رجزة هذلية عمرها (200 سنة).

الأخ الفاضل الفند الضبيبي
تحية وتقدير لشخصكم النبيل، وأعتذر عن تأخري في الرد لبعض الظروف ..
وأُحيّ فيك حبك واهتمامك بالتراث الهذلي التليد ، وسعيك للبحث عن أصول الروايات من مصادرها والاجتهاد في ذلك ..
ولقد اطلعت على ردك السابق .. ولم أجد الإجابة الشافية على تساؤلاتي .. ثم أقول إننا لو أمعنا النظر بتجرد علمي بحثي بحت حيال أي نص أدبي نكون أمام أمرين أولهما المتن وثانيهما السند، أما السند فلم تتعرف على قائل المتن(الرجزة)، رغم أنك قلت في ردك الأول( .. لا يحضرني اسمه الآن ..) وهذا يعني أنه الشاعر معروف ولكن الاسم لا يحضرك لحظة كتابتك الرد، وبناءً على ذلك اِنتظرت منك أن تحضر الاسم لاحقاً إذا حضرك أو بحثت عنه وسئلت واستقصيت، فكان ردك الثاني متضمناً ( .. بحثت كثيراً عن تاريخ الرجزة ومن كذا مصدر، ولا زال رأيي كما هو ..)، أي أنك لم تأت بجديد ولم تتعرف على قائلها، ثم قلت في نفس الرد ( .. لن أقف على هذا الحد بل سوف أمحـّص كثيراً حتى أقف جيداً على تاريخها ..)، لكنك وقفت عند هذا الحد، فلم تستطع تحديد القائل، أو اسم الخامس لكي نتأكد منهم، وهل هناك شخصيات معروفة من قبيلة الراجز تؤيد ما تذهب إليه ليتسنى لنا التعرف على صحة الرواية، ثم إنك في الرد الثالث وبعد أن تعذر عليك معرفة الشاعر الذي ترى أنه قالها فقلت ( .. وأما عدم ذكري لاسم صاحب الرجزة .. في روايتي أيضاً لا يعيبها و لا ينقص من فرضيتها ..) فأقول فلتتأكد يا أخي الفاضل أنني لا أعيب أقوالك أو وجهات نظرك بل هي على العين والرأس، لكنني أنقد هذه المقولة من وجهة نظر علمية محضة، فمع احترامي لما ذكرته إلاّ أن سندك للرجزة منقطع ولا يصل لقائلها، أما السند الموجود لديّ فهو متواتر وآخر من نقل عن أبيه لا زال على قيد الحياة، وهي متواترة من طرق عدة غيره.
فلما أشكل عليك إيجاد السند اتجهت للبحث في المتن حين قلت : ( ..فأٌقول ان الشاعر هنا لم يقدم الربان ( الضباب ) على السحيره ( السيل العظيم ) بل وصف قوة الحضور وكثرة العدد وان الذين حضروا في لحظة الرجزه كالسيل العظيم في وادي ضيم الذي تشرف عليه جبال الشفا العظيمه وهذا استاذي يعارض نظريتك التي تدعم بها روايتك حيث انك قد قلت ان اول القادمين ستة اشخاص فقط ولم تصل باقي القبيله وهنا انت قدمت الاقليه على الاكثريه ( من ناحية العدد لا اكثر ) بينما الرجزه وصفت الحضور في وقتها بانهم قوه عدديه .. ) وفاتت عليك منازل القبيلة ، وكان الرد على ذلك في التعقيب الثالث حيث أزلنا اللبس في هذا الموضوع حين بينا أنه : (لا يوجد أي تعارض فهؤلاء كانوا أول القادمين من الشفا أي أول القوم الهابطين من الشفا وقبيلة السوالمة ليست في الشفا فقط بل في هي منتشرة من الشفا حتى كربة ضيم الرابعة وهي (نبعي) وبين الشفا ونبعي منازل قبيلته ومعقلها (المحضرة) فلا يمنع أن يكون السيل العظيم أتى من سوالمة المحضرة وقت ارتجازه،فبهذا لا يوجد تعارض إذ إنهم أول القادمين من الشفا وبعدهم سيلحق بهم من يلحق واتى غيرهم من المحضرة وغيرها أي من غير الشفا ومعروف أن سيل المحضرة يصب في وادي ضيم من جهة ( نبعي ). وأما قولك أن المحضرة ليست من ضيم فهذا صحيح ولا أخالفك عليه ، إلاّ على اعتبار أنها جزء مهم من مجرى سيل وادي ضيم، وجميع سيول وادي ضيم العظيمة (السحاير) تأتي من الشفا عبر مخانق ( كراب ) وهي كما ذكرها عاتق البلادي: ( نقحاء، البصرة، نبعي، حضر، الضحياء ) وتسيل من جبال الشفا وطود الحجاز، علماً بأن سيل وادي ضيم يتجه جنوباً ويلتقي مع سيل وادي ملكان العظيم الذي لا يقل عنه عظمة فيجتمع مع سيل وادي ملكان إذا تجاوز عين باشا، واتجاههما جنوباً حتى يصبان في الخبت جنوب جدة.
وفي الختام أقول أننا لو أهملنا الروايات المتواترة المتصلة باسم قائل الموروث أبا عن جد، واعتمدنا على الروايات المرسلة، بينما يقابلها رواية متواترة لأصبحنا بعيدين عن المنهج البحثي العلمي الصحيح وسنكتشف في الختام أنه لا يوجد موروث لدى أي قبيلة إلاّ النزر اليسير، و لأفسحنا المجال لكن من أراد أن يشكك في تراث أي قبيلة ـ حاشاك أيها الموقر ـ أن يقول هذه لفلان وهذه لعلان، ويبدأ بالتشكيك بدون مستند علمي معتبر.
وسأكتفي في الاستطراد في هذا الموضوع إلى هذا الحد إلاّ أن رأيت منك إضافة جوهرية تدل على السند المتواتر لديك عن الشاعر، أو اسمه، أو خامسه.وأعتذر عن الإطالة، آملاً أن يتسع صدرك لما ذكرته، وهذا ما عهدته فيك أيها الهذلي الشهم.
سائلاً الله في الختام أن يحسن عاقبتنا، ويوفقنا لما يحبه ويرضاه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.