التلخيص المعين في شرح الأربعين للشيخ العلامة ابن عثيمين
الحديث الأول
عَنْ أَمِيرِ المُؤمِنينَ أَبي حَفْصٍ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ يَقُولُ : " إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ، وَإنَّمَا لِكُلِّ امْرِىءٍ مَا نَوَى ، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلى اللهِ وَرَسُوله فَهِجْرتُهُ إلى اللهِ وَرَسُوُله ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيْبُهَا ، أَو امْرأَةٍ يَنْكِحُهَا ، فَهِجْرَتُهُ إِلى مَا هَاجَرَ إلَيْهِ "
رواه إماما المحدثين أبو عبدالله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بَرْدِزْبَهْ البخاري ، وأبو الحسين مسلم بن الحجَّاج ين مسلم القشيري النيسابوري ، في صحيحيهما اللَذين هما أصح الكتب المصنفة .
الــشــــرح
" عَنْ أَمِيرِ المُؤمِنينَ " هو أبو حفص عمر بن الخطاب آلت إليه الخلافة بتعين أبي بكر الصديق له .
وفي قوله :" سَمِعْتُ " دليل على أنه أخذه من النبي بلا واسطة .
ولفظ الحديث انفرد به عمر وتلقته الأمة بالقبول التام ، حتى إن البخاري رحمه الله صدر كتابه الصحيح بهذا الحديث ، ومعنى الحديث ثابت بالقرآن والسنة .
قوله :" إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ " فيه من أوجه البلاغة الحصر ، وهو :
إثبات الحكم في المذكور ونفيه عما سواه .
وطريق الحصر : " إِنَّمَا " لأن ( إِنَّمَا ) تفيد الحصر .
وكذلك قوله : " وَإنَّمَا لِكُلِّ امْرِىءٍ مَا نَوَى " .
وفي قوله :" وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيْبُهَا ، أَو امْرأَةٍ يَنْكِحُهَا ، فَهِجْرَتُهُ إِلى مَا هَاجَرَ إلَيْهِ " من البلاغة : إخفاء نية من هاجر للدنيا ، لقوله : " فَهِجْرَتُهُ إِلى مَا هَاجَرَ إلَيْهِ " ولم يقل : إلى دنيا يصيبها ، والفائدة البلاغية في ذلك هي : تحقير ما هاجر إليه هذا الرجل ، أي ليس أهلاً لأن يذكر ، بل يكنى عنه بقوله :" إِلى مَا هَاجَرَ إلَيْهِ " .
وقوله : "فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلى اللهِ وَرَسُوله" الجواب : " فَهِجْرتُهُ إلى اللهِ وَرَسُوُله " فذكره تنويهاً بفضله.
" وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيْبُهَا ، أَو امْرأَةٍ يَنْكِحُهَا ، فَهِجْرَتُهُ إِلى مَا هَاجَرَ إلَيْه ِ" ولم يقل: إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها ، لأن فيه تحقيراً لشأن ما هاجر إليه وهي : الدنيا أو المرأة .
* أما من جهة الإعراب ، وهو البحث الثاني :
فقوله " إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ " مبتدأ وخبر ، الأعمال : مبتدأ ، والنيات : خبره .
" وَإنَّمَا لِكُلِّ امْرِىءٍ مَا نَوَى " أيضاً مبتدأ وخبر ، لكن قُدُّم الخبر على المبتدأ ؛ والمبتدأ هو " مَا نَوَى " متأخر .
" فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلى اللهِ وَرَسُوله فَهِجْرتُهُ إلى اللهِ وَرَسُوُله " هذه جملة شرطية ، أداة الشرط فيها : من ، وفعل الشرط : كانت ، وجواب الشرط : فهجرته إلى الله ورسوله .
وهكذا نقول في أعراب قوله :" وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيْبُهَا "
* أما في اللغة فنقول :
" الأَعْمَالُ " جمع عمل ، ويشمل أعمال القلوب وأعمال النطق ، وأعمال الجوارح ، فتشمل هذه الجملة الأعمال بأنواعها .
" الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ " النيات : جمع نية وهي : القصد .
وشرعاً: العزم على فعل العبادة تقرباً إلى الله تعالى ، ومحلها القلب ، فهي عمل قلبي ولا تعلق للجوارح بها .
" وَإنَّمَا لِكُلِّ امْرِىءٍ " أي لكل إنسانٍ " مَا نَوَى " أي ما نواه .
هنا مسألة : هل هاتان الجملتان بمعنى واحد ، أو مختلفان ؟
الجواب : يجب أن نعلم أن الأصل في الكلام التأسيس دون التأكيد ، ومعنى التأسيس : أن الثانية لها معنى مستقل ، ومعنى التأكيد : أن الثانية بمعنى الأولى .
وللعلماء رحمهم الله في هذه المسألة رأيان :
والصواب : أن الثانية غير الأولى ، فالكلام من باب التأسيس لا من باب التوكيد ، فالأولى باعتبار المنوي وهو العمل .
والثانية : باعتبار المنوي له وهو المعمول له ، هل أنت عملت لله أو عملت للدنيا .
ويدل لهذا ما فرعه النبي في قوله : " فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلى اللهِ وَرَسُوله فَهِجْرتُهُ إلى اللهِ وَرَسُوُله " وعلى هذا يبقى الكلام لا تكرار فيه .
والمقصود من هذه النية تمييز العادات من العبادات ، وتمييز العبادات بعضها من بعض .
* و مثال تميز العادات عن العبادات :
- أولاً : الرجل يأكل الطعام شهوة فقط ، والرجل الآخر يأكل الطعام امتثالاً لأمر الله في قوله :
وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ (1) أكل الثاني عبادة ، وأكل الأول عادة .
- ثانياً : الرجل يغتسل بالماء البارد تبرداً ، والثاني يغتسل بالماء من الجنابة ، فالأول عادة ، والثاني : عبادة .
ولهذا قال بعض أهل العلم : عبادات أهل الغفلة عادات ، وعادات أهل اليقظة عبادات .
* و مثال تميز العبادات بعضها من بعض:
رجل يصلي ركعتين ينوي بذلك التطوع ، وآخر يصلي ركعتين ينوي بذلك الفريضة ، فالعملان تميزا بنية ، هذا نفل وهذا واجب ، وعلى هذا فَقِسْ .
* واعلم أن النية محلها القلب ، ولا يُنْطَقُ بها إطلاقاً ، لأنك تتعبّد لمن يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ، والله تعالى عليم بما في قلوب عباده ، ولست تريد أن تقوم بين يدي من لا يعلم حتى تقول أتكلم بما أنوي ليعلم به ، إنما تريد أن تقف بين يدي من يعلم ما توسوس به نفسك ويعلم متقلّبك وماضيك ، وحاضرك .
ولهذا لم يَرِدْ عن رسول الله ولا عن أصحابه رضوان الله عليهم أنهم كانوا يتلفّظون بالنية .
* وهنا مسألة : إذا قال قائل : قول المُلَبَّي : لبيك اللهم عمرة ، ولبيك حجّاً ، ولبيك اللهم عمرة وحجّاً، أليس هذا نطقاً بالنية ؟
فالجواب : لا ، هذا من إظهار شعيرة النُّسك ، ولهذا قال بعض العلماء : إن التلبية في النسك كتكبيرة الإحرام في الصلاة ، فإذا لم تلبِّ لم ينعقد الإحرام ، كما أنه لو لم تكبر تكبيرة الإحرام للصلاة ما انعقدت صلاتك .
* ولهذا ليس من السنة : إن يقال : اللهم إني أريد نسك العمرة ، أو أريد الحج فيسّره لي ، لأن هذا ذكر يحتاج إلى دليل ولا دليل عليه .
فإذا قال : قالها فلانٌ في كتابه الفلاني ؟
فقل له : القول ما قال الله ورسوله .
" وَإنَّمَا لِكُلِّ امْرِىءٍ مَا نَوَى " هذه هي نيّة المعمول له ، والناس يتفاوتون فيها تفاوتاً عظيماً .
* ثم ضرب النبي مثلاً بالمهاجر فقال :
" فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ " الهجرة في اللغة : مأخوذة من الهجر وهو الترك .
وأما في الشرع فهي : الانتقال من بلد الكفر إلى بلد الإسلام .
* وهنا مسألة : هل الهجرة واجبة أو سنة ؟
والجواب : أن الهجرة واجبة على كل مؤمن لا يستطيع إظهار دينه في بلد الكفر ، فلا يتم إسلامه إلا بالهجرة ، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب .
كهجرة المسلمين من مكة إلى الحبشة ، أو من مكة إلى المدينة .
" فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلى اللهِ وَرَسُوله فَهِجْرتُهُ إلى اللهِ وَرَسُوُله " كرجل انتقل من مكة قبل الفتح إلى المدينة يريد الله ورسوله ، أي : يريد ثواب الله،ويريد الوصول إلى الله كقوله تعالى : وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ (1) إذاً يريد الله : أي يريد وجه الله ونصرة دين الله ، وهذه إرادة حسنة .
ويريد رسول الله : ليفوز بصحبه ويعمل بسنته ويدافع عنها ويدعو إليها والذبّ عنه، ونصرة دينه ، فهذا هجرته إلى الله ورسوله .
* وهنا مسألة : بعد موت الرسول هل يمكن أن نهاجر إليه عليه الصلاة والسلام؟
الجواب: أما شخصه فلا ولذلك لا يُهاجر إلى المدينة من أجل شخص الرسول لأنه تحت الثرى ، وأما الهجرة إلى سنته وشرعه فهذا مما جاء الحث عليه وذلك مثل : الذهاب إلى بلد لنصرة شريعة الله الرسول والذود عنها .
فالهجرة إلى الله في كل وقت وحين ، والهجرة إلى رسول الله لشخصه وشريعته حال حياته ، وبعد مماته إلى شريعته فقط .
" وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيْبُهَا " بأن علم أن في البلد الفلاني تجارة رابحة فذهب إليها من أجل أن يربح ، فهذا هجرته إلى دنيا يصيبها ، وليس له إلا ما أراد ، وإذا أراد الله ألا يحصل على شيء لم يحصل على شيء .
أو من هاجر من بلد إلى لامرأة يتزوجها ، بأن خطبها وقالت لا أتزوجك إلا إذا حضرت إلى بلدي فهجرته إلى ما هاجر إليه .
قوله رحمه الله : (رواه إماما المحدثين أبو عبدالله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بَرْدِزْبَهْ البخاري ، وأبو الحسين مسلم بن الحجَّاج ين مسلم القشيري النيسابوري ، في صحيحيهما اللَذين هما أصح الكتب المصنفة ) .
أي صحيح البخاري وصحيح مسلم وهما أصح الكتب المصنفة في علم الحديث ، ولهذا قال بعض المحدثين إن ما اتفقا عليه لا يفيد الظن فقط بل العلم .
وصحيح البخاري أصح من مسلم ، لأن البخاري رحمه الله يشترط في الرواية أن يكون الراوي قد لقي من روى عنه ، أما مسلم رحمه الله فيكتفي بمطلق المعاصرة مع إمكان اللقي وإن لم يثبت لقيه ، وقد أنكر على من يشترط اللقاء في أول الصحيح إنكاراً عجيباً .
فالصواب ما ذكره البخاري رحمه الله أنه لا بد من ثبوت اللقي .
لكن ذكر العلماء أن سياق مسلم رحمه الله أحسن من سياق البخاري ، لأنه -رحمه الله يفرِّق الحديث ، ففي الصناعة صحيح مسلم أفضل ، وأما في الرواية والصحة فصحيح البخاري أفضل .
تشاجر قومٌ في البخاري ومسلم فقلت : لقد فاق البخاري صحة . .
لديّ وقالـــــوا : أي ذَيْنِ تقدّم كما فاق في حسن الصناعة مسلم ..
فالحديث إذا صحيح يفيد العلم اليقيني ، لكنه ليس يقينياً بالعقل وإنما هو يقيني بالنظر لثبوته عن النبي .
* من فوائد الحديث :
1- هذا الحديث أحد الأحاديث التي عليه مدار الإسلام ، ولهذا قال العلماء : مدار الإسلام على حدثين : هما هذا الحديث ، وحديث عائشة : " مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فهُوَ رَدّ " فهذا الحديث عمدة أعمال القلوب ، فهو ميزان الأعمال الباطنة ، وحديث عائشة : عمدة أعمال الجوارح .
2- من فوائد الحديث : أنه يجب تمييز العبادات بعضها عن بعض ، والعبادات عن المعاملات لقول النبي : " إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ " .
* مسألة :لو خرج شخص بعد زوال الشمس من بيته متطهراً ودخل المسجد وليس في قلبه أنها صلاة الظهر ، ولا صلاة العصر ، ولا صلاة العشاء ، ولكن نوى بذلك فرض الوقت ، فهل تجزئ أو لا تجزئ ؟
الجواب : قيل تجزئ : ولا يشترط تعيين المعيّنة ، فيكفي أن الصلاة وتتعين الصلاة بتعيين الوقت ، وهذه رواية عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى - ، وهذا هو القول هو الصحيح الذي لا يسع الناس العمل إلا به.
3- من فوائد الحديث : الحثّ على الإخلاص لله ، لأن النبي قسم الناس إلى قسمين :
قسم : أراد بعمله وجه الله والدار الآخرة .
وقسم : بالعكس ، وهذا يعني الحث على الإخلاص لله .
4- من فوائد الحديث : حسن تعليم النبي وذلك : بتنويع الكلام وتقسيمه ، لأنه قال " إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ " وهذا للعمل " وَإنَّمَا لِكُلِّ امْرِىءٍ مَا نَوَى " وهذا للمعمول له ، هذا أولاً .
والثاني من حُسن التعليم : تقسيم الهجرة إلى قسمين : شرعية وغير شرعية ، وهذا من حسن التعليم ، ولذلك ينبغي للمعلم أن لا يسرد المسائل على الطالب سرداً لأن هذا يُنْسِي، بل عليه أ، يجعل أصولاً ، وقواعد وتقييدات ، لأن ذلك أقرب لثبوت العلم في قلبه ، أما أن تسرد عليه المسائل فما أسرع أن ينساها.
5- من فوائد الحديث : قرن الرسول مع الله تعالى بالواو حيث قال : " إِلى اللهِ وَرَسُوله " ولم يقل : ثم إلى رسوله ، مع أن رجلاً قال للرسول : مَا شاءَ اللهُ وشِئْتَ، فَقَالَ :" بَلْ مَا شَاءَ اللهُ وَحْدَه " فما الفرق ؟
والجواب : أما ما يتعلق بالشريعة : فيعبر عنه بالواو ، لأن ما صدر عن النبي من الشرع كالذي صدر من الله تعالى كما قال تعالى : مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ (1)
وأما الأمور الكونية : فلا يجوز أن يُرن مع الله أحدٌ بالواو أبداً ، لأن كل شي تحت إرادة الله تعلى ومشيئته.
فإذا قال قائل :هل ينزل المطر غداً ؟
فقيل : الله ورسوله أعلم ، فهذا خطأ ، لأن الرسول ليس عنده علم بهذا .
* مسألة :وإذا قال : هل هذا حرامٌ أم حلال ؟
فقيل في الجواب : الله ورسوله أعلم ، فهذا صحيح ، لأن حكم الرسول في الأمور الشرعية حكم الله تعالى كما قال : مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ (1)
* مسألة : أيهما أفضل العلم أم الجهاد في سبيل الله ؟
والجواب : العلم من حيث هو علم أفضل من الجهاد في سبيل الله لأن الناس كلهم محتاجون إلى العلم ،وقد قال الإمام أحمد : " العلم لا يعدله شيء لمن صحت نيته "، ولا يمكن أبداً أن يكون الجهاد فرض عين لقول الله تعالى : وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فلو كان فرض عين لوجب على جميع الناس فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ أي وقعدت طائفة لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (1)ولكن باختلاف الفاعل واختلاف الزمن ، قد نقول لشخص : الأفضل في حقك الجهاد ، ولآخر الأفضل في حقك العلم ،فإذا كان شجاعاً قوياً نشيطاً وليس بذاك الذكي فالأفضل له الجهاد ؛ لأنه أليَق به ، وإذا كان ذكياً حافظاً قوي الحجة فالأفضل له العلم وهذا باعتبار الفاعل .
أما باعتبار الزمن فإننا إذا كنّا في زمن كثر فيه العلماء واحتاجت الثغور إلى مرابطين فالأفضل الجهاد .
وإن كنّا في زمن تفشى فيه الجهل وبدأت البدع تظهر في المجتمع وتنتشر فالعلم أفضل .
وهناك ثلاثة أمور تحتّم على طلب العلم :
1- بدع بدأت تظهر شرورها .
2- الإفتاء بغير علم .
3- جدل كثير في مسائل بغير علم .
وإذا لم يكن مرجّح فالأفضل العلم .
6- ومن فوائد الحديث : أن الهجرة من الأعمال الصالحة لأنها يقصد بها الله ورسوله.
* مسألة :هل الهجرة واجبة أم مستحبة ؟
الجواب : فيه تفصيل ، إذا كان الإنسان يستطيع أن يظهر دينه وأن يعلنه ولا يجد من يمنعه في ذلك ، فالهجرة هنا مستحبة .
وإن كان لا يستطيع فالهجرة واجبة وهذا هو الضابط للمستحبّ والواجب، وهذا يكون في البلاد الكافرة.
أما في البلاد الفاسقة وهي التي تعلن الفسق وتظهره فإنا نقول : إن خاف الإنسان على نفسه أن ينزلق فيه أهل البلد فهنا الهجرة واجبة ، وأن لم يخف فتكون غير واجبة ، بل نقول في بقائه إصلاح ، فبقاؤه واجب لحاجة البلد إليه في الإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
والحاصل أن الهجرة من بلاد الكفر ليست كالهجرة من بلاد الفسق ، فيقال للإنسان: اصبر واحتسب ولا سيما إن كنت مصلحاً ، بل قد يقال : إن الهجرة في حقك حرام .