المقامة الخفاجية :
حدثنا سامع بن نبهان قائلاً: قصدتُ الرياض منتدبـا ،ومن بين الموظفين منتـخبا ، لأمثل إدارتي في اجتماعاتها ،وأطالب وأنافح عن مستحقاتها ، فغذذت المسير ، واستسهلت العسير ، وشمرت ساعدي وجهزت أوراقي ،وأعددت العدة لما ألاقي ، وأقلعت بي الطـائرة وأنا مجهد ،فوضعت رأسي على حافة المقعد ، واستغرقت في نوم عميق،وظللت في سبات فما أكاد أفيق، فرأيت فيما يرى النائمون حلما،وخشيت أن يكون علما ، كان رجلان يتحادثان ،وعن التاجر ضرار بن مفسد يتجادلان ، وأول المتحاورين : غلبان بن مغلوب ،ومحدثه:غالب بن محسوب ، فقال غلبان مخبرا ، وعما يراه معبرا : إن ضراراً له من اسمه سهم ونصيب ، يبيع الدخان ـ بمكة ـ دون حسيب و رقيب، وقد جعل لمتجره مدخلان ، مدخل رئيس لجميع القاصدين، وفرعي بعيد عن المتأملين ، فهو كاليربوع في كثرة مخابئه وجحوره ، وكالثعلب في ألاعيبه وفجوره ، وإن الشباب لسمومه مشترون، وعلى أبوابه عاكفون ، ولأموالهم مبددون ، وليس زبائنه من العامة والولدان،بل يأتيه السادة والأعيان ، والجنود على أبوابه مرابطون ،ولسمومه نافثون ، يشترون منه ، ولا يخبّرون عنه ، يخونون أماناتهم ، ويستسلمون لنزواتهم ، وسأسعى لشكايته للمسئولين ، وأجعله عبرة للمعتبرين ، فتبسم غالب وقال : إيه ياغلبان إن ضرارا ورئيس البلدية أصفياء ،ولما بينهما من رحلات أوفياء ، يحملان تذاكرهما ضرارا ،ويدفع مصاريفهما دينارا دينارا ، ولا شك أن للمغرب سحرها ، وللاذقية بحرها ، أو لا تعلم أن السفر يوطد العلاقات ، وأن النقود تطوي المسافات ، وتغض العيون عن الموبقات ، أولم تعلم كم مرة داهمه المراقبون ،وصادروا بضاعته وهم يستبشرون ، ولم يعلموا أن الخصم والحكم واحد ، وأن الرئيس لما فعلوه ناكر وجاحد ، ثم ما تلبث البضاعة أن تعود من حيث أتت،ولم ينقص منها سيجارة أو(بكت) ، ومع البضاعة اعتذارٌ لضرار وأسفٌ ،وتهديد للمراقبينَ وخِسفٌ : ألم تجدوا سوى العبد الفقير لتؤذوه ، والأسواق بها الكثير لتؤدوه ، وخطب بهم خطبة الحجاج بأهل العراق ، حتى تمنوا الهروب منه والفراق، وأصبح المُخْلص منهم يمر من عند ضرار وجِلا ، ويغادر من أمامه عجِلا ، وفي ذروة حديثهما أفقت من منامي ، واستويت على مقعدي وربطت حزامي ، واحترت هل هي أضغاث أحلام ، أم حقيقة لا تقبل التأويل والكلام.
بقلم أخوكم حامد السالمي ،،،