اجتمع يوماً أبو تراب هبةُ الله بن السريجي والشريف العباسي ،وكانا شاعرين ، فقال أبو تراب :
أسلوت حب بدور أمْ تتجلَّد ** وسهرت ليلك أم جفونك ترقد
فأجاب الشريف بديهاً :
لا بل همُ ألِفوا القطيعة مثلَ ما ** ألفوا نزولهم بها فتبعَّدوا
فقال أبو تراب :
فإلام تصبرُ والفؤاد متيَّمٌ ** ولظى اشتياقِك في الحشى يتوقد
فأجاب الشريف :
ما دام لي جلدٌ فلست بجازعٍ ** إذ كان صبري ي العواقب يُحمدُ
فقال أبو تراب:
أحسنت ، كتمانُ الهوى مستحسنٌ ** لو كان ماءُ العينِ مما يجمدُ
فأجاب الشريف:
إن كان جفني فاضحي بدموعه ** أظهرتُ للجلساءِ أني أرمدُ
فقال أبو تراب:
فهبِ الدموعَ إذا جرتْ موَّهتها ** فيقال لم أنفاسه تتصعَّدُ
فأجاب الشريف:
أمشي وأسرعُ كي يظنوا أنها ** من ذلك المشي السريع تولَّدُ
فقال أبو تراب:
هذا يجوز ومثله مُستعملٌ ** لكنّ وجهك بالمحبة يشهدُ
فأجاب الشريف:
إن كان وجهي شاهداً بهوًى فما ** يُدرى إلى من بالمحبةِ أقصِدُ
فقال أبو تراب:
اخضعْ وذلّ لمن تحب فليس في ** حكمِ الهوى أنفٌ يشالُ ويعقدُ
فأجاب الشريف :
ذا لا يكون مع الحبيبِ وإنما ** مع ساقط متحيل يتعمدُ