إبطال قصة الغرانيق
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
فقد ألف عدد من العلماء في إبطال ( قصة الغرانيق ) من ناحية الإسناد ، وقد تكلم بعضهم عليها من ناحية المتن أيضاً ، ومن نفيس ما قرأت كلام العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى ورفع درجته ، في إبطال هذه القصة ، وهو كلام بديع يدل على رسوخه في العلم .
قال رحمه الله :
إن القول بعدم صحتها له شاهد من القرآن العظيم في سورة النجم نفسها ، وشهادته لعدم صحتها واضحةٌ ، وهو أن قوله تعالى :" أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى " .الذي يقول القائل بصحة القصة : إن الشيطان القى بعده ما ألقى ، قرأ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعد في تلك اللحظة في الكلمات التي تليه من سورة النجم قوله تعالى :"إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ "
فهذا يتضمن منتهى ذم الغرانيق التي هي كناية عن الأصنام ، إذ لا ذمَّ أعظم من جعلها أسماء بلا مسميات ، وجعلها باطلاً ما أنزل الله به من سلطان .
فلو فرضنا أن الشيطان ألقى على لسانه صلى الله عليه وعلى آله وسلم تلك الغرانيق العلى بعد قوله :" وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى " ، وفرح المشركون بأنه ذكر آلهتهم بخير ، ثم قال النبي في تلك اللحظة :" إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ "
وذم الأصنام بذلك غاية الذم ، وأبطل شفاعتها غاية الإبطال ، فكيف يعقل بعد هذا سجود المشركين وسبُّ أصنامهم هو الأخير والعبرة بالأخير .
وقال رحمه الله : اعلم أن براءة ساحة خاتم الرسل وأشرفهم وسيد ولد آدم بالإطلاق عليه صلوات الله وسلامه مما جاء في ظاهر هذه القصة تدل عليها البراهين القاطعة ، والأدلة الساطعة
كما ستراه .
وقول الشيطان : تلك الغرانيق العلى . شركٌ أكبر صُراح ، وكفرٌ بواح ، وهو صلى الله عليه وعلى آله وسلم مبعوثٌ لإخلاص العبادة لله وحده مما تضمنته كلمة لا إله إلا الله ، كجميع إخوانه المرسلين ، قال تعالى :" وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ " وقال :" وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ "
وقال تعالى :" وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ "
فإخلاص العبادة لله وحده هو دعوة عامة الرسل ، وأشدهم فيه احتياطاً خاتمهم صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، ولذا منع بعض الأمور التي كانت مباحة عندهم احتياطاً في توحيد الله وعبادته جل وعلا ، فالسجود لمخلوق في شريعته السمحة كفرٌ بالله تعالى ، مع أنه كان جائزاً في شرع غيره من الرسل عليهم الصلاة والسلام ، كما قال تعالى عن يعقوب وأولاده في سجودهم ليوسف :" وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّداً ".
ولذلك أمر نبينا صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يقول للناس : إنه ما أوحي إليه توحيد الله تعالى في عبادته في قوله تعالى :" قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ " وقد تقرر عند الاصوليين والبيانيين أن لفظ ( إنما) من أدوات الحصر فدلت الآية على حصر الموحى إليه صلى الله عليه وعلى آله وسلم في أصله الأعظم الذي هو ( لا إله إلا الله ) لانها دعوة جميع الرسل وغيرها من شرائع الإسلام وفروعها تابعة لها .
فإذا حققت هذا علمت أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يقول : تلك الغرانيق العلا ، وإن شفاعتهن لترتجى . لما في هذا الكلام من الشرك الصراح والكفر البواح ، المضاد لما جاء به جميع الرسل عليهم الصلاة والسلام .
ولا يقدر الشيطان أن يجري ذلك على لسانه صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، لانه ليس له عليه من سلطان بشهادة القرآن وبإقرار الشيطان قال جل وعلا :" َفإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ِإنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ " .
ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من الذين أمنوا وعلى ربهم يتوكلون ، وأنه ليس من الذين يتولونه والذين هم به مشركون .اهـ بتصرف
والحمد لله رب العالمين
رحلة الحج إلى بيت الله الحرام 126 130 ( دار عالم الفوائد )
--------------------------------------------------------------------------------
منقوووووووووووووووووووووو ووووووووووووووووووول
التوقيع |
[size=8](( سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم ))[/size] |
|