::: ~~ مغاني الشعب ::: ~~
الإخوة والأخوات أحييكم بتحية الإسلام الخالدة تحية أهل الجنة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
أسعد الله هذه القلوب الطاهرة .. والأوجه النيرة ..
القصيدة التي سأوردها اليوم لأبي الطيب المتنبي،بغرض المسامرة، والترويح عن الأنفس في يوم الإجازة، وهي من عيون قصائده، وأطربها إيقاعاً، ظاهرها المدح، وباطنها العذاب والهجاء، كيف لا وهذا الشاعر العربي الذي عاش متغنياً ببطولات الرمز العربي (سيف الدولة)، وحاضراً لمعاركه وغزواته، هاهو الآن سيمدح عضد الدولة الديلمي البويهي، بعد ورود كتابه إليه يستزيره ويطلب قدومه، ولم يكن راغباً في ذلك، إلاّ أن ابن العميد صديق المتنبي حثه على ذلك، وأطمعه فيما سيجد من صلة ونوال، والمتنبي كما هو مشهور كان يحقر عضد الدولة لأنه أعجمي، ولمذهبه السياسي، إضافة إلى أنه كان يشح بالشعر عليه، لأن الشعر سيخلد ذكره، ويرفع شأنه، وهذا ما يقض مضجع المتنبي، ويؤرقه، لاسيما وأن ما سيحصل عليه من مال وعرض سيزول ويذهب أدراج الرياح ..
والجدير ذكره في هذا الصدد أن جمال الطبيعة في بلاد فارس، أراح نفس المتنبي وأزاح بعضاً من همها، فلم يبد في شعره اضطراب بيّنٌ، أو أثر مما ذكرناه سابقاً، إلاّ في أبيات قليلة، ولم تظهر في شعره بجلاء لقلة مكوثه بشيراز، إضافة إلى السخاء منقطع النظير الذي أغرقه به عضد الدولة، وذلك من دهائه وسياسته وحسن تدبيره، ومعرفته بعقلية المتنبي الداهية السياسي، بل كان يرتاب فيه ويـُرْصـِدُ عليه العيون والرقباء ..
المقدمة السابقة ضرورية لفهم الجو العام للقصيدة، أما صُلب القصيدة فكانت مقدمتها في وصف شعب بوان وهو موضعٌ كثير الشجر والمياه يعدّ من جنان الدنيا فيقول إن منازل هذا المكان في المنازل كالربيع في الأزمنة يعني أنها تفضل سائر الأمكنة طيبا كما يفضل الربيع سائر الأزمنة حاكياً انبهاره بجمال أرض فارس، ثم كان الهجاء الضمني لهؤلاء الأعاجم الذي اجتاز ديارهم، فقد زعم أن سليمان عليه السلام وهو الذي عـُلـّم منطق الطير والحشرات والبهائم لو دخل أرضهم لاحتاج إلى ترجمان !!! فأخرجهم بذلك من منزلة من ذكرنا !! ثم لم يكتف بذلك فجعلهم أقل منزلة من الطير في البيان والإفصاح !! وقد بين لعضد الدولة أن هذه البلاد ليست مكانه الذي يأوي إليه، ويرتاح فيه، وأنه في غربة تامة :
ولكن (الفتى العربي) فيها :::::::::: ( غريب الوجه واليد واللسان)
والآن أترككم مع بعض الأبيات المنتقاة من القصيدة متمنياً لكم المتعة والفائدة :
[poem=font="Arial,5,#4169e1,bold,normal" bkcolor="" bkimage="" border="none,1," type=0 line=1 align=center use=ex num="0,"]
مغاني الشعب طيباً في المغاني=بمنزلة الربيع من الـزمـان
ولكن الفتى العربيَّ فـيهـا=غريبُ الوجهِ واليدِ واللسانِ
ملاعب جنةٍ لو سار فيها=سليمانٌ لسار بترجمان
طبت فرساننا والخـيل حـتـى=خشيت وإن كرمن من الحرانِ
غدونا تنفض الأغصان فيها=على أعرافها مثل الجمانِ
فسرت وقد حجبن الشمس عني=وجبن من الضياء بما كفاني
وألقى الشرق منها في ثيابي=دنانيرا تفر من البـنـانِ
لها ثمرٌ تشير إليك منها=بأشربةٍ وقفن بلا أواني
وأمواه تصل بها حـصـاهـا=صليلَ الحلي في أيدي الغواني
تحل به على قلبٍ شـجـاعٍ=وترحلُ منه عن قلبٍ جبانِ
إذا غنى الحمامُ الورق فيها=أجابته أغانـي الـقـيانِ
ومن بالشعب أحوج من حمامٍ=إذا غنى وناحَ إلى البـيان
وقد يتقارب الوصفانِ جدا=وموصوفاهما متباعدان
فقلت إذا رأيت أبا شـجـاعٍ=سلوت عن العباد وذا المكانِ
فإن الناس والـدنـيا طـريقٌ=إلى من ما له في الخلق ثاني
لقد علمت نفسي القول فيهم=كتعليم الطراد بلا سنـانِ[/poem]
(المراجع: المتنبي:محمود شاكر ، شرح ديوان المتنبي: الواحدي، شرح ديوان المتنبي: العكبري)
|