الاخطاء الطبيه في المستشفيات السعوديه
الأخطاء الطبية في المستشفيات العامه والخاصة: جرائم بلا أدلة
أهالي المرضى لا يطالبون بحقوقهم ووزارة الصحة تنفي وجود تسيّب والمؤسسات الحقوقية تنتقد الجهات الرسمية والأهلية ووعي المواطنين
تقع الأخطاء الطبية باستمرار في المستشفيات الخاصة والعامة دون أن تجد من يوقفها أو يمنع تكرارها، ففي كل يوم نسمع تذمراً هنا وشكوى هناك دون الوصول إلى حالة نهائية توقف الأخطاء وتحمى حياة المرضى من النساء والأطفال والمسنّين من أخطاء يرتكبها أطباء هم أصحاب رسالة، لكنهم بشر يرتكبون الأخطاء.
في هذا التحقيق جمعنا قصصاً مروّعة عن أخطاء كلفت الناس حياتهم، وحملنا الأسئلة لأصحاب القرار في وزارة الصحة ونقابة الأطباء ومعهد الطب الشرعي واطلعنا على رأي المنظمات الحقوقية لعلنا نضع الإصبع على الجرح ونفتح باب النقاش لعل مجتمعنا ومؤسساتنا يصلون إلى حالة جدّية من التعامل مع هذه الأخطار والجرائم التي تهدد مرضانا ومؤسساتنا الصحية.
مواطنة ماتت بسبب نقص جهاز
خضعت المواطنة (ن.ك) لعملية استئصال مرارة في مركز (نابلس الجراحي التخصصي)، وذلك بعد إقناعها بأن حالتها تستدعي الاستعجال في إجراء العملية، وأن المركز هو الوحيد في هذه المدينة القادر على إجراء ذلك. وأثناء إجراء العملية تبيّن أن المركز غير مؤهل لإجراء مثل هذا النوع من العمليات، ولم يتمكن الأطباء الموجودون في المركز من التعامل مع المضاعفات، فتم استدعاء طبيب من مشفى آخر، فوجئ فور وصوله بعدم توفّر جهاز تدليك للقلب. وبعد أن ساءت أوضاع المريضة، تم نقلها إلى مشفى آخر، حيث توفيت فيه. وفي أعقاب ذلك قامت وزارة الصحة بالتحقيق في القضية، واتخذت قراراً بإغلاق المركز مدة شهر حتى يتم تقديم المستندات والوثائق التي تؤكد الالتزام بالقوانين والأنظمة المعمول بها في الوزارة.
انفجار دمّل بعد إدخال أنبوب إلى رئة مواطن في الخليل
وقال الشاب يوسف حريبي عاشور (20عاماً) انه بدء يعاني من ضيق في التنفس وسعال، وعند عرضه على أكثر من طبيب اخبروه أنه يعاني من نزلة صدرية أو مجرد "لفحة برد"، وعند التوجه إلى المستشفى الأهلي وبعد عدة فحوصات وصور أشعة وصور طبقيّة أخبره الأطباء أن لديه كيس ماء على الرئة، مع وجود دمّل، وهو بحاجة إلى علاج وسيغادر المستشفى بعد يومين. وكان يشرف على علاج يوسف في المستشفى الأهلي (ج.هـ) وبعد ثلاثة أيام عمل الأطباء على إدخال أنبوب إلى رئة يوسف لإخراج الماء الموجود على الرئة، بدأ الأنبوب يمتص ماءً اصفر من رئة يوسف، واخبره الطبيب أن الأمور تسير في تحسّن وانه سيغادر المستشفى قريباً، إلا انه بقي في المستشفى عشرين يوماً، الأمر الذي حدا بوالد يوسف الطلب من الطبيب المشرف على علاج ابنه أن يفصح له عن مرض ابنه وان يصارحه بالموضوع حتى وإن كان مريضاً بالسرطان. في اليوم الحادي والعشرين قال الطبيب لوالد يوسف: "ابنك لم يبقَ له علاج عندنا، وعليك نقله إلى المقاصد أو إلى أي مشفى في رام الله"، فرد عليه والده: "لماذا لم تخبرني من البداية أنه لا يوجد علاج عندكم"، فكان رد الطبيب: "إننا عملنا المستحيل".
وأجريت ليوسف عملية أخرى في المقاصد واشرف على علاجه الدكتور نائل الشهابي وتبين أن ما تم في الأهلي هو خطأ، بحيث أنه عند إدخال الأنبوب إلى الرئة تم تفجير الدمل وانتشر ما بداخله من مواد وفيروسات إلى كل أجزاء الرئة. وقد تم تصحيح مجرى الأنبوب، وبعد أربعة أيام من إجراء العملية غادر يوسف المشفى عائداً إلى بيته.
الطبيب مُصرّ على الجراحة وصورة الأشعة تقول عكس ذلك
وفي حالة أخرى سقطت المواطنة (م.ف) أثناء قطفها الزيتون عن إحدى الأشجار، وتوجهت إلى مختبر أشعة لتصوير ساقها، طلب منها فني المختبر التوجه إلى إحدى الأطباء المختصين بالعظام الذي يعمل بمشفى (م)، وبمجرد أن شاهد هذا الطبيب الصور قال: "إنها تحتاج إلى عملية فورية لزرع جهاز، وذلك لإصابتها بأكثر من كسر في الحوض، وحدّد لها موعداً للعملية، لكن زوجها قرر عدم إجراء العملية لعدم توفر المال، ولأن الوضع الصحي لزوجته لم يسمح، في حين كان الطبيب مصمماً على إجرائها، وبعد رفضها ومغادرتها المشفى على مسؤوليتها الخاصة، توجهت إلى مركز آخر لتصوير الأشعة، حيث تبين أنها لا تعاني من كسر في الحوض، ولا تحتاج إلى أي عملية، ولو أجرتها لربما أصيبت بالشلل، أو أضرار لا يحمد عقباها وفق ما ذكر موظف الأشعة.
عانت من صداع وماتت في المشفى بسبب سوء التشخيص
دخلت المواطنة (س.ح) التي تبلغ من العمر 28 سنة، في 14/12/2005 مشفى (هـ. ح) بسبب صداع ليس بالشديد، بحيث أعطاها طبيب الطوارئ حقنة تخدير ودواءً مسكناً (diazepam) فدخلت في نوم عميق لمدة أربع ساعات، وبعدها نقلت إلى البيت في حالة دوخان شديد دون أن يعلل الطبيب مثل هذه الحالة سوى بأنها مجرد صداع، وسيختفي قريباً. في البيت لم تتحمل (س) شدة الألم، فنقلت إلى مشفى (ش. ز) فتوفيت بعد ساعة من وصولها، وفي يوم عيدها. خلال هذه الساعة أدخلت الفقيدة لغرفة الأشعة دون أن يسمح لزوجها أو أمها بالبقاء.
وجاء في التقرير الطبي القضائي الصادر عن معهد الطب الشرعي أن سبب الوفاة هو هبوط حاد في التنفس والقلب ناتج عن مضاعفات استسقاء الدماغ الناتجة عن ورم حميد دماغي سبّب إغلاق مجرى السوائل الشوكية العصبية الرئيسية.
وهناك بنود في التقرير تضعف السبب الذي أدى إلى الوفاة، تتمثل في: "نعتقد أن إعطاء الأدوية مثل (diazepam) لمعالجة الأمراض المذكورة للمتوفية دون وجود تشخيص صحيح لها أو لأسبابها هو إجراءات التعامل مع الأعراض، وكان يستدعي الأمر إجراء فحوصات لتفسير أعراض المذكورة. كما أن زوج الفقيدة يذكر أن طبيبة في المشفى الذي نقلت إليه زوجته ذكرت له أنه كان بالإمكان إجراء عملية جراحية قد تنقذ فقيدته. كما يحمّل زوج الفقيدة الطبيب في مشفى (ه.ح) السبب لتقصيره بالاهتمام ومعرفة حقيقة ما يعتري فقيدته.
جرح عملية استئصال مرارة لم يغلق
دخلت المواطنة (ع. م) مشفى (ه.ح) برام الله لإزالة حصوة في المرارة. لكن ما جرى أن المرارة أُزيلت وبقيت (ع) تعاني من ألم شديد جداً طيلة 12 يوماً. وعندما كان زوج المريضة يسأل الطبيب الذي أجرى العملية يجيبه بأن حال زوجته سيتحسّن. ونقلت المريضة إلى مشفى المطّلع بالقدس ليجد الأطباء هناك أن جرح العملية لم يُغلق. وهنا نجد أن المؤشرات على خطأ الطبيب عديدة، أهمها: إنهاء عمل الطبيب في المشفى عقب الحادثة بأيام، وانتقل بعدها للعمل في مشفى حكومي، بالإضافة إلى وجود الطبيب في المشفى الذي نقلت إليه المريضة ومتابعة حالتها دون أن يطلب منه ذلك، وطرح الطبيب على زوج المريضة استعداده بدفع ما يترتب على مكوث زوجته وعلاجها في مشفى (ه. ح) على نفقته، إلى جانب أن طبيباً مشاركاً له في عيادة طبية خاصة قد تركه، وأكد لذوي المريضة أن زميله قد اخطأ في علاجه لها.
مفهوم الخطأ الطبي
يُعرّف شرف الدين محمود في كتابه "المسؤولية التقصيرية للأطباء" الخطأ الطبي "بأنه انحراف الطبيب عن السلوك الطبي العادي والمألوف، وما يقتضيه من يقظةٍ وتبصّر إلى درجة يُهمل معها الاهتمام بمريضه"، أو هو "إخلال الطبيب بالواجبات الخاصة التي تفرضها عليه مهنته، وهو ما يسمى بالالتزام التعاقدي". ويتبيّن لنا من خلال التعريفين السابقين أن الخطأ الطبي يقوم على توافر مجموعة من العناصر، تتمثل بعدم مراعاة الأصول والقواعد العلمية المتعارف عليها في علم الطب، والإخلال بواجبات الحيطة والحذر، إغفال بذل العناية التي كان باستطاعة الطبيب فعلها، إلى جانب مدى توافر رابطة أو علاقة نفسية بين إرادة الطبيب والنتيجة الخاطئة.
أما تقسيمات الخطأ الطبي، فيُجمع معظم الفقهاء القانونيين على وجود قسمين (يذكرهما محمد الشلش في دراسته "أخطاء الأطباء بين الفقه والقانون"، مجلة جامعة القدس المفتوحة، عدد 9، شباط 2007، ص (350) وهما:
الأول: الخطأ الفني، وهو الخطأ الذي يصدر عن الطبيب، ويتعلّق بأعمال مهنته، ويتوجّب لإثبات مسؤوليته عنه أن يكون الخطأ جسيماً. ومن الأمثلة عليه: عدم الالتزام بالتحاليل الطبية، والخطأ في نقل الدم، وإصابة المريض لسوء استخدام الآلات والأجهزة الطبية، وإحداث عاهة، فضلاً عن التسبّب في تلف عضو، أو تفاقم علّة.
الثاني: الخطأ العادي، ومردّه إلى الإخلال بواجبات الحيطة والحذر العامة التي ينبغي أن يلتزم بها الناس كافة، ومنهم الطبيب في نطاق مهنته باعتباره يلتزم بهذه الواجبات العامة قبل أن يلتزم بالقواعد العلمية أو الفنية لمهنته. ومثاله أن يجري الطبيب عملية جراحية وهو سكران.
التوقيع |

|
|