الموضوع
:
عبد الله بن مسعود
عرض مشاركة واحدة
11-30-2007, 08:10 PM
رقم المشاركة :
10
معلومات
العضو
إحصائية العضو
اخر مواضيعي
رد: عبد الله بن مسعود
واصل فضيلة العلامة د. يوسف القرضاوي سلسلة خطبه عن الصحابة الكرام رضوان الله عليهم، في معرض ردوده على ما تعرضوا له من اساءة على يد بعض الناس، وقد عرض الاسبوع الماضي وما قبله لعدد من الصحابة الكرام متناولا سيرتهم العطرة بفيض من الوقفات والتأملات التي تبين فضلهم وعلمهم ومكانتهم في الاسلام، وكانت وقفته في خطبة الجمعة امس بجامع عمر بن الخطاب مع الصحابي الجليل عبدالله بن مسعود، متناولا بدء تعرفه على الرسول صلى الله عليه وسلم، ودخوله الاسلام، ومسيرته في تعلم الاسلام وحمل القرآن الكريم، ومفارقات تمت في حياته، وموقفه في مشاهد الاسلام إلى وفاته في عهد عثمان بن عفان- رضي الله عنه.
وحين تحدث عن عبدالله بن مسعود، نقل انه فقيه الأمة، سابق بالإسلام، وسرد قصة إسلامه حين مر به الرسول وأبو بكر وهو يرعى وطلبا منه شاة ليشربا لبنها فقال انه مؤتمن، وسأله الرسول عن شاة لم تحمل فحلبها النبي فنزل لبنها حتى شرب هو وأبو بكر وانصرفا.
قال: هنا لحظ ابن مسعود ان هذا ليس رجلا عاديا، الذي يضع يده على ضرع الشاة التي لم تحمل قط، هذا رجل مبارك فسأل عنه حتى عرف انه رسول الله صلى الله عليه وسلم فاسلم منذ ذلك الحين، وبدأ يتلقى القرآن عن رسول الله.. قال له: علمني مما علمك الله، فعلمه ودعا له وقال: انك غليم معلم، اخذ من في رسول الله بضعا وسبعين سورة، فكان من قراء القرآن المجيدين.. ولذلك كان النبي يقول: خذوا القرآن من اربعة: «من ابن أم عبد- عبدالله بن مسعود- وكان يلقب بابي عبدالرحمن. قال: كنّاني الرسول قبل أن يكون لي ولد- ومن معاذ بن جبل وأبي بن كعب وسالم مولى حذيفة» اثنان من المهاجرين واثنان من الانصار.
الرسول يسمع القرآن
وتابع: قال له النبي يوما: اقرأ علي القرآن، فقال أقرأ عليك وعليك أُنزل يا رسول الله، قال: إني احب ان اسمعه من غيري، فقرأ عليه سورة النساء حتى وصل إلى قوله تعالى: «فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا» فذرفت عينا رسول الله.. فكان من قراء القرآن، وقال النبي: «من أراد ان يقرأ القرآن غضا أو رطبا، كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد».
قال: أسلم في مكة وتحمل أذى المشركين وصُب عليه من البلاء ما صُب، فهاجر مع من هاجر من الصحابة إلى الحبشة، ثم عاد قبل ان يهاجر الصحابة إلى المدينة، فهاجر الهجرتين وصلى إلى القبلتين، هاجر الى المدينة وشهد المشاهد مع رسول الله، شهد بدرا وغيرها من الغزوات حتى إن النبي بعد غزوة بدر قال: ترى ماذا صنع أبو جهل؟ فذهب ابن مسعود فرأى ابا جهل وقد ضربه ابن عفراء من الانصار، شابان من الأنصار، سألا عبدالرحمن بن عوف في معركة بدر: أين أبو جهل؟ قال وما حاجتكما إليه؟ قالا سمعنا انه كان يؤذي رسول الله، فأرنا اياه، فأراهم إياه، فمازالا حتى قتلاه، وجاءا إلى النبي وكل واحد يقول: انا قتلته يا رسول الله، فنظر في سيفيهما وقال: كلاكما قتله، وهذا قبل ان يذهب ابن مسعود ويأتي بالخبر إلى النبي ويقول: «قتل عدو الله وفرعون هذه الأمة حتى برد».
من آل البيت
وأضاف: كان قريبا من رسول الله يراه الرائي الذي لا يعرفه فيحسب انه من آل بيت الرسول، يقول سيدنا أبوموسى الأشعري: جلست انا واخي مدة من الزمن ولا نرى إلا أن ابن مسعود وأمه من آل بيت رسول الله، لكثرة دخولهما عليه وخروجهما منه.. وكان يحمل سواك النبي ويحمل له نعليه، ومطهرنه، ووسادته، وكان صاحب السراء، كان النبي يسر اليه ما لا يسر إلى غيره، ولذلك حينما كان يفتي لبعض الصحابة في اشياء يجهلها صحابة آخرون يقولون: حق له، كان يؤذن له إذا حجبنا ويشهد إذا غبنا، كان الصحابة يشهدون له بالعلم وبقراءة القرآن، كان يجمع بين الحفظ والفهم، بين الرواية والدراية، بعض الصحابة أتوا سعة الحفظ مثل أبي هريرة، لكنه لم يؤت من الفقه والفهم ما أوتي مثل ابن مسعود وابن عباس وغيرهما من الصحابة.. أوتي ابن مسعود الأمرين معاً: الرواية والدراية، فكان من علماء الأمة حقا، كما قال الذهبي: فقيه الأمة.
يقول عنه عمر: كُنيْف مُلئ علما، أي غلام مُلئ علما، ويقول علي: علم القرآن وعلم السنة، ثم انتهى، وقال معاذ بن جبل حينما مرض مرض وفاته، كان بعض اصحابه يبكي، فقال ما يبكيك؟ قال والله ما ابكى على دنيا اصبتها، ولكني ابكي على العلم الذي اصبته منك وأخشى أن أُحرم مثله.. فقال: لا تبك، فإن إبراهيم كان في زمن ليس فيه علم، ولكن الله آتاه علما، اذا أنامت، فاطلب العلم عند أربعة: عند عبدالله بن مسعود، وسلمان الفارسي وعبدالله بن سلام وعويمر أبي الدرداء.
بين الصحابة
وواصل حديثه عن مكانته عند الصحابة فقال: سئل أبو موسى الأشعري في مسألة من مسائل الميراث فأفتى فيها واخطأ، رجل ترك بنتا وابنة ابن واختا فافتى أبوموسى السائل بأن للبنت النصف وللاخت النصف ولا شيء لابنة الابن، ثم جيء إلى ابن مسعود فسألوه فقال: قد ضللت إذا وما انا من المهتدين! افتيكم بما افتى به رسول الله: للابنة النصف، ولابنة الابن السدس تكملة الثلثين، وللاخت ما بقي، فقال أبو موسى: لا تسألوني شيئا وهذا الحبر فيكم.. كان مرجعا للصحابة رضوان الله عليهم بما تعلم من القرآن ومن السنة وبقربه من رسول الله، حتى كان اقرب الناس إلى هديه صلى الله عليه وسلم.
وتابع: سئل حذيفة بن اليمان عن رجل قريب الهجز والسمت من رسول الله فقال للسائل: ما عرفت أحدا اقرب من هدي رسول الله وسمته وجله من ابن أم عبد.
وقال فضيلته: إذا نظرت إلى ابن مسعود وإلى أوصافه وجدت رجلا شديد الأدمة- السمرة- قصير القامة، لطيف الجسم، قليل اللحم، عديم الشحم، أحمش الساقين حتى انه صعد شجرة مرة فبدت ساقاه فبانتا دقيقتين نحيلتين، فضحك الصحابة فقال النبي: «أتضحكون من دقة ساقيه؟ والذي نفسي بيده لهما في الميزان أثقل من أُحد يوم القيامة»، الرجال لا يقاسون بالطول والعرض، ولا بالوزن، الله تعالى قال عن المنافقين «وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم» وقال العرب في أمثالهم: «ترى الفتيان كالنخل وما يدريك ما الدخل».
قال: كان هذا الرجل دقيق الساقين ممتلئا علما، ممتلئا فقها، ممتلئاً إيمانا، حكمة، كان معلما للأمة حقا.
إذا نام الناس
وتابع: كان إذا هدأت العيون ونام الناس في فرشهم يقوم من الليل ليتهجد ويقول: يا رب تائب مستغفر، خائف مستجير، راغب راهب، ويسأل الله عز وجل، ويقول زيد بن وهب: رأيت خطين اسودين في وجه عبدالله بن مسعود من طول البكاء وكثرة الدموع، وكان يقول لاصحابه وقد أكثروا عليه يوما فقال: والله لو علمتم ذنوبي ما مشى منكم ورائي رجلان، لو علمتم ذنوبي لحثوتم التراب على رأسي، وإني اتمنى أن يغفر الله لي ذنبا من ذنوبي ولو سميت عبدالله بن روثة.
وزير بالكوفة
قال: وحينما فتحت الفتوح ومُصِّرت الأمصار وانشئت الكوفة أمد عمر بن الخطاب أهل الكوفة بما فيها من الصحابة والقبائل، قال: لقد أمددتكم بعمار بن ياسر أميراً وبعبدالله بن مسعود معلما ووزيرا، وهما من نجباء أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فاسمعوا لهما واقتدوا بهما، وإني لآثرتكم بعبدالله على نفسي. وذهب ابن مسعود إلى الكوفة وانشأ فيها مدرسة علمية، كان فيها عمالقة من التابعين، من أمثال الاسود النخعي وعلقمة ومسرور وأبو وائل وغيرهم من الرجال العلماء الفطاحل الذين تتلمذ عليهم التابعي الجليل إبراهيم النخعي، جمع علم هؤلاء إلى علم ابن مسعود وعليه تتلمذ حماد شيخ أبي حنيفة. فأبوحنيفة تلميذ المدرسة المسعودية التي اسسها عالم الأمة ابن مسعود رضي الله عنه، حتى إن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب حينما دخل الكوفة وجد فيها علما جما، وعلماء كثيرين من اصحاب ابن مسعود وتلاميذ مدرسته فقال: رحم الله ابن أم عبد لقد ملأ هذه القرية علما.
مشكلة في عصر عثمان
وتابع: في عهد عثمان حدثت مشكلة بين ابن مسعود وسيدنا عثمان رضي الله عنه، لقد رأى عثمان ومعه الصحابة عامة ان يجمعوا الامة على مصحف واحد، بعد ان رأى عثمان الأمة كما حكى له حذيفة بن اليمان ان الناس اختلفوا، وكل واحد يقول قراءتي خير من قراءتك، في إحدى المعارك، فقال له: أدرك الأمة وأدرك القرآن الكريم، فرأى مع الصحابة ان يجمعوا الأمة على مصحف واحد، على لغة قريش، وكان في هذا الخير كل الخير، فكتب المصحف الإمام وكتبت منه عدة نسخ فرقها في الأمصار، وأحرق المصاحف الأخرى التي فيها اشياء كتفسيرات وتعليقات وآيات منسوخة ولكن ابن مسعود عز عليه أن تكون لجنة لكتابة المصحف ليس هو فيها ولا على رأسها ويقول: كيف تأمرونني ان اقرأ بقراءة زيد بن ثابت وأنا عرفت عن رسول الله بضعا وسبعين سورة، وهو كان غلاما له ذؤابة الغلمان؟! وغضب ابن مسعود وما كان له ان يغضب، فقد كان الذي اختاره عثمان هو الخير، قال سيدنا علي: لو كنت مكان عثمان لفعلت ما فعل.. غضب ابن مسعود وكان الحق مع عثمان لان زيد بن ثابت من كتاب الوحي، فهو إمام في الرسم والكتابة، وابن مسعود إمام في التلاوة والاداء، فأولى الناس بأن يكتب المصحف إمام الرسم لا إمام الأداء، ثم إن ابا بكر كان قد اختاره لجمع المصحف في عهده، وجمع في عهده مصحف حفصة ولذلك لم يعترض ابن مسعود على أبي بكر، فلماذا اعترض على عثمان؟!
ثم إن ابن مسعود من هذيل، وليس من قريش، ولغة قريش تخالف لغة هذيل فلا يؤمن ان يكتب شيئاً بلغة هذيل.
رجوع إلى الصحابة
وأضاف: أرسل عثمان إلى ابن مسعود يطلبه أن يأتي اليه، واجتمع اهل الكوفة وقالوا له: لا تذهب خشية أن يصيبك اذى، ونحن نمنعك هنا ان يصل إليك اي مكروه، فقال لهم: إن في عنقي بيعة لعثمان وإن له علي طاعة، وإني أرى ان هناك ستكون فتن وأمور لا احب ان أكون أول من فتحها، وهدأ الناس وذهب ابن مسعود إلى قول عامة الصحابة، وهذا الذي نصدقه، وإن كانت هناك روايات أخرى، فلعلها سابقة على هذا، لاننا نعلم ان من القراء السبعة اثنين من رواة القرآن عن ابن مسعود: حمزة وعاصم، كلاهما أخذ القرآن عن ابن مسعود.. نحن هنا في بلاد الشرق نقرأ برواية حفص عن عاصم، عن ذر بن حبيش عن ابن مسعود رضي الله عنه.. نحن نقرأ بقراءة ابن مسعود فكيف يقال ان عند ابن مسعود قرآنا آخر ومصحفا آخر.. لا، لعل ما كان عند ابن مسعود بعض التفسيرات.
مشغول بالذنوب
وقال فضيلته: مرض ابن مسعود وأتاه عثمان ليعوده، فقال: مم تشتكي، قال اشتكي من ذنوبي، قال وماذا تشتهي؟ قال أشتهي مغفرة ربي، قال: ألا أعرض لك طبيبا؟ قال: إن الطبيب هو الذي أمرضني، قال: آمر لك بعطاء؟ قال لا حاجة لي إليه، ثم مات رضي الله عنه وعمره ثلاث وستون أو أربع وستون سنة، في السنة الثانية والثلاثين للهجرة، وصلى عليه الصحابة رضوان الله عليهم، وانتقل الى جوار الله هذا الصحابي الجليل، الذي أورث الأمة علما وهديا وأورث الأمة قرآنا تلقاه من رسول الله فرضي الله عنه وأرضاه، وتقبله في الصالحين.
http://www.al-sharq.com/DisplayArtic...&sid=localnews
التوقيع
راعي الطير
مشاهدة ملفه الشخصي
إرسال رسالة خاصة إلى راعي الطير
البحث عن كل مشاركات راعي الطير