التوبة
المعنى اللغوي :
التاء والواو والباء في أصل اللغة ، كلمة واحدة ، تدل على الرجوع . قال في اللسان : التوبة : الرجوع عن الذنب ، والتوب مثله . قال ابن منظور : أصل تاب عاد إلى الله ورجع . ومعنى تاب الله عليه : أي عاد عليه بالمغفرة .
التواب بالنسبة لله تعالى تعني : كثرة قبوله توبة العباد حال بعد حال ، أما بالنسبة للعبد : العبد الكثير التوبة ، ومن الألفاظ التي تشارك هذا اللفظ بالمعنى : ثاب ، وأناب ،وآب
المعنى الاصطلاحي :
يجتمع الاستغفار والتوبة في كثير من الدعاء ، وطلب المغفرة يعني طلب الستر ففي اجتماع ذلك مع التوبة يكون المعنى متكاملآ لذلك كان الرسول صلى الله عليه وسلم يكثر من الدعاء : ( والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة ) رواه البخاري
شرائط التوبة :
1ـ ترك الذنب لقبحه : أي بالإقلاع عن المعصية سواء كانت من الكبائر أو من الصغائر ، والأصل أن يكون ترك الذنب قد جرى بإرادة حرة وإلا لم تعتبر توبة إذا كانت بطريق القهر أو العجز .
2ـ الندم على مافرط : وهو أن يندم المذنب على فعلته التي تركها ويشعر بالحزن والأسف كلما ذكرها وهو مهتم بذلك لشعوره بعظم الذنب وقبحه وإدراكه مبلغ التفريط الذي صدر منه .
3ـ العزيمة على ترك المعاودة : وهي النية التي تنشأ في قلب التائب تحقق صدقه بالتوبة وهي بمثابة العهد الذي يقطعه بعدم الرجوع إلى الذنب وتحول الإرادة من المعصية إلى الطاعة .
4ـ تدارك ما أمكنه من الأعمال : إذا كانت التوبة من معصية كانت بين العبد وربه فإن كانت متعلقة بتقصير في صيام أو زكاة أو غير ذلك ، فلابد من تأدية العمل موضوع التقصير حسب المطلوب شرعآ .
وأما إذا كان الذنب متعلق بحق الناس . فلابد من التحلل منهم وطلب الصفح أو إرجاع الحق إلى أصحابه إذا كان ماديآ. وتكون التوبة تامة إذا تحقق معها الاتجاه نحو الطاعة والعمل الصالح ، قال تعالى :( ومن تاب وعمل صالحآ فإنه يتوب إلى الله متابآ )
موضوع التوبة :
تشمل التوبة جميع الذنوب الصغيرة والكبيرة ، وقد روى أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قال الله تبارك وتعالى : ( ياابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي ،ياابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء، ثم استغفرتني ، غفرت لك ولا أبالي ، ياابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة ) صحيح رواه الترمذي .
ولابد من التساؤل إلي متى تصح التوبة ؟ قال تعالي : ( إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليمآ حكيمآ ،وليست التوبة للذين يعلمون السوء بجهالة حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار ، أولئك أعتدنا لهم عذابآ أليما ) النساء
روى ابن ماجه والترمذي بإسناد حسن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله يقبل توبة العبد مالم يغرغر ) .
أما الجهالة فقد روى ابن جرير عن جرير عن أبي العالية أنه كان يحدث أن أصحاب رسول الله صلى الله وسلم كانو يقولون : كل ذنب أصابه عبد فهو جاهل حتى ينزع عن الذنب .
وقال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحآ عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار... ) ذكر القرطبي في التفسير أقوالا للعلماء في معنى التوبة النصوح :
1ـ هي التي لا عودة بعدها كما لا يعود اللبن إلى الضرع، وروي عن ابن مسعود بسند صحيح ( كما ذكر ابن حجر ) مثل ذلك . وعن عمر وأبي معاذ أيضآ .
2ـ قال قتادة النصوح : الصادقة الناصحة ، وقيل الخالصة، يقال : نصح أي أخلص له القول .
3ـ قال الحسن : النصوح أن يبغض الذنب الذي أحبه ويستغفر إذا ذكره .
من أحكام المصطلح :
إن الإسلام لا يغلق الأبواب في وجه الخاطئين ولا يطردهم من الجماعة إن أرادوا أن يعودوا إليه متطهرين ، بل يفسح المجال لهم ويبين لهم الطريق ويشجعهم على سلوكه ، فلا حرمان من رحمة الله لمن لجأ إليه ، وذلك كما يفعل أصحاب الديانات الأخرى حيث يقوم رجال الدين بطرد بعض الأفراد من الرحمة .
والتوبة واجبة على الفور ولا يجوز تأخيرها سواء كانت المعصية صغيرة أو كبيرة ، والتوبة من مهمات الإسلام وقواعده المتأكدة .
يقول تعالي ذكره : ( وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون ) . وقال أيضا : ( إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين ) . ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : (سيد الاستغفار أن يقول العبد : اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك ، وأنا على عهدك و وعدك مااستطعت ، أعوذ بك من شر ماصنعت ، أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي فاغفر لي ، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ) رواه البخاري .
{ اللهم لا تعذب لسانا يخبر عنك ، ولا عينا تنظر إلى علوم تدل عليك ، ولا قدما تمشي إلى خدمتك ، ولا يدا تكتب في سبيلك ، فبعزتك لا تدخلني النار }