شاب يرفض مليون ريال..!!
شاب يرفض مليون ريال..!!
في البدء كانت الكلمة، ومن أين؟ وممن؟ إنها من رجل يحمل في قلبه هم الأمة والوطن والمواطن، إنها من رجل المسؤوليات والعطاء والقلب النابض بحب الوطن وأبنائه.
يقول نايف بن عبدالعزيز: "ينبغي ألا يكون في المملكة عاطل ولا فقر".
إذا كان هذا كلام الرجل المسؤول, وثالث رجالات الدولة، فأين هؤلاء الذين أوكلهم ولاة الأمر على رعاية شؤون المواطن وتذليل الصعاب لإيجاد فرص عمل؟! ليلتحق هؤلاء بسوق العمل ويأكلوا من رزق هذا البلد ويسدوا حاجاتهم ويكونوا عوناً للاقتصاد ولذويهم.
أين هؤلاء المسؤولون من إيجاد الفرص ووضع الحلول المناسبة للعمل؟ لماذا مجتمعنا يعيش في تناقضات عارمة، وتجاذبات لا فائدة منها، ولا تؤدي إلا إلى المزيد من التفكك، وجذب المشاكل، وزيادة البطالة؟ ما ينعكس على الوطن بشكل عام.
لو نظرنا إلى الدراسات التي يتقدم بها المختصون أو زرنا موقع هيئة الاستثمار لوجدنا أرقاماً مهيبة فلكية وفرصاً استثمارية لها أبعاد إيجابية. فأين الشباب من هذه الدراسات وهذه الاستثمارات؟
دعونا نتحدث عن كل جزئية على حدة:
لو جئنا إلى موسم الحج مثلاً، كم عدد المليارات المستثمرة خلال هذه الفترة؟
يتوقع الاقتصاديون أن يصل الإنفاق اليومي للحجاج في هذا الموسم بالذات إلى 700 مليون ريال، وتتوقع الدراسات أن تصل نفقات الحجاج من الداخل والخارج إلى مليونين ونصف المليون حاج، حسب الأرقام المعلنة، إلى 22 مليار ريال، وبهذه الأرقام نجد أن مدناً مثل مكة والمدينة وجدة هي أكبر المستفيدين من هذا الموسم، وأبناؤها يفترض أن يكونوا من أصحاب الأموال خلال هذه الفترة، ولكن أين الخلل؟
الخلل أن هناك العشرات من الجاليات الوافدة مسيطرة على التجارة في هذه الأماكن منذ عشرات السنين، ولم نوجد أو نضع لها حلولاً، فقط نتكئ على الغير ونندب حظنا!!
يقول لي أحد الزملاء إنه قابل شاباً أتى من الطائف يعمل سائقاً في مكة خلال موسم رمضان، يقول إن دخله خلال هذا الشهر الفضيل يراوح بين الثلاثين والأربعين ألف ريال. هذا الشاب أثبت أن مواسم الخير تدر الخير على من عرف كيف يتعامل معها، هذه مبالغ ليست بالقليلة وأعمال شريفة، لماذا يغيب عنها البقية؟ وهل فعلاً هناك من يحارب هؤلاء؟!
أضف إلى ذلك عملية الاستغلال في المشاعر المقدسة والتلاعب بالأسعار دون حسيب أو رقيب.
يقول أحد الاختصاصيين الاجتماعيين إنه عمل دراسة قبل عام، وتوصل إلى أن نظرة المجتمع تجاه العديد من الأعمال أو المهن هي من أهم الأسباب التي تجعل الشباب لا يقبل على العمل في هذه المهن. فنظرة المجتمع السلبية جعلت الوافد يسيطر على أرزاقنا ويتلاعب بأسعارنا مع الأسف.
فأوجه الاستثمار موجودة، ولكن أين المستفيد؟
زيارة واحدة إلى موقع هيئة الاستثمار تجعل رأسك يصاب بالدوار وعينيك "تُزغلل" من هول الأرقام المطروحة، فالدراسات تقول إنه من المحتمل ارتفاع دخل الفرد من 20700 دولار عام 2007 إلى 33500 دولار عام 2020، وأن المملكة من أفضل الدول في الحرية المالية، ولدينا نظام ضريبي مصنف في المرتبة السابعة عالمياً، وهو من ضمن أفضل النظم الضريبية تحفيزاً للاستثمار، والمملكة ضمن أكبر 25 اقتصاداً في العالم، حيث حققت المرتبة الـ24، وأكبر اقتصاد في منطقة الشرق الأوسط، ومن أسرع الدول نمواً ونستحوذ على 25% من مجموع الناتج المحلي الإجمالي العربي، ونحن أكبر سوق حرة في منطقة الشرق الأوسط، ولدينا 25% من احتياطي النفط في العالم، إضافة إلى ذلك إننا نحتل المرتبة الـ13 ضمن 181 دولة في التصنيف العالمي من حيث سهولة ممارسة أنشطة الأعمال، ومن أكبر الدول الجاذبة للاستثمار الأجنبي المباشر.. أرقام مذهلة وحقائق لا تقبل النقاش لكونها صادرة من هيئة الاستثمار ومن مكاتب عالمية متخصصة.. إذاً أين الخلل؟ ولماذا تزداد البطالة لدينا؟!
تخيلوا لدينا 2811 مصنعاً تعمل بنظام استثمارات رأس المال الأجنبي بتمويل 444 مليار ريال، ويعمل في هذه المصانع أكثر من 240 ألف موظف وعامل. وحسب آخر إحصائيات مؤسسة التمويل الدولي التابعة للبنك الدولي، يتم تقييم بيئة الاستثمار في 183 دولة في العالم وفقاً لمعايير ومؤشرات محددة، حيث احتلت المملكة المركز 11 على مستوى العالم في سهولة ممارسة الأعمال، وهناك 574 ملياراً حجم المال السعودي في المشاريع الأجنبية وهي نسبة الـ51% وقد زادت الاستثمارات الأجنبية والمشتركة لتصل إلى تريليون و126 مليار ريال عام 2009 مقابل 880 ملياراً عام 2008.
أرقام مذهلة من يقرؤها لا يصيبه الدوار فقط، بل يقفز إلى ذهنه سؤال بحجم الكون، لماذا لدينا بطالة؟ وأين السعودة التي يتحدثون عنها؟ وما طرقهم لمعالجتها؟
إن أردت زيارة موقع وزارة العمل والحصول على بيانات رسمية ستُصدم بالواقع المر لهذا الموقع، وتأتيك رسالة يرجى الرجوع إلى موقع وزارة التخطيط للحصول على معلومات إحصائية عامة!!
فلم أر في حياتي تنصلاً أكبر من تنصل وزاراتنا!
وزارة العمل تقول إنها ليست مسؤولة تجاه البطالة، بل هي مسؤولية وزارة التربية والتعليم، ووزارة التعليم العالي والمؤسسة العامة للتعليم المهني، علماً بأن القضية ليست تنصلاً بل مسؤولية وطنية بمنظومة كاملة وجزء لا يتجزأ.
تخيلوا أن هناك أكثر من 33 ألفاً تقدموا لوظائف في المرتبتين الرابعة والسادسة في ديوان المظالم .. كارثة أليس كذلك؟!
أعتقد أن الجدل حول البطالة والسعودة سيظل محتدما ومتجدداً طوال عقدين من الزمن، لعدة أسباب: أولها عدم وضع خطط إستراتيجية برؤية تقوم على دراسة الواقع، ووضع الحلول المهنية العلمية وفق جدول زمني محدد، وعلى أساس عمل مؤسسي متكامل، وليست مجرد اجتهادات فردية أو نظريات وشعارات لا تؤكل عيشاً!!
سئم المواطن من الشعارات، يريد خبزاً، وسئمت الدراسات من وضع الخطط.. والوزارات من وضع الأنظمة والقوانين غير المنفذة وغير المطبقة كالقرار الشهير رقم 120 الخاص بعمل المرأة.
المسؤولية تقع على الجميع .. نحن والمؤسسات .. وأنت أيها الشاب والشابة .. الفرص موجودة، وأرض العمل مهيأة، فأين همتك ونشاطك؟ دعك من القيل والقال ونظرة المجتمع التي أصدقك القول إنها ستتغير يوماً ما بإصراركم وتفاؤلكم ونجاحاتكم.
استثمروا في التمور ومواسم التمور، واستثمروا في الخضار ففيه رزق كبير لا تعتمدوا على وظائف إدارية بطاولة وكرسي يقصم الظهر والعمر!
التمور والخضار فيها ملايين الريالات التي يسيطر عليها الأجانب ويتلقون منها عوائد بالملايين، والتحويلات المالية التي تنشر بين الحين والآخر تعطينا مؤشرات بأن هناك أخطاء جسيمة.
نحن لدينا ثمانية ملايين متعاقد، ولدينا مع الأسف مليون عاطل عن العمل، ألا يمكن إحلال هذا المليون بجزء من هذه الثمانية؟!
لن يأتي الإحلال إلا بهمتكم وتعاون الجميع لخير هذا البلد، فلا تعط فرصة لغيرك أن يأكل قوتك وقوت أولادك ووطنك، ثم تندب حظك وتلوم الآخرين!!
صالح المسلّم
مستشار إعلامي
(تم حذف الإيميل لأن عرضه مخالف لشروط المنتدى)
|