رد: فكرة برج المليون رد .............!!!
يشعر المسلمون قط أن الدنيا تنفصل في إحساسهم عن الآخرة أو أن الدين ينفصل عن الحياة.
وبهذه الروح الشاملة الواصلة - التي وجههم لها الله ورباهم عليها رسوله - كانوا يأخذون شئون الحياة كلها، من عمل وعبادة، وأفكار ومشاعر، وشريعة ونظام..
وبهذه الروح الشاملة الواصلة ذاتها كانوا يأخذون العلم.. على أنه " فريضة " تصل الأرض بالسماء، وتصل العمل بالعقيدة، وتصل " المعرفة ".. بالله.
كان للعلم في " عقولهم " هذا المدلول الشامل.. فهو ليس علم الأرض وحدها. وليس علم السماء وحدها. وليس علم النظريات وحدها أو علم التطبيقات. ولكنه ذلك كله، مشمولاً بالعقيدة ومرتبطاً بالله.
ومن ثم امتدت " العلوم " في نظرهم حتى شملت المعرفة كلها. فمنها علوم الدين من فقه وشريعة وتوحيد وكلام. ومنها علوم اللغة. وعلوم الفلك والطبيعة والكيمياء والرياضيات.. إلى آخر ما كان معروفاً يومئذ من العلوم.
ولم يكن العرب - قبل الإسلام - أمة علم، ولم يكن تراثهم يحمل شيئاً ذا قيمة من المعرفة. إنما كان همهم الشعر والبراعة اللغوية.. ولكن الهزة الجبارة التي أحدثها الإسلام في نفوسهم، والطاقة العجيبة التي جمعها في كيانهم، وأطلقها - من بعد - في فجاج الأرض، قد حولتهم إلى قوة هائلة تضرب في كل ميدان. في ميدان العقيدة. وميدان الحرب. وميدان السياسة. وميدان المعرفة كذلك.
لقد أحسوا بالرغبة الشديدة في المعرفة تتأجج في كيانهم: المعرفة من كل لون. وفي كل ميدان. فشرقوا وغربوا يطلبون العلم، ويستحوذون على كل ما يجدون منه في الطريق. ويتفتحون لذلك كله، ويهضمونه ويمثلونه ويصبغونه بصبغتهم الإسلامية التي تربط الحياة كلها برباط العقيدة. ثم يضفون إليه جديداً قيماً يشهد لهم بالجد والعزيمة، كما يشهد بالبراعة والمقدرة، والقوة والنماء.
كانت المعرفة في وقتهم مزدهرة في اليونان من ناحية، وفي الهند وفارس من ناحية. كما كانت الصين كذلك زاخرة بالعلوم. وفي الحكمة القائلة: " أطلبوا العلم ولو في الصين " ما يشير إلى هذه الحقيقة، وكان توجيه الرسول r للمسلمين أن يبذلوا أقصى الطاقة في سبيل العلم، فنشطوا في سبيل ذلك لا يبالون الصعاب.
وفي سرعة خاطفة ألم الإسلام بهذا كله، وتفقه المسلمون في معارف الأرض المعروفة في ذلك الحين، ثم أخذوا في البناء والإضافة، وظهر من بينهم حشد هائل من العباقرة في كل جانب. عبقريات في الفقه - والفقه يشمل الأسس النظرية للحياة كلها بما فيها من اقتصاد وسياسة وحرب وسلم وتنظيم اجتماعي - وعبقريات في العلوم النظرية وفي العلوم العملية: في الرياضة والفلك والطبيعة والكيمياء والطب، يحفظ منهم التاريخ أسماء خالدة، دفعت بالمعرفة البشرية خطوات جبارة إلى الأمام. وظل بعضهم - كالحسن بن الهيثم - أستاذاً في مادته وكشوفه العلمية حتى القرن التاسع عشر، يتتلمذ عليه الأوربيون.
ولكن المهم في ذلك كله هو " الروح " التي شملت العلم في العالم الإسلامي.. روح " الفريضة ".
كانت التعاليم التي استقوها من الله والرسول هي التي تظلل حياتهم وتسيطر على مشاعرهم. وكانت المعرفة في وجدانهم فريضة يؤدونها، بدافع الفريضة وفي صورة الفريضة.
كان للعلم في نفوس الناس قداسة كقداسة العقيدة. قداسة تشمل المعلم كما تشمل الطلاب. كلاهما يحس بالرهبة، ويحس بالتقوى، ويحس بالنظافة، ويحس بالراحة والفرحة في رحاب الله.
إنه واجب مقدس، يؤدى " من الداخل ". يؤدى من الأعماق.
الأستاذ يحصّل العلم لأنه فريضة. ويؤديه إلى الناس لأن أداءه فريضة كذلك.
والطلاب يسعون إلى طلبه، كما يسعون إلى المسجد للصلاة.
كلاهما مخلص وكلاهما نظيف.
والمحصول العلمي الذي خلفه أولئك المسلمون - سواء أعجبنا اليوم ونحن ننظر إليه بعقلية المعارف الحديثة أم لم " نتفضل " عليه بالإعجاب - محصول يشهد بالجهد الصادق العنيف الذي بذل فيه..
لم يكن واحد يؤلف ليكسب! يكسب الشهرة أو يكسب النقود! وإنما يؤلف لأنه بحث وجد واستنبط، فوصل إلى " شيء " فأذاعه على الناس.
و " الانقطاع " للعلم كان وحده دليلاً على هذا الصدق الذي لا تفسده الأغراض.
ولم يكن الصدق والإخلاص هما السمة الوحيدة في " علم " المسلمين. فذلك لا يستنفد كل معاني " الفريضة "!
وإنما كانت هناك مزيتان أخريان، تركتا طابعاً أصيلاً في الحياة الإسلامية ما يقرب من ألف عام.
المزية الأولى أن العلم - وهو " فريضة " - كان يقرب القلوب إلى الله.. ولا يبعدها عن هداه.
نعم.. لم تحدث في الإسلام تلك الفرقة البغيضة بين العلم والدين!
وكيف تحدث والعلم فريضة يتقرب بها الإنسان إلى الله؟ كيف يتقرب إليه بالبعد عنه والنفور منه؟!
كلا! إن العلم نور الله. موهبته المعجزة التي وهبها للإنسان. وهي أولى بالشكر لا بالكفران!
يتبع))))
التوقيع |

حـــــمـــــدان الــــــهـــــــذلـــــــ ي
|
|