يشيع بين المتأدبين في مجالسهم وفي بعض منتدياتهم ومحاضراتهم قصة تقول : إن علي بن الجهم كان بدوياً جافياً ، فقدم على المتوكل العباسي ، فأنشده قصيدة ، منها :
أنت كالكلب في حفاظك للود ...... وكالتيس في قِراع الخطوب
أنت كالدلو ، لا عدمناك دلواً ...... من كبار الدلا كثير الذنوب
فعرف المتوكل حسن مقصده وخشونة لفظه ، وأنه ما رأى سوى ما شبهه به ، لعدم المخالطة وملازمة البادية ،
فأمر له بدار حسنة على شاطئ دجلة ، فيها بستان حسن ، يتخلله نسيم لطيف يغذّي الأرواح ، والجسر قريب منه ،
وأمر بالغذاء اللطيف أن يتعاهد به ، فكان أي ابن الجهم يرى حركة الناس ولطافة الحضر ،
فأقام ستة أشهر على ذلك ، والأدباء يتعاهدون مجالسته ومحاضرته ،
ثم استدعاه الخليفة بعد مدة لينشده ، فحضر وأنشد :
عيون المها بين الرصافة والجسر ..... جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري
فقال المتوكل : لقد خشيت عليه أن يذوب رقة ولطافة.
أقول : هكذا وردت القصة بتصرف يسير في محاضرات الأبرار ومسامرات الأخيار لابن عربي الصوفي ( 2/3 ) وعنه نقل محمد
أحمد جاد المولى وصاحباه في قصص العرب (3/298) وخليل مردم في تحقيقه لديوان علي بن الجهم (حاشية ص 143)
فالمصدر واحد لا ثاني له ، وقد حاولت أن أجد لها أصلاً في كتب المتقدمين كالجاحظ وابن قتيبة والمبرد وابن عبد ربه وآخرين فلم أقع على
شيء من ذلك ، وهذا وحده كاف في توهينها .
فإذا عرفت أن ابن عربي أسند روايتها إلى مجهول فقال:( حكى لنا بعض الأدباء ) زاد وهنها عندك ،
علما أن بين ابن الجهم ( ت 249هـ) وابن عربي ( ت 638هـ) ما يقارب أربعة قرون ،
فأين انزوت هذه القصة الطريفة طوال أربعمائة سنة ؟!
زد إلى ذلك أن ابن عربي نفسه متّهم في دينه ، مطعون في إيمانه ،بل متهم بالكفر ،
نقل ذلك فيمن نقل الذهبي (سير أعلام النبلاء : 23/48 )
فقال : إن الشيخ العز بن عبد السلام يقول عن ابن عربي : ( شيخ سوء كذاب ) ،
وقال الذهبي نفسه : ( ومن أردأ تواليفه كتاب الفصوص ، فإن كان لا كفر فيه فما في الدنيا كفر ) .
فهذا الذي يتهم بالكفر كيف لا يتهم بصناعة قصة طريفة يأنس بها الناس ويهشون إليها ؟
أما وقد تسرّب الشكّ إلى نفسك في صحة هذه القصة - من حيث تفرّد امرئ مغموز في دينه ، متأخّر زمنه بروايتها _ فاعلم أن متن القصة يحوي شيئاّ يكذبها :
قال :( إن علي بن الجهم كان بدوياً جافياً ) ،والتاريخ يقول خلاف هذا ،
ففي معجم الشعراء للمرزباني ( ص 286) أن أصله من خراسان ، ولا يعني هذا أنه غير عربي ،
ونقل عمر فروخ ( تاريخ الأدب العربي 2/289) أنه ولد ببغداد عام 188هـ ،
وفي طبقات الشعراء لابن المعتز (ص 319) ما يدل على أنه حضري لا صلة له بالبادية ،
فقد روي أنه حبس في المكتب ، فكتب إلى أمه :
يا أمّـنا أفـديك من أمّ ....... أشكو إليك فظاظة الجهم
قد سرّح الصبيان كلهم ..... وبقيت محبوسـاً بلا جرم
وفي تاريخ الطبري ( 9/152) أن علي بن الجهم مدح الواثق بعد أن ولي الخلافة ،
وهذا يدلّ على صلته بالخلفاء قبل المتوكل ، وعلى معرفته بما يلائم وما لا يلائم من فنون القول وضروب التشبيه .
وفي هذه القصة لفحة شعوبية تريد تصوير العرب أجلافاً لا يعرفون ذوقاً ،
ولا يدركون الحسن من السيئ ، ولذا جاء هذا البدوي فشبه الخليفة بالتيس والكلب والدلو _ على سليقته زعموا _ وعنده أن هذه الأشياء خير
ما يشبه به.
والتاريخ الأدبي يكذب هذه الفرية ، فالعرب لم تمدح أحداً بتشبيهه بالحمار أو التيس أو الكلب ، وهذا أدبهم بين أيدينا،
إنما شبّهوا بالبحر والقمر والشمس والسماء والجبل وغيرها من المشبهات الحسنة،
أما عند الهجاء فلا عجب أن يشبهوا بالكلب أو الدلو أو ما قلّ وحقر في عيونهم.
هذا وقد وصف خليل مردم هذه القصة بأنها خيالية ،
وقال : إن أثر الوضع ظاهر عليها (انظر ديوان ابن الجهم ص 117،143) ولكنه لم يبيّن سبب شكّه ،
ومع ذلك أثبت البيتين الواردين فيها ضمن الديوان (ص117)
واكتفى بقوله : ( والذي نراه - إن صحت نسبة البيتين له - أنه قالهما في أحد مجالس المتوكل يعبث ببعض الندماء أو المضحكين ).
أقول : إذا ثبت فساد القصة - وقد ثبت - فلا يصحّ أن يلحق البيتان بديوان ابن الجهم ؛
لعدم ورودهما في المصادر المتقدمة ،
ولو أن مردماً جعلهما في آخر الديوان في ضمن ما ينسب للشاعر مع تحقيق ذلك لكان أولى ، والله أعلم.
-------------
[ نشر في المجلة العربية - عدد ( 250 ) ذو القعدة 1418 ص 58 ]
عدنـــا . لاغرابهـ فلكل عصر آفه وقضايا شائكه فــ/ قضية الانتحال في الشعر العربي من أبرز القضاياالتي طرحت في كتب الأدب العربي ، لا سيما فيما يتعلق بالشعر الجاهلي الذي دخله انتحال كثير ، وقد تتابع الرواة الثقات بتحقيق وتمحيص ما جاء من تراث في الشعرالجاهلي ، ومن أهمهم في هذا الجانب المفضل الضبي والأصمعي وابن سلام في كتابه " طبقات فحول الشعراء " ، وقد رد ابن سلام سبب الانتحال إلى عاملين : أحدهما عاملالقبائل التي كانت تزيد في شعرها لتزيد من قوتها وثانيها : عامل الرواة الوضاعين كما زادت قريش في أشعار شعرائها ، وكذلك من أبناء الشعراء وأحفادهم من زاد فيالأشعار كداود بن متمم بن نويرة فقد استنشده أبو عبيدة شعر أبيه متمم فلما نفد شعرأبيه زاد من شعره ما ليس منه ، مع أنه يحتذي كلامه بذكر المواضع التي ذكرها متمموالمواقع التي شهدها . وهذا يدل على أن الرواة كانوا يراجعون ما ترويه القبائل ،وأنهم كا نوا يردون ما يتبين لهم زيفه ، إما بالرجوع إلى أصول صحيحة ، أو إلىأذواقهم وما يحسنون من نقد الشعر ، ومعرفتهم بالشاعر ونظمه >> فالقصص المختلقه الخرافيه تتعدد للاستزاده بالاصل والثقه الرجوع لكتاب طبقات الشعراء خروج عن النص بما اننا في منصه النقاش الادبي ..>> هذه آفه الشعر العربي قديماً ففي نظركـ كشــاعر تجيدمالا اجيده ماهي الآفه المستعصيه لـ عصرنـــا الزاهر بالثقافه الادبيه الدسمه ؟ محور السؤال ليس في الشعر نفسه ...ولكــن عن معوقات الشعر ومضاداته المؤاكسده ؟؟ واشكركـ مره اخرى تحياتي