعِرُ:
إِن تَجِد بَابَ الأمَانِي مُغلقاً .... لا تكَشِّـــــر أو تلُم مَن سَكَّرَه
إِنَّ بَـــوَّابَ الأمَانِــي مــَـرِحٌ .... يَبغَضُ اليَأسَ وَيَخشى الكشَرَة
فتبسَّم يَا عَزِيزِي
يَا عَزِيزِي هَل ترَى الكَشَرَة أرجَعَت مِن فائِتٍ بَعدَ فـوَاتِ
بَـيـنَمَا البـَسـمَة أدنَت قاصِيًا أَوَ مَا جَرَّبتَ سِحرَالبَسَمَاتِ
وَتــبَــسَّــــــم
فليُفِض وَجهُكَ بِشرًا دَائِمًا كرِهَ النَّاسُ عَلى الدَّهرِالعَبُوسَـا
هَل ترَى التقطِيبَ حَلى مَرَّة أم ترَاهُ رَفَّهَ العَيشَ البَئِيسَا
فتبَسَّم يَا عَزِيزِي (13)
وَيُعتَبَرُ العقَّادُ وَاحِدًا مِنَ الرِّجَالِ الأقوِيَاءِ، الأشدَّاءِ، أَصحَابِ النَّظرَةِ الفَاحِصَةِ، وَالرَّأيِ الثاقِبِ السَّدِيدِ، وَالشخصِيَّةِ المُعتَزَّةِ بِقُدرَاتِهَا، وَقَد كَانَ مُؤمِنًا بِاللهِ إيمَانًا قَويًّا لا يَتَزعزَعُ، وَلا يَلِينُ، لا عَن وِرَاثةٍ فَحَسبُ وَإِن كَانَ مِنْ بَيتِ عِلمٍ، وَدِينٍ، وَلَكنْ عَن شُعُورٍ، وَتَأمُّلٍ، وَتَفكِيرٍ طَوِيلٍ، وَلَعَلَّ هَذِهِ الصِّفَاتِ مُجتَمِعَةً جَعَلَت مِنَ الأُستَاذِ العَقَّادِ شَخصِيَّةً مُتَمَيِّزَةً، وَفَرِيدَةً. فَلَم يَكُن يَرحَمهُ اللهُ يَتَشَاءَمُ مِمَّا يَتَشاءَمُ النَّاسُ مِنهُ مُطلَقًا، وَكَانَ يَتَحَدَّى التَّشَاؤُمَ، وَيَزدَرِيهِ، وَلا يُؤمِنُ بِهِ، فَإن كَانَ النَّاسُ يَتَشَاءَمُونَ مِنَ الرَّقمِ 13، فَقَد كَانَ هَذَا الرَّقمُ هُوَ رَقمُ مَنزِلِهِ بِمِصرَ الجَدِيدَةِ، كَمَا كَانَ الرَّقمَانِ الأَخِيرانِ مِن هَاتِفِهِ المَنزِلِيِّ هُمَا 13، وَقد بَدَأَ فيِ إِنشَاءِ مَنزِلِه بِأسوَانَ يَومَ 13 مَارِس، وَقَسمَ كُتُبَهُ إِلَى 13 قِسمًا، وَاحتَفَظَ بِتِمثالٍ لِلبُومَة عَلَى مَكتَبِهِ، وَمِن غَرَائبِ الأُمُورِ أَن يُدفَنَ فيِ أسوَانَ يَومَ 13 مَاِرس سَنَةَ 1964م، رحم الله الأستاذ العقاد رحمة واسعة، وأدخلنا وإياه فسيح جناته، فقد كان أمة وحده، وفريد عصره، ونابغة زمانه (14).
[/align]
التوقيع |

|
|