حال قصة المولود في القبر الذي أخرج حياً بعد مدة في عهد عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ
في هذه الأيام انتشرت قصة بين أوساط كثير من الناس فيها شيء من الغرابة ، وهذه القصة حصلت في عهد عمر ، ومما ساعد على انتشارها تناقل الناس لها عن طريق الهاتف النقال بصوت أحد الفضلاء سيقت من باب أخذ العبرة والعظة .
والناس تجاه هذا القصة ما بين مصدق لها ؛ وما بين متردد في قبولها ؛ مما دفعني إلى النظر في مصدر هذه القصة ، وحال الطريق الموصل إلى هذه القصة صحة ، أو ضعفاً ، والوقوف على كلام أهل العلم عليها :
فأقول مستعينا بالله :
هذه القصة أخرجها الطبراني في " الدعاء " (ص260 ح 824) ، عن محمد بن العباس المؤدب ،
و الخرائطي في " مكارم الأخلاق" (2/309 ح 753) ، عن أبي قلابة عبد الملك بن محمد بن عبد الله الرقاشي ،
وابن أبي الدنيا في جمع من كتبه " الهواتف " (ص 49 ح59 ) ، " من عاش بعد الموت" (ص27 ح 25 ) ، " مجابو الدعوة " (ص 88ح 47) : عن محمد بن الحسين ،
ثلاثتم " محمد بن العباس ، أبو قلابة ، محمد بن الحسين " عن عبيد بن إسحاق الضبي العطار ، ثنا عاصم بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب ، حدثني زيد بن أسلم ، عن أبيه قال بينما عمر ـ رضي الله عنه ـ يعرض الناس ؛ إذا هو برجل معه ابنه ، فقال له عمر : ما رأيت غراباً بغراب أشبه بهذا منك ، قال : أما والله يا أمير المؤمنين ما ولدته أمه إلا ميتة . فاستوى له عمر ـ رضي الله عنه ـ فيقال : ويحك ! حدثني ، قال : خرجت في غزاة ، وأمه حامل به ، فقالت : تخرج وتدعني على هذه الحالة حاملاً مثقلاً ؟ فقلت : أستودع الله ما في بطنك ، قال : فغبت ، ثم قدمت فإذا بابي مغلق ، فقلت فلانة ؟ فقالوا : ماتت فذهبت إلى قبرها فبكيت عنده ، فلما كان من الليل قعدت مع بني عمي أتحدث ، وليس يسترنا من البقيع شي ، فارتفعت لي نار بين القبور فقلت : لبني عمي ما هذه النار ، فتفرقوا عني ، فأتيت أقربهم مني ، فسألته فقال : نرى على قبر فلانة كل ليلة ناراً ، فقلت : إنا لله وإنا إليه راجعون ، أما والله إن كانت لصوامة ، قوامة ، عفيفة ، مسلمة ، انطلق بنا ، فأخذت الفأس ، فإذا القبر منفرج ، وهي جالسة ، وهذا يدب حولها ، ونادى مناد : ألا أيها المستودع ربه وديعته ، خذ وديعتك ، أما والله لو استودعت أمه لوجدتها ، فأخذته وعاد القبر كما كان ، فهو والله هذا يا أمير المؤمنين .
فهذه القصة مدارها على أبي عبد الرحمن عبيد بن إسحاق الضبي العطار ، وقد تلكم فيه المتقدمون والمتأخرون من أئمة الجرح بما يوجب رد روايته :
قال البخاري في " التاريخ الصغير " (2/ 334 ) : منكر الحديث . وقال في " التاريخ الكبير " (5/441) : عنده مناكير .
وقال : إسحاق بن منصور : أشهد على محمد بن حميد ، وعبيد بن إسحاق العطار بين يدي الله أنهما كذابان . " تاريخ بغداد " (2/263 ) .
وقال النسائي في " الضعفاء والمتروكين " (ص72 ) : متروك الحديث .
وقال الدارقطني : ضعيف ، وقال الأزدي : متروك الحديث . انظر " الضعفاء والمتروكين " لابن الجوزي (2/159) ، و" الميزان " للذهبي (3/18) .
وقال ابن عدي في " الكامل " (5/347 ) : وعامة ما يرويه : إما أن يكون منكر الإسناد أو منكر المتن .
وقال : يحيى بن معين : عبيد بن إسحاق العطار لا شيء . " الجرح والتعديل " لابن أبي حاتم (5/401 ) .
وذكره ابن حبان في " الثقات " (8/431 ) ، وقال : يُغْرِب . وقال في " المجروحين " (2 /176) : ممن يروي عن الأثبات مالا يشبه حديث الثقات لا يعجبني الاحتجاج بما انفرد من الأخبار .
وذكره العقيلي في " الضعفاء " (3/115) ، وقال : قال يحيى بن معين : هو ضعيف .
ومما أخذ عليه روايته عن الضعفاء الأحاديث الباطلة ، وصحبته للكذابين :
قال ابن عدي في " الكامل في الضعفاء " (3 /435 ) : عبيد بن إسحاق العطار الكوفي يروي عن سيف بن عمر أحاديث موضوعة ؛ من ذلك قال حدثنا ، سيف بن عمر : قال كنت عند سعد الإسكاف ، فجاء ابنه يبكي ، فقال ما لك ؟ قال : ضربني المعلم ، قال : أما لأخزينهم اليوم ، حدثني عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ " معلمو صبيانكم أشراركم ، أقلهم رحمة لليتيم ، وأغلظهم على المسكين " .
قال ابن عدي : وهذا حديث منكر موضوع ، وقد اتفق في هذا الحديث ثلاثة من الضعفاء : فرووه عبيد بن إسحاق الكوفي العطار يلقب عطار المطلقات ضعيف ....
وقال أبو نعيم : أخاف على عبيد بن إسحاق العطار من معاوية الحلبي ؛ فإنه كان يضع الحديث . " الكشف الحثيث " لإبراهيم ابن العجمي (ص 258 ) .
وقال الذهبي في " التنقيح " (5/49) : لين .
وعبيد العطار هذا يُعرف بعطار المطلَّقات :
قال ابن الجارود : يعرف بعطار المطلَّقات ، والأحاديث التي يحدِّث بها باطلة .
وقال ابن معين في " تاريخه " رواية الدوري (3/ 372 ) : عبيد بن إسحاق العطار يقال له عطار المطلقات .
وأحسن من عدّله أبي حاتم :
قال الذهبي في " تلخيص المستدرك " (2/605) : ضعفه غير واحد ، ومشاه أبو حاتم .
ولفظ أبي حاتم كما في " الجرح والتعديل " (5/401) : ما رأينا إلا خيراً ، وما كان بذاك الثَّبت ، في حديثه بعضُ الإنكار " وانظر " للسان " لابن حجر (5/349) .
فلعل أبا حاتم مشاه من جهة الصلاح والفضل ، والعبادة ، لكنه من جهة الضبط والحفظ فلم يرتضه ، ولهذا قال : وما كان بذاك الثَّبت ، في حديثه بعضُ الإنكار .
قال ابن حجر عن هذه الأثر: غريب موقوف ، رواته موثقون إلا عبيد بن إسحاق ، فضعفه الجمهور ، ومشاه أبو حاتم . انظر " الفتوحات الربانية " (5/114) .
هذا ما يتعلق بنقد هذه القصة سنداً ، فتكون قصة لم يتحقق فيها شروط القبول التسليم ، وإنه لمن المعلوم غالباً أن الحديث أو الأثر إذا لم يصح سنده تجد أن في متنه ما يدل على ضعفه من ركاكة في الألفاظ أو ما يخالف سنة الله في خلقه ، أو
فهذه القصة فيها نكارة في المتن فدون على سبيل الاختصار :
1ـ أن هذه القصة حادثة في البقيع ، فنار تخرج كل ليلة من أحد القبور ، فلم تشتهر بين الناس ، فهذه هذه القصة لم تروى إلا من طريق واحد ، وهو طريق عبيد العطار ، فانظر إلى قول صاحب القصة : " وليس يسترنا من البقيع شي ، فارتفعت لي نار بين القبور فقلت : لبني عمي ما هذه النار ، فتفرقوا عني ، فأتيت أقربهم مني ، فسألته فقال : نرى على قبر فلانة كل ليلة ناراً " فهذه الحادثة على هذه الصورة أين أمير المؤمنين عن هذه الحادثة ، فكم من حادثة أقل وقع على النفس ! تشتهر ، وتحتاج إلى سرعة التصرف تجاهها ، فهناك صور دون ذلك تقلقل أمير المؤمنين فيجمع لها خيرة الناس لاتخاذ حيالها ما يناسبها من قرار ! .
2ـ من سنة الله أن هذا الطفل لو ولد في القبر لما جلس ساعة من نهار فهو بحاجة إلى شراب ، وتنفس فكيف يعيش هذا المولود هذه المودة ؟ !
فلا يأتي أحد الأخوة يقول : إن الله قادر على مثل ذلك ؟ نقول إن قدرة الله أعظم ولا أحد يشك فذلك ألبتة فما ثبت في القرآن الكريم ، وصحة السنة النبوية يغني عن غيره في اثبات قدرة الله سبحانه .
فلو ثبتت هذه القصة بطريق صحيح عن العدول لكان لنا التسليم ؛ لكنها لم تثبت بطريق صحيح ، فكيف يؤتى بها لأخذ العظة والعبر ، والاستدلال بها على قدرة الله سبحانه .
فهل تصورنا حال من اتعظ بعدما سمعها ، ثم وقف بعد مدة على أن هذه القصة لا زمام لها من الصحة ، مع أن هناك من قصص القرآن ، وصحيحح السنة ما يؤدي نفس الغرض الذي من أجله ذكرت هذه القصة ويغني عنها .
وهذا ما أحبت كتابته حول هذه القصة على سبيل الاختصار ، والعجالة .
ففي البال عودة آخر لذكر المزيد عن هذه القصة ، فإلى لقاء آخر إن شاء الله
منقول من الايميل
التوقيع |
كــــــــــــــــــــــلا مـــــــــــــــــــــولـ ــــــــــــــــع بـــــــــدارهــ لـــــــــو هـــــــــو كــــــــــــثـــــــــــ ـيــــــــــــــر(ن) عـــــــنــــــاهــــــــ ـا
يــــــــــروح مـــــــــنــــهـــــــا بـــــــــــــلا ريــــــــــــــش ولـــــــــــــيا نــــــــبت لــــه ريـــــــــــــــتش جــــــــــااااهاااا
شاكر الهذلي ( أبو محماس) |
|