اولا/ نسبه
قال الحافظ ابن عساكر: هو أمية بن أبي الصلت عبد الله بن أبيربيعة بن عوف بن عقدة بن عزة بن عوف بن ثقيف بن منبه بن بكر بن هوازن أبو عثمان.ويقال: أبو الحكم الثقفي شاعر جاهلي قدم دمشق قبل الإسلام.
قال الزبير بن بكار: فولدت رقية بنت عبد شمس بن عبد مناف أميةالشاعر ابن أبي الصلت، واسم أبي الصلت: ربيعة بن وهب بن علاج بن أبي سلمة بنثقيف، وقال غيره: كان أبوه من الشعراء المشهورين بالطائف وكان أمية أشعرهم.
فقال: هل تدرون من هو؟
فقال بعضهم: هو صيفي بن الراهب.
وقال آخر: بل هو بلعم رجل من بني إسرائيل.
فقال: لا.
قال: فمن؟
قال: هو أمية بن أبي الصلت.
وهكذا قال أبو صالح، والكلبي، وحكاه قتادة عن بعضهم.
وقال الطبراني: حدثنا علي بن عبد العزيز، حدثنا عبد الله بن شبيبالربعي، حدثنا محمد بن مسلمة بن هشام المخزومي، حدثنا إسماعيل بن الطريح بن إسماعيلالثقفي، حدثني أبي، عن أبيه، عن مروان بن الحكم، عن معاوية بن أبي سفيان، عن أبيهقال:
خرجت أنا وأمية بن أبي الصلت الثقفي تجاراً إلى الشام، فكلما نزلنامنزلاً أخذ أمية سفراً له يقرؤه علينا، فكنا كذلك حتى نزلنا قرية من قرى النصارى،فجاؤه وأكرموه وأهدوا له وذهب معهم إلى بيوتهم، ثم رجع في وسط النهار، فطرح ثوبيهوأخذ ثوبين له أسودين فلبسهما، وقال لي: هل لك يا أبا سفيان في عالم من علماءالنصارى إليه يتناهي علم الكتاب تسأله.
قلت: لا إرب لي فيه، والله لئن حدثني بما أحب لا أثق به، ولئنحدثني بما أكره لأجدن منه. قال: فذهب وخالفه شيخ من النصارى فدخل عليّ فقال:ما يمنعك أن تذهب إلى هذا الشيخ؟ قلت: لست على دينه. قال: وإن فإنك تسمعمنه عجباً وتراه. ثم قال لي: أثقفي أنت؟ قلت: لا، ولكن قرشي.
قال: فما يمنعك من الشيخ، فوالله إنه ليحبكم ويوصي بكم.
قال: فخرج من عندنا، ومكث أمية عندهم حتى جاءنا بعد هدأة منالليل، فطرح ثوبيه ثم انجدل على فراشه، فوالله ما نام ولا قام حتى أصبح كئيباًحزيناً ساقطاً غبوقة على صبوحه ما يكلمنا ولا نكلمه.
ثم قال: ألا ترحل؟ قلت: وهل بك من رحيل؟ قال: نعم.فرحلنا فسرنا بذلك ليلتين، ثم قال في الليلة الثالثة: ألا تحدث يا أبا سفيان؟قلت: وهل بك من حديث، والله ما رأيت مثل الذي رجعت به من عند صاحبك.
قال: أما إن ذلك لشيء لست فيه، إنما ذلك لشيء وجلت منه من منقلبي،قلت: وهل لك من منقلب؟ قال: أي والله، لأموتن ثم لأحيين، قال: قلت: هلأنت قابل أمانتي؟
قال: على ماذا؟ قلت: على أنك لا تبعث ولا تحاسب، قال: فضحك،ثم قال: بلى! والله يا أبا سفيان لنبعثن، ثم لنحاسبن، وليدخلن فريق الجنة،وفريق النار.
قلت: ففي أيهما أنت أخبرك صاحبك؟ قال: لا علم لصاحبي بذلك، لافيّ ولا في نفسه. قال: فكنا في ذلك ليلتين يعجب مني وأضحك منه، حتى قدمنا غوطةدمشق فبعنا متاعنا، وأقمنا بها شهرين، فارتحلنا حتى نزلنا قرية من قرى النصارى،فلما رأوه جاؤه وأهدوا له وذهب معهم إلى بيعتهم، فما جاء إلا بعد منتصف النهار،فلبس ثوبيه وذهب إليهم حتى جاء بعد هدأة من الليل، فطرح ثوبيه، ورمى بنفسه علىفراشه، فوالله ما نام ولا قام، وأصبح حزيناً كئيباً لا يكلمنا ولا نكلمه.
ثم قال: ألا ترحل؟ قلت: بلى إن شئت، فرحلنا كذلك في بثه وحزنهليالي. ثم قال لي: يا أبا سفيان هل لك في المسير لنتقدم أصحابنا؟ قلت: هللك فيه؟ قال: نعم. فسرنا حتى برزنا من أصحابنا ساعة ثم قال: هيا صخر.فقلت: ما تشاء؟
قال: حدثني عن عتبة بن ربيعة أيجتنب المظالم والمحارم؟ قلت:إي والله، قال: ويصل الرحم ويأمر بصلتها؟ قلت: إي والله.
قال: وكريم الطرفين وسط في العشيرة؟ قلت: نعم. قال: فهلتعلم قرشياً أشرف منه؟ قلت: لا والله لا أعلم. قال: أمحوج هو؟ قلت: لا،بل هو ذو مال كثير.
قال: وكم أتى عليه من السن؟ فقلت: قد زاد على المائة.قال: فالشرف والسن والمال أزرين به. قلت: ولم ذاك يزري به، لا والله بل يزيدهخيراً. (ج/ص: 2/ 282)
قال: هو ذاك. هل لك في المبيت؟ قلت: لي فيه. قال:فاضطجعنا حتى مر الثقل، قال: فسرنا حتى نزلنا في المنزل وبتنا به، ثم ارتحلنامنه، فلما كان الليل قال لي: يا أبا سفيان قل ما تشاء، قال: هل لك في مثلالبارحة؟ قلت: هل لك فيه؟ قال: نعم.
فسرنا على ناقتين بختيتين حتى إذا برزنا قال: هيا صخر، هيه عنعتبة بن ربيعة قال: قلت: هبها فيه، قال: أيجتنب المحارم والمظالم، ويصلالرحم، ويأمر بصلتها، قلت: إي والله إنه ليفعل. قال: وذو مال قلت: وذومال.
قال: أتعلم قرشياً أسود منه، قلت: لا والله ما أعلم. قال:كم أتى له من السن، قلت: قد زاد على المائة. قال: فإن السن والشرف والمالأزرين به، قلت: كلا والله ما أزرى به ذلك. وأنت قائل شيئاً فقله.
قال لا تذكر حديثي يأتي منه ما هو آت. ثم قال: فإن الذي رأيتأصابني أني جئت هذا العالم فسألته عن أشياء، ثم قلت: أخبرني عن هذا النبي الذيينتظر. قال: هو رجل من العرب. قلت: قد علمت أنه من العرب، فمن أي العربهو؟ قال: من أهل بيت تحجه العرب. قلت: وفينا بيت تحجه العرب؟
قال: هو من إخوانكم من قريش، فأصابني والله شيء ما أصابني مثلهقط. وخرج من يدي فوز الدنيا والآخرة. وكنت أرجو أن أكون إياه. قلت: فإذاكان ما كان فصفه لي.
قال: رجل شاب حين دخل في الكهولة. بدوّ أمره يجتنب المظالموالمحارم، ويصل الرحم، ويأمر بصلتها، وهو محوج كريم الطرفين، متوسط في العشيرة،أكثر جنده من الملائكة.
قلت: وما آية ذلك؟ قال: قد رجفت الشام منذ هلك عيسى بن مريمعليه السلام ثمانين رجفة كلها فيها مصيبة، وبقيت رجفة عامة فيها مصائب.
قال أبو سفيان: فقلت: هذا والله الباطل. لئن بعث الله رسولاًلا يأخذه إلا مسناً شريفاً. قال أمية: والذي حلفت به إن هذا لهكذا يا أبا سفيانتقول إن قول النصراني حق. هل لك في المبيت؟
قلت: نعم لي فيه. قال: فبتنا حتى جاءنا الثقل، ثم خرجنا حتىإذا كان بيننا وبين مكة مرحلتان ليلتان أدركنا راكب من خلفنا فسألناه فإذا هويقول: أصابت أهل الشام بعدكم رجفة دمرت أهلها، وأصابتهم فيها مصائب عظيمة.
قال أبو سفيان: فأقبل على أمية فقال: كيف ترى قول النصراني ياأبا سفيان؟ قلت: أرى وأظن والله إن ما حدثك به صاحبك حق. قال أبو سفيان:فقدمنا مكة فقضيت ما كان معي، ثم انطلقت حتى جئت اليمن تاجراً فكنت بها خمسة أشهر،ثم قدمت مكة فبينا أنا في منزلي، جاءني الناس يسلمون علي ويسألون عن بضائعهم، حتىجاءني محمد بن عبد الله وهند عندي تلاعب صبيانها، فسلم عليّ ورحب بي، وسألني عنسفري ومقامي، ولم يسألني عن بضاعته.
ثم قام. فقلت لهند: والله إن هذا ليعجبني، ما من أحد من قريش لهمعي بضاعة إلا وقد سألني عنها، وما سألني هذا عن بضاعته. فقالت لي هند: أو ماعلمت شأنه؟ فقلت وأنا فزع: ما شأنه؟ قالت: يزعم أنه رسول الله فوقذتني،وتذكرت قول النصراني فرجفت حتى قالت لي هند: مالك؟ فانتبهت فقلت: إن هذا لهوالباطل، لهو أعقل من أن يقول هذا.
قالت: بلى، والله إنه ليقولن ذلك ويدعو إليه، وإن له لصحابة علىدينه، قلت: هذا هو الباطل. (ج/ص: 2/ 283)
قال: وخرجت فبينا أنا أطوف بالبيت إذ بي قد لقيته فقلت له: إنبضاعتك قد بلغت كذا وكذا، وكان فيها خير، فأرسل من يأخذها، ولست آخذ منك فيها ماآخذ من قومي، فأبى علي وقال: إذن لا آخذها.
قلت: فأرسل فخذها، وآنا آخذ منك مثل ما آخذ من قومي، فأرسل إليبضاعته فأخذها وأخذت منه ما كنت آخذ من غيره.
قال أبو سفيان: فلم أنشب أن خرجت إلى اليمن، ثم قدمت الطائف،فنزلت على أمية بن أبي الصلت، فقال لي: يا أبا سفيان ما تشاء هل تذكر قولالنصراني؟ فقلت: أذكره، وقد كان. فقال: ومن؟ قلت: محمد بن عبد الله.
قال: ابن عبد المطلب؟ قلت: ابن عبد المطلب. ثم قصصت عليهخبر هند. قال: فالله يعلم؟ وأخذ يتصبب عرقاً ثم قال: والله يا أبا سفيانلعله. إن صفته لهي، ولئن ظهر وأنا حي لأطلبن من الله عز وجل في نصره عذراً.
قال: ومضيت إلى اليمن، فلم أنشب أن جاءني هنالك استهلاله، وأقبلتحتى نزلت على أمية بن أبي الصلت بالطائف، فقلت: يا أبا عثمان قد كان من أمر الرجلما قد بلغك وسمعته، فقال: قد كان لعمري. قلت: فأين أنت منه يا أبا عثمان؟فقال: والله ما كنت لأومن برسول من غير ثقيف أبداً.
قال أبو سفيان: وأقبلت إلى مكة، فوالله ما أنا ببعيد حتى جئت مكة،فوجدت أصحابه يضربون ويحقرون. قال أبو سفيان: فجعلت أقول: فأين جنده منالملائكة؟ قال: فدخلني ما يدخل الناس من النفاسة.
وقد رواه الحافظ البيهقي في كتاب (الدلائل) من حديث إسماعيل بنطريح به. ولكن سياق الطبراني الذي أوردناه أتم وأطول، والله أعلم.