قديم 04-05-2010, 11:22 PM   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو

 
الصورة الرمزية عناد طفلة
 

 

 
إحصائية العضو






اخر مواضيعي
 

عناد طفلة غير متواجد حالياً


افتراضي الامير الصغير.

الأميرالصغير


تأليف: أنطوان دو سانتاكزوبري


من قراها كامله و تمعن في كلماتها سيجني الفائة بلا شك


اليكم القصة بأجزائها

مقدمة.
1
رأيت، وأنافي السادسة من عمري، صورة رائعة في كتاب عن "الغابة العذراء" يدعى "قصص حقيقية" وكانت الصورة تمثل ثعباناً (بُوَا) يبتلع وحشاً. في أعلى الصفحة نسخة عن تلكالصورة.وقرأت في الكتاب: "أن الثعابين تبتلع فريستها بالكامل، من دون أن تمضغها،فإذا ابتلعتها عجزت عن كل حركة ونامت مدة ستّة أشهر حتى تنتهي من هضمها.وبعد أنفكرت ملياً فيما يقع في الغابات من الحوادث أخذت قلماً فيه رصاصة ملونة وخططت أولرسم رسمتـُه وهو كما ترى.ثمّ أريتُ باكورة فنّي الكبار من الناس (أعني الكبار فيالسن) وسألتهم قائلاً: أما يُخيفكم هذا الرسم؟فأجابوا: متى كانت القبعة تخيفالناس؟ما كان رسمي يمثّل قبعة بل ثعباناً يهضم فيلاً. ثم رسمت باطن الثعبان عسى أنيفهم الكبار فإنهم في حاجة دائمة إلى الإيضاح. وكان رسمي الثاني كما ترى.فلماأبرزته لكبار الناس تنصحوا لي بأن أدع جانباً رسم الثعابين من الخارج والباطنوقالوا: الأفضل لك أن تعنى بدرس الجغرافية والتاريخ والحساب وقواعد اللغة، فأهملت،وأنا في السادسة من عمري، مستقبلاً باهراً في فن التصوير لأن رسمي الأول والثاني لميروقا كبار السن. إن هؤلاء الكبار لا يدركون شيئاً من تلقاء نفوسهم فلا بد للصغارمن أن يشرحوا لهم ويطيلوا الشرح ويكرّروا. ولا يخفى ما في هذا من التعب والعناء.* اضطررت إلى اختيار مهنة أخرى، فتعلّمت قيادة الطائرات و طرت هنا و هناك في مختلفأنحاء العالم.ومما لا ريب فيه أن الجغرافية كانت لي خير معوان في طيراني، فكنتأفرّق ،لأول وهلة، و من دون أي تردد، بين بلاد الصين و أريزونا. و في هذا فائدةجلّى ولا سيما إذا ضلّ الطائر طريقه في الليل.واتصلت، في مجرى حياتي، بكثير من أهلالرزانة و الوقار، ولابست كبار الناس ملابسة حميمة، غير أن سوء رأيي فيهم لم يتبدلتبدلاً يذكر.كنت إذا لقيت أحدهم وبدا أنه على شيء من صفاء الذهن امتحنته بالرسمالأول الذي احتفظت به، لأرى مقدار ما عنده من الفطنة ، والإدراك، فإذا قال : "هذيقبعة" أضربت عن الكلام على الثعابين و الغابات العذراء و النجوم، وإنحططت إلى مستوىفهمه فحدثته عن "البردج" وعن "الغولف" وعن ربطة العنق وفي السياسة، فيسرّ سروراًكثيراً لتعرّفه إلى رجل على هذا الجانب من التعقل.

من هنابداية قصة الامير الصغير.
2
و ظللت هكذا وحيداً لا أجد من أتحدث إليه حديثاً صادقاًحتى اليوم الذي تعطلتفيه طائرتي في الصحراء و قد مرّ علىهذا الحادث ست سنوات. وكان العطل في المحرك و لم يكن في الطائرة ميكانيكي و لاركاب، فتأهبت لإصلاح العطل بنفسي على ما في إصلاحه من الصعوبة، على أن في إخفاقي أونجاحي موتي أو حياتي. ولم يكن لديّ من الماء إلا ما يكفيني مدة ثمانية أيام.نمت فيالليلة الأولى على الرمل و بيني و بين أقرب بلد آهل ألف ميل، فكنت في عزلتي أشدانفراداًمن غريق على طوف في عرض المحيط. و شدّ ما كانت دهشتي عندما استيقظت فيالصباح علىصوت نحيل غريب يقول: ارسم لي إذاشئت، خروفاً.قلت: ماذا؟قال: صوّر لي خروفاً.فاستويت على قدمي مذعوراً كمّن أنقضّتعليه الصاعقة، وأخذت أفرك عينيّ. ثم نظرت فإذاولد صغيرغريب الهيئة يحدق إليّ بإنعام ورصانة. وقد صورته فيما بعد صوراً عديدة غير أن الصورة التي ترى هي أفضلها. لكنها هيهات أنتدانيه فتوناً و جمالاً. وما يرجع إليّ الذنب في تقصيري فإن الكبار قد ثبطوا عزيمتيعن مسلك التصوير يوم كنتُ في السادسة من عمري، وما كنت تعلمت من هذا الفن سوى رسمالثعابين من ظاهرها و باطنها.نظرت إلى هذه الـ"رؤيا" بعينين ملؤهما الدهشة والحيرة. ولا غرابة فأنا على بعد ألف ميل عن كلّ ناحية معمورة وما من شيء يدل على أنّ هذاالولد ضلّ طريقه أو أنه يهلك جوعاً أو عطشاً أو أنه يموت عياءً أو خوفاً، و ما منشيء ينبئ أنه ضائع في قلب هذه الصحراء على بعد ألف ميل عن كلّ بلد آهل.ولما عادإليّ روعي واستطعت الكلام قلت: وأنت... ماذا تصنع هنا؟فلم يجب على سؤالي بل كرّرعليّ طلبه الأول وكأنّه يعلّق عليه أهمية كبيرة.قال: أرسم لي، إذا شئت،خروفاً.فحيال هذا السرّ الغامض الذي أثّر في نفسي تأثيراً بليغاً ما جرؤت على عصيانأمره بل تأهّبت لتلبيته على ما فيه من الغرابة في مكان يبعد ألف ميل عن كلّ بلدِمعمور وعلى ما يحيق بي من خطر الموت.*** فأخرجت من جيبي ورقة و قلم الحبر ثم ذكرتأنّي درست على الأخص الجغرافية و التاريخ و الحساب و قواعد اللغة. فقلت للولدالصغير بنبرة فيها شيء من الامتعاض: إنّي لا أحسن الرسم. فقال: لا بأس في ذلك. ارسملي خروفاً.و لم أكن رسمت من قبل خروفاً فرسمت له أحد الرسمين اللذين في متناولقلمي. وهو رسم الثعبان في هيئته الخارجية. وما أشدّ ما كانت دهشتي عندما سمعت الولديقول: لا، لا. أنا ما أردت فيلاً في ثعبان. فالثعبان شديد الخطر، أما الفيل فيضيقبه موطني. إن موطني صغير، صغير جداً. أنا بحاجة إلى خروف، فأرسم لي خروفاً.فرسمت لهخروفاً.فأنعم النظر فيه ثم قال: لا، لا. هذا خروف مريض. وقد تفاقم مرضه فأرسم ليغيره.فرسمت له غيره.فابتسم ابتسامة حلوة وقال مترفّقاً بجهلي: ألا ترى ... ليس هذاخروفاً. هذا كبش ذو قرنين.فرسمت له خروفاً آخر. فلم يرض عنه بل رفضه كما رفضالخروفين السابقين وقال: هذا خروف قد شاخ وأنا أريد خروفاً فتياً يعمِّر طويلاً. ففرغ عندئذٍ صبري وكنت أنوي الإسراع في تفكيك المحرّك فخربشت له الصورة التي ترىوقلت: هذا هو الصندوق. أمّا الخروف ففي داخله. ونظرت إليه فإذا وجهه يتهلّل حبوراً،فعجبت لأطوار هذا الولد الذي جعل نفسه حكماً في تصويري. ثم قال: هذا ما كنت أبتغي. ولكن أتراه يحتاج إلى كثير من العشب؟قلت: ولماذا؟قال: لأنّ موطني صغير جداً.** قلت: مهما كان صغيراً فكن على يقين من أنّ عشبه يكفيه فإني أعطيتك خروفاً على غاية منالصغر.**** فحنا رأسه على الرسم وقال:* لا أراه صغيراً بقدر ما تتوهّم ... أنظرفإنه قد نام. هكذا عرفت الأمير الصغير.

3
قضيت مدّةطويلة قبل أن أعرف من أين كان مجيئه. فإنّ هذاالأميرالصغيركان يلقي عليّ الكثير من الأسئلة ولا يصغي إلى ما أطرح عليه منها وماعرفت عنه ما عرفت إلاّ من خلال ألفاظ كان ينطق بها مصادفة. ومن ذلك أنّه عندما رأىطائرتي لأول مرّة (لا أرسم الطائرة فرسمها معقد يعجز عنه قلمي) سألني قائلاً: ماهذا الشيء الذي أرى؟وكنت فخوراً عندما أنبأته بأني أطير.فصاح عندئذٍ: ماذا! أتكونهبطت من السماء؟قلت متواضعاً: نعم.قال: زه. زه. هذا أمر غريب.ثم ضحك الأمير الصغيرضحكة صافية امتعضت منها امتعاضاً كثيراً فأنا أكره الاستخفاف بما ينزل بي منالمصائب. ثم أردف قائلاً : وأنت أيضاً أتيت من السماء! فمن أيّ الكواكب أنت؟فعلىضوء كلامه هذا انكشف لي شيء من سرّ وجوده في تلك الصحراء فبادرته قائلاً:أتكون هبطتمن أحد الكواكب ؟فلم يجب و أخذ يهز رأسه هزّاً وئيداً وينظر إلى طائرتي ثم قال:* ماأراك تستطيع المجيء من بلد قصي على مثل هذه الطائرة ...ثم استسلم لبحران متماد. ولمّا آب من بحرانه أخرج الخروف من جيبه وجعل ينظر إلى "كنزه" ويتأمّله تأمّلاًعميقاً.إنّ ما فاه به الأمير الصغير عن "الكواكب الأخرى" أثار فضولي وزاد في حيرتيفحاولت أن أعرف عنه فوق ما عرفت فقلت:من أين جئت يا عزيزي الصغير؟ وأين موطنك؟ وإلىأين تذهب بالخروف؟ففكر قليلاً ثم قال:*** من حسنات هذا الصندوق الذي أعطيتني إياهإنه يصلح أن يكون له مأوى في الليل.قلت: هذا مما لا ريب فيه. وإنّي لأعطيك إن كنتلطيفاً، حبلاً لتربطه في النهار ثمّ وتداً.وكأنّه اغتاظ مما عرضت عليه فقال: أيربطالخروف ؟ إنّها لفكرة غريبة!...قلت: إن لم تربطه ذهب في كلّ مذهب وضاع. فأغرب صديقيالصغير ضحكاً ثم قال: و



أين تراه يذهب؟قلت: يذهب في كلّ مذهب، يذهب تواً في اتجاهوجهه.فترضّن الأمير الصغير وقال: لا بأس في ذلك فإنّ موطني على غاية من الصغر.* ثمأردف بصوت فيه بعض الكآبة: من سار في اتجاه وجهه لا يبعد كثيراً.

//
/

//
/

4
وعرفت هكذا شيئاً آخر ذا شأن عن كوكبه وهوأنّ هذا الكوكب يكاد حجمه لا يتجاوز حجم بيت من البيوت. وما كنت لأعجب لهذا الأمر،ففي الفضاء ما عدا السيارات الكبرى التي سميت بأسمائها كالأرض والمشتري والزهرةوالمريخ، مئات من السيارات الأخرى، بعضها على جانب من الصغر يصعب معه رؤيتها حتّىبالمجهر.فإذا اكتشف فلكيٌّ سيارة منها أعطاها بدل الاسم رقماً فدعاها مثلاً السيارةرقم 3251.أعتقد أنّ الكوكب الذي جاء منهالأمير الصغيرهو الكوكب رقم ب 612 ويرتكز اعتقادي على أسباب وجيهة. فإنّ هذا الكوكب لم يُرَ فيالمجهر إلا مرة واحدة في سنة 1909 وكان الذي رآه فلكيًّاتركيًّا.

أثبتالفلكي اكتشافه بأدلّة قاطعة في مؤتمر فلكي دولي غير أنّه لم يجد من يصدقه لأنّهكان مرتدياً ثياباً تركية، وهذا دأب الكبار فما الحيلة؟ثم إنّه، لحسن طالع الكوكبرقم ب 612، قام في تركيا "دكتاتور" فرض على الشعب، تحت طائلة الموت، ارتداء الألبسةالأوروبية، فارتدى الفلكي التركي لباساً أوروبياً أنيقاً، وأدلى في سنة 1920 ببيانهوأدلّته عن اكتشافه، فأنضمَّ الجميع إلى رأيه هذه المرة.قصصت عليكم قصة الكوكب رقمب 612 بتفاصيلها وأطلعتكم على رقمه وذلك لأنّ الكبار يحبّون الأرقام فإذا حدّثتهمعن صديق عرفته حديثاً أغفلوا مزاياه الجوهرية ولم يسألوك عن رقّة صوته ولا عمّايؤثر من الألعاب ولا عن رغبته في جمع الفراشات بل يسألونك: في أيّة سنة هو، وكم عددإخوته، وكم وزنه، وكم يربح أبوه؟ فإذا عرفوا كل هذا اعتقدوا أنّهمعرفوه.

وإذاقلت للكبار: "رأيت بيتاً جميلاً مبنياً بالقرميد الأحمر وعلى نوافذه الرياحين وعلىسطحه الحمائم..."* عجزوا عن تمثّل ذلك البيت، فإذا أردت الإيضاح وجب عليك أن تقول "رأيت بيتاً قيمته ألف دينار" فيصيحون قائلين: "ما أجمل هذا البيت!". وإذا قلت لهم: "دليلي على أنّ هذاالأمير الصغيرقد وجد حقّاً هو أنهكان فاتن الطلعة وأنه كان يضحك وأنه كان يريد خروفاً ومجرد أنه يريد خروفاً دليلعلى وجوده".*** إذا قلت لهم ذلك هزّوا أكتافهم ورفعوها وقالوا: أنك ولد صغير... أمّا إذا قلت لهم: "إن الكوكب الذي جاء منهالأميرهوالكوكب رقم ب 612" اقتنعوا بكلامك وتركوك وشأنك ولم يزعجوك بأسئلتهم. هم على هذاالدأب فلا لوم عليهم وما على الأولاد إلا أن يتجملوا ويعاملوا الكبار بالحلموالصبر. هذا هو الواقع أمّا نحن فنفهم معنى الحياة،


ولا غرابة في أن نستخف بالأرقام. كنت أودّلو بدأت هذه القصة كما تبدأ قصص الجنيّات فأقول:كان في قديم الزمانأمير صغيريقطن كوكباً لا يزيد حجمه عن حجمالأميرإلا قليلاً. وكان بحاجة إلى صديق...************* فلوبدأت قصتي هكذا لكانت في رأي من يفهمون معنى الحياة، أقرب إلى الصواب والحقيقة. أنالا أحبّ أن يقرأ الناس كتابي قراءة طائشة و أن يستخفوا به، فإني أحسّ غمّاً شديداًعند كتابة هذه الذكريات. مرّت ست سنوات على فراق صديقي وذهابه بالخروف الذي رسمتهله. فإن وصفته هنا فما ذلك إلا خوف نسيانه، ومن المؤسف أن ينسى الصديق صديقهفالأصدقاء قليل، وقلّ من له صديق. وقد أُصبح غداً كالكبار من الناس الذين لايهتمّون لغير الأرقام.

فلهذي الأسباب جميعاً اشتريت علبة صباغ وأقلاماً وعدت إلى التصوير، وقدوجدت صعوبة في العودة إلى هذا الفن بعد أن بلغت من العمر ما بلغت.ما كنت من قبلحاولت رسم شيء سوى رسم الثعبان من الظاهر ومن الباطن، وكنت عندئذٍ في السادسة منعمري، مهما يكن من أمر فإني سأبذل الجهد في تصوير الأمير صوراً تكون على قدرالمستطاع كثيرة الشبه به. وما أنا واثق من بلوغي هذه الغاية فقد أوفق في بعضالرسوم، وأخفق في البعض الآخر.ومما لا شكّ فيه أنّي أخطئ قليلاً في القياسات ففيهذه الصورة يبدو الأمير أكبر مما يجب وفي تلك أصغر مما ينبغي، وأتردد أيضاً في لونثوبه فألتمس اللون الحقيقي فأصيب تارة وأخطئ أخرى. ولا غرابة في أن يزل قلمي في بعضالتفاصيل الهامة فأرجو المعذرة على هذا الزلل فتبعته لا تقع عليّ بل على الأميرالذي ما كان ليوضح شيئاً من أمره، ولعله كان يحسبنيشبيهاً به قادراً على اكتشاف الغوامض. وما كان في استطاعتي، لسوء طالعي، رؤيةالخرفان من وراء خشب الصناديق، فقد أكون مشبهاً للكبار من الناس، ولا بدع فإنّي قدكبرت عن سنّ الحداثة.

5
في كلّ يوم يمرّكنت أطّلع على شيء جديد من أحوال الكوكب الذي هبط منهالأميرالصغير،فيوماً أعرف كيف كان خروجه منه، ويوماً أعرف كيف كانت رحلته. وكنتألتقط هذا التقاطاً من مجرد الانتباه إلى ما يبدي من الآراء. في اليوم الثالث عرفتعلى هذه الطريقة قصة البوبابات*!* كان الفضل، هذه المرّة أيضاً، عائداً إلى الخروففي إطلاعي على هذه القصة، فإنّالأمير الصغيرفاجأنيعلى حين غرّة بسؤاله قائلاً: أصحيح أنّ الخرفان تأكل صغار الشجر؟ وبدا كأنّه في ريبمن صحة الأمر.

قلت: هذا أمر صحيح لا شكّ فيه. قال: ما أسعدني إذاً! ولم أدرك ما همه أن يأكل الخرفان صغار الشجر، غير أنّه أردفقائلاً: إذا أكلت الخرفان صغار الشجر، فهي تأكل كذلك البوبابات؟ فقلت له: أنّالبوبابات ليست من صغار الشجر بل هي من عظامها. يعدل حجم الواحدة منها حجم الكنيسة،فلو ذهبت إلى موطنك بقطيع من الفيلة. لما أتى هذا القطيع على بوبابة واحدة. فضحكالأمير الصغيرعندما تصور في ذهنه قطيع الأفيال فيموطنه ثم قال: إذن لا بدّ من أن نضع الأفيال بعضها فوق بعض.

ثمّ استدرك وقال: أنّ البوبابات تبدأ صغاراً ثمّ تكبر. قلت: هذا صواب. ولكن لماذا تريد أن يأكل الخرفان البوبابات الصغار؟ فأجابني: أيخفى عنك ذلك؟ فكانكمن يقول: إنّ الأمر على غاية من الوضوح. أمّا أنا فأعملت الفكر طويلاً حتّى حللتهذه المشكلة من تلقاء نفسي. والواقع أنّ كوكبالأميرالصغيركان مشتملاً كسائر الكواكب على أعشاب مختلفة، منها الصالح ومنهاالطالح، وعلى بذور لها صالحة وطالحة. أمّا البزور فلا تُرى! منها ما ترقد في ضميرالأرض إلى أن يخطر لإحداها أن تستيقظ فتهب من رقدتها وتتمطى ثم تدفع على خوف نحوالشمس أشطاءً ندية لا خطر فيها.

فإذا كان أشطاءفجلة أو ريحانة تُركت لشأنها ونمت كيف شاءت أمّا إذا كانت عشبة نبتة طالحة وجبتالمبادرة إلى اقتلاعها فور عرفانها. وكان في كوكبالأميرالصغيربزور فظيعة هي بزور البوبابات وكانت تملأ أرض الكوكب، فإذا نبتتإحداها وتُركت ولم يُؤبه لها اشتدت وقويت ثمّ استحال التخلص منها ثمّ عمّت أرضالكوكب وغرزت جذورها فيه. فإن كان الكوكب صغيراً وكانت البوبابات كثيرة فجّرتالكوكب وذهبت به. وقد قال ليالأميرفيما بعد: "القضيةقضية دربة وانتظام، فإذا انتهى المرء في الصباح من تنظيف نفسه وإصلاح حاله، وجبعليه أن يُعنى بتنظيف كوكبه، فيلزم نفسه اقتلاع * البوبابة شجرة من أشجار المناطقالحارة تعظم كثيراً.

6

البوبابات حالما يفرّق بينهاوبين الرياحين، فإنها جميعاً تتشابه كثيراً في أوّل نبتها. وهذا عمل فيه بعض المللوإن يكن من السهولة بمكان".ونصح لي يوماً بأن أبذل الجهد في رسم صورة جميلة يسهلمعها إدخال هذه المبادئ في رؤوس أولاد بلادي. وقال: "إذا كانوا يوماً على سفر فلايبعد أن يجنوا منها ثماراً مفيدة. قد لا يضير المرء أن يؤجل عملاً أمّا إذا كانعمله اقتلاع البوبابات في مهودها ففي تأجيل عمله الكارثة الكبرى. عرفت كوكباً كانيقطنه ولد كسول فتهاون في اقتلاع ثلاث شجرات صغار...".رسمت هذا الكوكب معتمداً ماأخبرني عنهالأمير الصغير. أنا لا أحبّ الوعظ كثيراًغير أنّه قلّ من يعرف خطر البوبابات وما يتعرض له المرء من المهالك إذا قاده القدريوماً إلى كوكب صغير.

ولهذا أشذّ عن خطّتي في تجنّبالوعظ وأقول: "أيّها الأولاد، حذار، حذار من البوبابات!"** هذا وما عنيت كلّ العناءفي رسم هذه الصورة إلا رغبة مني في إنذار أصدقائي بخطر يحوم حولهم كما حام حولي وهمفي غفلة عنه، فلهذه الموعظة، كما ترون، قيمة لا يستهان بها. وقد تقولون متسائلين: ليس في هذا الكتاب رسوم تعادل بروعتها وعظمتها صورة البوبابات. فلمَ هذا الإهمال! فأقول: قد حاولت ولم أنجح، أمّا صورة البوبابات فكان العامل الأكبر في إجادتي رسمهاشعوري بالحاجة إليها.

أيّهاالأمير الصغير،لم أدرك ما أنت فيه من الكآبة إلا شيئاًفشيئاً. مضى عليك زمن لم يكن لك فيه من سلوى سوى النظر إلى غروب الشمس في سكونالمساء. عرفت هذا الأمر الجديد عن مجرى حياتك عندما قلت لي في صباح اليوم الرابع: أحبّ كثيراً غروب الشمس. ألا تصحبني فنرى الشمس حين تغرب؟ قلت: لا بدّ من أن ننتظرطويلاً. قال: وماذا ننتظر؟ قلت: ننتظر إلى أن تجنح الشمس للغروب.فبدتَ عليك الدهشةفي بدء الأمر ثمّ ضحكتَ من نفسك وقلت: حسبتني لا أزال فيموطني.

لا يخفى على أحد أنّ الشمس تغرب في فرنسا بينما تكونالولايات المتحدة في رائعة الظهيرة، فلو استطاع المرء أن ينتقل في دقيقة منالولايات المتحدة إلى فرنسا لشهد فيها غروب الشمس. غير أنّ فرنسا لسوء الطالع،بعيدة جداً عن الولايات المتحدة. أمّا في كوكبك الصغير فيكفيكَ أن تجرَ كرسيكَ بعضخطوات فترى الشفق كلما عنّ لك أن تراه. قلت لي: رأيت يوماً الشمس تغرب ثلاثاًوأربعين مرة. ثمّ أردفت: لا تجهل أنّ المرء، إذا اشتدَّت كآبته أحبّ أن يرى الشمسعند غروبها. فقلتُ: أكنت على هذا الحدّ من الكآبة عندما رأيت الشمس تغرب ثلاثاًوأربعين مرة؟ غير أنّ الأمير الصغير لم يجب.




7
في اليوم الخامس عرفتُشيئاً جديداً عنالأمير الصغير،وكان الفضل في ذلك كماكان من قبل راجعاً إلى الخروف. ألقى سؤاله توّاً وعلى حين غرّة كأنّما هو نتيجةتفكير عميق في معضلة حاول حلّها.قال: إذا كان الخروف يأكل صغار الشجر فهو يأكلالأزهار أيضاً! قلت: الخروف يأكل كلّ شيء يجده في طريقه.قال: وهل يأكل الأزهار ذاتالشوك؟ قلت: يأكل حتّى الأزهار المشوكة. قال: وما نفع الأشواك إذاً؟ ما كنتُ أدريما نفعها.

وكنت عندئذٍ منهمكاً في فكّ لولب في المحرّك استعصىعليّ وقد خشيت أن يطول الزمن قبل التمكّن من إصلاح الخلل فيتحرّج الموقف، ولا سيماأنّ ماء الشرب آخذ في النفاذ.** وكرر الأمير السؤال قائلاً: الأشواك ما نفعها؟ فإنهما كان ليتخلّى عن سؤال طرحه بل يلحّ فيه ويبالغ في إلحاحه. وكان اللولب المستعصيقد أثار سخطي فأجبته جواباً لا طائل تحته. قلتُ له: الأشواك لا تفيد شيئاً. إن هيإلاّ مظهر من مظاهر سوء الخلق عند الأزهار. فقال متعجّباً: ماذا؟وبعد أن وجم قليلاًصاح بي وفي نبرة صوته نبرة الحاقد: أنا لا أصدّق ما تقول. إن الأزهار ضعيفة البنيةساذجة الطبع.

تعمل على طمأنة نفسها قدر استطاعتها، فإذا تسلّحتبالأشواك حسبت أنّها تبعث الرعب في القلوب.* فلم أحر جواباً وكنت عندئذِ أفكّر فينفسي قائلاً: إذا ظلّ هذا اللولب على المقاومة أطرته بضربة من المطرقة. عاد الأميرفشوّش مجرى أفكاري وقال: أتظنّ أنت أنّ الأزهار...*** فقطعت كلامه قائلاً: كلا،كلا. أنا لا أظنّ شيئاً. قد أجبتك جواباً في الهواء لا طائل تحته فأنا أهتمّ الآنلأمور جدّية! فنظر إليّ بدهشة وقال: أمور جديّة؟ وكان يراني والمطرقة بيدي وأصابعيسود من الشحم وأنا منحنِ من فوق هنّةِ تبدو في عينه على غاية من القبح، ثمّ قال: إنّك لتتكلم ككبار الناس! فخجلت بعض الخجل من نفسي، أمّا هو فلم يرأف بخجلي بل تابعقائلاً: إنك لا تميّز بين الأشياء بل تخلط بينها جميعاً! وكان مستشيطاً غيظاً،يهتزّ من غيظه فيرتجف في الهواء شعره الذهبيّ،

ثمّ قال:عرفتُ كوكباً كانفيه رجلٌ قرمزيّ اللون. ما شمّ يوماً زهرة ولا نظر إلى نجمة ولا أحبّ أحداً فكانانهماكه طوال حياته في جمع الأرقام، وكان يردّد في يومه، من صبحه إلى مسائه، ما قلتأنت: "أنا رجل رزين، أنا رجل رزين" وكان ينتفخ كبراً لكنّه ما كان رجلاً بل ضرباًمن الفطر. قلت: ماذا؟ قال: ضرباً من الفطر. قال هذا وقد امتقع لونه من ثورةالغضب.ثمّ قال: منذ الملايين من السنين تنبت الأزهار أشواكاً، ومنذ الملايين منالسنين تأكل الخرفان الأزهار بالرغم من الأشواك، وأنت ترى أنّه ليس من الجدّ في شيءأن نحاول إدراك السبب الذي من أجله تعاني الأزهار إنباتاً لأشواك لغير ما فائدة.

ألا يكون من شأنٍِ للحرب القائمة بين الخرفان والأزهار؟ ألا يكونالتبحّر في هذه القضايا أجلّ شأناً وأكثر رصانة من التبحّر في الأرقام التي يقضيذلك الرجل الضخم الجثة، القرمزي اللون، في جمعها؟ فلو أنني أعرف أنا زهرة وحيدة لاشبيه لها في العالم وكانت هذه الزهرة في كوكبي وأعرف أنّ في طاقة خروف صغير أن يقضيعليها ويبيدها صباح يومٍ، بقضمة واحدة، من دون أن يدرك شنيع صنعه، أما تكون هذهالقضية في نظري على جانب من الخطورة!وعلا وجهه احمرار ثمّ عاد فقال: إذا أحبّ رجلزهرة ليس من نوعها إلاّ هي في الملايين الملايين من النجوم فإنّ ذلك يكفي لإسعادهعندما ينظر إلى النجوم ويقول في نفسه "إنّ زهرتي هي في بعض هذه الكواكب" أمّا إذاأكل الخروف الزهرة فإنّ تلك النجوم تنطفئ بغتةً في ناظريه وتصبح كأنّها لم تكن.

ألا ترى في هذا شيئاً خطيراً؟قال هذا ولم يزد بل طفق يشهق وينتحب،وكان الليل قد خيّم. وقد سقطت الأدوات من يدي، نظرت إلى المطرقة واللولب نظرةاستخفاف واحتقار، وهان عندي العطش والموت.فعلى هذه النجمة، هذه الأرض التي هيكوكبي،أمير صغيرينبغي لي أن أُهدئ من روعه وأعزّيهوأواسيه، فأخذته بين ذراعيّ وهدهدته وقلت له: لا خطر على الزهرة التي تحبّ فإنيأرسم للخروف كمامة فلا يستطيع قضمها وأرسم للزهرة حاجزاً من حديد فلا يستطيع الدنوّمنها. وارتبكت فلا أدري ما أقول له وشعرت بأنّي خرِفٌ غبيّ لا يسعني إدراك ما بهولا اللحاق به في عالمه، إنّ عالم الدموع لسرٌّ غامض! *


(انتهى)





سميت قصة االقرن العشرين وهي قصة جميع الأزمنه ..قصه توجه بها أنطواندو سانت اكزوبيري إلى الصغار بعد أن يئس من الوصول الى عقول الكبار المشبعهبالأفكار المسبقه.



منقول







التوقيع

النفاق:
جسد متعفن تغطيه ثياب أنيقة.
رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
اذا قال الامير فصدقوه ..فان القول ماقال الامير(5-0) عادل هذيل المجلس العام 51 12-18-2009 10:37 PM
الامير الامير سلطان يغسل شراع جاسم وابو اثنين والرومي !!؟ سكني المجلس العام 24 01-19-2009 07:14 PM
خبز الشعير قناص الساحل مجلس القنص والرحلات 18 09-15-2007 11:45 PM
اخوكم الصغير عبدالاله الحجي الهذيلي المجلس العام 14 09-14-2007 11:04 AM


الساعة الآن 01:52 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
الحقوق محفوظة لشبكة هذيل