بين يحيى وعبدالله بن مالك
كان بين يحي بن خالد البرمكي وعبدالله بن مالك الخزاعي عداوة شديدة وبغضاء ، وكانا كلاهما متربصٌ بصاحبه الدوائر، فلما ولي عبدالله بن مالك أذربيجان وأرمينيا تصادف أن رجلاً من التجار وكان شاعر مقلا أفلس وضاعت جميع أمواله وأصبح لا يجد قوت يومه ، وكان لا يعلم ما بين عبدالله بن مالك ويحيى بن خالد من عداء ، بل كان يظنهما صديقين ، فزور كتابا من يحيى بن خالد إلى عبدالله بن مالك يوصيه فيها بنفسه وصايةً عظيمة ،...ثم خرج الرجل من مدينة السلام إلى أذربيجان ، ووقف على باب عبدالله بن مالك وقال لحاجبه أخبره أنني رسول من يحيى بن خالد ، فلما علم عبدالله بن مالك بذلك تعجب وأذِن له ، فناوله الكتاب فقرأه ، وأدرك أنه مصطنع ، إذ إن ما بينه وبين يحيى لا يمكن أن يسمح له بمثل هذا الكتاب ، فقال للرجل اِعلم يا هذا أني مدركٌ أن كتابك هذا مزورٌ مصطنعٌ ، ولكنك وقد قطعت هذه المسافة فلن نردك خائباً ، فخشي الرجل أن يكون عبدالله بن مالك يستدرجه ليقر بصنع الكتاب ، فكابر وقال كلا إن الكتاب غير مصطنع ، وإن كنت تقول هذا حتى لا تعتني بأمري فرد لي الكتاب وأنا أنصرف به ، فقال له عبدالله إذن ما دمت رفضت ما عرضته عليك فإني أعرض عليك أن تختار أن استبقيك حتى أبعث ليحيى بن خالد ، فإن أقر بالكتاب عملنا به وإن كانت الأخرى عاقبناك ، فوافق الرجل على ذلك ، ثم إنه أفرد للرجل منزلا أكرمه فيه ، ووكل له بمن لا يسمح له بالمغادرة ، وبعث متعجلا بالكتاب إلى يحيى ، ولما ورد الكتاب ليحيى وجده مزوراً عليه ، فعرض الأمر على الجلوس فأشاروا إما بعقاب هذا الرجل ، وإما كشف أمره لعبدالله بن مالك حتى يعاقبه ، فقال يحيى أهذا رأيكم جميعا ، قالوا نعم ، قال بئس الرأي ، وبئست المشورة ، هذا رجلٌ استجار بنا ، ولم يفعل ذلك إلا بعد أن عدم الوسائل التي يرتزق منها ، وكون عبدالله يرسل سائلا إيانا فهذا بابٌ فتحه للصلح معنا ، ما كنت أنال فتحه بمئات الألوف ، وأنتم تريدون حرمان رجلٍ فقيرٍ تجشم عناء السفر واستخدم اسمنا وعاذ بمكانتنا ، كما تريدون إغلاق باب للصلح فتحه الله بيني وبين عبدالله بن مالك ، فهذا والله لا يكون أبدا.
ثم كتب على الرسالة إن هذه الرسالة صدرت مني لأخي عبدالله بن مالك لفلان بن فلان ، وهو من أخص خاصتي ، وقد بلغني شكك في أمره ، فأزل الشك جعلت فداك ، وليكن صرفه إلي معجلاً بما يشبهك ، فلما وصل ذلك لابن مالك أعتذر للرجل وأمر له بمئتي ألف درهم ، وما يتبعها من دواب بغال وجواري فتوجه الرجل بها إلى يحيى بن خالد وقال ليس لي فيها حق وحسبي أنك سترتني ، قال بل هي لك ، ولك عندنا مثلها.
|