(( الجوال بين النعمة والنقمة ))
:لقد تعددت مصائب المسلمين في عصرنا هذا حتى كادت أن تعصف رياحها قلوب المؤمنين ، وتقتلع أعاصيرها جذور الثقة من صدور الواثقين ،إذ اختلطت عليهم أمور،فلبس لباس التقوى من عرف بالفجور،وأحكمت دياجير الجهل حلقاتها فخفت في حلكتها بصيص النور .
عباد الله: من قدر الله علينا أننا نعيش في هذا الزمان في عصر المخترعات الحديثة، نعيش تقنية متطورة لم يسبق لها مثيل في التاريخ. هذه المبتكرات لها جناحان أو جانبان أو هي سلاح ذو حدين،حد نافع وحد ضار..جانب إيجابي وجانب سلبي، فالآلة المخترعة أو الجهاز المبتكر آلة محايدة صماء يمكن توظيفها في الخير أو في الشر 0
والسؤال الذي يطرح نفسه بشدة:كيف بات بعضنا-نحن المستهلكين-يتعامل مع هذه التقانة مقارنة بتعامل المخترعين لها؟!غير المسلمين في الشرق والغرب يصنعون ويخترعون.. ونحن هنا نستهلك ونستخدم.. أما هو فيأخذ بأحسنها..ويربي أبناءه على التعامل الأرشد لها،ويسن القوانين الضابطة لاستخدامها، ويعاقب من أساء استخدامها، ولكنه يدع لنا الجانب المظلم، ويلقي في روع أبناء أمتنا أن الحياة سفاهة وغثاء ولهو ولعب بهذه التقنيات.فسبحان الله! هم يصنعون الحاسب الآلي.. ليستخدموه في التخطيط والبرامج الهادفة..ويستخدمه بعضنا الألعاب التافهة وإضاعة الأوقات الشريفة.هم يخترعون شبكة الإنترنت..ليجعلوا منها وسيلة للتواصل بين الشعوب، والهيمنة الحضارية والعولمة الثقافية أومنطلقا للتنصير.. ويستخدمها كثير منا في تتبع الفواحش والمحرمات أو المحادثات المنفلتة، أو الولوج في المواقع الإباحية.هم يخترعون الهاتف، ليستخدموه في حاجاتهم وتسهيل أعمالهم.. وتستخدمه شرذمة منا في الرسائل الهابطة، والمكالمات الساقطة.لماذا؟ -يا أمة الإسلام- نظل أمة متخلفة..لماذا لا نحسن حتى استخدام التقنية فضلا عن اختراعها وتصنيعها. إذا لم نتمكن من صنع التكنولوجيا-ونحن قادرون على ذلك لو كانت إرادتنا بأيدينا-فلا أقل من حسن استخدامها،بأن توظف في خدمة ديننا ووطننا وأهلينا بدلا من استخدامها في الشر والعهر والإخلال بالأمن وإفساد المجتمعات المسلمة.
أيها الإخوة المسلمون: دعونا اليوم نحصر حديثنا عن الآلة الحديثة التي غدت في يد وجيب كل أحد من الناس أو معظم الناس، تجد هذه الآلة في يد الغني والفقير، والكبير
والصغير، والذكر والأنثى، إنها آلة الجوال أو الهاتفُ المحمول. كلُّنا يدرك أنَّ الهاتفَ بسائر أنواعِه..من نعمِ اللهِ علينا في هذا العصر، فكمْ أَنْقَذَتْ هذه الخدمةُ من أرواحٍ بعد قدرةِ اللهِ ومشيئته! كم من مسافرٍ ظلَّ على اتصالٍ بأهلِه برغم الغربة التي يعيشها! وكم تائهٍ ضَلَّ طريقه فاهتدى إلى مراده بها! كم اُخْتُصرت بها مسافات، وقُضي بها حاجات, ودُفعت بها ضرورات. لقد كان الرجل يذهب من بلدنا هذه ويرتحل منها، فتنقطع أخباره، وتسنى أحواله، وتغيب صورته، فلا تدري أم عن ولدها أحي فيرجى أم ميت فينسى، هل هو مريض فتبكي أوجاعه، أو صحيح فترجوا اجتماعه، أشهر وسنين، والأشواق تعتلج في الضلوع، وتنساب من لوعتها العبرات والدموع، فحبذا ورقة تصل من ذاك الحبيب، أو خبر يأتي به أحد عن ذلك القريب الغريب0كان الرجل يموت في سفره، ويقضي في ظعنه، فلا يدري أب عن فلذة كبده، ولا تشعر أسرة عن عائلها، وحمل الكلمات بين المدن كحمل الأثقال المضنيات، فأكرمنا الله بوسائل الاتصال الحديثة، فوصلت الأم بأبنائها، والأبناء بوالديهم، والأقارب بأقاربهم في لحظة واحدة حيثما كان وفي أي وقت كان، بلمسات الأصابع والرجل في فراشه الدافئ وأمام طعامه الهني يقضي جلسة مع ولده مهما تباعدت الأقطار وتمادت الديار، في نعمة أعظم من أن نصفها فضلا عن أن نشكرها، ثم تتابعت نعم الله بعد بالهواتف الجوالة، فانفتحت أبواب النعم على مصاريعها، فيطمئن الحبيب على حبيبه في سفره وحضره، في سوقه وبيته،يتابع تجارته، ويعقب على عمله، ويتصل بأغراضه، ويدير شغله، ويصل أرحامه، من أي مكان من نزهته ورحلته، في بيته وفي مشيه، يراجع معاملته، ويتابع دارسة أبنه، أو صحة أقاربه، وهو في السيارة راكبا، أو في بيته جالسا، أو على الطعام هانئا، جعل الله معه جنديا يعينه، وجهازا تتسهل به أموره، فيستنجد بواسطته في حال الكربة، وينادي عن طريقه عند المرض والنكبة، فلم يعد البعيد بعيدا، ويراسل من يشاء ويكتب إلى من يشاء في أي وقت شاء، بل من نعم الله تعالى الجسيمة وعطاياه العظيمة ما فتح في هذه الأجهزة من الإمكانات، وما تيسر فيها من التقنيات0هذه نعم عظيمة للجوال ما كنا نحلم بها، ولا كانت عند أجدادنا، الآن أصبحت واقعا نعيشه في هذه الأعصر، ولو رحنا نعدد الإيجابيات المتحققة في عالم الجوال لضاق وقت الخطبة عن ذلك. لكن!! كيف تحول هذا الجوال من نعمة إلى نقمة؟؟.. بكل أسف-يا إخوة-في عالم السفه والسقوط تحولت هذه النعمة إلى وسيلة فساد وإفساد.. حين سخرت لغير مرادها واستعملت في غير طريقها. تحولت هذه النعمة من وسيلة لقضاء الحاجات إلى وسيلة إضرار وعبث وهدر للأموال والأوقات وانهيار للمجتمعات.أصبحنا ننام عليها ونستيقظ بها، أصبحنا نتحدث بها في كل مكان.. حتى بداخل المساجد، وفي المسجد الحرم، وفي أثناء الطواف،وعند إقامة الصلوات، بل وفي المقابر وعند تشييع الموتى، نتحدث بها في الاجتماعات، والمحاضرات، نتحدث عن كل شيء، في قيل وقال، وسؤال متكرر عن الحال، وفي أخبار الزوجة والعيال، فضلا عن فئة من الناس حديثها العشق والغرام، والحب والهيام،وإيقاع الغافلات واستدراج المحصنات0
لقد أصبحت الجوالات نقمة حينما أفسدت مجالسنا وقطعت أحاديثنا.. كم من مجلس مهيب ذهبت هيبته بمتحدث لا يراعي آداب المجلس والاستماع,والغريب والعجيب أنه إذا حدث من بجانبه لا تكاد تسمع منه إلا همسا، بينما تراه يصرخ بصوت عال وهو يتحدث بالجوال!! أين الذوق والاحترام والتقدير للناس من حولك؟؟
لقد أصبح الجوال أيها الإخوة محنة ونقمة.. يوم أن أصبح بيد السفهاء من الصغار والكبار والمراهقين والمراهقات..يستخدمونه فيما يغضب الله،ويؤذي عباد الله.. أصبح الجوال نقمة حينما أصبح مصدرا لرسائل ساقطة تحمل في مضمونها الفحش والفجور، والكذب والزور، والإشاعات المرجفة، ولمز الشعوب والقبائل والأمم . أصبح الجوال نقمة حينما أصبح موضة يتباهى بها..في كل شهر موديل جديد لاستنزاف الجيوب والضحك على الناس،أصبح سمة للمظهرية الزائفة الجوفاء.. يتحدث بها الذكور والإناث، ولسان حال أحدهم: انظروا إلي ها أنا ذا أحمل جوالا آخر موديل. لقد كفر بعض الناس نعمة الجوال حينما أصبح مصدرا للأذى في المساجد بنغماته المزعجة، وأصواته المؤذية،ومزاميره الشيطانية، فشوش على المصلين في صلاتهم،وقطع عليهم خشوعهم وإقبالهم, ووالله ثم والله، لو قيل لنا قبل أعوام: سيأتي اليوم الذي تسمع فيه الأغاني الماجنة مع الصلاة والقرآن,وتضرب المعازف والموسيقى في بيوت الرحمن،لقلنا هذا كذب وبهتان،ومحال أن يقع,إلا إذا دخل الصهاينة محتلين لبلاد الإسلام,ودنسوا المساجد،لكن واخجلاه!واأسفاه!أصبح هذا الأمر حقيقة،ومن فعل بعض المسلمين أنفسهم, فاللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا.
لقد أصبحت الجوالات نقمة حينما استخدمت في الفصول والقاعات الدراسية، عدد كبير من الطلاب والطالبات يسيئون استخدام الجوالات، يستخدمونها في تبادل الصور العارية، ونقل مقاطع أفلام جنسية فاضحة.
أيها الإخوة المؤمنون: البلوتوث..وما أدراكم ما البلوتوث؟! البلوتوث، بلا وتلوث..هذه الخدمة التي أضيفت إلى الجوالات ليكتمل مسلسل الاستخدام السيئ عند ضعفاء النفوس وقليلي الحياء. انتشرت بين صفوف المسلمين رجالا ونساء، فكم نشر من القبائح والفضائح! كم كشف من العورات! كم هتك ستر العفيفات الغافلات! من خلاله حقق أهل العهر مآربهم, ينقلون به عورات البيوت والمدارس وقصور الأفراح، فكم من عفيفة طعنت في عفافها من صديقة لها نشرت صورتها على ملأ من الناس. لقد ضرب البلوتوث..أسوأ الأمثلة على الشر،جرائم وفضائح نقلتها هذه الجوالات، هزت المجتمع بأسره، وأثارت اشمئزازه.. اتقوا الله يا كل شاب تجري في عروقه دماء الإسلام،.اتقوا الله، لا تؤذوا المسلمين والمسلمات،من يحمي أعراضنا في الأعراس والطرقات والمدارس.
يا هؤلاء.. إذا كان من غشنا في طعام.. فليس منا.. فكيف بمن غشنا ومكر بنا في أعراضنا!! إذا كان آثما من روع مسلما بحديدة.. فكيف بمن روعنا في شرفنا وعرضنا يا هؤلاء!استروا أعراض إخوانكم وأخواتكم يستر الله عوراتكم يوم القيامة، وكفوا عن النظر إلى عورات المسلمين, فعين حرمها الله على النار.. هي عين كفت عن محارم الله.
أيها العابثون بأعراض المسلمين:أذكركم الوقوف بين يدي الله عز وجل يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمْ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ [ آل عمران: 30]
التوقيع |

[flash=http://www.freefileuploader.com/files/f6b00a29h1f7k4n3u26n.swf]=400 =300[/flash]
|
|