عرض مشاركة واحدة
قديم 03-19-2010, 09:26 PM   رقم المشاركة : 18755
معلومات العضو

 
الصورة الرمزية أبو المثلّم
 

 

 
إحصائية العضو






اخر مواضيعي
 

أبو المثلّم غير متواجد حالياً


افتراضي رد: فكرة برج المليون رد .............!!!

رمز الثور في ثلاث قصائد



د.غسان إسماعيل عبد الخالق - هذه مقاربة لرمز ثور الوحش في ثلاث قصائد لثلاثة شعراء مخضرمين، واحدة منها قيلت في الجاهلية، واثنتان قيلتا في الإسلام. وان كانت الجاهلية تسيل في الأولى سيلانا واضحا يفضحه فخر سويد اليشكري بنفسه وبقومه، فإن أقدام الشاعرين الآخرين تبدو كما لو أنها ما تزال منقوعة في ماء الجاهلية.
وحتى لا يذهب الظن بعيدا بالقارئ، لا بد من تأكيد القول إن الجاهلية هنا تعني العصر برسومه وسننه، ولا يعنى بها ذلك الحكم الأخلاقي المضمر الذي استوطن أذهان بعضهم، فراح يقرن لفظ الجاهلية بالشرك والضلال والإثم.
ولعل الاستيحاء الحاد لحقيقة الصراع بين الحياة والموت، هو أحد رسوم ذلك العصر المهمة، التي تحدرت إلى شعر المخضرمين رغم إسلامهم وانقلاب حالهم من البداوة إلى شيء من التحضر الذي ما لبث أن تحول إلى استقرار مديني ثابت.
ومن البديهي أن يحمل الشعر الجاهلي أو المخضرم هذه الحقيقة على رمز ثور الوحش، كونه إحدى الكائنات البرية المستهدفة من الصيادين وكلابهم، وكونه الأقوى والأجمل بين هذه الكائنات، مما يغني صورة الشاعر بالصراع المطلوب التعبير عنه بين رمز الموت ورمز الحياة، وبالمأساة المتمثلة في اندحار ثور الوحش وما يمكن أن يقابلها من إحساس بالنشوة، إذا قيض لهذا الثور النجاة أو الفوز، على نحو يحفل بتصعيد درامي قاس لهذا الصراع.
هكذا، فإن الشاعر القديم، إذ هو يلتصق بقضايا بيئته الموجهة بهذا الاستقطاب الهائل بين فاعلية الحياة وفاعلية الموت -في غزوه إذا غزا، وفي بحثه عن الكلأ والماء إذا ارتحل- ويعبر عن هذه القضايا بتوتر شعري عال، فإنه لا يدخر وسعا لتحسس هذه البيئة تحسسا جماليا فائقا، محاولا بذلك أن يحوز شرط التزامه ببيئته وشرط تفوقه الفني في بث هذا الالتزام.
@@@
سويد بن أبي كاهل اليشكري، شاعر مخضرم أدرك الجاهلية وعمر في الإسلام، قال قصيدته العينية في الجاهلية، فأسمتها العرب: اليتيمة ، لما اشتملت عليه من الحكم والأمثال، ورغم أن الناظر المتمعن في هذه القصيدة لا يعدم أبياتا تسيل فيها روح الإسلام على نحو لا يدع مجالا للشك في أنها مما قاله سويد بعد أن أسلم، إلا أنه لن يخطئ تحسس ضخامة سويد وطول نفسه.
على أن مما يلفت النظر في نظام هذه القصيدة، أنه لا يطرد وفقا لما هو مألوف في القصيدة الجاهلية، بل إن الشاعر كثير الالتفات، فلا يكاد يستوفي الكلام على غرض ويجاوزه إلى آخر، حتى يعيد القول في ما يظن أنه استوفى الكلام عليه، فهو يستهل قصيدته بالنسيب، مستغرقا في ذلك من البيت الاول حتى البيت السابع، ثم يستطرد للحديث عن الطيف والليل حتى البيت الخامس عشر، ثم يلتفت إلى حبيبته، وهكذا يمضي متنقلا من الحديث عن رحلته وراحلته، إلى الفخر بقومه، إلى الحديث عن طيف المحبوب مرة أخرى.
ومن المرجح أن حال الشاعر، هو من السعة والاسترخاء، بحيث أنه لا يجد غضاضة في أن يطوف بالقارئ، وأن يبدئ ويعيد، دون أن يحس القارئ منه ذلك التوتر الممض، رغم مما يساوره من رسيس قلقه حينما ينهد لتصوير تلك العداوة المتمكنة من نفس صاحبه المنافق، الذي ليس بالوسع القطع بما إذا كان يتجاوز كونه صديقا شخصيا له، إلى كونه حليفا مقنعا يبدي المودة لبني بكر بن وائل، ويضمر لهم الحقد، إذ إن المصادر تبخل بتحديد المناسبة أو الدوافع التي حدت بالشاعر إلى قول قصيدته هذه.
أيا كان أمر هذا الصديق اللدود، فإن كل محاولاته للحيلولة دون بلوغ المرام، قد باءت بالفشل، سواء ما تعلق منها بالشاعر، أو ما قد يكون متعلقا بقومه، الأمر الذي يمكن تلمسه من خلال التفات الشاعر للفخر بقومه وبنفسه فخرا شديدا. ولعل هذا الإحساس البالغ بالاقتدار والسعة والاسترخاء والخلوص من الكدر العارض، يتأكد في البيت الأول:
بسطت رابعة الحبل لنا
فوصلنا الحبل منها ما اتسع
فرابعة، خلافا لصويحباتها في قصائد شعراء آخرين، منهم عبدة بن الطبيب، لا تبخل على الشاعر بوصلها، بل هي تبسط له في حبل هذا الوصل وتمده، فلا يتوانى هو عن الإمساك به ما وسعه ذلك. ولعل الحبور المتولد عن هذا البذل، الذي ترجمه الشاعر بركوب هذا البحر المتقافز من بحور الشعر، ليس سوى معادل موضوعي لمبلغ الطمأنينة التي أحرزها قومه بجدهم وبأسهم، وكأنما الحياة قد وهبت لهم، فخلصوا مما يساور غيرهم من كدر العيش ونوائب الدهر. فلم يكن بدعا والحال هذه، أن يخلص ثور سويد من تلك الكلاب المطاردة وصاحبها، دون أن يضطر لمواجهتها بعد أن تراخت في تعقبه، لتيقنها من أنه سيفتك بها ويثخنها تجريحا وطعنا، إذا اضطر للمواجهة، بسبب شدة قوته وفتوته:
فكأني إذ جرى الآل ضحى
فوق ذيال بخديه سفع
كف قداه على ديباجة
وعلى المتنين لون قد سطع
يبسط المشي إذا هيجته
مثلما يبسط في الخطو الذرع
راعه من طيء ذو أسهم
وضراء كن يبلين الشرع
فرآهن ولما يستبن
وكلاب الصيد فيهن جشع
ثم ولى وجنابان له
من غبار أكدري واتدع
فتراهن على مهلته
يختلن الأرض والشاة يلع
دانيات ما تلبسن به
واثقات بدماء أن رجع
يرهب الشد إذا أرهقته
وإذا برز منهن ربع
ساكن القفر أخو دوية
فإذا ما آنس الصوت امصع
@@@
شتان ما بين عينية سويد وعينية أبي ذؤيب، فعلى حين أن الأول ينصب من الحياة بطلا متوجا ممثلا لذلك بثوره الفتي، إذا بالثاني ينصب من الموت بطلا غير منازع ممثلا لذلك بثوره الهرم. ورغم وضوح هذا الموت الجاثم على جو القصيدة، إلا أنه لا بد من التحرز في شأن عدد الأبناء الذين رزء بهم أبو ذؤيب واستفاضت المصادر في ندبهم والتنويه بمآثرهم. إذ من المرجح أنهم ثلاثة وليسوا خمسة، بدليل المشاهد المأساوية الثلاثة التي يرسمها أبو ذؤيب، مبتدئا كل مشهد منها بلازمة واحدة لا يجاوزها هي: والدهر لا يبقي على حدثانه .
مصاب أبي ذؤيب كان من الفداحة حد أنه لم يعد يرى من الحياة سوى سطوة الموت وهي تخترم الحياة في اندفاعها وانطلاقها، فراح يضج بتساؤل ممض على لسان أميمة ، تعاتبه لتوجعه والدهر ليس آبها لآهاته:
أمن المنون وريبها تترجع
والدهر ليس بمعتب من يجزع؟!
وكأن المصاب قد جعله يثوب لرشده، فصار لزاما عليه أن يؤكد ما غاب عنه من أمر هذه الحقيقة الماحقة، ومثل لها بهلاك حمار الوحش ، ثم بهلاك ثور الوحش .
ثور أبي ذؤيب نموذج للحياة المطمئنة المتصلة، حتى إذا أزف الوقت وداهمها الموت انتابها الفزع وفقدت ما كانت تجده من أمن:
والدهر لا يبقى على حدثانه
شبب أفزته الكلاب مروع
شعف الكلاب الضاريات فؤاده
فإذا يرى الصبح المصدق يفزع
ويعوذ بالأرطي إذا ما شفه
قطر وراحته بليل زعزع
يرمي بعينيه الغيوب وطرفه
مغض يصدق طرفه ما يسمع
ويبدع أبو ذؤيب في رسم صورة ملحمية لمصرع ثور الوحش ، الذي يجاهد عبثا للاحتفاظ بحياته، ويجد هربا من كلاب الصياد، فلا تلبث أن تدركه لتدور معركة حامية الوطيس، يكاد هذا الثور يحسمها لصالحه:
فانصاع من فزع وسد فروجه
غبر ضوار وأفيان وأجدع
فنحا لها بمذلقين كأنما
بهما من النضح المجدح أيدع
ينهشنه ويذبهن ويحتمي
عبل الشوى بالطرتين مولع
فكأن سفودين لما يقترا
عجلا له بشواء شرب ينزع
فصرعنه تحت الغبار وجنبه
متسرب، ولكل جنب مضرع
إلا أن المنية كانت بالمرصاد لهذا الثور العنيد، ممثلة بسهام الصائد التي وضعت حدا حاسما لتمرد الثور:
حتى إذا ارتدت وأقصر عصبة
منها وقام شريدها يتضوع
فدنا له رب الكلاب بكفه
بيض رهاب ديشهن مقزع
فرمى لينقذ فرها فهوى له
سهم، فأنفذ طرتيه المنزع
فكبا كما يكبو فنيق تارز
بالخبث إلا أنه هو أبرع
من الملاحظ في الأبيات الأخيرة، تعمق فكرة الموت المحتومة على رمز الحياة، ونبل هذا الرمز الموشى بالحزن، حينما ينتهي به الأمر إلى التسليم البطيء بنهايته، وكأن أبا ذؤيب بعد أن عرض صورة الصراع في صخبها وعنفها وتسارعها، راح يضبط المشهد الأخير من هذا الصراع ببطء أليم:
فكبا كما يكبو فنيق تارز
بالخبث إلا أنه هو أبرع
@@@
إذا كانت صاحبة سويد، قد بسطت له من حبل ودها، فوصله ما استطاع إلى ذلك سبيلا، فإن صاحبة عبدة بن الطبيب، قد قطعت هذا الحبل باختيارها ربوعا جاورت أهل المدائن سكنا لها، وعبدة بن الطبيب ليس من المخاتلة بحيث يخدع نفسه ويضللها، فتراه لذلك يسارع إلى طرح سؤالين جوهريين هما:
هل حبل خولة بعد الهجر موصول؟
أم أنت عنها بعيد الدار مشغول؟
إنهما سؤالان لا بد من إجابة حاسمة عنهما، الأول يتعلق بخولة، والثاني يتعلق به، ولأنه ليس ممن يخاتل نفسه، فهو يجيب عنهما بوضوح:
إن التي ضربت بيتا مهاجرة
بكوفة الجند غالت ودها غول
فعد عنها ولا تشغلك عن عمل
إن الصبابة بعد الشيب تضليل
وبصرف النظر عما إذا كانت خولة هنا هي حليلته التي هاجر لهجرتها ثم صدمته واختارت ربعا يجاور أهل المدائن سكنا، فقرر الرجوع، أم إنها رسيس ذكريات الفتى الفاتك في عهد الجاهلية التي لا تنفك تخامر قلبه من حين لآخر، فإن عبدة في الحالين يبدو عازما على بتر هذه الذكرى والانشغال عنها.
وللحق، فإن عبدة يبدو أكثر تجلدا وإيجابية من أبي ذؤيب، على مبلغ الفارق في المصاب، إذ إنه يعمد إلى تجاوز محنته عبر مستويين: مستوى الانشغال بقضية الفتوح الإسلامية، وهي من الضخامة حد التكفل بتغييب أية قضية أخرى، ومستوى الترميز لهذا الانشغال بثور الوحش الذي يتفوق على ثور سويد من حيث أنه يخوض الصراع فعلا، وليس مقاربة، ويتفوق على ثور أبي ذؤيب من حيث أنه يخرج من هذا الصراع متوجا بالنصر.
هذه الرغبة في المواجهة وتصعيد الصراع وحسمه، هي من التأصل في وعي عبده بحيث أن ثوره بعد أن يباكره الصائد الأشعث بكلابه ويتعقبه كالذئب، يعدو لينجو بنفسه والكلاب في أثره، ولا يلبث أن يعدل عن هذه المواجهة السلبية، وينهد لمواجهة الكلاب:
مجتاب نصع جديد فوق نقبته
وللقوائم من خال سراويل
مسفع الوجه في أرساغه خدم
وفوق ذلك إلى الكعبين تحجيل
باكره قانص يسعى بأكلبه
كأنه من صلاء الشمس مملول
يأوي إلى سلفع شعثاء عارية
في حجرها تولب كالقرد مهزول
يشلي ضواري أشباها مجوعة
فليس منها إذا أمكن تهليل
يتبعن أشعث كالسرحان منصلتا
له عليهن قيد الرمح تمهيل
فضمهن قليلا ثم هاج بها
سفع بآذانها شين وتنكيل
فاستثبت الروع في إنسان صادقة
لم تجر من رمد منها الملاميل
فانصاع وانصعن يهفو كلها سدك
كأنهن من الضمر المزاجيل
فاهتز ينفض مدريين قد عتقا
مخاوض غمرات الموت مخذول
ويخوض ثور عبدة، معركة دامية مع الكلاب، فيوسعها طعنا بقرنيه، حتى إذا أرداها بين جريح وقتيل، انطلق مزهوا بنصره المؤزر:
شروى شبيهين مكروبا كعوبهما
في الجنبتين وفي الأطراف تأسيل
كلاهما يبتغي نهك القتال به
إن السلاح غداة الروع محمول
يخالس الطعن إيشاغا على دهش
بسلهب سنخه في الشأن ممطول
حتى إذا مض طعنا في جواشنها
وروقه من دم الأجواف معلول
ولى وصرعن في حيث التبسن به
مضرجات بإجراح ومقتول
كأنه بعد ما جد النجاء به
سيف جلا متنه الأصناع مسلول
مستقبل الريح يهفو وهو مبترك
لسانه عن شمال الشدق معدول
إن الاصرار على المواجهة واحتمال مشاقها وأخطارها من جهة، والعزم على حيازة الظفر من جهة أخرى، لا يمكن عزله في وعي الشاعر، عن واقع محنته الشخصية التي حسمها بتجاوز حبه لخولة أو واقع محنة الجماعة، ممثلا بذلك الاختبار العظيم الذي خاضته جيوش الفتح الإسلامي قبالة جيوش الفرس، والذي تكلل بانتصار جيوش الفتح التي عبدت طريقها إليه بكثير من المشقة واحتمال شظف العيش، مما أفاض الشاعر في ذكره والرمز إليه في قصيدته هذه


جريدة الرأي
http://www.alrai.com/pages.php?news_id=301499






رد مع اقتباس