[align=center]شاعرنا في هذا الموضوع (أبو محجن الثقفي) أحد الشجعان الأبطال في الجاهلية
والإسلام أشتهر بشدة بأسه ونجدته، كان شاعراً مطبوعاً كريماً أسلم في السنة
التاسعة للهجرة، وكان يشرب الخمر حتى معركة القادسية، وكان مقيداً عند
سعد بن أبي وقاص، فقاتل وتاب في القصة المشهورة ..[/align]
[align=center]
كفى حـزَناً أن تلتقي الخيلُ بالقنا ،،، وأُتركَ مشدوداً عليّ وثاقيا
.................................................. ..
ولله عهد لا أخيسُ بعهده ،،، لئن فرجت ألاّ أزورَ الحوانِيا[/align]
[align=center]أما القصيدة التي سنوردها فهي من أحسن القصائد حتى إنه روي أن عمر بن الخطاب
رضي الله عنه يفضل هذه الأبيات ويتهم فيها رأيه إلى أن قال لعلي بن أبي طالب: من
أشعر الناس ؟ فقال الذي أحسن الوصف، وأحكم الرصف، وقال الحق، قال: ومن هو؟
قال: أبو محجن في قوله: (لا تسألي الناس عن مالي وكثرته ... إلخ)وهي مقدمة
قصيدته. وقد بدأها كعادة شعراء العرب أن يخاطبوا في الحضر نساءهم وفي السفر
أخلاءهم فيقول: ليست زينة الرجال المال، وإنما زينتهم الدين والخلق الكريم ..وفي هذه
القصيدة سرد الشاعر خلائقه، وأشار إلى أن المال ليس مقياساً للشرف والنـُبل، إنما
المقياس بالدين والأخلاق، ثم بدأ يمتدح شجاعته وبأنه يعطي السنان والرمح حقهما من
الدماء التي ترويهما، وتحدث عن مهارته في الطعان، فطعنته نجلاء تغور في الجسم
حتى يتدفق الدم فلا يثبت المسبار الذي يستخدم لمعرفة عمق الجرح، وحق له أن
يمتدح نفسه بالشجاعة والفروسية فقد صدق وبر في ذلك، فقد كان فارس القادسية
المقدم الذي نكل بأعداء الله حتى قال عنه قائد المعركة سعد بن أبي وقاص رضي الله
عنه وهو لا يعرف من هو إنما كان يرى فارساً يحمل السلاح قد خرج يركض بفرسه حتى
لحق القوم فجعل لا يحمل في ناحية إلاّ هزمهم فقال سعد عند ذلك: ( الضبر ضبر البلقاء
والطعن طعن أبي محجن) والضبر: وثب الفرس، والبلقاء: اسم فرسه. ثم ينوه الشاعر
في قصيدته بعفته ، وأنه عنيف شديد إذا ظُلم، وهذا المعنى يشبه قول عنترة:[/align]
[align=center]
وإذا ظلمت فإن ظلمي باسلٌ ،،، مرٌ مذاقته كطعم العلقم[/align]
[align=center]ولا ينسى الشاعر أن يتمدح بنجدته لمن يقع في مأزق، وكذلك كتمانه للسر ولو كان في
ذلك هلاكه، وأنه جواد رغم قلة ماله، وأنه يهجر دنيء الفعال وفاحش الأقوال ..
فلله دره من فارس بطل صاغ لنا ميثاقاً لصفات الأحرار الشجعان أُباة الضـَيـّم، وما ينبغي
عليهم العمل به، قارناً القول بالفعل، وقد زاده نوراً على نور جهاده وتوبته، ورفعه لراية
الفرسان ومكارم أخلاقهم وترفعهم وإبائهم:[/align]
[poem=font="Traditional Arabic,7,blue,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4," type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
لا تسألي الناس عن مالي وكثرته=وسائلي الناس عن ديني وعن خلقي
قد يعلمُ الناسُ أنـّا من سرَاتـِهمُ=إذا سَمَا بصرُ الرعديدة الفَـِرقِ
أُعطي السنان غداة الروع نـِحلتهُ=وعامـِل الرمحِ أرويه من العلقِ
وأطعن الطعنة النجلاء عن عُرُضٍ=تنفي المسابيرَ بالإزباد والفهقِ
عَفّ الإياسة عَـمّا لسـْتُ نائلَه=وإن ظُلمْتُ شَديدُ الحـِقدِ والحنقِ
وأكشفُ المأزقَ المكروبَ غـُمتـّهُ=وأكـْتـُم السر فيه ضربةُ العنقِ
قد يـُقـْتـِرُ المرءُ يوماً وهو ذو حسب=وقد يثوبُ سوامُ العاجز الحمنِِ
قد يكثـُرُ المالُ يوماً بعد قلتِه=ويكتسي العودُ بعد الجـَدْب بالـوَرَقِ
وقد أجودُ وما مالي بذي فـَنـَعِ=وقد أَكـُرُّ وراءَ المـُجـْحـَرِ البـَرِقِ
وأهـْجـُرُ الفـِعلَ ذا حـُوبٍ ومنقصَة=وأَتـْرُكُ القـَوْلَ يـُدْنـِيِني من الـرَّّهـَقِ[/poem]
معاني الكلمات:
سراتهم: خيارهم وأشرافهم، الرعديدة: الجبان لارتعاده في الحرب،
الفرق: الفزع، نحلته: عطيته، عامل الرمح: جزء من الرمح يبعد مسافة عن السنان،
العلق: الدم، النجلاء: واسعة الشق، فنع: الكثرة، المجحر: المضيق عليه في الحرب