مضامين تربوية هامة لخطبة الحرم.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،
لاقت خطبة الحرم المكي الشريف للشيخ : حمود أبو طالب يوم الجمعة الماضي 12/6/1430هـ ، حفاوة بالغة من قادة العمل التربوي بالمملكة العربية السعودية ، المجتمعون في رحاب مكة المكرمة ، بجوار الحرم الشريف خلال الفترة من
(9 ـ 13/6/1430هـ)
وقد طلب نائب الوزير فور عودته من صلاة الجمعة بالمسجد الحرام ـ لاستكمال أعمال اللقاء ـ بتدارس الخطبة وتعميمها
على جميع مدارس المملكة ، بخطاب تعميمي موقع من سمو الوزير ،وعرضها في مجلس إدارات التربية والتعليم في المنطقة ، وإطلاع المعلمين والمعلمات عليها، وقراءتها في الاصطفاف الصباحي ، وتضمينها في الأنشطة التربوية الصفية وغير الصفية.
الجدير بالذكر أن وزير التربية والتعليم استقبل معالي الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي الشيخ صالح بن عبدالرحمن الحصين ، واستمع وجميع القادة التربويين إلى مشاركة معالية البناءة.
وهذه المضامين الرئيسة لخطبة فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ / صالح بن محمد آل طالب ، مأخوذة من نص الخطبة ، بما سيتم تعميمه على إدارات التربية والتعليم بالمناطق والمحافظات (بنين ـ بنات). :
1) التربية والتعليم وظيفة الأنبياء والرسل ، وهي معيار حضارة الشعوب وسبق الدول .. أول ما صدر للبشرية هو التعليم: وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا... (31 سورة البقرة) ، وأول معلمٍ في هذه الأمة هو محمد - صلى الله عليه وسلم - وأول مدرسةٍ في الإسلام كانت في ناحية المسجد الحرام عند جبل الصفا (مدرسة دار الأرقم) .. ومن ذلك المَعْلَم وفي تلك المدرسة ومن أولئك التلاميذ صاغ العرب نواة حضارتهم.
2) المعلمون والمعلمات يجلسون من كراسي التعليم على عروش ممالك رعاياها أولاد المسلمين ؛ فهم الذين يصوغون الفكر ويفتقون الأذهان ويطلقون اللسان ويربون الجنان ؛ حقهم الإعزاز والإكرام والإجلال وفائق الاحترام .. حقهم أن ينزلوا منازلهم العالية ويوفوا حقوقهم الكاملة ، وأن يُعرَف قدرهم وتبقى هيبتهم.
3) أولاد المسلمين أمانة الله في أعناقكم أيها المعلمون وودائع الأمة بين أيديكم .. إن المعلم لا يستطيع أن يربي تلاميذه على الفضائل إلا إذا كان فاضلاً ، ولا يستطيع إصلاحهم إلا إذا كان في نفسه صالحًا لأنهم يأخذون عنه بالقدوة أكثر مما يأخذون عنه بالتلقين ، وإن الناشئ الصغير مرهف الحس قوي الإدراك للمعارف والكمالات .. فإن زينتم لهم الصدق فكونوا صادقين ، وإن حسنتم لهم الصبر فكونوا من الصابرين : لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ...
(21 سورة الأحزاب).
4) إن الاستثمار في الإنسان هو الاستثمار الناجح الباقي المسلسل أجره ومنفعته في الدنيا وبعد الممات ، وفي الحديث الصحيح : قال - صلى الله عليه وسلم - : " إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث ... " ، وذكر منها : " أو علمٌ ينتفع به "رواه مسلم".
5) المعلم هو الركيزة الأساس وعليه تدور رحى التعليم ؛ لا بد من استقراره نفسيًّا وماديًّا وإكرامه من عامة المجتمع .
6) ينبغي استثمار التقنية الحديثة في مجالات الإبداع ، وإن الثورة العلمية والتقنية المتسارعة لا تنتظر أحدا .. لا بد من المبادرة بالإسهام في النافع ووضع الضوابط الأخلاقية والسلوكية للإنسان ، وإذا تخلف المسلمون عن الركب فسيصعب أن يسمع لهم أحد وهم حملة رسالة هي خاتم الرسالات وأكملها.
7) أيها المربون : أنتم مؤتمنون على صياغة الجيل وتوجيه المستقبل في تطويرٍ وتجديدٍ ومواكبةٍ للحضارة .. مع الأصالة والثبات المستمدة من شريعة الإسلام .. نعم الأصالة والتميز المستمدة منهجها من الكتاب والسنة .. الهادفة إلى تعريف الناس برب العالمين والولاء لهذا الدين ، وتنشئة المواطن الصالح المنتج الواعي السالم من شطط التفكير ومسالك الانحراف.
8) جاء في تقرير (هيئة اليونسكو) : إن تجربة تعليم البنات في المملكة تجربة نموذجيةٌ وفريدة ، ولولا الحرج من الاختلاف ونمط الحياة الأوروبية لقلنا إن هذه الصيغة الأنسب لتعليم وتربية الفتاة حتى في أوروبا .. وإذا كان هذا هو قول المنصفين فلا يلتفت إلى إرجاف المغرضين.
9) إن لدينا في تعليمنا الإسلامي وفي مسيرة التعليم في هذه البلاد خاصةً مكاسب ومزايا وتجارب ونجاحات يجب المحافظة عليها .. من أبرزها : صياغة التعليم، ومنهجية الوسط والاعتدال ، ومقررات العلوم الشرعية ، وإحاطة الفتاة المتعلمة بنور الفضيلة والآداب.
10) إن الحق والعدل أن نفخر أن التعليم في بلاد الحرمين الشريفين ومناهجه الدراسية - والتي تحظى بأضخم ميزانية - لهو في حال زكاءٍ ونماء ، ويفضل على كثير من الدول رغم وجهات النظر الغريبة التي تطرح أحيانا لتغيير المسار الآمن .. إلا أن التميز والأصالة لا زالت سمةً يجب المحافظة عليها ، مع التطوير المثمر والسعي للأفضل والإفادة من التجارب ؛ فأرجاء الفضاء فسيحة للتحليق لكن يجب أن تكون القواعد والمنطلقات ثابتةً راسخة .. وفي نفس الوقت آمنة.
11) لكي نصل إلى مستوى عالٍ للتربية المنشودة يجب أن نصون العقائد أولًا ونستبقي لها قداستها ؛ فإن الإيمان بالله واليوم الآخر والطمأنينة المطلقة إلى ما جاء عن الله ورسوله أسسٌ مكينةٌ للتربية الكاملة ، بل إن أنواع السلوك ترتبط بالعقيدة كما ترتبط العربات بالقاطرة .. فإن لم يكن هنالك إيمان يربط حركات المرء وسكناته فإن المكان سيخلوا لسائر الموجهات والمحركات الأخرى ، وسينفتح المجال للشهوات والأهواء والرغبات والحاجات والغرائز والمنافسات ، ويتهارج الناس لتحقيق ذلك من غير وازع ولا رادع.
12) إن التربية الناجحة تعتمد على حقائق مقررة ومسلمات لا تقبل جدلا ، وإذا ساءت البيئة وسادت فيها الشكوك وعلقت التهم بما نزل من السماء فهيهات أن تنشأ أجيال يوثق بأدبها وعفافها وعدالتها .. يجب أن لا يسمح لمرضى القلوب أن ينشطوا بين الحين والحين لينشروا بين المسلمين رباً مفتعلة وشكوكًا مصطنعة لا يجوز الخروج على الرأي العام بأفكار تثير في جوانبه الفوضى وتغري بالتحرر من كل قيد والانفلات من كل ربقة.
|