بين الشنب والشارب
هذا مقال لي تم نشره بجريدة المدينة يوم أمس الأربعاء 9 شوال 1429هـ
بين الشنب والشارب
يقول ذو الرمة :
لمياء في شفتيها حوة لعسٌ .... وفي اللثات وفي أنيابها شنب
قد يُشكل هذ البيت الغزلي على بعض الناس ,
فقد يقول قائلهم :
كيف يتغزل ذو الرمة بامرأة ثم يذكر الشنب ؟!
هل لمياء هذه لها شنب ؟!
وكيف أصبح شنبها في أنيابها ؟!
والحقيقة أن هذا التساؤل مبني على ثقافة جعلت الشارب شنباً.
فالشنب في اللغة هو: الحدة في الأسنان، وقيل بردٌ وعذوبة، والشعراء يتغزلون بهذه الصفة الجميلة .
أما الشارب فهو ما نسميه الآن الشنب
وما أكثر شوارب اليوم التي تهاوت أمام أمواس العولمة بعد أن كانت تقف عليها الصقور، وتفتل حتى تكاد أن تصل الآذان،
فكانوا يقولون:
كلن يدسم شاربه مخلابه
فبعد أن ذهبت المخالب ذهبت الشوارب، ولا تكاد تفرق بين الرجل وجدته .
وفي الحجاز مثل يقول:
من لاغبر شاربه ما دسمه
وهو للحث على الجد والعمل الدؤوب وأن المجد لا يأتي إلا بعد التعب والمشقة .
والملاحظ أن تسمية (الشنب) للشارب تسمية حديثة، ومن خلال تتبع كلام السابقين تجد أنهم يسمونه شارباً، ولعل تغيير مسمّاه هي أول خطوات إزالته .
ولا يقتصر تغيير المسميات على هذا فحسب بل أصبح القبح عندنا جمالاً، فنحن نقول عن الشيء الجميل (هذا رهيب) ونحن نعلم أن (رهيب) معناها: مخيف.
فلو قلت: رأيت انفجاراً رهيباً، لظنوا أنه افتتاح أولمبياد بكين الذي تميز بألعابه النارية المميزة .
ونتمنى ألا يتوسع هذا التغيير للكلمات فنسمع أن النار بمعنى الثلج، والليل بمعنى النهار والعين بمعنى الأنف، لأن بعض الشر أهون من بعض.
ولعل من المفارقات العجيبة أننا في الخليج نقول عند الدعاء لغيرنا (الله يعطيك العافية)، ولكن احذر أيها الخليجي أن تقولها لأحد إخواننا من المغرب العربي، فيظن أنك تدعو عليه؛ فالعافية عندهم بمعنى النار.
ودمتم في رعاية الله وحفظه
التوقيع |
وأنسى الذي قد كنت فيه هجرتها
كما قد تنسّي لبّ شاربها الخمرُ |
|