العودة   ::{ مجالس قبيلة هذيل }:: موقع يهتم بتراث القبيلة ومفاخرها > المجالس العامة > المجلس العام
 

المجلس العام لكافة المواضيع التي ليس لها قسم مُخصص

 
 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
 
قديم 06-13-2008, 08:02 PM   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو

 
الصورة الرمزية ابوخالد الياسي
 

 

 
إحصائية العضو






اخر مواضيعي
 

ابوخالد الياسي غير متواجد حالياً


التحديث بين التغريب والتجديد

بسم الله الرحمن الرحيم

التحديث بين التغريب والتجديد

تنتشر في بلاد العرب والمسلمين، الدعوة للتحديث، من خلال بعض النخب المثقفة. وتتزايد حدة هذه الدعوة، خاصة مع هيمنة ما يسمى بالنظام العالمي الجديد، وتتركز الدعوة للتحديث، على الأسس والمبادئ التي قامت عليها النهضة الغربية.
والحقيقة أن الدعوة للتحديث، بهذا المعنى، تمثل محاولة لإعادة إنتاج النهضة الغربية. وعلينا أن نتساءل عن سبب هذه الدعوة. وسنجد أنها تأتي من نخب متأثرة بالثقافة الغربية، وأصبحت تعمل وتمارس دورها من خلال اعادة نشر المنتج الثقافي الغربي. وهذه النخب، ترى أن مسايرة التقدم الغربي، هو الحل الأفضل للخروج من حالة التأخر الحضاري التي تمر بها الأمة.
وتقوم هذه الرؤية، على المقارنة المباشرة بين حالة الأمة العربية والإسلامية، وحالة الدول الغربية. وتخلص من هذا، للقول بتأخرنا وتقدم الغرب. ونرى هنا، أن النخب الداعية للتحديث، تحاول تغيير الواقع العربي الإسلامي، من خلال الخروج عن مسار تاريخ هذا الواقع. مما يعني ضمناً، أن التحول إلى الثقافة الغربية، سيؤدي للتحديث، أي أن الخروج من الثقافة العربية الإسلامية، لازم للتحديث، والخلاصة، أن هذه النخب ترى أن الحداثة هي الثقافة والمشروع الغربي، وأن التأخر يكمن في الثقافة العربية الإسلامية.
وهذا الموقف، يعني ضمن ما يعني، أن حالة التأخر الحضاري التي نمر بها، تدفع بعض النخب إلى التوحد مع القوى المهيمنة. وهي حال نراها استسلام للهزيمة، وتوحد مع القوى، أي الهروب من الشعور بالتأخر، من خلال التوحد مع الحضارة المتقدمة. ولكن الأمر ينطوي على معان أخرى هامة. فهو يعني أنه لا يوجد تقدم، إلا ما أنتجه الغرب. كذلك يعني أن ما توصل له الغرب، هو آخر مراحل التقدم البشري، أي لا توجد بدائل أخرى للنهضة.
لذا نرى أن هذا الموقف غير تاريخي، لأن التاريخ يؤكد على أن التقدم الحضاري حالة ومرحلة تكررت للعديد من الحضارات، كانت منها الحضارة الغربية، كما كانت منها الحضارة العربية الإسلامية. وفي كل مرحلة تاريخية، استطاع شعب أو أمة أن يحقق التقدم والرقي، من خلال نموذجه الحضاري الخاص. والحضارة الغربية نفسها، حققت مراحل من التقدم في العصر اليوناني والروماني، قبل أن تحقق النهضة الغربية المعاصرة.
والأمر الأهم، أن موقف نخب التحديث أو الحداثة، ليس موقفاً للحديث. أي أننا نرى أن هذه النخب، لا تقوم بفعل التحديث، ولا فعل التجديد، وبالتالي لا تحقق النهضة، بأي معنى من معانيها، فما تقوم به النخب الداعية للتحديث، هو نقل الأفكار الغربية، والدعوة لتطبيقها في العالمين العربي والإسلامي. وهي بهذا لم تأتي بالجديد، أو بأي جديد. فدعوتها في التحليل الأخير، هي دعوة لتقليد الحداثة الغربية. والأصح أن نسمى هذه النخب، لا نخب التحديث، ولكن نخب التقليد، وتصبح الدعوة للتحديث، هي دعوة لإعادة انتاج الحداثة الغربية في بلادنا. وهنا علينا أن نسأل: هل النهضة تتحقق بالتقليد؟
الحقيقة أن السوابق التاريخية، تؤكد على أن كل الانجازات الحضارية الكبرى، كانت نتاج فعل حضاري أصيل، نبع من الخصوصية الحضارية وقدم إسهاماً جديداً متميزاً، فالحضارة الفرعونية وبعدها الحضارة اليونانية والرومانية، ثم الحضارة العربية الإسلامية، كل منها قدم لتاريخ البشرية إنجازاً حضارياً غير مسبوق. ولم تكن أي حضارة من تلك تقليداً للحضارة السابقة عليها. ومن ذلك نتعلم أن النهضة، تأتي من خلال نهوض أمة أو شعب، يقدم مرحلة جديدة من تاريخه وحضارته. وسنجد أن كل تقدم في تاريخ البشرية جاء معبراً عن الخصوصية الحضارية لمن قام بالنهضة. وهذا التنوع الحضاري، هو الذي يحقق التنوع والثراء في التاريخ البشري.
لهذا نتصور أن التنوع الحضاري ضرورة لاستمرار الحياة البشرية، وجزء من السنن التاريخية. ونعتقد أن فعل النهضة يأتي من خلال الخصوصية الحضارية، والتاريخ الحضاري الممتد لأي شعب أو أمة. ونعتقد أيضاً أن التطور والتقدم الإنساني، ليس له نهاية منظورة نعرفها، وبعد كل تطور هناك تطور آخر ممكن. وعليه نتصور أن التقدم الغربي الراهن، ليس آخر نهضة في تاريخ البشرية، بل ستعقبه نهضات أخرى من حضارات مختلفة، ومن الحضارة الغربية نفسها.
نضيف لذلك: أن النهضة لا تتحقق بالتقليد. كما أن تقليد أمة لحضارة أمة أخرى، أمر لا يحدث تاريخياً، ونعتقد أنه يستحيل عملياً. كما أن التقليد لا يؤدي إلا لإعادة انتاج صورة مشوهة عن الحضارة الغربية، لن تماثلها في التقدم، ولن تحقق لنا أي نوع من التقدم. فتقليد الحضارة الغربية، يعني أن المطلوب من إنسان الحضارة العربية الإسلامية، أن يعيش من خلال النمط الحياتي الغربي. وهو أمر يخرجه من كل جذوره التاريخية، ويخرجه أيضاً من وعيه الجمعي. وكأننا نتصور امكانية أن يصبح إنسان الحضارة العربية الإسلامية، إنساناً لحضارة أخرى، فيصبح بذلك إنساناً غربياً. ونتصور بعد ذلك، أن هذا هو التحديث، فماذا يكون التغريب إذن؟
التغريب في تصورنا، هو محاولة تغيير الحضارة العربية الإسلامية، للتحول عن قيمها الأصيلة، وتقلد أو تتبنى قيم الغرب. فالتغريب، هو محاولة لنشر القيم الغربية بين أبناء الأمة العربية الإسلامية. وهو بهذا محاولة لإخراج الأمة عن قيمها، أو محاولة للخروج على القيم، وهدمها والدعوة للحداثة، التي تروج لها بعض النخب، هي دعوة لنشر النظام الغربي، ونمط الحياة الغربي بين أبناء أمتنا، وهي بهذا دعوة لأبناء الأمة للخروج على قيمهم، وعلى الأصول الحضارية. فالحضارة الغربية تختلف عن الحضارة العربية الإسلامية، في القيم العليا الحاكمة. ولهذا تصبح الدعوة لإعادة انتاج النظم الغربية ونمط الحياة الغربي، دعوة للتنازل عن القيم الحاكمة للحضارة العربية الإسلامية. فالنظم الغربية، سواء السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية، تنبع من القيم الحاكمة للحضارة الغربية وتحققها في الواقع العملي. كذلك فإن السلوك الانساني الغربي، ونمط الحياة الغربي، هو تعبير عن القيم الحاكمة في الحضارة الغربية. فكل حضارة لها قيم حاكمة، أو قيم عليا أساسية، تترجم في نظام حياتها العام بمختلف جوانبه. ولا يمكن أن نقلد هذا النظام العام، إلا من خلال تبني هذه القيم التي يعبر عنها. فالناس في كل حضارة يلتزمون بالنظام العام، وبالتالي يتحقق هذا النظام على أرض الواقع، لأنهم يؤمنون بالقيم التي يعبر عنها. فالقيم الحاكمة في الحضارة هي الأساس الذي يميز الحضارة ويحدد خصوصيتها، وهي كذلك الأساس الذي تقوم عليه الحضارة ويحقق تماسكها وترابطها، وبه يتحقق الاجتماع الانساني، لشعب هذه الحضارة.
لكل هذا، نرى أن النخب الداعية لتقليد الحداثة الغربية، هي نخب داعية للتغريب، ولهذا نسميها وكلاء الغرب، فهم وكلاء للمشروع الغربي، يقومون بنشر هذا المشروع في بلادنا، ويدعون الناس لتبني القيم الغربية. وهنا علينا أن نقول، أن الدعوة لتبني حضارة مغايرة، مسألة تخالف سنن التاريخ، ولا نتوقع لها النجاح. فهذه الدعوة لا يمكن أن تنجح، لأن أمتنا كغيرها من الأمم والشعوب، لا يمكن أن تتحول من حضارتها إلى حضارة أخرى، فهذا أمر يخالف سنن التاريخ، وليس له سابقة تاريخية، ولن يكون. لهذا يصبح التغريب عملاً من شأنه تفكيك ترابط القيم الحاكمة لحضارة الأمة وتماسكها.
فحيث أن محاولات التغريب تحدث في بلادنا منذ فترة، ويمكننا أن نلاحظ بعض تأثيراتها، لهذا نرى أن التأثير الملحوظ، يتمثل في حالة الاضطراب التي تعتري عامة الناس، من حالات الخروج على القيم. فإنسان الحضارة العربية الإسلامية، تنتابه حالة من الخوف، نتيجة أي خروج على قيم الأمة. فالخوف يأتي تعبيراً تلقائياً من عامة الناس، والبسطاء، بل وغير المثقفين وغير المتعلمين أيضاً، لأن كل هؤلاء يعرفون حق المعرفة، أن تراجع قيم الأمة يعني تراجع التزام الناس بها، ويعني تعرض الأمة لمخاطر شديدة، تؤثر على مستقبلها. نخلص من هذا، أن التغريب سيؤدي لتفكيك الأمة، وسيعمق تراجعها الحضاري، وسيعرض وجودها التاريخي للخطر، ويعرقل احتمالات تقدمها ونهوضها.
الدعوة للتحديث إذن، هي دعوة للتقليد، وهي أيضاً دعوة للتغريب. وهي في نفس الوقت، دعوة تتزامن مع محاولات الدول والمؤسسات الغربية، لفرض القيم والنظم الغربية على بلادنا. من هنا تتضاعف خطورة الدعوة للتغريب، والتي تقدم نفسها باسم التحديث، لأنها تدخل ضمن عملية فرض الهيمنة الغربية علينا. وما نحتاجه في الواقع هو التجديد، أي النهوض الحضاري، أي نهضة الحضارة العربية الإسلامية، وفعل النهضة، هو فعل التجديد الأصيل، وفعل التجدد النابع من المرجعية الحضارية.






رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:32 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
الحقوق محفوظة لشبكة هذيل