هجاء المرأة للرجل (3) من (3)
القصيدة إبداع وموهبة تملكت المجتمع العربي الذي عاشر الصحراء وصفاءها ونقاوة سمائها .
هذه الملكة كانت هبة لمن يطلبها رجلاً كان أو امرأة وكان لكل فرد طريقته في التعبير وقد تكون قصيدة امرأة في موضوع ما أقوى من قصيدة امرأة أخرى أو رجل آخر لذا كان لبعض قصائد النساء حظ من افتخار الرجل بها وترديدها وتناقلها طالما أن الشعر مرتبط بالإنسان العربي ، بطريقته في العيش والتعبير وحامل تجربته وقيمه ومقدساته نورد هنا مثالاً هجاء امرأة تدعى العوراء اليربوعية ليزيد بن الصعق رداً على هجائه قومها فتقول :
فأبلغ إن عرضت بني كلاب
فإنا نحن أقعصنا بجيرا
وضرجنا عبيدة بالعوالي
فأصبح موثقا فينا اسيرا
أفخرا في الخلاء بغير فخر
وعند الحرب خوارا ضجورا
ما كان لهذه القصيدة أن تعتمد من قبل قبيلتها كرد على ذاك الشاعر لو لم تقارن بقصائد أخرى لأهل القبيلة حتى وجدت قبولا أكثر في بنيتها الجمالية وقوتها وتعبيرها مما يدل على أن القصيدة تقدم نفسها واستقبلها الآخرون دون أن يكون هناك حساب لقائلها رجلاً كان أم امرأة
،، وفي المناظرات الشعرية في العهد العباسي نذكر ليلى الأخيلية : وها هي تنشد مناظرة النابغة الجعدي :
أنابغ لم تنبغ ولم تك أولا
وكنت صنيا بين صدين مجهلا
أنابغ إن لم تنبغ بلؤمك لاتجد
بلؤمك إلا وسط جعدة مجعلا
تعيرني داء بأمك مثله
وأي نجيب لايقال له هلا
إن المرأة كانت صدى صافيا يعكس قيم المجتمع آنذاك وأخلاقه ،، ولم يكن شعرها الهجائي مجرد ثرثرة نساء ،، أو نظم شعر يحوي أحاديث لاقيمة لها؛
فترسخت في ذهنها حتى غدت مقياساً لحياتها فهي عرض العربي ومربية أطفاله على قيم القبيلة والمجتمع وهي الأم والأخت والزوجة ، وهي راعية لبيته وحافظه حرمته في غيابه لحرب أو صيد أو عمل آنذاك .
|