مناسبة هذا الشهر
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد :
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « لا عدوى ، ولا طيرة ، ولا هامة ، ولا صفر » أخرجاه (1) ، وزاد مسلم : « ولا نوء ، ولا غول » (2) .
قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله :
لا عدوى: العدوى اسمٌ من الإعداء، وهو مجاوزة العلة من صاحبها إلى غيره، والمنفيّ ما كان يعتقده أهل الجاهلية أن العلة تسري بطبْعها لا بقدر الله.
ولا طيَرة: الطيرة هي: التشاؤم بالطيور والأسماء والألفاظ والبقاع والأشخاص و-ولا- يحتمل أن تكون نافية أو ناهية والنفي أبلغ.
ولا هامة: الهامة بتخفيف الميم: البُومة كانوا يتشاءمون بها، فجاء الحديث بنفي ذلك وإبطاله.
ولا صفر: قيل المراد به: حيةٌ تكون في البطن تصيب الماشية والناس، يزعمون أنها أشد عدوى من الجرب، فجاء الحديث بنفي هذا الزعم، وقيل المراد: شهر صفر كانوا يتشاءمون به، فجاء الحديث بإبطال ذلك.
ولا نَوْءَ: سيأتي بيان ذلك في بابه إن شاء الله.
ولا غُول: الغُول جنسٌ من الجن والشياطين، يزعمون أنها تضلهم عن الطريق وتهلكهم، فجاء الحديث بإبطال ذلك، وبيان أنها لا تستطيع أن تضل أحداً أو تهلكه.
فجزى الله الشيخ الفوزان خير الجزاء .
قوله : ( ولا صفر ) لماذا خص هذا الشهر من بين سائر الشهور ؟
الجواب : قال في فتح المجيد: (قوله: (ولا صفر) بفتح الفاء، روى أبو عبيدة في غريب الحديث عن رؤبة أنه قال: هي حية تكون في البطن، تصيب الماشية والناس، وهي أعدى من الجرب عند العرب، وعليه فالمراد بنفيه هذا ما كانوا يعتقدونه من العدوى، وممن قال بهذا سفيان بن عيينة والإمام أحمد والبخاري وابن جرير
وقال آخرون: المراد به شهر صفر، والنفي لِمَا كان أهل الجاهلية يفعلونه من النسيء، وكانوا يحلون المحرم، ويحرمون صفر مكانه، وهو قول مالك روى أبو داود عن محمد بن راشد عمن سمعته يقول: إن أهل الجاهلية يتشاءمون بصفر، ويقولون: إنه شهر مشئوم، فأبطل النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك. قال ابن رجب ولعل هذا القول أشبه الأقوال، والتشاؤم بصفر هو من جنس الطيرة المنهي عنه، وكذلك التشاؤم بيوم من الأيام كيوم الأربعاء، وتشاؤم أهل الجاهلية بشوال في النكاح خاصة) ا هـ.
بقية لدينا مسألة : في هذا الحديث نفي للعدوى من قوله صلى الله عليه وسلم : ( لا عدوى ) ، وهناك أحاديث أخر تثبت وجود العدوى كقوله صلى الله عليه وسلم : ( فر من الجذوم فرارك من الأسد ) وقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا يورد الممرض على المصح ) ، وقوله صلى الله عليه وسلم في الطاعون: ( من سمع به في أرض فلا يقدم عليه ) كيف الجمع بينهما ؟
الجواب : سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى :
السؤال
فضيلة الشيخ! كيف نوفق بين قوله صلى الله عليه وسلم: ( لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر )، وبين قوله صلى الله عليه وسلم: ( فر من المجذوم فرارك من الأسد )؟
الجواب
نوفق بينهما: بأن النفي في قوله: ( لا عدوى ولا طيرة ) نفي لما يعتقده أهل الجاهلية أن العدوى مؤثرة بنفسها دون تقدير الله عز وجل، وأما الأمر بالفرار من الأسد فهو أمر بالفرار مما يخشى شره؛ لأن الجذام -نسأل الله العافية- من الأمراض المعدية السريعة العدوى، فالأمر بالفرار منه أمر بالأسباب الواقية كما نقول مثلاً: اتق النار بالبعد عنها، مع أن قربك من النار وبعدك عنها كله بقضاء الله وقدره، فيكون النفي مُنْصباً على ما كان معهوداً أو معتقداً عندهم في الجاهلية من أن العدوى مؤثرة بنفسها، ولهذا لما أُورد عند النبي عليه الصلاة والسلام إيرادٌ بأن الرجل تكون إبله صحيحة ليس فيها شيءٌ من الجرب فيخالطها البعير الأجرب فتجرب، فهذه عدوى، قال له النبي صلى الله عليه وسلم: ( فمن أعدى الأول؟ ) يعني: أن إصابتها بالعدوى بتقدير الله عز وجل، كما أن وجود الجرب في الأول من الله عز وجل.اهـ .
وقال أيضا رحمه الله : فالنفي: لتأثير العدوى بنفسها.
والإثبات: لإثبات أن العدوى من الله عز وجل. اهـ .
فالموضوع حقيقة لا يكفيه ما اقتصرنا عليه ، ولكن فيما ذكرنا كفاية ، ومن أراد الإستزادة فكتب أهل العلم فيها ما يكفي ويشفي ويفي ، ولا أنسى أن أذكر أخواني الذين يقرؤون هذا الموضوع أن لا يحرمنا كل واحد منهم على الأقل فائدة واحدة يضعها في تعقيبه على الموضوع فنحن أحوج إليها من ذكر الشكر ، فالفائدة تكون أفضل من الشكر فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان ، العين بالعين والسن بالسن ، هذه فوائد وضعتها بين أيديكم ، فلا تحرمونا ما عندكم ، لا حرمني الله وإياك الجنة ، والله تعالى أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
التوقيع |
[blink][grade="FF4500 4B0082 0000FF 000000 F4A460"](( عليك بآثار من سلف وإن رفضك الناس ، وإياك وآراء الرجال وإن زخرفوه لك بالقول ))[/grade][/blink] |
|