الإنسان مأمور أن يقارب ويسدد بقدر ما يستطيع. فقد قال عليه الصلاة والسلام: (( واعلموا انه لا ينجوا أحد منكم بعمله))أي: لن ينجوا من النار بعمله. وذلك لان العمل لا يبلغ ما يجب لله_ عز وجل_ من الشكر، وما يجب له علي عباده من الحقوق، ولكن يتغمد الله_ سبحانه وتعالى_ العبد برحمته فيغفر له. فلما قال: (( لن ينجوا أحد منكم بعمله)) قالوا له: ولا أنت؟! قال: (( ولا أنا)) حتى النبي عليه الصلاة والسلام لن ينجو بعمله(( إلا أن يتغمدني الله برحمة منه)). فدل ذلك علي أن الإنسان مهما بلغ من المرتبة والولاية، فانه لن ينجو بعمله، حتى النبي عليه الصلاة والسلام، لولا أن الله من عليه بان غفر له ذنبه ما تقدم منه وما تأخر، ما أنجاه عمله. فان قال قائل: هناك نصوص من الكتاب والسنة تدل علي أن العمل الصالح ينجي من النار ويدخل الجنة، مثل قوله تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)(النحل:97)، فكيف يجمع بين هذا وبين الحديث السابق؟ والجواب عن ذلك: أن يقال: يجمع بينهما بان المنفي دخول الإنسان الجنة بالعمل في المقابلة، أما المثبت: فهو أن العمل سبب وليس عوضا. فالعمل_ لا شك_ انه سبب لدخول الجنة والنجاة من النار، لكنه ليس هو العوض، وليس وحده الذي يدخل به الإنسان الجنة، ولكن فضل الله ورحمته هما السبب في دخول الجنة وهما اللذان يوصلان الإنسان إلى الجنة وينجيانه من النار. وفي هذا الحديث من الفوائد: أن الإنسان لا يعجب بعمله، مهما عملت من الأعمال الصالحة لا تعجب بعملك، فعملك قليل بالنسبة لحق الله عليك. وفيه أيضا من الفوائد: انه ينبغي علي الإنسان أن يكثر من ذكر الله دائما: (( اللهم تغمدني برحمة منك وفضل)) لان عملك لن يوصلك إلي مرضاة الله، إلا برحمة الله عز وجل. وفي دليل علي حرص الصحابة_ رضي الله عنهم_ علي العلم، ولهذا لما قال: (( لن ينجوا أحد منكم بعمله)) استفصلوا، هل هذا العموم شامل له أم لا؟ فبين لهم صلي الله عليه وسلم انه شامل له.