حديث عن امرؤ القيس

حديث عن امرؤ القيس *

قال عبدالملك بن عمير :
قدم علينا عمر بن هبيرة الكوفة ، فأرسل إلى عشرة انا أحدهم من وجوه الكوفة فسمروا عنده ، ثم قال : ليحدثني كل رجل منكم أحجدوثة ، وابدأ أنت أبا عمرو فقلت أصلح الله الأمير ! أحديث الحق أم حديث الباطل ؟ قال : بل حديث الحق .
قلت : إن امرأ القيس آلى بألية ألا يتزوج امرأة حتى يسألها عن ثمانية وأربعة وثنتين ، فجعل يخطب النساء فإذا سألهن عن هذا قلن : أربعة عشر .
فبينا هو يسير في جوف الليل إذا هو برجل يحمل ابنة له صغيرة ، كأنها البدر ليلة تمامة ، فأعجبته ؛ فقال لها : ياجارية ؛ ماثمانية وأربعة واثنتان ؟ فقالت : أما ثمانية فأطباء الكلبة وأما أربعة فأخلاف الناقة ، وأما اثنتان فثديا المرأة .
فخطبها إلى أبيها ، فزوجه إياها ، وشرطت عليه أن تسأله ليلية بنائها عن ثلاث خصال ، فجعل لها ذلك ، وأن يسوق إليها مائة من الإبل وعشرة وصائف وثلاثة أفراس ، ففعل ذلك .
ثم إنه بعث عبداً له إلى المرأة ، وأهدى إليها نِحْياً من سمن ، ونحيا من عسل ، وحلة من عصب : العصب نوع من البرود ، فنزل العبد ببعض المياة فنشر الحلة ولبسها ، فتعلقت بشجرة فأنشقت ، وفتح النحيين ، فطعم أهل الماء منهما فنقصا .
ثم قدم على حيّ المرأة وهم خلوف : أي غيب ، فسألها عن أبيها وأمها وأخيها ودفع إليها هديتها . فقالت له : أَعْلِمْ مولاك أن أبي ذهب يقرّب بعيداً ويبعّد قريباً وأن أمي ذهبي تشق النفس نفسين ، وأن أخي يراعي الشمس ، وأن سماءكم انشقت ، وأن وعاءيكم نضبا .
فقدم الغلام على ملاة فأخبره . فقال : أما قولها : إن أبي ذهب يقرب بعيداً ويبعد قريباً ، فإن أباها ذهب يحالف قوماً على قومه . وأما قولها : ذهبت أمي تشق النفس نفسين ، فإن أمها ذهبت تقبل امرأة نفساء . وأما قولها : إن أخي يراعي الشمس ، فإن أخاها في سرح له يرعاه فهو ينتظر وجوب الشمس ليروح به . وأما قولها : إن سماءكم انشقت ، فإن البُرْد الذي بعثت به انشق . ,اما قولها ؛ إن وعاءيكم نضبا ، فإن النحيين اللذين بعثت بهما نقصا ، فأصدقني .
فقال: يامولاي ؛ إني نزلت بماء من مياة العرب ، فسألوني عن نسبي ؛ فأخبرتهم أني ابن عمك ، ونشرت الحلة فأنشقت ؛ وفتحت النحيين ، فأطعمت منهما أهل الماء . فقال : أولى لك .
ثم ساق مائة من الإبل وخرج نحوها ومعه الغلام ؛ فنزلا منزلا ، فخرج الغلام يسقي الإبل فعجز ؛ فأعانه امرؤ القيس ؛ فرمى به في البئر ، فأعمت منهما أهل المرأة بالأبل ، وأخبهم أنه زوجها ، فقيل لها : قد جاء زوجك . فقالت : والله ماأدري أزوجي هو أم لا ، ولكن انحروا له جزوراً وأطعموه من كرشها وذنبها ، ففعلوا ، فأكل ماأطعموه فقالت : اسقوه لبناً حازراً : وهوالحامض ، فسقوه فشرب فقالت : افرشوا له عند الفرث والدم ، ففرشوا له ، فنام .
فلما أصبحت أرسلت إليه إني أريد أن أسألك ، فقال : سلي عما شئت ، فسألته فلم يعجبها جوابه ؛ فقالت : عليكم البد فشدوا أيديكم به ففعلوا .
قال : ومرَّ قوم فأستخرجوا امرأ القيس من البئر ؛ فرجع إلى حية ، فاستاق مائة من الإبل وأقبل إلى امرأته ، فقيل لها : قد جاء زوجك ، فقلت : والله ماأدري أهو زوجي أم لا ! ولكن انحروا له جزوراً فأطعموه من كرشها وذنبها ، ففعلوا ؛ فلما أتوه بذلك قال : وأين الكبد والسنام والملحاء ؟ وأبى أن يأكل فقالت اسقوه لبناً حازراً ، فأبى أن يشربه وقال : أين الصريف : الصريف هو الحليب الحار ساعة يحلب ، والرثيثة : اللبن الحليب يصب عليه اللبن الحامض فيروب من ساعته ، فقال : افرشوا له عند الفرث والدم ، فأبى أن ينام وقال : افرشوا لي عند التلعة الحمراء واضربوا عليها خباء .
ثم أرسلت إليه : هلم شريطتي عليك في المسائل الثلاث ، فأرسل إليها أن سلي عما شئت . فسألته ؛ فأعجبها جوابه ؛ فقلت : هذا زوجي لعمري ، فعليكم به ، واقتلوا العبد ؛ فقتلوه ودخل امرؤ القيس بالجارية .
فقال ابن هبيرة : حسبكم ، فلا خير في الحديث في سائر الليلة بعد حديثك يا أبا عمرو ! ولن تأتينا بأعجب منه ؛ فقمنا وأمر لي بجائزة !


*هو الملك الضليل أبو الحارث حندج بن حجر الكندي ، شاعر اليمامة ، ورأس شعراء الجاهلية ، وقائدهم إلى التفنن في أبواب الشعر وضروبه ، وقد نشأ بأرض نجد ، وسلك مسلك المترفين من أبناء الملوك يلهو ويلعب ويعاقر الخمر ، فمقته أبوه ، ثم طرده .


المصدر : قصص العرب ، الجزء الأول ، الباب الخامس