**بعد أن فاتنا الكثير: العرب وأزمة البحث العلمي**
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
**بعد أن فاتنا الكثير: العرب وأزمة البحث العلمي**
يتطور العالم من خلال ازدياد العلم والمعرفة والإنتاج التكنولوجي, الذي يسهل حياة الإنسان ويدعم التعليم والصحة والحفاظ على البيئة, وحتى الآن لم يشارك العالم العربي مشاركة فعالة في مسيرة الحضارة الحديثة لأسباب كثيرة. لذلك يلزمنا أن ندرس الواقع ونتمعن في أسبابه لكي نخطط لأخذ ما يلزم من خطوات تؤهل المسيرة الصحيحة لخلق مستقبل أفضل.
يتفشى في العالم العربي التواكل أي الاعتماد على الغير في كل شيء, وخلق أسباب واهية لشرح الواقع المر في صورة وردية, وعدم الشعور بالمسئولية, لدرجة إلقاء اللوم على الآخرين في أمورنا.
لذلك يلزمنا أن نناقش الواقع للتعرف على أسباب التأخر والتعامل مع الحاضر, مع التفكير في وسائل تصحيح المسار ثم القيام بالمبادرات التي تؤهل للوصول إلى الغرض المنشود.
ويستلزم هذا أن يكون حديثنا صريحا وأهدافنا محددة واضحة. هذه في نظري هي إحدى المهام الرئيسية للعلماء والمفكرين العرب في هذا الوقت بالذات.
ويشهد التاريخ أننا أضعنا الكثير من الفرص للمشاركة في النشاط الحضاري المعاصر والأحداث المهمة التي توالت دون مشاركتنا, فمثلا:
* فاتنا عصر الصناعة ولم نشارك في الثورة الصناعية التي غيرت معالم بلدان كثيرة وبقينا نستورد كل ما نحتاج إليه من دول بعضها أقل منا تعدادا ومكانة ومقدرة.
* وفاتنا عصر الفضاء لأننا اعتقدنا العمل في هذا المجال ترف للدول الغنية وبقينا كالمتفرج الذي لا يعي قوانين اللعبة.
* واليوم يقفز عصر المعلومات بخطى فائقة السرعة, ومعظمنا ينظر ولا يرى, وبقينا في مؤخرة العالم أجمع من ناحية الإنتاجية في هذا المجال الحيوي.
يوضح ذلك أن وضع الإنتاج التقني في العالم العربي مزرٍ للغاية. سكوت أهل الفكر على ذلك ليس بفضيلة, ولكنه رذيلة. لا يصح أن يدور ما يدور من حولنا ولا نأبه, إذا اتضح الأمر لنا كان لزاما علينا أن نحاول تصحيح المسار قدر ما أمكننا, وخاصة لوجود ما يثبت أن في استطاعتنا عمل المستحيل في وقت قياسي.
أقدمت بعض الدول العربية على الخوض في مشاريع تكنولوجيا المعلومات مثل الحكومة الإلكترونية و(التجارة الإلكترونية) وأثبتت قدرة فائقة عندما وجدت الرؤية والريادة والإدارة الحسنة والخبرات المطلوبة.
القيادة والريادة
ضعف القيادة وغياب الريادة هما من أسوأ صفات العالم العربي في الوقت الحالي. ولا بد من إصلاح ذلك حتى نتبوأ مكانا مرموقا بين التكتلات الدولية الأخرى وخاصة في هذا العصر الذي يعتمد على النفط والغاز في إنتاج الطاقة عالميا, وهذا شيء يمكن أن يتغير مستقبلا.
أخذ ما يلزم من خطوات في هذا المجال يتطلب ليس فقط الاهتمام بالأهداف الاستراتيجية بعيدة المدى ولكن يلزمه أيضا عدم التلكؤ في الاستجابة لمتطلبات الوقت الحاضر.
قيادة المسيرة في هذا المجال تتطلب بعد الرؤية والفكر الثاقب, إضافة إلى الشجاعة الأدبية وتحمل المسئولية, وتكريس العمل في طريق مستقيم, غرضه أولا وأخيرا المصلحة العامة. معنى هذا العمل على خلق إدارة رشيدة لتقود المسيرة.
ويتطلب التقدم التكنولوجي الإيمان بالتغيير والمبادرة بالتجديد وخلق المناخ الذي يحث على الإبداع ومكافأة المبدعين. يكثر في العالم العربي اختيار (أهل الثقة) وتخطي (أهل الكفاءة) في المناصب الإدارية العليا. لذلك تكثر البلادة وسوء معاملة العاملين. كم منا يرى مديرًا لمصنع أو مؤسسة يقبع في مكتبه بعيدًا كل البعد عن العمل الحقيقي فلا يسمع آراء العاملين ولا يحاول تجديد أو تحسين أي شيء. هذا المدير يعتبر عالة تسيء إلى المؤسسة بدلا من زجها إلى الرقي والازدهار.
اتسعت آفاق التعليم اتساعًا مرموقًا خلال العقود القليلة الماضية, لكن لازدياد أعداد الطلبة وقلة المعدات المطلوبة فإن مستوى التعليم قد تدهور كثيرًا. حتى في دول الخليج التي تتميز بأن مستوى التعليم العالي فيها أحسن منه في باقي الدول العربية, يفضل أصحاب العمل تعيين عمالة أجنبية من دول شرق آسيا عن خريجي الجامعات المحلية! يجب هنا أن نذكر أن الحضارة الإسلامية العربية ترعرعت في مناخ يعم فيه احترام العلم وتشجيع العلماء, حيث ازدهرت المعرفة كلما وأينما اهتم أولو الأمر بالبحث في خصائص الأمور ونشر العلم على الملأ. بدأ أجدادنا بترجمة كل ما وجدوه من كتابات علمية, ثم أضافوا إلى هذا رويدا رويدا حتى بنوا صرحًا علميًا في العلوم البحتة والهندسة والإعمار والطب والأحياء والفلك وما إليها.
هذا الفارق يشرح سبب تأخر العالم العربي في مجال البحث العلمي, وذلك لا يسمح بالمشاركة فيما يجري في العالم من اختراع وإنتاج ما يستخدمه الناس. يلزم لتغيير الوضع الحالي إيجاد وسيلة لدعم البحث العلمي, إلى أن يأتي اليوم الذي تضاعف فيه الحكومات ميزانيات الأبحاث, والتي يلعب فيها القطاع الخاص دورًا متميزًا في دعم البحوث التطبيقية مستقبلا.
لا بد إذن من خلق وسيلة لسد الفراغ ودعم البحوث التطبيقية, التي تساهم في ازدهار الاقتصاد الوطني وازدياد فرص العمل للجيل الصاعد وإنتاج ما فيه منفعة للناس.
...اللهم اغفرلي ولوالدي والمسلمين جميعا
|