رد: ضيف جديد يتطلع إلى غد مشرق
أشكر الجميع من الأعماق , وأسأل الله تعالى أن يعينني وإيّاكم على تقديم المفيد والممتع في آن واحد ولعلي أشارك اليوم بشئ من ذلك وهو :
( البلاغة في محكم التنزيل ) حسب علمي من الموضوعات التي يندر طرقها , مع مالها من أهمية كبرى في ربط القارئ بكتاب الله تعالى يتلذذ به ويتذوقه ويستمتع ببلاغته وإعجازه ويدركه ويتفهم أسراره , وشتان بين رجلين : رجل لايفهم المراد من الآية والسورة وإنما يقرأ تعبداً بتلاوته وآخر يفهم مراد الله ويتلذذ بخطابه ولايلتفت حال القراءة إلى غير القرآن , ولعلي أمثل بأحد السلف رحمه الله - حيث يقول : إذا مررت بآية ( وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون ) أبكي لأنني لست من العالمين فإذا كانت هذه حاله وهو من سلف الأمة فكيف نقول عن حالنا نحن ؟ واعلموا إخوتي - أن كل قول مكرر مملول إلا القرآن العزيز ،فإنه كلما كرر حلا وعلا واقتبس من فوائده وأنواره مالا يدخل تحت الحصر ، وكيف يمل حديثه وهو أحسن الحديث قال تعالى (الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها ) وهو أحسن القصص قال تعالى (نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن ) فلا شرف ولا عز إلا لأهل القرآن ؛لأنه عز لا ذل معه وغنى لا فقر يتبعه وأهله هم أهل التجارة الرابحة وهى لا تكسد عنده حتى يوفيهم أجورهم من الجنة قال تعالى (إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور] وهم أهل الله وخاصته ،وهم أشراف هذه الأمة ، وهم أهل الحلل والكرامة يوم القيامة وهم الملأ بحق ،كما قال الإمام الشاطبى عنهم : أولئك أهل الله والصفوة الملا .... خذ مثالاً تتلذذ به :
تقديم وتأخير الجن والإنس في آيتي الإسراء والرحمن
قال تعالى: ( قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا) وقال عز وجل : ( يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ)
قدم في الأولى الإنس وقدم في الثانية الجن لأن مضمون الآية هو التحدي بالإتيان بمثل القرآن ، ولا شك أن مدار التحدي على لغة القرآن ونظمه وبلاغته وحسن بيانه وفصاحته.
والإنس في هذا المجال هم المقدمون ، وهم أصحاب البلاغة وأعمدة الفصاحة وأساطين البيان ، فإتيان ذلك من قبلهم أولى ، ولذلك كان تقديمهم أولى ليناسب ما يتلاءم مع طبيعتهم.
أما الآية الثانية فإن الحديث فيها عن النفاذ من أقطار السموات والأرض ، ولا شك أن هذا هو ميدان الجن لتنقلهم وسرعة حركتهم الطيفية وبلوغهم أن يتخذوا مقاعد في السماء للاستماع ، كما قال تعالى على لسانهم : " وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع "
فقدم الجن على الإنس لأن النفاذ مما يناسب خواصهم وماهية أجسامهم أكثر من الإنس
|