من هم الصعاليك
الصعلوك في اللغة الفقير الذي لايملك من المال ما يعينه على أعباء الحياة،ولم تقف هذه اللفظة في الجاهلية عند دلالتها اللغوية الخالصة،فقد أخذت تدل على من يتجردون للغارات وقطع الطرق.ويمكن أن نميز فيهم ثلاث مجموعات:مجموعة من الخلعاء الشذاذ الذين خلعتهم قبائلهم لكثرة جرائرهم مثل حاجز الأزدي قيس بن الحدادية وأبي الطمحان القيني،ومجموعة من أبناء الحبشيات السود،ممن نبذهم اباؤهم ولم يلحقوهم بهم لعار ولادتهم مثل السليك بن السلكة وتأبط شرا والشنفرى،وكانوا يشركون أمهاتهم في سوادهم فسموا هم وأضرابهم باسم أغربة العرب،ومجموعة ثالثة لم تكن من الخلعاء ولا أبناء الاماء الحبشيات،غير أنها احترفت الصعلكة احترافا،وحينئذ قد تكون أفرادا مثل عروة بن الورد العبسي،وقد تكون قبيلة برمتها مثل قبيلتي هذيل وفهم اللتين كانتا بالقرب من مكة والطائف على التوالي.ويمتازون بالشجاعة والصبر عند البأس وشدة المراس والمضاء وسرعة العدو حتى ليسمون بالعدائين،وحتى لتضرب الأمثال بهم في شدة العدو،فيقال:(أعدى من السليك)و(أعدى من الشنفرى)وتروى عنهم أقاصيص كثيرة في هذا الجانب،من ذلك ما يقال عن تأبط شرا من أنه(كان أعدى ذي رجلين وذي ساقين وذي عينين،وكان اذا جاع لم تقم له قائمة،فكان ينظر الى الظباء ،فينتقي على نظره أسمنها،ثم يجري خلفه،فلا يفوته،حتى يأخذه فيذبحه بسيفه،ثم يشويه فيأكله).وكما كانوا يحسنون العدو كان كثير منهم يحسن ركوب الخيل والاغارة عليها،وكانت أكثر المناطق التي يغيرون عليها مناطق الخصب،وكانوا يرصدون طرق القوافل التجارية
وقوافل الحجاج القاصدة الى مكة،ومعنى ذلك أنهم كانوا ينتشرون حولها في جبال السراة كما كانوا ينتشرون بالقرب من الطائف والمدينة وأطراف اليمن الشمالية ففي كل هذه الجهات يكثر هؤلاء الذؤبان من قطاع الطرق وقراصنة الصحراء.وهم في أشعارهم يتغنون بمغامراتهم ونراهم في أثناء ذلك يتمدحون بالكرم كما نرى فيهم كثيرا من البر بالأقارب والأهل،وأيضا فاننا نحس عندهم الترفع والشعور بالكرامة في الحياة،ويصور لنا ذلك أبو خراش الهذلي فيقول:
واني لأثوي الجوع حتى يملني ------- فيذهب لم يدنس ثيابي ولا جرمـي
وأغتبق الماء القــراح فأنتهــي ------- اذا الزاد أمســى للمـــزلج ذا طعـم
أرد شجاع البطــن قد تعلـميـنه ------- وأوثـر غيري من عيـالك بالطـــعـم
مخــافة أن أحيا برغـم وذلــــة -------- وللـموت خيـر من حياة عـلى رغــم
فهو يفتخر لزوجه بأنه يصبر على الجوع،حتى ينكشف عنه،دون أن يلحقه فيه ضيم،وانه ليكفيه الماء القراح بينما يتخم من حوله أشحاء النفوس بالطعام،أما هو حتى ان وجد الطعام اثر عياله.وكل ذلك يصنعه حتى لايوصم بعار الذل.وكأنما تحولت الصعلكة في أواخر العصر الجاهلي الى نظام يشبه نظام الفروسية،وهي حقا تقوم على السلب والنهب،ولكنهم كانوا لايسلبون ولاينهبون سيدا كريما،واقرأ في صعاليك هذيل من مثل أبي كبير والأعلم وفي غيرهم مثل السليك وتأبط شرا فستجد للصعلوك مثاليته في الحياة أو على الأقل ستجد من يصورون مستوى خلقا رفيعا من البر،وان كان ذلك لا يمنع من أن فريقا منهم عاش سفاحالا يرعى عهدا ولاذمة.
منقول
من كتاب
العصر الجاهلي
للدكتور شوقي ضيف
آخر تعديل ماهر الهذلي يوم 06-28-2006 في 12:21 PM.
|