هذه أحد المواضيع التي أحفظها في المفضلة
أوردها هنا للفائدة
قال الشاعر :
خلَّ الذنوبَ صغيرها * * * و كبيرها ، فهوَ التقى
كنْ فوقَ ماشٍ فوقَ أر * * * ضِ الشوكِ يحذرُ ما يرى
لا تحفرنّ صغيرة ً ، * * * إنّ الجِبالَ مِن الحَصَى
قال الله {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ} (30) سورة الشورى.
فعلى كل مسلم أن يتقي الله ربه وينظر في أمره ويتوب إلى الله ويعلم أن أي فتنة تنزل بالمسلم سببها نفسه التي أمرته بفعل المعصية وأن المعاصيَ التي يقترفها الناس آناء الليل وأطراف النهار لها آثار مدمرة على الفرد والمجتمع والحياة كلها، وذلك أنّ قوام الحياة وصلاحها إنما هو في الطاعة والاستقامة على أمر الله والتمسك بشرعه الحنيف، وكلّ انحراف عن أمره، وكل إتباع لنزغات الشيطان, وكل تفلُّت من دينه إنما هو ركض وراء السراب، وضرب في تيه الشقاء، ولا بد أن يلمس الإنسان آثارها النكرة في نفسه وحياته ثم في أخراه يوم لقاء ربه.
فمن آثار المعاصي السيئة :
أولاً: نسيان العلم وذهاب الحفظ، ويا لها من عقوبة ما أقساها على أهل العلم وطلبته، وذلك أن العلم نور يقذفه الله في القلوب العامرة بطاعته المنيبة إليه سبحانه.
ولذلك روي أن الإمام الشافعي رحمه الله لما جلس بين يدي إمام دار الهجرة الإمام مالك رحمه الله ورأى عليه مخايل النجابة والذكاء بادية، وأعجبه وفورُ عقله وكمال حفظه قال له ناصحا: إني أرى الله قد ألقى على قلبك نوراً فلا تطفئه بظلمة المعصية.
والشافعي رحمه الله هو القائل في الأبيات التي سارت بين طلبة العلم مسير الشمس:
شكوت إلى وكيع سوء حفظي * * * فأرشدني إلى ترك المعاصي
وقـال اعلم بـأن العلـم نورٌ * * * ونور الله لا يهدى لعاصـي
ثانياً: ومن أعظم آثار المعاصي وأخطرها على العبد الوحشةُ التي تحدثها المعاصي بين العبد وربه، واستثقال الطاعات، واستمراء الفواحش، واعتيادٍ لها، ويا لها من سكرة ما أشد عماها على القلب إن لم يُمدّ صاحبها بنفحة من نفحات الرحمة والهداية، فإنه واقع في حُفرة من حفر الشقاء والعذاب الواصِب لا محالة.
فيصبح لديه ألف للمعصية , بل يصل الأمر إلى خطورة المجاهرة والمفاخرة بتلك المعاصي , وهو ما لا يستوجب غضب الله وعدم معافاته .
عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : \" كُلُّ أَمَّتِى مُعَافًى إِلاَّ الْمُجَاهِرِينَ ، وَإِنَّ مِنَ الْمَجَانَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلاً ، ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ ، فَيَقُولَ يَا فُلاَنُ عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا ، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللهِ عَنْهُ \" .( أخرجه البخاري 8/24(6069) و\"مسلم\" 8/224 ).
ثالثاً: من آثار المعاصي النكرة الحيرة والشقاء وتمزّق القلب في شعاب الدنيا، واللهث وراء السراب، وإتباع الشياطين المتربصة على أفواه السبل المنحرفة عن السبيل الحق.
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، قَالَ:خَطَّ لَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَطًّا ، ثُمَّ قَالَ : هَذَا سَبِيلُ اللهِ ، ثُمَّ خَطَّ خُطُوطًا عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ ، ثُمَّ قَالَ : هَذِهِ سُبُلٌ (قَالَ يَزِيدُ : مُتَفَرِّقَةٌ) ، عَلَى كُلِّ سَبِيلٍ مِنْهَا شَيْطَانٌ يَدْعُو إِلَيْهِ ، ثُمَّ قَرَأَ : \" وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ \".(أخرجه أحمد 1/435(4142) والدارِمِي 202 و\"النَّسائي\" في \"الكبرى\" 11109) .
رابعاً: ومن شؤم المعاصي ظهور الأوجاع الفتاكة وارتفاع البركة من الأقوات والأرزاق.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ:أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ في قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلاَّ فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ وَالأَوْجَاعُ الَّتِى لَمْ تَكُنْ مَضَتْ في أَسْلاَفِهِمُ الِّذِينَ مَضَوْا. وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلاَّ أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ الْمَؤُنَةِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ. وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلاَّ مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ وَلَوْلاَ الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ إِلاَّ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا في أَيْدِيهِمْ. وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلاَّ جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ.أَخْرَجَهُ ابن ماجة (4019) وهو صحيح. (السلسلة الصحيحة 106).
قال ابن عباس إن للحسنة لنورا في القلب وضياء في الوجه وقوة في البدن وسعة في الرزق ومحبة في قلوب الخلق وان للسيئة لظلمة في القلب وسوادا في الوجه وهونا في البدن وضيقا في الرزق وبغضة في قلوب الخلق (ابن تيمية : الزهد والورع والعبادة 50).
أقبل رجل إلى إبراهيم بن أدهم فقال : يا شيخ إن نفسي تدفعني إلى المعاصي فعظني موعظة. فقال له إبراهيم : إذا دعتك نفسك إلى معصية الله فاعصه ولا بأس عليك، ولكن لي إليك خمسة شروط. قال الرجل : هاتها. قال إبراهيم : إذا أردت أن تعصي الله فاختبئ في مكان لا يراك الله فيه. فقال الرجل : سبحان الله، كيف أختفي عنه وهو لا تخفى عليه خافية. فقال إبراهيم : سبحان الله .. أما تستحي أن تعصي الله وهو يراك ؟! فسكت الرجل ثم قال : زدني. فقال إبراهيم : إذا أردت أن تعصي الله فلا تعصه فوق أرضه. فقال الرجل : سبحان الله .. وأين أذهب وكل ما في الكون له. فقال إبراهيم : أما تستحي أن تعصي الله وتسكن فوق أرضه ؟ قال الرجل : زدني. فقال إبراهيم : إذا أردت أن تعصي الله فلا تأكل من رزقه. فقال الرجل : سبحان الله .. وكيف أعيش وكل النعم من عنده. فقال إبراهيم : أما تستحي أن تعصي الله وهو يطعمك ويسقيك ويحفظ عليك قوتك ؟ قال الرجل : زدني. فقال إبراهيم : فإذا عصيت الله ثم جاءتك الملائكة لتسوقك إلى النار فلا تذهب معهم. فقال الرجل : سبحان الله .. وهل لي قوة عليهم إنما يسوقونني سوقاً. فقال إبراهيم : فإذا قرأت ذنوبك في صحيفتك ف أنكر أن تكون فعلتها. فقال الرجل : سبحان الله .. فأين الكرام الكاتبون والملائكة الحافظون والشهود الناطقون. ثم بكى الرجل ومضى وهو يقول : أين الكرام الكاتبون والملائكة الحافظون والشهود الناطقون.
قال الشاعر :
تَفْنَى اللَّذَائِذُ مِمَّنْ نَالَ صَفْوَتَهَا*** مِنَ الحَرَامِ وَيَبْقَى الإِثْمُ والعَارُ
تَبْقَى عَوَاقِبُ سُوءٍ فِي مَغَبَّتِهَا *** لَا خَيْرَ فِي لَذَّةٍ مِن بَعْدِهَا النَّارُ
وسئل الحسن البصري عن سر زهده في الدنيا فقال أربعة أشياء: علمت أن رزقي لا يأخذه غيري فاطمأن قلبي، وعلمت أن عملي لا يقوم به غيري فاشتغلت به وحدي، وعلمت أن الله مطلع علي فاستحييت أن يراني عاصيا، وعلمت أن الموت ينتظرني فأعددت الزاد للقاء ربى.
شكراً لك يالشيناني
وآسف على الإطالة