عرض مشاركة واحدة
قديم 04-24-2011, 11:04 AM   رقم المشاركة : 45582
معلومات العضو

 
الصورة الرمزية حماس
 

 

 
إحصائية العضو






اخر مواضيعي
 

حماس غير متواجد حالياً


افتراضي رد: فكرة برج المليون رد .............!!!

نظرات بلاغية للإمام "عبد القاهر الجرجاني" في أبيات من الشعر لا يكتفى فيها بالدلالة على معدن الحسن بل يمارس هو بنفسه استخراج ذلك الحسن وتحليل البيان وتذوقه.

وهذا كثير فى كتابيه : "الدلائل والأسرار" يجد المرء نفسـه جـدَّ مفتقر إلى أن يقيم معتكفًاعلى استبصار منهاجه فيهما .
ولعل الذى هو العلم فى هذا موقفه من أبيات "ابن الطثرية"المشهورة :




ولمَّا قضَينا منْ منًى كُلَّ حَاجَـة***ومسَّح بالأرْكان مَن هُو ماسـحُ
وشدَّت على دُهْم المَهارَى رحالُنا***ولَم ينظرالغَادي الَّذي هُو رائـحُ
أخَذنا بأطْراف الأحاديـث بينَنـا***وسالت بأعناق المُطيّ الأباطـحُ


قد كان موقفه التحليلى التأويلى التعليلى لهذه الأبيات مناط استحسان ممن جاء بعده ، لما بدا منه ولم يكن من غيره خلا "أبى الفتح عثمان بن جنى"
وعبد القاهر كانت عنايته بهذه الصورة الشعرية فى كتابة "الأسرار" حيث ذكر الأبيات الثلاثة غير منسوبة ، وفى الدلائل ذكر شطرا واحدا: (وسالت بأعناق المطى الأباطح) فى مواطن أربعة غير منسوب
تجده فى الأسرار يوطئ للأبيات بتخليص القول فيما قاله أهل العلم بالشعر فى منازلها العالية ، ثم يشير من بعد ذكرها إلى معالم الحسن فيها ثم لا يكتفى بهذا كما فعل فى الموقف الأول مع أبيات "البحترى" مع "الفتح ابن خاقان" وأبيات أبى أسحق الصولى: "إبراهيم ابن العباس" مع "الزيات" بل يعتمد من بعد ذلك إلى استقرار الحسن بنفسه ، ويوقفك على دقائق ولطائف
وإذا نظرت إلى صنيع الأمام هنا والذى مهد به لتحليله وتذوقه ألفيت أنه قد جعل معدن الاستحسان والثناء فى الأبيات أمورا هى:
1) استعارة وقعت موقعها.
2) وحسن ترتيب تكامل معه البيان.
3) وسلامة من حشو وفضل.
4) وسلامة من التقصير
تلك هى معادن الاستحسان التى أشار إليها ودلنا علينا. ثم عمدا إلى التدبر والتذوق :
وقف عند الإيجاز فى قوله (ولما قضينا من منى كل حاجة) والكناية والإيماء فى (ومسح بالأركان من هو ماسح)
ثم نظر فى جواب الشرط(لما)متجاوزا النظرفىالبيت الثانى:
وشدت على دهم المهارى رحالنا ولم ينظر الغادى الذى هو رائح
وهو من تمام جملة الشرط الممتدة.
ونظره فى الجواب عُنى فيه بدلالة كلمة (الأطراف) على الصفة التى يختص بها الرفاق فى السفر واستجلى بعضا من دلائلها على الواقع النفسى الذى يكون لهم.
وأشار إلى منزلة الاستعارة فى (سالت بأعناق المطى الأباطح) وكان تذوقه وتحليله لها نموذجا عَليًّـا يهتدى به ، ويرشد إلى ما للناقد المتذوق من إعانة للمتلقين على استبصار لطائف ودقائق فى معدن الشعر وأن الدلالة عليها والإرشاد إليها عمل نقدى جليل ، وهو يعنى بهذه الاستعارة فى كتابة "الدلائل" "والأسرار" من وجوه عدة استجماعها إلى بعضها يوفى الصورة الاستعارية بعض حقها.
وكانت له مناظرة بين (بأعناق المطى) وقولنا (بالمطى) تبصرنا الوجه الذى حاوله الشاعر بالعدول عما هو المألوف .
وقد كانت قراءته لهذه الصورة الشعرية من القراءات الماجدة لها وقد توافدت عليها القراءات من قبله ومن بعده فكان هو وابن جنى العليين فى ذلك.
وغير خفى أن تحليل "عبد القاهر" هذه الصورة الشعرية لم يكن مستقصيا كل مكوناتها ولم يكن مستخرجا كل مكنوناتها:
يكون بملكك أن تضيف إليه النظرفى اصطفاء(قضينا)على (فرغنا)وفي تقديم(من منى) على المفعول (كل حاجة) وفيما بين (من) و(منى)من إيقاع النغم والنظرفي اصطفاء (منى) من كل منازل ومشاعرالرحلةالقدسة وبملكك أن تضيف إليه النظر في تشديد الفعل(مسَّح) ودلالته ،وزيادة (الباء) في (بالأركان) وعلاقتها بقول الله تعالى (وامسحوا برءوسكم) ،وكذلك النظر في التعريف بالموصولية في ( من هو ماسح) وفى تقديم (من منى) على المفعول (كل حاجة) وفيما بين (من)و(ومنى) من إيقاع النغم والنظر فى اصطفاء (منى) من كل منازل ومشاعر الرحلة المقدسة
ويملكك أن نضيف إليه النظر فى تشديد الفعل (مسح) ودلالته ، وزيادة "الباء" فى (بالأركان) وعلاقتها بقوله تعالى (امسحوا برؤوسكم) وكذلك النظر فى التعريف بالموصوليه (من هو ماسح)
وإذا كانت قراءة عبد القاهر" البيت الثانى عجلى تشير إلى أنه وصل بذكر مسح الأركان ما وليه من زم الركاب وركوب الركبان ، فإنك إن نظرت فى هذا البيت رأيت فيه مشهدا يرسم الصورة النفسية والحركية للركبان ، وهو ذو منزلة عليا فى هذا جديرة بالاستشراف إلى تذوقها
ويزيده أن تبصر صيغة الفعل (شدت) وبناءه لغير الفاعل وتقديم الجار (على دهم المهارى) على المفعول (رحالنا) واصطفاء كلمة (رحالنا) وكلمة (دهم) وإضافة الصفة (دهم) إلى الموصوف (المهارى)
وأن تبصر دلالة قوله (ولم ينظر الغادى الذى هو رائح) على عظيم انشغالهم ومن وراء ذلك دلائل نفسيه عليه. واختيار كلمة الغادى والرائح والتعريف هنا بأل وهناك بالصلة
وكذلك النظر فى جمع الشاعر هذه الجمل الأربع (قضيا / مسح / شدت / لم ينطر) وعطفها "بالواو" خاصة ليجعلها جملة الشرط ثـمَّ تأتى حملة الجواب فى البيت الثالث.
ولك أن تنظر فى اصطفاء الفعل (أخذ) ومقاربته بالفعل "قضينا" فى جملة الشرط ، وفى هذه (الياء) فى (بأطراف) والفعل مما يعدى بنفسه أيضا فما الوجه الذى يحاول الشاعر بالعدول إلى هذه (الباء) وقد جعل لها نظيرا فى (مسح بالأركان) ؟ وهل الأخذ بأطراف الأحاديث فى رحلة الإياب يعادل التمسيح بالأركان فى القيام بحق العبادة؟ هل هما من بابة واحدة؟ وأن تنظر فى دلالة اصطفاء قوله (الأحاديث) وقد عنى بذلك "إبن جنى" ولم يوفها "عبد القاهر" حقها ولعله اكتفى بمقالة "ابن جنى" فيها.
وأن تنظر فى عطف جملة (سالت) على (أخذنا) بالواو من دون(الفاء) وظاهرالنظرأن الثانية يمكن أن تكون مفرعة من الأولى.
وأن تنظر فى طى الشاعر الأحداث طيًّا حين جعل جملة (أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا) جوابا ، وهذا الحدث لا يكون بمجرد الرحيل ، بل حين يأخذ القوم كل مأخذ فيه ، هذا الطى للأحداث ذو دلالة لطيفة على الواقع النفسى للركبان فى رواحهم إلى أهليهم من بعد الوفاء ببعض حق العبادة.
بملكك أن تقول مع الأمام "عبد القاهر" فى هذه الصورة الشعرية وقد أجاد وأحسن إحسانا ولكنه ليس الذى لم يترك لك ما يمكن أن تقوله بل كم ترك الإمام لنا أن نقول ، وقد أغرانا بأن نقول وحضنا على أن نسافر فى مجاهل تلك الصورة الفنية.

عن كتاب"قطرات الندى"
معالم الطريق إلى فقه الشعر لمحمود توفيق محمد سعد






التوقيع

http://www.youtube.com/watch?v=YX-Bj...yer_detailpage

رد مع اقتباس