بأي شيء نبدأ ؟؟؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي امتن على العباد بأن يجعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم ، يدعون من ضل إلى الهدى ، ويصبرون منهم على الأذى ، ويحيون بكتاب الله أهل العمى ، كم من قتيل لإبليس قد أحيوه ، وضال تائه قد هدوه ، وجاهل بالتوحيد قد أرشدوه ، بذلوا دماءهم وأموالهم دون هلكة العباد ، فما أحسن أثرهم على الناس ، وأقبح أثر الناس عليهم ، ولا يضرهم بعد ذلك تحريف الغالين ، أو تأويل الجاهلين ، أو انتحال المبطلين ، فالعلماء هم العدول في قول النبي صلى الله عليه وسلم : « يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ، ينفون عنه تحريف الغالين ، وتأويل الجاهلين وانتحال المبطلين » ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في وألوهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته ، وأشهد أن محمدا عبده رسوله ، أرسله الله رحمة للعالمين ، وقدوة للعاملين ، ومحجة للسالكين ، وحجة على العباد أجمعين ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم تسليما مزيدا ، أما بعد :
أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل ، ومراقبته في السر والعلن ، واعلموا رحمني الله إياكم أن أعظم تقوى ورأس كل تقوى هو توحيده سبحانه قال تعالى في أول أمر له في كتابه في سورة البقرة : ( يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون ) ، فجعل توحيده وسيلة للتقوى ، فبأي شيء نبدأ عملا ودعوة ؟ الجواب بلا شك ولا ريب : نبدأ بما بدأ به المرسلون صلوات الله وسلامه عليهم ، فما أرسل الله الرسل ، وأنزل الكتب ، وخلق السماء والأرض وما بينهما ، إلا من أجل هذه الغاية عظيمة قال تعالى : ( وما خلقت والجن والإنس إلا ليعبدون ) ، فأول واجب على الإنسان توحيد الله سبحانه ، عملا به ودعوة إليه ، فهذا نوح عليه السلام دعا إليه ألف سنة إلا خمسين عاما ، وهذا يوسف عليه السلام يقول لصاحبيه في السجن قبل تفسير رؤياهما ( أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد ) فبدأ بالتوحيد ، وهذا محمد صلى الله عليه وسلم أخذ يدعو إلى التوحيد عشر سنين ثم بدأ ببقية الشرائع ، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يبدؤوا بما بدأ به وهو الدعوة إلى التوحيد ، والحاجة الداعية إلى كتابة هذه الأسطر هو قلة من يفهم التوحيد على ضوء الكتاب والسنة ، وسلف هذه الأمة ، وهو مما لا يخفى على كل عاقل لبيب أن هناك فرق كبير بين مشركي زماننا ومشركي قريش ، فمشركوا قريش أعلم بلا إله إلا الله من مشركي زماننا حيث قالوا : ( أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب ) أما مشركوا زماننا على اختلاف مذاهبهم وطرائقهم وعقائدهم ،فلا يفسرونها إلا بمعاني لا تدخلهم فيمن حقق مدلولها ( ومن يجعل الله نورا فماله من نور ) فقيامنا بنشر التوحيد على ضوء الكتاب والسنة ، وبيانه أتم بيان ، وإيضاح ما ينافيه وما يضاده ، كل بحسب استطاعه وعلمه ، واجب على كل مسلم ،وهو يعني حفظه من انتحال المبطلين، وادعاء المدعين، وتخرّص المكذبين ، وجهل الجاهلين ، وعدم ضياعه على توالي الدهور والليالي والأيام.
قال ابن حجر في فتح الباري : قَوْلُهُ : ( فَادْعُهُمْ إِلَى أَنْ يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ )
ِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الزَّكَاةِ بِلَفْظِ " وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ " كَذَا فِي رِوَايَةِ زَكَرِيَّا بْنِ إِسْحَاقَ لَمْ يُخْتَلَفْ عَلَيْهِ فِيهَا ، وَأَمَّا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ فَفِي رِوَايَةِ رَوْحِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْهُ " فَأَوَّلُ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ عِبَادَةُ اللَّهِ ، فَإِذَا عَرَفُوا اللَّهَ " وَفِي رِوَايَةِ الْفَضْلِ بْنِ الْعَلَاءِ عَنْهُ " إِلَى أَنْ يُوَحِّدُوا اللَّهَ ، فَإِذَا عَرَفُوا ذَلِكَ " وَيُجْمَعُ بَيْنَهَا بِأَنَّ الْمُرَادَ بِعِبَادَةِ اللَّهِ تَوْحِيدُهُ وَبِتَوْحِيدِهِ الشَّهَادَةُ لَهُ بِذَلِكَ وَلِنَبِيِّهِ بِالرِّسَالَةِ ، وَوَقَعَتْ الْبُدَاءَةُ بِهِمَا لِأَنَّهُمَا أَصْلُ الدِّينِ الَّذِي لَا يَصِحُّ شَيْءٌ غَيْرُهُمَا إِلَّا بِهِمَا فَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ غَيْرَ مُوَحِّدٍ فَالْمُطَالَبَةُ مُتَوَجِّهَةٌ إِلَيْهِ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الشَّهَادَتَيْنِ عَلَى التَّعْيِينِ ، وَمَنْ كَانَ مُوَحِّدًا فَالْمُطَالَبَةُ لَهُ بِالْجَمْعِ بَيْنَ الْإِقْرَارِ بِالْوَحْدَانِيَّةِ وَالْإِقْرَارِ بِالرِّسَالَةِ ، وَإِنْ كَانُوا يَعْتَقِدُونَ مَا يَقْتَضِي الْإِشْرَاكَ أَوْ يَسْتَلْزِمُهُ كَمَنْ يَقُولُ بِبُنُوَّةِ عُزَيْرٍ أَوْ يَعْتَقِدُ التَّشْبِيهَ فَتَكُونُ مُطَالَبَتُهُمْ بِالتَّوْحِيدِ لِنَفْيِ مَا يَلْزَمُ مِنْ عَقَائِدِهِمْ . وَاسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ مِنْ الْعُلَمَاءِ إِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ التَّبَرِّي مِنْ كُلِّ دِينٍ يُخَالِفُ دِينَ الْإِسْلَامِ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ إِنَّ مَنْ كَانَ كَافِرًا بِشَيْءٍ وَهُوَ مُؤْمِنٌ بِغَيْرِهِ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْإِسْلَامِ إِلَّا بِتَرْكِ اِعْتِقَادِ مَا كَفَرَ بِهِ ، وَالْجَوَابُ أَنَّ اِعْتِقَادَ الشَّهَادَتَيْنِ يَسْتَلْزِمُ تَرْكَ اِعْتِقَادِ التَّشْبِيهِ وَدَعْوَى بُنُوَّةِ عُزَيْرٍ وَغَيْرِهِ فَيُكْتَفَى بِذَلِكَ ، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَكْفِي فِي الْإِسْلَامِ الِاقْتِصَارُ عَلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ حَتَّى يُضِيفَ إِلَيْهَا الشَّهَادَةَ لِمُحَمَّدٍ بِالرِّسَالَةِ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُور ) اهـ .
قال مؤلف " القول السديد شرح كتاب التوحيد" :
فإنه لا يتم التوحيد حتى يكمل العبد جميع مراتبه ثم يسعى في تكميل غيره- وهذا هو طريق جميع الأنبياء- فإنهم أول ما يدعون قومهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له ، وهي طريقة سيدهم وإمامهم صلى الله عليه وسلم : لأنه قام بهذه الدعوة أعظم قيام ودعا إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن- لم يفتر ولم يضعف حتى أقام الله به الدين ، وهدى به الخلق العظيم ، ووصل دينه ببركة دعوته إلى مشارق الأرض ومغاربها- وكان يدعو بنفسه ويأمر رسله وأتباعه أن يدعوا إلى الله وإلى توحيده قبل كل شيء لأن جميع الأعمال متوقفة في صحتها وقبولها على التوحيد .
فكما أن على العبد أن يقوم بتوحيد الله فعليه أن يدعو العباد إلى الله بالتي هي أحسن ، وكل من اهتدى على يديه فله مثل أجورهم من غير أن ينقص من أجورهم شيء .
وإذا كانت الدعوة إلى الله ، وإلى شهادة أن لا إله إلا الله فرضا على كل أحد ، كان الواجب على كل أحد بحسب مقدوره .
فعلى العالم من بيان ذلك والدعوة والإرشاد والهداية أعظم مما على غيره ممن ليس بعالم وعلى القادر ببدنه ويده أو ماله أو جاهه وقوله أعظم مما على من ليست له تلك القدرة .
قال تعالى : { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } [ التغابن : 16 ] . ورحم الله من أعان على الدين ولو بشطر كلمة ، وإنما الهلاك في ترك ما يقدر عليه العبد من الدعوة إلى هذا الدين .اهـ .
قال تعالى : ( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ) فالرسول صلى الله عليه وسلم قدوتنا ، فلنقتدي به فيما دعا إليه أولا وهو توحيد الله عز وجل ، فالله الله في التوحيد ونشره ، " فلأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم ) ، فإني أوصيكم وأنا أحوج منكم بهذه الوصية ، وأسأل الله أن يجعل ما كتبت خالصا لوجه الكريم ، ومخلصا من نار الجحيم ، وموردا لجنات النعيم ، وأن يغفر لجميع المسلمين ، فهذه المشاركة كتبتها بعنوان " بأي شيء نبدأ ؟ " وستكون المشاركة الثانية بإذن الله تدور حول قيام الحجة على المخلوق شاء أم أبى ، فترقبونا ولا تنسونا من صالح دعائكم ، وصلى الله على أعظم موحد وأعظم داع إلى التوحيد ، وعلى آله و صحبه أجمعين .
التوقيع |
[blink][grade="FF4500 4B0082 0000FF 000000 F4A460"](( عليك بآثار من سلف وإن رفضك الناس ، وإياك وآراء الرجال وإن زخرفوه لك بالقول ))[/grade][/blink] |
|