أبواب الحماية عند البادية وأساليبها وما يترتب عليها
أبواب الحماية عند البادية وأساليبها وما يترتب عليها <H2>أبواب الحماية عند البادية وأساليبها وما يترتب عليها الخوي بين خوي الجنب وسهج الوجه والإخاوة
الخوة:
فخوي الجنب: هو الرفيق أو المرافق وعندهم أن من سار معه البدوي سبع خطوات أصبح "خويه" ووجب عليه أن يقاتل معه ويحميه ولو كان قاتل أخ له ...
وقد يسمى الخوي المباري (28) ويعني رفيق الطريق الذي يجب تقديره واحترامه ومراعاته كما قال حاتم الطائي:
إذا كنت ربا للذلول فلا تدع
رفيقك يمشي خلفها غير راكب
انخها واركبه فإن حملتكما
فذاك وان كان العقاب فعاقب
فالخوي أو الرفيق له مكانة يجب الحفاظ عليها فعليك مشاركته في الأكل والشرب وحمايته
والدفاع عنه ومراعاته والحرص عليه وعدم تركه في الخلاء وحيداً إن أصيب أو مرض وفاء كما ضرب المثل ب (خوة الشلقان) من قبيلة شمر الذين حملوا خويهم الكسير (مجيدع الربوض) خمسة عشر يوماً ممدداً على ما يشبه النعش على أعناقهم مشياً على الأقدام الحافية في حمارة القيظ اللاهبة حتى وصلوا إلى أهليهم (29) وقد حصلت هذه القصة في عام 1303ه وكان عدد هؤلاء تسعة رجال فقط.
وفي قصة ابن ضلعان يقول الشاعر:
خوينا ما نصلبه بالمصاليب
ولايشتكي منا الجفا والعزاري
وتزداد أهمية رفيق الطريق وحرمته إذا كان غريبا مع أحد رجال العشيرة في مضاربها فهذا تجب حمايته على كل العشيرة لا على رفيقه فحسب وإذا تم الاعتداء عليه وهو في حماية هذا الرفيق فهذا ما يسمونه (سهج الوجه) أو (قطع الوجه) وهذه من أعظم الجرائم التي لايمكن التجاوز عنها بأي حال من الأحوال.
وللخوة علامات يستخدمونها كإشعار بالحماية إذا لم يستطيعوا مرافقة الخوي قال البليهد: "ومن عاداتهم إذا جئت عند قبيلة وأنت ضارب في الأرض وليس معك رفيق منهم فقل لهم خذوا عصاي فضعوا وسمكم عليها فمن جاءني من قبيلتكم عرضتها عليه فإذا فعل ذلك فانه لايمسه أحد بسوء (30) ودلل علي البليهد على كلامه هذا بقصة حدثت له شخصياً في سنة 1337ه.
وهناك مصطلح الخوة أيضاً أو الخاوة أو الأخاوة عند البدو تعني لغة الأخوة وهي عملياً مبلغ من المال عيناً كان أم نقداً يتقاضاه من يتعهد بالحماية وهو أمر يلجأ إليه الأضعف حيث يطلب الحماية من الأقوى وأحياناً يكون هذا الأمر إجبارياً فلا يستطيع المسافر أو التاجر أو الحاج عبور أراضي قبيلة ما إلا برفقة (خوي) من هذه القبيلة أو بوجه أحد وجهائها لحمايته من تعديات هذه القبيلة فإذا تجاوزوا أراضي تلك القبيلة ودخلوا أراضي قبيلة أخرى فلا بد من خوي جديد من أفراد هذه القبيلة وهكذا حتى يصل إلى مقصده ويمكن تقسيم (الخوة) إلى عدة أقسام أيضاً:
أ- الخوة بين العشائر والقبائل فتتقاضى العشائر القوية مقابلاً مادياً سواء من المواشي أو غيرها من القبائل الضعيفة التي تطلب حمايتها من كل اعتداء واسترداد أسلابها إذا اجتاح ربوعها الغزاة.
ب- الخوة التي تكون بين العشائر البدوية وسكان القرى في المناطق القريبة من مضارب البدو وغالبا ما تكون غلالاً أو نقداً وذلك لقاء امتناع العشائر المتقاضية للخوة عن الاعتداء على القرى وسكانها ونهب غلالها وكذلك حمايتها من القبائل الأخرى ولايستطيع أهل هذه القرى السفر لأي قصد دون مرافقة أحد أفراد هذه القبيلة الذي يتعهد بالحماية ودفع التعدي والانتقام من المعتدي ويحرصون أي يكون خويهم من الرجال ذوي المنعة والشجاعة القادرين على حمايتهم.
وأشار البليهد إلى ذلك وبين أنه هو أمر خاص بأهل القرى في حال السلم خشية الحنشل وما شابهه فيجعل جعلاً بسيطاً لرجل من القبيلة التي يخشى عنتها مثل وزنة القهوة وعصا خيزران في قصة البليهد معه (33).
ج- الخوة التي تأخذها العشائر البدوية من القوافل العابرة لأراضيها سواء قوافل التجارة أو قوافل الحجاج أو المسافرين وتسمى (خفارة) وذلك لقاء حماية القافلة وعدم التعدي عليها طالما هي تسير في أراضي القبيلة وكان مقدار الخفارة مجيديين عن كل بعير بل ظهر مصطلح آخر يسمى (الدرمة) وهو ما يؤخذ من الحجاج مقابل الحماية.
د- ما تدفعه السلطات للعشائر من أموال وعطايا لدفع خطرهم عن الحواضر ودرء أذاهم عن القوافل ومنعا لغاراتهم المتكررة على أطراف المعمور (34).
ويشير الرحالة بيرتون إلى مبدأ الخوة هذا عندما ذكر أن من يعمد إلى قطع أرض قبيلة دون أن يؤدي حقوق الخوة أو الرفقة فسيتعرض للسلب ثم القتل إذا حاول أن يقاوم ويؤكد أن من لم يراع هذه التقاليد ويعتبر تأديته للخوة خضوعاً وعاراً فهو مجازف لايتحرى الحقيقة فهذا النظام يسود هذا الجزء من العالم وإن اتخذ أسماء مختلفة فهو في الحجاز رفيق وفي سيناء خفير وفي شرق شبه الجزيرة العربية ربيع وفي الصومال عبان وعند الجالا موجاسا (35).
ومن القصص العجيبة التي تدل على قيمة الخوة في نفس البدوي الأبية أنهم اعتبروا للحيوان خوة أيضاً وهذا ماحدث لابن خرصان العجمي الذي لقب ب (خوي الذيب) وذلك أنه صادف ذئباً وهو في طريقه لطلب الكسب والغنيمة فأحسن إليه وسقاه أطعمه فألف الذئب به وقام بأدوار للمساعدة في تحصيل الكسب كما تنقله الروايات حتى إذا ما عاد ابن خرصان أهله غانما ذبح لخويه إحدى النياق المكسوبة وتركه على أطراف قومه أفهمهم بأن الذئب خويه وفي وجهه ونهاهم عن قتله ولكن أحد الأشقياء ذبح الذئب لأنه يراه عدواً وليس خوياً فماذا كانت النتيجة لقد قام ابن خرصان بقتله فوراً لأنه خفر ذمته وسهج وجهه وفي ذلك قال ابن خرصان:
تخاويت أنا والذيب سرحان
دعيته بامان الله وجاني
اوي خوي ماله أثمان
إلانط بالمرقب شفاني )