ابن رويجح
كتب الأديب :سعود الصاعدي
في جريدة المدينة لليوم الجمعة 29/7/1429هـ
الجمعة, 1 أغسطس 2008
سعود الصاعدي
عرفته بهذا الاسم قبل أن ألتقيه، وذلك من خلال فنّ الحداء، الفنّ الذي صار علامةً فارقةً في تجربته الشعريّة، واستطاع من خلاله تحقيق شعبيّة في منطقة الحجاز، وهي شعبيّةٌ لم تكن لتتحقّق له لو أنّه ضيّق مساحة هذا الفنّ بحصره في دائرة الموروث الخاصّ بالقبيلة، أو جعل قضاياه التي يعالجها قضايا مناسباتيّة فحسب. لقد استطاع صالح بن رويجح لفت اهتمام عشّاق الشعر إلى هذا الموروث بسبب توسيع رؤيته، واستخدامه في المعاني الشريفة، كالصلح، والنصح، وتعزيز الفضائل النبيلة فيما بين الأقارب وأبناء العمومة.
ولأنّ هذا الفنّ الشعري إنما هو من الفنون الفلكلوريّة، كالمحاورة، والزجل، والمجرور، وتعتمد طريقته على الفتل والنقض، وأداؤه يكون أداءً جماعيَّا، فإنّ رسالته تأتي مؤثرة، بحيث تستقبلها القلوب وقد تهيّأت لما في الرسالة من مضمون، وهذا ما جعل لحدايا ابن رويجح نكهة خاصّة، وفتح لها باب القبول لتطير على أجنحة الرواية، فتتجاوز المكان والقبيلة، إلى الذاكرة والتاريخ.
من حدايا ابن رويجح التي كان لها بالغ الأثر حدايته المشهورة التي جاء فيها قوله والحقّ حلال المشاكل ما قطع للناس روس.
أمّا قدرته على الترميز، وفكّ شفرته، فقد جاء في حدايته التي جاءت ردًّا على بدع الشاعر ناصر المحياني، ابن اخته، حين قال له مداعبًا: والحرملة فيها دوا لكنها بالحيل مرّه ، ان جيت ابسقيها غلط وان جيت ابقطعها حرام ، حيث فهم المقصود من الرمز : [الحرملة]، فقال في سرعة بديهة: الشجرة اللي عرقها منبع علاجك لا تجرّه ، لولا دواها ما مشى ناصر على صمّ العظام، وهما حدايتان، في شكل بدع وردّ، رأيت أن أقتصر على موضع الشاهد فيهما، وإلا فثمة حدايا جاءت على هذه الطريقة الرمزيّة، وأخرى جاءت في شكل ساخر، أو في شكل رسالة عاتبة، كلّها تؤكّد أن ابن رويجح رمزٌ من رموز هذا الفن، ويكاد يكون شاعره الأوَّل بلا منازع.
لكن الشيء اللافت، والذي يهمّني في هذا السياق، هو أنّ ابن رويجح ليس شاعرًا ورقيًّا، أو شاعرًا صوتيًّا فحسب، وإن كان له من الصوت الجميل ما يجبرك على الإصغاء، وإنما هو شاعرٌ في سلوكه، وفي دماثة خلقه، وإحساسه بمن حوله من الناس، حتى إنّ من يخالطه، ويقترب منه، يجزم أنّه بإزاء شاعرٍ يعيش حالة الشعر في سلوكه، ويعلم ألا مسافة تفصل الشاعر عن الإنسان في شخص ابن رويجح، وقلّما تجد شاعرًا، هذه الأيام، يعيش الشعر بهذا الفهم: الفهم الذي لا يفصل بين الشكل والمضمون.
بل لا أبالغ لو قلت إنّ صالح بن رويجح يفوق كثيرًا من حاملي الشهادات العليا الذين لا صلة بين ما يكتبون وما يفعلون، فهم في وادٍ وكتاباتهم في وادٍ آخر، بخلاف شاعر الحداء الأوَّل الذي تقرأ شعره في أخلاقه، وتقرأ أخلاقه في شعره، وهو بهذا الفهم لعلاقة المبدع بفنّه، يعطي دلالة واضحة على أن الثقافة ليس لها علاقة، إطلاقًا، بالوعاء اللغوي، أو بالتنظير المجرَّد، وإنما هي سلوكٌ يتمثّله الإنسان في حياته، ومع من حوله، قبل كلّ شيء. من حدايا ابن رويجح
سلام واللي مسعده ربي يواصل ويتجمّل
وان جات غلطه من عيال العود يصبر ويتحمّل
ماهو بعيب اليا دمح غلطة بني عمه وكمّل
العيب قطع الواجبة والظلم تشديد النفوس
جينا ونسمع بالخيال اللي سمر برقه وهمّل
وندوّر اللي شفه الرفقة وفي الوقت يتأمّل
يمكن يداوي جرح قلبه قبل يكبر ويتنمّل
والحق قطاع المشاكل ما قطع للناس روس.
قلت :هنيئا لنا بشاعرنا ودكتور الحداء صالح بن رويجح
|